. جدتي ..
لم تكنْ عرّافة ربّانية مقدّسة ،
كانت مجرد عاشقة غبية (كما هنّ الجميلات غالباً ) وقتما تركت له يدها الصغيرة ليجرّها و يُسارع في هروبهما عبر حواكير الصبّار و مساكب عبّاد الشمس.
لم تكن مهتمة للأشواك التي علقت بأصابع قدميها الصغيرتين ،و لا لتلك الخدوش على جبهتها و خدّيها ،و لا لذاك العرس الذي سيتحول إلى جُنّاز بعد قليل ،جلّ ما يثير مشاعرها كان شيئاً غامضاً في داخلها يدغدغ أنوثتها البرية و يخصه وحده دون سواه ممن لمحت من رجال القرية.
جدتي الساذجة..
ظنت أنه فارسها المنتظر و لو استبدل حصانه بدابّة هرمة لم تنظف منذ زمن ،و ارتدى بدل بذلته الناصعة قفطاناً و شروالاً و سترة مهترئة بجيوب عديدة و طاقية تخفي لمعان صلعته ، أظنها اعتقدت سيعود أميراً إذ قَبّلها !
جدتي ..
التي لطالما سمعتُها تلعن الحُب ، و تبصق في الهواء في وجه اللاأحد ،تتمتم بشتائم بذيئة و هي تضعني في حجرها ،تستلّ من شعرها مشط أمها الفضّيّ و هو كل ما بقي لها من مقتنيات ذاكرتها الباهتة ،تُسّرح لي شعري و تضفر لي جدائلاً ذهبية ، كم كانت تسرد لي قصة حياتها كما اعتادت يومياً ، كم عذبها..و أهانها..و كم و كم ضربها على رأسها حتى أفقدها بصرها و ثقتها بالحب و الأمراء
حفظت قهرها..و معاناتها.. و عدد نقاط دموعها المالحة المتساقطة على كتفي.
جدتي ..
التي أصبحت أنا بصرها نهاراً ،أُمسك بيدها إلى حيث قناية الماء وسط الدار لتتوضأ للصلاة ،
كانت تخرج من صداريتها مروداً في الليل ،تكحل به عينيها العسليتين ،و تلتفت لقضاء حوائجها..تعجن الطحين ..تشعل التنور و تخبز أرغفة اليانسون و حبة البركة ،ترتدي فستانها الدانتيل الزيتيّ ،ثم تنادي قريناتها ،تتغير ملامحها و يعود صوتها شاباً فتياً و كأنها طفلة و هنّ يرقصن..و يقرأن لها كفها ..و يتبادلن الأحاديث بلغة لم أفهمها حينما استيقظت ذات ليلة لأشرب.
و حين ذهول و صراخ
هرعت إليها ..
فسمعت كبيرتهن تشير إلى عينها
و تقول لجدتي
.....كحليهااا !
.العائشة
لم تكنْ عرّافة ربّانية مقدّسة ،
كانت مجرد عاشقة غبية (كما هنّ الجميلات غالباً ) وقتما تركت له يدها الصغيرة ليجرّها و يُسارع في هروبهما عبر حواكير الصبّار و مساكب عبّاد الشمس.
لم تكن مهتمة للأشواك التي علقت بأصابع قدميها الصغيرتين ،و لا لتلك الخدوش على جبهتها و خدّيها ،و لا لذاك العرس الذي سيتحول إلى جُنّاز بعد قليل ،جلّ ما يثير مشاعرها كان شيئاً غامضاً في داخلها يدغدغ أنوثتها البرية و يخصه وحده دون سواه ممن لمحت من رجال القرية.
جدتي الساذجة..
ظنت أنه فارسها المنتظر و لو استبدل حصانه بدابّة هرمة لم تنظف منذ زمن ،و ارتدى بدل بذلته الناصعة قفطاناً و شروالاً و سترة مهترئة بجيوب عديدة و طاقية تخفي لمعان صلعته ، أظنها اعتقدت سيعود أميراً إذ قَبّلها !
جدتي ..
التي لطالما سمعتُها تلعن الحُب ، و تبصق في الهواء في وجه اللاأحد ،تتمتم بشتائم بذيئة و هي تضعني في حجرها ،تستلّ من شعرها مشط أمها الفضّيّ و هو كل ما بقي لها من مقتنيات ذاكرتها الباهتة ،تُسّرح لي شعري و تضفر لي جدائلاً ذهبية ، كم كانت تسرد لي قصة حياتها كما اعتادت يومياً ، كم عذبها..و أهانها..و كم و كم ضربها على رأسها حتى أفقدها بصرها و ثقتها بالحب و الأمراء
حفظت قهرها..و معاناتها.. و عدد نقاط دموعها المالحة المتساقطة على كتفي.
جدتي ..
التي أصبحت أنا بصرها نهاراً ،أُمسك بيدها إلى حيث قناية الماء وسط الدار لتتوضأ للصلاة ،
كانت تخرج من صداريتها مروداً في الليل ،تكحل به عينيها العسليتين ،و تلتفت لقضاء حوائجها..تعجن الطحين ..تشعل التنور و تخبز أرغفة اليانسون و حبة البركة ،ترتدي فستانها الدانتيل الزيتيّ ،ثم تنادي قريناتها ،تتغير ملامحها و يعود صوتها شاباً فتياً و كأنها طفلة و هنّ يرقصن..و يقرأن لها كفها ..و يتبادلن الأحاديث بلغة لم أفهمها حينما استيقظت ذات ليلة لأشرب.
و حين ذهول و صراخ
هرعت إليها ..
فسمعت كبيرتهن تشير إلى عينها
و تقول لجدتي
.....كحليهااا !
.العائشة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق