⏪النهر الأسود ( الفصل السادس )
قليل لأنه مازال دافئا ،استمر إدريس في الحفر العميق كما أشار إليه الجحش المنمق بعمق يصل لأكثر من عشرين مترا دون إبداء
الأسباب الحقيقية لهذا العمق المبالغ فيه من وجهة نظر إدريس وكذلك داود وكان إدريس يحادث داود في هذا الأمر : أمن المعقول أن أساسات هذا البناء الذي نقوم بحفره يستدعي هذا العمق الكبير ؟ رد داود : لا اعتقد ذلك إلا إذا كان هذا البناء سيكون عبارة عن طوابق متعددة تحت الأرض وهذا تفسيري فقال إدريس : إن هذا الأمر محير بالرغم من المشقة التي نمر بها أعتقد أن مسألة الحفر هذه لن يكفيها يوم واحد كما قال الجحش المنمق للأستاذ مهران إن هذا الأمر يحتاج إلي عدة أيام من العمل المتواصل ولن يكفيه لودر واحد فقال داود: دعنا نعمل ونري ما ستؤول إليه الأحداث ولكن لماذا لم يتخلصوا من نواتج الحفر وأصر الأتان الصغير أن يبقي التراب بجوار الحفر الذي نقوم به ولا يتم التخلص منه أليس هذا الأمر مثير للتساؤل يا إدريس فقال إدريس فعلا هذا شيء محير ، مر علي الحفر أكثر من خمس ساعات متواصلة حيث نتج عنه حفرة هائلة بعمق عشرون مترا وبطول ثلاثون مترا والعرض عشرة أمتار حينما توقف العمل بسبب نفاذ وقود اللودر ، أسرع الأتان الصغير بالتوجه إلي حيث مكان توقف اللودر وهو يسأل إدريس وداود : لماذا أوقفتما العمل ؟ فقال داود مخاطبا إياه : لقد نفذ الوقود ونريد تزويد اللودر به وليس معنا وقودا إضافيا فقال الأتان الصغير محدثا نفسه بصوت عال : ما العمل إذن ؟ فرد إدريس : العمل هو توفير الوقود هذا كل ما في الأمر فقال الأتان الصغير وقد تنبه : سنعمل علي توفيره فورا فرد عليه إدريس : حتي وإن وفرته فلن نستطيع العمل مرة أخري لابد وأن نريح اللودر حتي لا يصيبه العطل أنه يعمل منذ أكثر من خمس ساعات متواصلة دون راحة وهذا يضر به ، فقال الأتان الصغير مستفسرا : أتعني أنكما لن تعملا مرة أخري اليوم ؟ فرد إدريس : نعم ، لقد أرهقنا..! فقال الأتان الصغير وهو يبتسم : لكما ذلك وأشار إلي بعض الرجال أن يأتوا لاصطحاب الرجلين إلي حيث مكان استراحتهما ليقيما فيه ويغتسلا من آثار التراب الذي علق بهما وقد كان ، ظل أحمد لأكثر من ساعة وهو يرقب جثمان زمردة فاحصا كل سنتيمتر فيه ، وقد تلاحظ له أن الجسد سليما خال من أي آثار لاعتداء وحشي ، ولكنه يبدو هزيلا نتيجة عدم التغذية وقد دون أحمد ذلك في سجلاته وهو يتساءل : تري ما الذي منع زمردة من تناول الطعام بالرغم من وفرته وكثرته ؟ ما السبب الذي يمنع حيوان من تناول الطعام وهو متواجد ؟ شيء عجيب ويتسم بالغرابة هكذا ردد أحمد في سره ! وشرع من فوره في إجراء عملية التشريح ليطلع علي الأسباب الغامضة والتي أدت لوفاة زمردة ، كان متحيرا بماذا يبدأ أولا عملية التشريح ، أيبدأ بالجسد أم بالرأس ؟؟ وبعد تردد اختار أن يبدأ التشريح الطبيعي بالجسد فشقه بالمشرط من بعد الرقبة إلي أسفل البطن ، ثم طلب من عثمان مناولته أنبوبتي اختبار لأخذ عينة من محتويات المعدة ثم الأمعاء حتي الآن كل شيء يسير طبيعيا ، أخذ أحمد بعد أن وضع جزء بسيط جدا من العينة التي أحضرها من المعدة ليتفحصها تحت الميكروسكوب ، فبدا له أن كل شيء عادي ، حيث بقايا الطعام تدل علي أنه نباتي ولاشيء غيره ، إنها خلايا نباتية من التي تتواجد في الغابة ، وضع أحمد الشريحة الزجاجية جانبا ثم أحضر أخري ووضع عليها عينة من محتويات الأمعاء وكانت نتيجة الفحص لا تختلف عن سابقتها إذن ما سبب نفوق زمردة ؟ صار الأمر أكثر حيرة ، نتائج التشريح الجزئي لا تشير إلي سبب محدد وهذا ما جعل أحمد يزداد إصرارا علي كشف غموض مصرع زمردة ، لليوم الثاني علي التوالي ظل إدريس وداود يعملان علي الحفر العميق في أرض قبيلة الحمر الوحشية في نفس الوقت كان الجحش المنمق زعيم القبيلة يجتمع مع عدد من كبار رجال القرية يلقي عليهم بالتعليمات المشددة بضرورة توخي الحذر حين تعامل أي منهم مع رجال النقطة ( ج ) وعدم ذكر أي حديث عن تفاصيل المشروع الذي يقومون بالحفر من أجله حتي لا يغضب أصحاب الشركة العالمية ويسحبونه منهم وإرسائه علي أي من القبائل المنافسة وذلك حسب تعليماتهم واتفاقهم معهم ، كان الجحش المنمق حازم وصارم جدا في هذا الشأن ،من ناحية أخري أوشك العمل علي الانتهاء وقد قام الأتان الصغير بتقديم المشروبات احتفالا بهذه المناسبة السعيدة بالنسبة لأهل القرية ، ومع غروب الشمس كانت آخر لمسات الحفر قد أعلنت عن نفسها بعد التجريف الأخير وفق العلامات المحددة ، وقد بدا شكل المشروع كنفق ذو مدخل تستطيع أي سيارة ضخمة من المرور داخله وعند الخروج تتخذ مسارها للخلف عكس الدخول في عكس اتجاهها ، تساءل إدريس عن طبيعة هذا النفق وأي مشروع هذا الذي يحفر له بمثل هذه الحفرة العملاقة ذات اتجاه واحد للأمام ونهايته سد بارتفاع عشرين متر وعرض عشرة أمتار فقال داود مجيبا علي استفسار إدريس : والله يا أخي أنا مثلك في حيرة فليس هناك تفسير منطقي غير !!! صمت داود وكأنه يفكر قليلا ثم قال بعد أن سأله إدريس : ماذا ؟؟ فقال داود : إن كان ما يعتمل في عقلي صحيح فهذه كارثة بكل المقاييس ، سأله إدريس وما الذي يعتمل في عقلك يا داود ؟ قال داود : ستعلم كل شيء حينما أقابل الأستاذ مهران ، المهم الآن هيا بنا نخرج من هذه الحفرة ونعود أدراجنا إلي النقطة قبل حلول الظلام ، قام الأتان الصغير وفي حضور الجحش المنمق بتوديع إدريس وداود بعد شكرهما ، ولج حسن إلي المعمل محاولا اكتشاف ما توصل إليه أحمد نتيجة تشريحه لجثة زمردة ، لم يلحظ أحمد دخول حسن للمعمل إلا بعد أن تحدث حسن بصوت واضح قائلا : إيه يا أستاذنا أستقيم هنا في المعمل ؟! رد أحمد بصوت ينم عن الحيرة والإرهاق في نفس الوقت : لا أدري يا أخي شيء محير لقد شرحت المعدة ولم أعثر علي أي شيء غير عادي وانتقلت إلي الأمعاء وقمت أيضا بأخذ عينات من محتوياتها وأيضا لم أعثر علي أي شيء ، فبقايا الطعام في كل من المعدة والأمعاء عبارة عن نباتات من التي تتواجد في الغابة وبالرغم من ذلك سأقوم من فوري بفحص عينة من الدماء لعل وعسي يكون هناك ميكروب أو فيرس هو السبب في الوفاة ، ابتسم حسن وقال مداعبا أحمد أتريدني القيام بفحص عينة الدماء فأنت تبدو مرهق فقال أحمد يا ليتك تفعل لقد نال مني الإرهاق ولم أعد أستطيع التركيز في شيء فقال حسن : إذن هات العينة ودعني أقوم بعمل التحليل اللازم لها وكذلك فحصها مجهريا لعل وعسي نصل إلي ما تريده ، سحب أحمد عينة من دماء زمردة ووضعها علي الشريحة ثم ناولها لحسن وقام ممددا علي ما يشبه الشيزلونج بجوار باب المعمل وترك حسن يقوم بعمله ، وصل داود وإدريس في وقت متأخر قليلا قبل منتصف الليل وفور دخولهما باللودر هرع داود إلي حجرة مهران الذي كان يقرأ في إحدى النشرات التي وصلته مع بريد الصباح ولم يتمكن من الاطلاع عليها وقتها ، أستاذ مهران قالها داود ، ترك مهران ما في يده واعتدل في جلسته مواجها داود قائلا : أهلا داود ، ما الأمر ؟ يبدو عليك الحماسة التي أعهدها فيك حينما يكون هناك أمر ما !! قال داود : بالفعل هناك أمر ما فقال مهران إذن أسرع وأخبرني به ، فقال داود : لقد انتهينا من حفر ما يدعي الجحش المنمق زعيم قرية وقبيلة الحمر الوحشية بأنه مشروع القبيلة القومي ، فقال مهران : عظيم ، وما المشكلة في ذلك ؟ فقال داود : صبرك يا أستاذنا لم آت بالثقيلة بعد ، فقال مهران : كلي آذان صاغية ، فقال داود : حينما كنت مع إدريس في الموقع جذب انتباهي أن ما نقوم بالحفر من أجله ليس مشروع بناء كما اعتقدنا كلنا فقال مهران وقد تملكته الحماسة : ها أكمل ، فقال داود : إن أي حفر لأي مشروع للبناء يتخذ شكلا هندسيا متعارف عليه مثل مربع ، مثلث ، مستطيل ، متوازي أضلاع وهكذا ولكن أن يكون الحفر علي شكل نفق له مدخل وليس له مخرج بمعني أن آخره سدد بارتفاع عشرون مترا فهذا هو موطن الشك الذي أحسسته وشاركني الإحساس إدريس أيضا ، فقال له مهران : لقد شعرت حينما جاءني الجحش المنمق يطلب وفي إلحاح غريب أن نعطيه اللودر بشيء غير طبيعي وها أنت تؤكد شكوكي ولكن الذي أستطيع قوله أنهم بالتأكيد سيحتاجون اللودر عن قريب وساعتها سنكتشف هذا السر الغامض كل ما عليك أنت وإدريس عمله هو ملازمة اللودر حتي إن طلبوه لا تتأخروا ولا تمانعوا دعوا الأمور تبدو لهم أننا لا نشك فيهم وساعتها فقط ستتضح الأمور وتبدو جليه ، فقال إدريس : ولكنك يا أستاذ مهران لم تسألني عن الشك الذي أحمله في صدري ، فقال مهران : أعلم تماما أنك لن تستريح ولن يهدأ لك بال إلا بعد أن تبوح بمكنون صدرك ، رد داود : بالفعل فقال مهران : هات ما عندك ، فقال داود : إن شكل الحفر ليس له غير معني واحد فقط وليس أكثر فقال مهران وقد أثير أكثر وأكثر : وما هو المعني الوحيد الذي ليس له ثان أو ثالث ؟ قال داود : إنها مقبرة ضخمة وهذا ينم عن بوادر حرب قبلية جديدة بين الحمر الوحشية وأي من القبائل الأخرى وقد خدعنا الجحش المنمق بموضوع المشروع القومي لقبيلته حينما اختلق قصة الشركة العالمية الوهمية هذه ، أتتفق معي في ذلك ؟فقال مهران : من الجائز فعلا أن يكون حديثك صحيح وقد يقبل العكس ، عموما دع الأمور تسير بصورة طبيعية كما أخبرتك ولا تشعر أحد بشكوكك هذه وسنكتشف كل شيء في حينه ، هب داود واقفا وتهيأ للانصراف بعد أن ألقي بالتحية علي مهران مؤكدا علي طلبه الخاص بالاستجابة لطلب الحمر الوحشية للودر في أي وقت ، استمر أحمد يواصل عملية التشريح لجثة زمردة وأثناء ذلك لاحظ انتفاخا غير طبيعي في الكبد والمنطقة المحيطة به ، طلب من عثمان أن يناوله جفتا ووعاء الشرائح ثم استأصل بالمشرط جزء صغير جدا من الكبد وقام بوضعه تحت المجهر ، كانت العينة لا تتعدي المليمتر في حجمها ، وما كاد أن يلقي بنظره علي العينة حتي خرجت من بين شفتيه شهقة عالية وهو يردد : يا إلهي ما هذا ؟؟ التفت إليه عثمان وهو يتساءل : ما الأمر يا أستاذ احمد ، فرد عليه أحمد دون أن يبعد عينيه عن منظار المجهر : شيء والا في الخيال وأخذ يسأل بصوت مسموع : ما هذا ؟ إنه أمر غريب فقال عثمان : أي شيء هذا الغريب ، قال احمد : العينة التي أفحصها ، إنها تتكاثر بشكل مذهل وتنمو ويزداد حجمها بشكل مريع إنها ثم سكت ونظر إلي عثمان طالبا منه أن ينادي الأستاذ حسن والأستاذ مهران علي وجه السرعة ، ترك عثمان ما بيده وأسرع لمناداة الأستاذان وبالفعل حضرا وكانا يقفان علي رأس أحمد ، خيرا يا أستاذ أحمد ؟ قالها مهران ، ماذا لديك يا أحمد ؟ سأله حسن ، نظر أحمد إلي حسن وهو يقول في اندهاش عجيب ، أنظرا إلي تلك العينة ، ثم قام من مجلسه حيث جلس مكانه حسن وأخذ ينظر إلي العينة وقد أصابته الدهشة هو الآخر فتساءل بدوره : ما هذا ؟؟ ثم عقب : أنظر يا أستاذ مهران ، جلس مهران مكان حسن وأخذ ينظر هو الآخر ثم قال في تعجب : إن هذه العينة تبدو فيها حياة ، من أين حصلت عليها يا أحمد ؟ قال أحمد من كبد جثة القردة ......( يتبع )
-
* محمود مسعود
قليل لأنه مازال دافئا ،استمر إدريس في الحفر العميق كما أشار إليه الجحش المنمق بعمق يصل لأكثر من عشرين مترا دون إبداء
الأسباب الحقيقية لهذا العمق المبالغ فيه من وجهة نظر إدريس وكذلك داود وكان إدريس يحادث داود في هذا الأمر : أمن المعقول أن أساسات هذا البناء الذي نقوم بحفره يستدعي هذا العمق الكبير ؟ رد داود : لا اعتقد ذلك إلا إذا كان هذا البناء سيكون عبارة عن طوابق متعددة تحت الأرض وهذا تفسيري فقال إدريس : إن هذا الأمر محير بالرغم من المشقة التي نمر بها أعتقد أن مسألة الحفر هذه لن يكفيها يوم واحد كما قال الجحش المنمق للأستاذ مهران إن هذا الأمر يحتاج إلي عدة أيام من العمل المتواصل ولن يكفيه لودر واحد فقال داود: دعنا نعمل ونري ما ستؤول إليه الأحداث ولكن لماذا لم يتخلصوا من نواتج الحفر وأصر الأتان الصغير أن يبقي التراب بجوار الحفر الذي نقوم به ولا يتم التخلص منه أليس هذا الأمر مثير للتساؤل يا إدريس فقال إدريس فعلا هذا شيء محير ، مر علي الحفر أكثر من خمس ساعات متواصلة حيث نتج عنه حفرة هائلة بعمق عشرون مترا وبطول ثلاثون مترا والعرض عشرة أمتار حينما توقف العمل بسبب نفاذ وقود اللودر ، أسرع الأتان الصغير بالتوجه إلي حيث مكان توقف اللودر وهو يسأل إدريس وداود : لماذا أوقفتما العمل ؟ فقال داود مخاطبا إياه : لقد نفذ الوقود ونريد تزويد اللودر به وليس معنا وقودا إضافيا فقال الأتان الصغير محدثا نفسه بصوت عال : ما العمل إذن ؟ فرد إدريس : العمل هو توفير الوقود هذا كل ما في الأمر فقال الأتان الصغير وقد تنبه : سنعمل علي توفيره فورا فرد عليه إدريس : حتي وإن وفرته فلن نستطيع العمل مرة أخري لابد وأن نريح اللودر حتي لا يصيبه العطل أنه يعمل منذ أكثر من خمس ساعات متواصلة دون راحة وهذا يضر به ، فقال الأتان الصغير مستفسرا : أتعني أنكما لن تعملا مرة أخري اليوم ؟ فرد إدريس : نعم ، لقد أرهقنا..! فقال الأتان الصغير وهو يبتسم : لكما ذلك وأشار إلي بعض الرجال أن يأتوا لاصطحاب الرجلين إلي حيث مكان استراحتهما ليقيما فيه ويغتسلا من آثار التراب الذي علق بهما وقد كان ، ظل أحمد لأكثر من ساعة وهو يرقب جثمان زمردة فاحصا كل سنتيمتر فيه ، وقد تلاحظ له أن الجسد سليما خال من أي آثار لاعتداء وحشي ، ولكنه يبدو هزيلا نتيجة عدم التغذية وقد دون أحمد ذلك في سجلاته وهو يتساءل : تري ما الذي منع زمردة من تناول الطعام بالرغم من وفرته وكثرته ؟ ما السبب الذي يمنع حيوان من تناول الطعام وهو متواجد ؟ شيء عجيب ويتسم بالغرابة هكذا ردد أحمد في سره ! وشرع من فوره في إجراء عملية التشريح ليطلع علي الأسباب الغامضة والتي أدت لوفاة زمردة ، كان متحيرا بماذا يبدأ أولا عملية التشريح ، أيبدأ بالجسد أم بالرأس ؟؟ وبعد تردد اختار أن يبدأ التشريح الطبيعي بالجسد فشقه بالمشرط من بعد الرقبة إلي أسفل البطن ، ثم طلب من عثمان مناولته أنبوبتي اختبار لأخذ عينة من محتويات المعدة ثم الأمعاء حتي الآن كل شيء يسير طبيعيا ، أخذ أحمد بعد أن وضع جزء بسيط جدا من العينة التي أحضرها من المعدة ليتفحصها تحت الميكروسكوب ، فبدا له أن كل شيء عادي ، حيث بقايا الطعام تدل علي أنه نباتي ولاشيء غيره ، إنها خلايا نباتية من التي تتواجد في الغابة ، وضع أحمد الشريحة الزجاجية جانبا ثم أحضر أخري ووضع عليها عينة من محتويات الأمعاء وكانت نتيجة الفحص لا تختلف عن سابقتها إذن ما سبب نفوق زمردة ؟ صار الأمر أكثر حيرة ، نتائج التشريح الجزئي لا تشير إلي سبب محدد وهذا ما جعل أحمد يزداد إصرارا علي كشف غموض مصرع زمردة ، لليوم الثاني علي التوالي ظل إدريس وداود يعملان علي الحفر العميق في أرض قبيلة الحمر الوحشية في نفس الوقت كان الجحش المنمق زعيم القبيلة يجتمع مع عدد من كبار رجال القرية يلقي عليهم بالتعليمات المشددة بضرورة توخي الحذر حين تعامل أي منهم مع رجال النقطة ( ج ) وعدم ذكر أي حديث عن تفاصيل المشروع الذي يقومون بالحفر من أجله حتي لا يغضب أصحاب الشركة العالمية ويسحبونه منهم وإرسائه علي أي من القبائل المنافسة وذلك حسب تعليماتهم واتفاقهم معهم ، كان الجحش المنمق حازم وصارم جدا في هذا الشأن ،من ناحية أخري أوشك العمل علي الانتهاء وقد قام الأتان الصغير بتقديم المشروبات احتفالا بهذه المناسبة السعيدة بالنسبة لأهل القرية ، ومع غروب الشمس كانت آخر لمسات الحفر قد أعلنت عن نفسها بعد التجريف الأخير وفق العلامات المحددة ، وقد بدا شكل المشروع كنفق ذو مدخل تستطيع أي سيارة ضخمة من المرور داخله وعند الخروج تتخذ مسارها للخلف عكس الدخول في عكس اتجاهها ، تساءل إدريس عن طبيعة هذا النفق وأي مشروع هذا الذي يحفر له بمثل هذه الحفرة العملاقة ذات اتجاه واحد للأمام ونهايته سد بارتفاع عشرين متر وعرض عشرة أمتار فقال داود مجيبا علي استفسار إدريس : والله يا أخي أنا مثلك في حيرة فليس هناك تفسير منطقي غير !!! صمت داود وكأنه يفكر قليلا ثم قال بعد أن سأله إدريس : ماذا ؟؟ فقال داود : إن كان ما يعتمل في عقلي صحيح فهذه كارثة بكل المقاييس ، سأله إدريس وما الذي يعتمل في عقلك يا داود ؟ قال داود : ستعلم كل شيء حينما أقابل الأستاذ مهران ، المهم الآن هيا بنا نخرج من هذه الحفرة ونعود أدراجنا إلي النقطة قبل حلول الظلام ، قام الأتان الصغير وفي حضور الجحش المنمق بتوديع إدريس وداود بعد شكرهما ، ولج حسن إلي المعمل محاولا اكتشاف ما توصل إليه أحمد نتيجة تشريحه لجثة زمردة ، لم يلحظ أحمد دخول حسن للمعمل إلا بعد أن تحدث حسن بصوت واضح قائلا : إيه يا أستاذنا أستقيم هنا في المعمل ؟! رد أحمد بصوت ينم عن الحيرة والإرهاق في نفس الوقت : لا أدري يا أخي شيء محير لقد شرحت المعدة ولم أعثر علي أي شيء غير عادي وانتقلت إلي الأمعاء وقمت أيضا بأخذ عينات من محتوياتها وأيضا لم أعثر علي أي شيء ، فبقايا الطعام في كل من المعدة والأمعاء عبارة عن نباتات من التي تتواجد في الغابة وبالرغم من ذلك سأقوم من فوري بفحص عينة من الدماء لعل وعسي يكون هناك ميكروب أو فيرس هو السبب في الوفاة ، ابتسم حسن وقال مداعبا أحمد أتريدني القيام بفحص عينة الدماء فأنت تبدو مرهق فقال أحمد يا ليتك تفعل لقد نال مني الإرهاق ولم أعد أستطيع التركيز في شيء فقال حسن : إذن هات العينة ودعني أقوم بعمل التحليل اللازم لها وكذلك فحصها مجهريا لعل وعسي نصل إلي ما تريده ، سحب أحمد عينة من دماء زمردة ووضعها علي الشريحة ثم ناولها لحسن وقام ممددا علي ما يشبه الشيزلونج بجوار باب المعمل وترك حسن يقوم بعمله ، وصل داود وإدريس في وقت متأخر قليلا قبل منتصف الليل وفور دخولهما باللودر هرع داود إلي حجرة مهران الذي كان يقرأ في إحدى النشرات التي وصلته مع بريد الصباح ولم يتمكن من الاطلاع عليها وقتها ، أستاذ مهران قالها داود ، ترك مهران ما في يده واعتدل في جلسته مواجها داود قائلا : أهلا داود ، ما الأمر ؟ يبدو عليك الحماسة التي أعهدها فيك حينما يكون هناك أمر ما !! قال داود : بالفعل هناك أمر ما فقال مهران إذن أسرع وأخبرني به ، فقال داود : لقد انتهينا من حفر ما يدعي الجحش المنمق زعيم قرية وقبيلة الحمر الوحشية بأنه مشروع القبيلة القومي ، فقال مهران : عظيم ، وما المشكلة في ذلك ؟ فقال داود : صبرك يا أستاذنا لم آت بالثقيلة بعد ، فقال مهران : كلي آذان صاغية ، فقال داود : حينما كنت مع إدريس في الموقع جذب انتباهي أن ما نقوم بالحفر من أجله ليس مشروع بناء كما اعتقدنا كلنا فقال مهران وقد تملكته الحماسة : ها أكمل ، فقال داود : إن أي حفر لأي مشروع للبناء يتخذ شكلا هندسيا متعارف عليه مثل مربع ، مثلث ، مستطيل ، متوازي أضلاع وهكذا ولكن أن يكون الحفر علي شكل نفق له مدخل وليس له مخرج بمعني أن آخره سدد بارتفاع عشرون مترا فهذا هو موطن الشك الذي أحسسته وشاركني الإحساس إدريس أيضا ، فقال له مهران : لقد شعرت حينما جاءني الجحش المنمق يطلب وفي إلحاح غريب أن نعطيه اللودر بشيء غير طبيعي وها أنت تؤكد شكوكي ولكن الذي أستطيع قوله أنهم بالتأكيد سيحتاجون اللودر عن قريب وساعتها سنكتشف هذا السر الغامض كل ما عليك أنت وإدريس عمله هو ملازمة اللودر حتي إن طلبوه لا تتأخروا ولا تمانعوا دعوا الأمور تبدو لهم أننا لا نشك فيهم وساعتها فقط ستتضح الأمور وتبدو جليه ، فقال إدريس : ولكنك يا أستاذ مهران لم تسألني عن الشك الذي أحمله في صدري ، فقال مهران : أعلم تماما أنك لن تستريح ولن يهدأ لك بال إلا بعد أن تبوح بمكنون صدرك ، رد داود : بالفعل فقال مهران : هات ما عندك ، فقال داود : إن شكل الحفر ليس له غير معني واحد فقط وليس أكثر فقال مهران وقد أثير أكثر وأكثر : وما هو المعني الوحيد الذي ليس له ثان أو ثالث ؟ قال داود : إنها مقبرة ضخمة وهذا ينم عن بوادر حرب قبلية جديدة بين الحمر الوحشية وأي من القبائل الأخرى وقد خدعنا الجحش المنمق بموضوع المشروع القومي لقبيلته حينما اختلق قصة الشركة العالمية الوهمية هذه ، أتتفق معي في ذلك ؟فقال مهران : من الجائز فعلا أن يكون حديثك صحيح وقد يقبل العكس ، عموما دع الأمور تسير بصورة طبيعية كما أخبرتك ولا تشعر أحد بشكوكك هذه وسنكتشف كل شيء في حينه ، هب داود واقفا وتهيأ للانصراف بعد أن ألقي بالتحية علي مهران مؤكدا علي طلبه الخاص بالاستجابة لطلب الحمر الوحشية للودر في أي وقت ، استمر أحمد يواصل عملية التشريح لجثة زمردة وأثناء ذلك لاحظ انتفاخا غير طبيعي في الكبد والمنطقة المحيطة به ، طلب من عثمان أن يناوله جفتا ووعاء الشرائح ثم استأصل بالمشرط جزء صغير جدا من الكبد وقام بوضعه تحت المجهر ، كانت العينة لا تتعدي المليمتر في حجمها ، وما كاد أن يلقي بنظره علي العينة حتي خرجت من بين شفتيه شهقة عالية وهو يردد : يا إلهي ما هذا ؟؟ التفت إليه عثمان وهو يتساءل : ما الأمر يا أستاذ احمد ، فرد عليه أحمد دون أن يبعد عينيه عن منظار المجهر : شيء والا في الخيال وأخذ يسأل بصوت مسموع : ما هذا ؟ إنه أمر غريب فقال عثمان : أي شيء هذا الغريب ، قال احمد : العينة التي أفحصها ، إنها تتكاثر بشكل مذهل وتنمو ويزداد حجمها بشكل مريع إنها ثم سكت ونظر إلي عثمان طالبا منه أن ينادي الأستاذ حسن والأستاذ مهران علي وجه السرعة ، ترك عثمان ما بيده وأسرع لمناداة الأستاذان وبالفعل حضرا وكانا يقفان علي رأس أحمد ، خيرا يا أستاذ أحمد ؟ قالها مهران ، ماذا لديك يا أحمد ؟ سأله حسن ، نظر أحمد إلي حسن وهو يقول في اندهاش عجيب ، أنظرا إلي تلك العينة ، ثم قام من مجلسه حيث جلس مكانه حسن وأخذ ينظر إلي العينة وقد أصابته الدهشة هو الآخر فتساءل بدوره : ما هذا ؟؟ ثم عقب : أنظر يا أستاذ مهران ، جلس مهران مكان حسن وأخذ ينظر هو الآخر ثم قال في تعجب : إن هذه العينة تبدو فيها حياة ، من أين حصلت عليها يا أحمد ؟ قال أحمد من كبد جثة القردة ......( يتبع )
-
* محمود مسعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق