اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

محمد عبده وليو تولستوي: فرّقهما المكان… وجمعهما التنوير ...*رنا السمان


⏪⏬
في متحف تولستوي الشهير في العاصمة الروسية موسكو، رسالتان موضوعتان في صندوق زجاجي أنيق، إحداهما مكتوبة باللغة
العربية، ومُذيّل بها عنوان مصري، وتحديداً في منطقة عين شمس، أحد أحياء القاهرة، بتوقيع مفتي الديار المصرية، محمد عبده، والأخرى باللغة الفرنسية، بتوقيع الأديب الروسي العالمي ليو تولستوي، لتكونا شاهدتين على الروابط الثقافية القديمة التي جمعت بين البلدين على مدار عقود.

  • الأديب الروسي والتراث العربي.. بداية شغف مبكرة

بدأ اهتمام الأديب الروسي تولستوي، صاحب الروايات العالمية مثل «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا»، بالتراث الثقافي العربي مبكراً، حيث تعرّف في طفولته إلى الحكايات العربية الأسطورية، مثل «ألف ليلة وليلة» و«علي بابا والأربعين حرامي»، و«حكاية الأمير قمر الزمان»، حتى أنّه عكف على تعلّم اللغتين العربية والتركية في جامعة قازان الروسية. ومن شدة إعجابه بتلك الحكايات العربية، نصح بإلحاقها ضمن قائمة الكتب المقترحة للقراءة الشعبية، فأرسل إلى الكاتبة خ.د. التشيفسكيا معاتباً: «لماذا لم تقترحي الحكايات العربية؟ إن الشعب يرغب في قراءتها».

ومع بداية القرن العشرين، باتت لهذا الروائي والأديب الروسي شهرة عالمية وصلت إلى الوطن العربي، وأثرت في كبار الأدباء والمفكرين العرب.

  • تولستوي والعرب.. الحب المتبادل

شهدت حركة الترجمة من الروسية إلى العربية في مصر آنذاك نشاطاً كبيراً، ساهم في تعرف الأدباء والمفكرين المصريين على الأدب الروسي وتأثرهم به، حتى قال عنه الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ: «إن الأدب الروسي أجمل الآداب جميعها، لأنه أقربها إلينا أُفقاً وموضوعاً وفلسفة».

أما أدب ليو تولستوي فكانت له مكانة خاصة ومميزة، وذلك بسبب تأثر هذا الكاتب الكبير بالتراث العربي، فالمجموعة الكاملة لأعمال تولستوي تضم حوالي 40 كتاباً تخص التراث العربي، من بينها ما يشتمل على آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

اهتمام الأديب الروسي بالثقافة العربية، بالإضافة إلى انحيازه للفقراء والفلاحين ووصفه لمعاناتهم في كتاباته، وتأثره بهم – حتى إنه لقّب نفسه في سنوات الثورة الروسية الأولى بـ«محامي مئة مليون من الفلاحين» – مكّناه من الاستحواذ على رصيد واسع من المحبة في قلوب العرب والعالم أجمع، فانهالت عليه الرسائل من الشرق ودول العالم، تفيض بالحب والاحترام، حيث تجاوز عدد الرسائل التي بُعثت إلى «ياسنايا- بوليانا» المجلة التي كان يكتب فيها، الخسمين ألفاً، ومن بينها رسالة من فتاة لبنانية تدعى رمزا العويني، عبّرت فيها عن تأثرها بأدبه.

أما عدد الرسائل التي أرسلها تولستوي إلى شخصيات مختلفة فتجاوز الألف رسالة، أشهرها في الوطن العربي، الرسائل المتبادلة بينه والشيخ محمد عبده في العام 1904، حين كان الأخير يشغل منصب مفتي الديار المصرية. وتعتبر هذه الرسائل، حتى الآن، وثائق مهمّة للتأكيد على الروابط الثقافية بين روسيا ومصر.

  • رسائل الإنسانية… محمد عبده داعماً

لم يكتف الأديب الروسي تولستوي بقراءة حكايات «ألف ليلة وليلة»، والحكايات الشعبية من التراث العربي والإسلامي، بل عكف على ترجمة عدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة من الإنكليزية إلى الروسية، بعد اطلاعه عليها في ترجمة عبد الله السهرودي، وكتب في هذه الترجمة مقدمة تتصف بالإنصاف والإعجاب بالنبي محمد، كما صدر له كتاب بعنوان “حكم النبي محمد” في العام 1909، أي قبل وفاته بعام واحد، يتحدث فيه عن الإسلام وقيمه السمحة ويضم مجموعة من أقوال الرسول الكريم، مع العلم بأنّ تولستوي كان معروفاً بفكره المحايد تجاه الأديان جميعها.

في الوقت ذاته، وعلى الجانب الآخر من العالم، كان المفتي محمد عبده في مصر على معرفة بالأدب الروسي، والنشاط الاجتماعي الخاص بتولستوي، الأديب والحكيم، وأفكاره المستنيرة، وذلك من خلال الجهود المتواصلة للمستشرقين الروس. ومن ضمن الأخبار التي وصلته حرمان الكنيسة لتولستوي من حقوقه. وفي المقابل كانت لتولستوي معرفة مسبقة بالمفتي المصري ومكانته الدينية والفكرية أيضاً.

ونتيجة لهذه المعرفة المتبادلة أرسل الشيخ محمد عبده إلى تولستوي رسالته باللغة العربية في نيسان العام 1904، مترجمة إلى الإنكليزية عن طريق المستشرقة آن بلنت، زوجة المفكر السياسي ولفرد سكاون بلنت، الذي كان صديقاً لمحمد عبده، يقدم فيها الدعم والتحية للأديب الروسي، ويشهد فيها على انتشار الأدب الروسي وتأثيره في مصر.

وجاء في نص الرسالة: «أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي: لم نحظ بمعرفة شخصك ولكن لم نُحرم التعارف بروحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك، هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها، ووقفك على الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل، ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه وسعياً يبقى ويرقي به نفسه، شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة واستعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم وزعزع طمأنينتهم، نظرت نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد، ورفعت صوتك تدعو إلى ما هداك الله إليه وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه، فكما كنت بقولك هادياً للعقول كنت بعملك حاثاً للعزائم والهمم».

وأكمل مفتي الديار المصرية كلماته المؤيدة: «وكما كانت آراؤك ضياءً يهتدي به الضالون، كان مثالك في العمل إماماً يقتدي به المسترشدون، وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء كان مدداً من عنايته للفقراء، وإن أرفع مجد بلغته وأعظم جزاء نلته على متاعبك في النصح والإرشاد هو الذي سموه بالحرمان والإبعاد، فليس ما كان إليك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس بأنك لست من القوم الضالين، فاحمد الله على أن فارقوك بأقوالهم، كما كنت فارقتهم في عقائدهم وأعمالهم، هذا وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك. وإنا لنسأل الله أن يمد في حياتك ويحفظ عليك قواك، ويفتح أبواب القلوب لفهم ما تقول ويسوق الناس إلى الاهتداء بك فيما تعمل والسلام».
وفي نهاية الرسالة طلب الشيخ محمد عبده من الحكيم الجليل تولستوي أن يرد عليه بالفرنسية، لأنه لا يعرف غيرها من اللغات الأوروبية.

  • تولستوي يرد مطمئِناً

أرسل س. ك. كو كوريل المستشرق الانكليزي رسالة محمد عبده إلى تولستوي، فما أن استلم الأديب الروسي الرسالة حتى كتب إلى كوكوريل قائلًا: «الآن استلمت رسالة المفتي، واعترف لك بالجميل والامتنان لأنك حملت لي هذه الرسالة، إن المفتي يمتدحني كثيراً في رسالته على الطريقة الشرقية، ولذلك فإنني أجد صعوبة في الإجابة على هذه الرسالة، وإنني مسرور جداً لمعرفتي بهذا الإنسان اللطيف».

وجاء رد الأديب الروسي تولستوي على المفتي محمد عبده برسالة رقيقة في أيار العام 1904 تنمّ عن معاني التسامح المتبادل، ويقول فيها: “المفتي محمد عبده، صديقي العزيز تلقيت خطابك الكريم الذي يفيض بالثناء علي، وأنا أبادر بالجواب عليه مؤكداً لك ما أدخله على نفسي من عظيم السرور حين جعلني على تواصل مع رجل مستنير، وإن يكن من أهل ملة غير الملة التي ولدت عليها وربيت في أحضانها، فإن دينه وديني سواء لأن المعتقدات مختلفة وهي كثيرة، ولكن ليس يوجد إلا دين واحد هو الصحيح، وأملي ألا أكون مخطئاً إذا افترضت، استناداً إلى ما ورد في خطابك، أن الدين الذي أؤمن به هو دينك أنت، ذلك الدين الذي قوامه الإقرار بالله وشريعته والذي يدعو الإنسان إلى أن يرعى حق جاره، وأن يحب لغيره ما يحب لنفسه، وأود أن تصدر عن هذا المبدأ جميع المبادئ الصحيحة، وهي واحدة عند اليهود وعند البرهمانيين والبوذيين والمسيحيين والمحمديين».

وأضاف تولستوي بعدها: «اعتقادي أنه كلما امتلأت الأديان بالمعتقدات والأوامر والنواهي والمعجزات والخرافات تفشي أثرها في إيقاع الفرقة بين الناس، ومشت بينهم تبذر بذور العداوة والبغضاء، وبالعكس كلما نزعت إلى البساطة وخلصت من الشوائب اقتربت من الهدف المثالي الذي تسعى الإنسانية إليه، وهو اتحاد الناس جميعاً، من أجل ذلك ابتهجت بخطابك ابتهاجاً غامراً، وودت أن تقوى بيننا أواصر القربى والتواصل… تفضل أيها المفتي العزيز محمد عبده بقبول وافر التقدير».

خطاب تولستوي أوضح مدى اطلاعه على الدين الإسلامي والثقافة العربية والشرقية، ومعتقداته في تسامح الأديان والإنسانية، فكانت الرسالتان توضحان العقل والأفكار المستنيرة لقامتين فكريتين جمعهما الزمان، وفرقهما المكان، وربط بينهما تنوير العقول.

  • انقطاع الرسائل بين الصديقين

بعث محمد عبده برسالة ثانية إلى تولستوي تحمل نفس المعاني ومحتواها: «أيها الروح الذكي، صدرت من المقام العلي على العالم الأرضي، وتجسدت فيما سموه بتولستوي.. قوى فيك اتصال روحك بمبدئك، فلم تشغلك حاجات جسدك عما تسمو إليه نفسك، وعلمت أن الإنسان خلق ليتعلم، فيعلم، فيعمل، ولم يُخلق ليجهل، ويكسل، ويهمل».

إلا أن رد تولستوي لم ينشر في مصر في وقتها، وتساءل المؤرخون عن سبب عدم استجابة الأديب الروسي لرسالة محمد عبده، إلا أن الأخير توفي في تموز العام 1905 فانقطعت المراسلات بين الإثنين.

  • التأثير والتأثر بين الأدب الروسي والعربي

وصف الشاعر والمفكر اللبناني ميخائيل نعيمة تأثير الأدب الروسي في نفسه قائلاً: «أكثر الآداب الأوروبية أثراً في تكويني هو الأدب الروسي، كنت أقرأ بحثاً عن الحقيقة، وكنت أحس أنها في نفسي، ولكني لا أستطيع الوصول إليها، فلما قرأت هذا الأدب، وجدت الحقيقة الفسيحة العميقة التي خاطبها هذا الأدب في أعماقي»، وهو تأثير كان نتيجة لترجمة روائع من الكتابات الروائية والفكرية والشعرية، لعظماء المؤلفين منهم ألكسندر بوشكين، فيودور دوستويفسكي، وأنطون تشيخوف، وليو تولستوي، وغيرهما، وعُرفوا أغلبهم بتأثرهم بالثقافة العربية والإسلامية في كتاباتهم، فكانت العلاقة بين الأدب الروسي والعربي علاقة تأثير وتأثر.

فكما تأثر الروس بالثقافة العربية، تأثر الكتّاب والباحثون العرب في أعمالهم الأدبية والفكرية، بالأدب الروسي، خاصة الواقعي، ويرجع الفضل الأول إلى الترجمة، التي شكّلت حلقة الوصل وجسر متين للتآلف والتفاهم بين الشعب العربي والروسي، والتي كانت سائدة بقوة في النصف الثاني من القرن العشرين.

*رنا السمان

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...