أحمد رجب
رواية لنا عبدالرحمن تبدأ بمشهد لحسّان عبدالله، وهو عائداً إلى بيروت 2012، بينما يحكي الفصل الثاني عن هروب الأسرة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي 1982.
ربما لا يعرف غير اللبناني دلالة "قيد الدرس" عنوان أحدث روايات لنا عبدالرحمن، لذا قد يبدو له العنوان محيرًا، وتزداد الحيرة مع الصفحة 17 من الرواية، إذ يتذكر حسان أن السيارة التي أقلتهم في هروبهم من بيروت إلى دير السرو توقفت عند نقطة تفتيش، وأن رجلًا يرتدي زيًا عسكريًا مموهًا طلب بطاقاتهم الشخصية، جدته سعاد وقريبتها أخرجتا هويتهما اللبنانية، بينما أمه نجوى مدت بطاقرواية لنا عبدالرحمن تبدأ بمشهد لحسّان عبدالله، وهو عائداً إلى بيروت 2012، بينما يحكي الفصل الثاني عن هروب الأسرة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي 1982.ة "قيد الدرس" فسمحوا لهم بالمرور.
إذن "قيد الدرس" وهو عنوان رواية الكاتبة لنا عبدالرحمن هوية أخرى، يشرح السرد قصتها بعودته لعام 1922 حيث وقعت اتفاقية "بوليه نيو كامب" بين إنجلترا وفرنسا التي بمقتضاها تم اقتطاع سبع قرى من جنوب لبنان تم ضمها إلى فلسطين، وفي عام 1932 قام الانتداب الفرنسي بعمل إحصاء رسمي للسكان رفض المشاركة فيه كثير من سكان الجنوب والبقاع لأسباب ودواع مختلفة، فأصبحوا مكتومي قيد، ولم يكن الحل الحكومي اللبناني عام 1960 سوى بطاقة تفيد أن وضعهم "قيد الدرس"، هذه الهوية أو بالأحرى اللاهوية توارثتها الأجيال في نحو 30 ألف أسرة، إحداها أسرة المقاتل الغائب باسم عبدالله التي تتابعها أحداث الرواية عبر ثلاثة أجيال. تلك اللحظة الفارقة التي جسدت تمزق الأسرة الواحدة بين هويتين رسميتين بينت أن عنوان الروية هو محورها، وكشفت عن عقدة عانت منها الشخصيات.
• التيه في دائرة السرد
تبدأ الرواية بمشهد لحسّان عبدالله، وهو في الطائرة عائداً إلى بيروت (2012)، بينما يرجع الفصل الثاني ثلاثين عاما، ليحكي عن هروب الأسرة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، حيث انتقلت إلى دير السرو، لتقيم وسط البدو والفلاحين .
عبر استرجاع زمني يحكي راوٍ عليم عن انتقال سعاد وابنتها نجوى التي تنتظر رابع أطفالها كما تنتظر أباه المقاتل الغائب دومًا، الجدّة سعاد من عائلة بيروتية معروفة، لكنها وقعت في حب البائع المتجول عوّاد الكردي وهربت معه، وهي بعد صبية دون أن تعرف بزواجه من امرأتين أخريين. تنجب منه نجوى وأخوتها، وتعيش معه حياة فقيرة قبل أن يعيدها والدها لتعيش معه فترة ثم ترث عنه بيتا في "وادي أبو جميل" مبني على طراز بيوت بيروت القديمة .
يتزامن انتهاء الحرب مع عودة ملكة (شقيقة نجوى) من البرازيل، نعلم أنها ترملت وورثت عن زوجها مالا وفيرا استخدمت بعضه في ترميم بيت العائلة، "في عام 1994، حصل التحوّل الأكبر في حياتنا، فقد أعطى مرسوم جمهوري الجنسية اللبنانية لمن يستحقونها، وكنا من ضمن من شملهم المرسوم. عدنا لبنانيين، بعدما أثبتنا أننا من أبناء القرى السبع، وظلّ أبي قيد الدرس لأنه خارج الأراضي اللبنانية" ( ص168، 169).
لكن يبقى أبناء نجوى غرباء. ربما لأن الأب ظل غائبا فبقوا مقتلعين بلا جذور. يغتربون حتى عن أنفسهم، يغيب الأب نهائيا ويسافر حسان ويختفي حسن بعد أن يسرق خالته، وياسمين ترفض حياتهم وتتمرد.
هكذا كان للكاتبة لنا عبدالرحمن طريقتها الخاصة في بناء المشهد والتي تتوافق مع تقنية السرد الدائري، فقد بدأت بحسان وهو في الطائرة عائداً إلى بيروت، انطلقت من ذروة الحدث، حيث حسان في الطائرة أو اللامكان، حيث يعاني مأساة اللاهوية، ثم يعود لبداية المشهد الذي يمثل حدثاً أو إضافة ما لينمو معها السرد، حتى تكتمل الدائرة فنعود في الفصل الأخير لنقطة البداية، بيروت 2012، وحسان عبر مونولوج داخلي يعترف لنفسه قائلا: "واجه الحقيقة، أنت مازلت تعيش قيد الدرس، فكل شيء في حياتك ما يزال قيد الدرس.. قيد الدرس ليست مجرد هوية يا حسان، إنها حالة". (ص 247).
• تعدد الأجيال والرواة
بدأت الرواية بمشهدين قصيرين يروي أولهما حسان، ثم تروي شقيقته ليلى المشهد التالي، وتنتهي كذلك بصوتي حسان وليلى، فبدا الفصلان الأول والأخير كما لو كانا ضفتي نهر موار رصدت لنا عبدالرحمن سريانه عبر الفصلين الطويلين الثاني والثالث (شغلا 200 صفحة من متن الرواية مقابل 47 للفصلين الأول والرابع معا). وفي أغلبهما قدمت الكاتبة الأحداث عبر راو عليم، كان يستريح من إنشاده أحيانا لنسمع صوتي حسان وليلى ثم ما يلبث أن يسكتهما ويمسك ثانية بزمام حركة السرد مقدما عالما ملحميا شبيها بعوالم السير الشعبية، فيحكي عن لبنان وفلسطين، وعن بيروت ودير السرو، وعن أجيال متعاقبة ابتداءً من الجدة سعاد ثم ابنتها نجوى فأبناء نجوى وأخيرا أحفادها.
لذا أعتقد أن الروائية وفقت تماما في اعتمادها كثيرا على راو عليم ، فهذه التقنية ملائمة تماما لرواية الأجيال، وحتى يكسر من هيمنتها منح لشخصيتي حسان وليلى فرصة التحدث مباشرة للقارىء عبر مونولوجات ومشاهد قصيرة مروية بضمير الأنا، وفي مشهد فارق وجدنا حسان يتحدث بضمير المخاطب، فكان يحادث نفسه وكأنه يحكي لشخص غريب، وفي ذلك تجسيد لتمزقه النفسي بل لتشظيه.
لعل الأثر الأهم أيضا تمثل في اقتلاع الشخصيات من جذورها وفقدانها ليس لهويتها فقط، بل لانتمائها، ومن ثم ضياعها، حتى ليلى تنكر أثر غياب أبيها عليها، فهي وعبر تنقيبها في الجذور لتعرف متى بدأ زمن الخسارة تقول:
"بدأ انكساري منذ أدركت أني شبه يتيمة في هذا العالم، الإحساس باليتم ليس له علاقة بالوجود البدني للأبوين، فما فائدة الوجود المادي مع غياب الغاية الحقيقية منه" (ص 13). وهو المعنى نفسه الذي قصده حسان بقوله: "كنت أنوي كشف قناعه أمام نفسه، ومواجهته بضعفه وتخاذله بنكران أبوّته! ما فائدة أبوّة منقوصة؟!" (ص 211).
وينسى أن الأب المتهم كان مجبرا ولم يختر، لذا سعى إلى التبرير حينما قال لابنه ذات مرة "ليس البشر الذين يفقدون هويتهم فقط، الأماكن تتجرد قسرا من انتماءاتها في كثير من الأحيان، لسنا نحن فقط من خسر هويته". (ص 44).
الأب باسم عبدالله واحد ممن ظلمتهم الحياة كثيرا، فقد حمَّله الأبناء مسئولية ما حاق بهم من تشتت وضياع مع أنه نفسه ضحية لنفس اللعنة، هو فارس نبيل، يوجد حيث يجب أن يكون، يقاتل مع المقاومة الفلسطينية، وبعد مغادرتها لبيروت يظل مع العميد الذي يرافقه في أحداث تل الزعتر، وبيروت 1982 يحلم معه بحركة فدائية فلسطينية جديدة، لكن حلم "العميد" ينتهي باغتياله.
فشل باسم في أن يكون جذرا لأبنائه، هو جذر مقطوع كان لا بد أن يغيب لتتأكد أزمة الهوية، هم أيضا فشلوا، حسان يتنقل في عدة وظائف، حتى يتعرف على صولا الفرنسية من أصل سوري، فيتزوجها لكن زواجه لم يمنع من تفاقم أزمة هويته، فهو لم ينجب، وليلى تتزوج دون حب حقيقي وتنجب وتمرض مرضا خطيرا، وحسن يختفي بعدما يتورط في جريمة سرقة خالته، وتقوده حيرته إلى تنظيم متطرف، أميره هو محمد الأمير الفدائي سابقا، ثم أبو صخر، وهو نفسه المجاهد أبو زينب، يتغير اسمه بتغير موقعه؛ يسيطر أبو صخر على حسن وأشباهه، ويخرج بهم من لبنان إلى سوريا، حيث يتزوج حسن من المجاهدة ثريا، يطيع أبا صخر في كل شيء يطلبه، مرة واحدة خالفه، حينما أمره بوضع عبوة متفجرات في حافلة مدنية، ولأنه يعرف عاقبة ما فعل فقد أرسل ثريا وابنهما أنس إلى بيروت، ويبقى في انتظار الموت. حتى ياسمين التي تنجح نسبيا في الغناء وتحقق بعض الشهرة تطاردها نفس اللعنة فتترك ابنتها لدى أمها وتبتعد في أثر حلمها الفردي، ربما لذلك لم يتغير شيء، فإذا كانت ليلى في الفصل الأول اكتشفت أن المرآة والعود وأشياء كثيرة كما هي، فإن حسان أيضا يقول نفس الكلام "مهما غبت وعدت تجد الأشياء كما هي" (ص 218) ليس في بيروت فقط بل في كل الأماكن "عدت لتجد كل الأشياء التي ينبغي تغييرها مازالت على حالها". (ص 225). (خدمة وكالة الصحافة العربية).
أحمد رجب
رواية لنا عبدالرحمن تبدأ بمشهد لحسّان عبدالله، وهو عائداً إلى بيروت 2012، بينما يحكي الفصل الثاني عن هروب الأسرة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي 1982.
ربما لا يعرف غير اللبناني دلالة "قيد الدرس" عنوان أحدث روايات لنا عبدالرحمن، لذا قد يبدو له العنوان محيرًا، وتزداد الحيرة مع الصفحة 17 من الرواية، إذ يتذكر حسان أن السيارة التي أقلتهم في هروبهم من بيروت إلى دير السرو توقفت عند نقطة تفتيش، وأن رجلًا يرتدي زيًا عسكريًا مموهًا طلب بطاقاتهم الشخصية، جدته سعاد وقريبتها أخرجتا هويتهما اللبنانية، بينما أمه نجوى مدت بطاقرواية لنا عبدالرحمن تبدأ بمشهد لحسّان عبدالله، وهو عائداً إلى بيروت 2012، بينما يحكي الفصل الثاني عن هروب الأسرة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي 1982.ة "قيد الدرس" فسمحوا لهم بالمرور.
إذن "قيد الدرس" وهو عنوان رواية الكاتبة لنا عبدالرحمن هوية أخرى، يشرح السرد قصتها بعودته لعام 1922 حيث وقعت اتفاقية "بوليه نيو كامب" بين إنجلترا وفرنسا التي بمقتضاها تم اقتطاع سبع قرى من جنوب لبنان تم ضمها إلى فلسطين، وفي عام 1932 قام الانتداب الفرنسي بعمل إحصاء رسمي للسكان رفض المشاركة فيه كثير من سكان الجنوب والبقاع لأسباب ودواع مختلفة، فأصبحوا مكتومي قيد، ولم يكن الحل الحكومي اللبناني عام 1960 سوى بطاقة تفيد أن وضعهم "قيد الدرس"، هذه الهوية أو بالأحرى اللاهوية توارثتها الأجيال في نحو 30 ألف أسرة، إحداها أسرة المقاتل الغائب باسم عبدالله التي تتابعها أحداث الرواية عبر ثلاثة أجيال. تلك اللحظة الفارقة التي جسدت تمزق الأسرة الواحدة بين هويتين رسميتين بينت أن عنوان الروية هو محورها، وكشفت عن عقدة عانت منها الشخصيات.
• التيه في دائرة السرد
تبدأ الرواية بمشهد لحسّان عبدالله، وهو في الطائرة عائداً إلى بيروت (2012)، بينما يرجع الفصل الثاني ثلاثين عاما، ليحكي عن هروب الأسرة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، حيث انتقلت إلى دير السرو، لتقيم وسط البدو والفلاحين .
عبر استرجاع زمني يحكي راوٍ عليم عن انتقال سعاد وابنتها نجوى التي تنتظر رابع أطفالها كما تنتظر أباه المقاتل الغائب دومًا، الجدّة سعاد من عائلة بيروتية معروفة، لكنها وقعت في حب البائع المتجول عوّاد الكردي وهربت معه، وهي بعد صبية دون أن تعرف بزواجه من امرأتين أخريين. تنجب منه نجوى وأخوتها، وتعيش معه حياة فقيرة قبل أن يعيدها والدها لتعيش معه فترة ثم ترث عنه بيتا في "وادي أبو جميل" مبني على طراز بيوت بيروت القديمة .
يتزامن انتهاء الحرب مع عودة ملكة (شقيقة نجوى) من البرازيل، نعلم أنها ترملت وورثت عن زوجها مالا وفيرا استخدمت بعضه في ترميم بيت العائلة، "في عام 1994، حصل التحوّل الأكبر في حياتنا، فقد أعطى مرسوم جمهوري الجنسية اللبنانية لمن يستحقونها، وكنا من ضمن من شملهم المرسوم. عدنا لبنانيين، بعدما أثبتنا أننا من أبناء القرى السبع، وظلّ أبي قيد الدرس لأنه خارج الأراضي اللبنانية" ( ص168، 169).
لكن يبقى أبناء نجوى غرباء. ربما لأن الأب ظل غائبا فبقوا مقتلعين بلا جذور. يغتربون حتى عن أنفسهم، يغيب الأب نهائيا ويسافر حسان ويختفي حسن بعد أن يسرق خالته، وياسمين ترفض حياتهم وتتمرد.
هكذا كان للكاتبة لنا عبدالرحمن طريقتها الخاصة في بناء المشهد والتي تتوافق مع تقنية السرد الدائري، فقد بدأت بحسان وهو في الطائرة عائداً إلى بيروت، انطلقت من ذروة الحدث، حيث حسان في الطائرة أو اللامكان، حيث يعاني مأساة اللاهوية، ثم يعود لبداية المشهد الذي يمثل حدثاً أو إضافة ما لينمو معها السرد، حتى تكتمل الدائرة فنعود في الفصل الأخير لنقطة البداية، بيروت 2012، وحسان عبر مونولوج داخلي يعترف لنفسه قائلا: "واجه الحقيقة، أنت مازلت تعيش قيد الدرس، فكل شيء في حياتك ما يزال قيد الدرس.. قيد الدرس ليست مجرد هوية يا حسان، إنها حالة". (ص 247).
• تعدد الأجيال والرواة
بدأت الرواية بمشهدين قصيرين يروي أولهما حسان، ثم تروي شقيقته ليلى المشهد التالي، وتنتهي كذلك بصوتي حسان وليلى، فبدا الفصلان الأول والأخير كما لو كانا ضفتي نهر موار رصدت لنا عبدالرحمن سريانه عبر الفصلين الطويلين الثاني والثالث (شغلا 200 صفحة من متن الرواية مقابل 47 للفصلين الأول والرابع معا). وفي أغلبهما قدمت الكاتبة الأحداث عبر راو عليم، كان يستريح من إنشاده أحيانا لنسمع صوتي حسان وليلى ثم ما يلبث أن يسكتهما ويمسك ثانية بزمام حركة السرد مقدما عالما ملحميا شبيها بعوالم السير الشعبية، فيحكي عن لبنان وفلسطين، وعن بيروت ودير السرو، وعن أجيال متعاقبة ابتداءً من الجدة سعاد ثم ابنتها نجوى فأبناء نجوى وأخيرا أحفادها.
لذا أعتقد أن الروائية وفقت تماما في اعتمادها كثيرا على راو عليم ، فهذه التقنية ملائمة تماما لرواية الأجيال، وحتى يكسر من هيمنتها منح لشخصيتي حسان وليلى فرصة التحدث مباشرة للقارىء عبر مونولوجات ومشاهد قصيرة مروية بضمير الأنا، وفي مشهد فارق وجدنا حسان يتحدث بضمير المخاطب، فكان يحادث نفسه وكأنه يحكي لشخص غريب، وفي ذلك تجسيد لتمزقه النفسي بل لتشظيه.
لعل الأثر الأهم أيضا تمثل في اقتلاع الشخصيات من جذورها وفقدانها ليس لهويتها فقط، بل لانتمائها، ومن ثم ضياعها، حتى ليلى تنكر أثر غياب أبيها عليها، فهي وعبر تنقيبها في الجذور لتعرف متى بدأ زمن الخسارة تقول:
"بدأ انكساري منذ أدركت أني شبه يتيمة في هذا العالم، الإحساس باليتم ليس له علاقة بالوجود البدني للأبوين، فما فائدة الوجود المادي مع غياب الغاية الحقيقية منه" (ص 13). وهو المعنى نفسه الذي قصده حسان بقوله: "كنت أنوي كشف قناعه أمام نفسه، ومواجهته بضعفه وتخاذله بنكران أبوّته! ما فائدة أبوّة منقوصة؟!" (ص 211).
وينسى أن الأب المتهم كان مجبرا ولم يختر، لذا سعى إلى التبرير حينما قال لابنه ذات مرة "ليس البشر الذين يفقدون هويتهم فقط، الأماكن تتجرد قسرا من انتماءاتها في كثير من الأحيان، لسنا نحن فقط من خسر هويته". (ص 44).
الأب باسم عبدالله واحد ممن ظلمتهم الحياة كثيرا، فقد حمَّله الأبناء مسئولية ما حاق بهم من تشتت وضياع مع أنه نفسه ضحية لنفس اللعنة، هو فارس نبيل، يوجد حيث يجب أن يكون، يقاتل مع المقاومة الفلسطينية، وبعد مغادرتها لبيروت يظل مع العميد الذي يرافقه في أحداث تل الزعتر، وبيروت 1982 يحلم معه بحركة فدائية فلسطينية جديدة، لكن حلم "العميد" ينتهي باغتياله.
فشل باسم في أن يكون جذرا لأبنائه، هو جذر مقطوع كان لا بد أن يغيب لتتأكد أزمة الهوية، هم أيضا فشلوا، حسان يتنقل في عدة وظائف، حتى يتعرف على صولا الفرنسية من أصل سوري، فيتزوجها لكن زواجه لم يمنع من تفاقم أزمة هويته، فهو لم ينجب، وليلى تتزوج دون حب حقيقي وتنجب وتمرض مرضا خطيرا، وحسن يختفي بعدما يتورط في جريمة سرقة خالته، وتقوده حيرته إلى تنظيم متطرف، أميره هو محمد الأمير الفدائي سابقا، ثم أبو صخر، وهو نفسه المجاهد أبو زينب، يتغير اسمه بتغير موقعه؛ يسيطر أبو صخر على حسن وأشباهه، ويخرج بهم من لبنان إلى سوريا، حيث يتزوج حسن من المجاهدة ثريا، يطيع أبا صخر في كل شيء يطلبه، مرة واحدة خالفه، حينما أمره بوضع عبوة متفجرات في حافلة مدنية، ولأنه يعرف عاقبة ما فعل فقد أرسل ثريا وابنهما أنس إلى بيروت، ويبقى في انتظار الموت. حتى ياسمين التي تنجح نسبيا في الغناء وتحقق بعض الشهرة تطاردها نفس اللعنة فتترك ابنتها لدى أمها وتبتعد في أثر حلمها الفردي، ربما لذلك لم يتغير شيء، فإذا كانت ليلى في الفصل الأول اكتشفت أن المرآة والعود وأشياء كثيرة كما هي، فإن حسان أيضا يقول نفس الكلام "مهما غبت وعدت تجد الأشياء كما هي" (ص 218) ليس في بيروت فقط بل في كل الأماكن "عدت لتجد كل الأشياء التي ينبغي تغييرها مازالت على حالها". (ص 225). (خدمة وكالة الصحافة العربية).
أحمد رجب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق