⏪⏬
عرف الانسان التوقيت في شؤون حياته منذ الاف السنين ,فالساعة كانت الأداة التي يتعرف بها على الوقت ,لكن هذه الساعة ليست
الوحيدة التي عرفها ,فهناك ساعة اقدم منها بكثير وهي اعجب ساعة في الكون :انها الساعة البيولوجية – Biological clock - وهذه الساعة تدق في أعماق جميع الكائنات الحية ,حيث تحدد دورات حياتها بمهارة ودقة عالية ,ولولاها لانقرضت صور كثيرة من الحياة ,ولحلت الفوضى في هذا الكوكب.
هذه الساعة تحملها الكائنات الحية في خلاياها وانسجتها ,لكن لا احد يستطيع تحديد موقعها بصورة قاطعة ومؤكدة حتى الان. ومن قديم الزمان ,ايقن الانسان ان الكون منسق طبقا لقوانين الهية صارمة لا يتطرق لها الخطأ ,وأخيرا جدا اكتشف الانسان انه يوجد في جسمه هو الاخر ساعة تحكم حركته وحركة كل شيء فيه ,لذلك ,اكتشف الانسان ان أجهزة جسمه تعمل وفقا لإيقاع معين هو "الإيقاع البيولوجي" ,فكل عضو في جسمنا له إيقاع معين يسير عليه دون خلل ,ولوحظ ان هناك (دورة معينة) للأحلام تتم كل 90 دقيقة ,اما النشاط اليومي فيتبع دورة ال 24 ساعة ,والدورة الشهرية للنساء تحدث كل 27 يوما ,حتى العواطف وبرأي العالم(ليبر) ان لها دورة معينة كل 27.5 يوما ,أي: توازي تقريبا الشهر القمري ,ولاحظ أيضا ان محاولات الانتحار او الاعتداء على الاخرين تتركز في ظهور القمر كاملا في السماء ,لذلك ,اصبح الرياضيين يتبعون في اسفارهم ساعة البلد المضيف قبل السفر بأسبوع حتى يتسنى لهم فرصة ضبط ساعتهم الداخلية قبل الدخول في المسابقات ,واصبح الدبلوماسيون ينتظرون مدة أسبوع للتكيف قبل اتخاذ القرارات المهمة.
ولوحظ أيضا ان معظم الناس يفضلون السفر من الشرق الى الغرب عن السفر من الغرب الى الشرق لأنه من السهل ان يناموا في وقت متأخر ليلة بعد الأخرى من النوم أكثر تبكيرا ليلة بعد الأخرى.
ضبط الساعة الداخلية:
يتم ضبطها من خلال عملية التناغم على الإيقاع اليومي – 24 ساعة – وسمي هذا الإيقاع (بالسيركاديان) ,ويرى معظم العلماء ان هذا الإيقاع موجود في كل خلية من خلايا الجسم في الظروف الثابتة ,حيث ان هناك نوعين من السر: النهاري والليلي ,ويختلفان في انهما يستعملان مؤثرات خارجية تختلف لكل منهما ,لتنظيم الإيقاع اليومي الداخلي ,ومن دون هذه المؤثرات الخارجية ,الانسان يتبع ايقاعا مدته(24 ساعة) ,وفي حال عدم وجود المؤثرات الخارجية يحصل عدم ضبط تام للإيقاع بحدوث فرق عدة دقائق يوميا بالزيادة او النقصان ,وتسمى هذه الظاهرة "الانسياب الحر", حيث استعمل العلماء هذه الملحوظة في تفسير حدوث الارق في بعض حالات الاكتئاب ,فعندما يكتئب المريض يبدأ في فقدان الاهتمام بالمؤثرات الخارجية ويبدأ الزمن بالنسبة اليه يمر في حالة انسياب حر.
ولوحظ أيضا ,ان غالبية الأشخاص لديهم القدرة على ضبط ساعتهم الداخلية للاستيقاظ مبكرا قبل رنين جرس المنبه في الصباح ,لهذا ,حيرت هذه الساعة الحكماء والفلاسفة منذ قديم الزمان ,فالفيلسوف اليوناني(ارسطو) أشار اليها حين طرح سؤالا اثار ولعه وهو:" لماذا تنتفخ انثى قنفذ البحر كلما اصبح القمر بدرا كل شهر؟!!" ,وجاء بعده اخر ليسأل:" لماذا تتحرك أوراق شجر التمر الهندي على مدار ساعات اليوم بنظام دقيق؟!!" ,وجاء بعدهما علماء اخرون يطرحون ذات الأسئلة الحائرة عن الطبيعة مما حفز العديد من العلماء للسبر والكشف عن خفاياها واسرارها.
منذ اكثر من نصف قرن نجح العالم البريطاني " كلود تومسون" في سبر الأمور الغامضة لهذه الظاهرة العجيبة ,حيث انتقل من ميدان الأسئلة الحائرة الى افاق جديدة ورحبة اتاحت للعلماء من بعده ,الاقتراب اكثر فاكثر من اسرار هذه الساعة البيولوجية المثيرة ,وظهور حقائق غريبة وكثيرة تؤكد ان كل كائن حي يحمل بداخله ساعة خاصة به ,تشير الى مواقيت محددة في ضبط نشاطه وتنظيم دورات حياته بدقة متناهية.
وهنا العلماء يتلاعبون بهذه الساعة ,فيقدمونها ويؤخرونها بوسائل علمية لمعرفة اثر اختلال الوقت في دورة حياة الكائنات الحية حتى امتد هذا التلاعب ليصل حياة الانسان نفسه.
يقول العلماء: ان هذه الساعة البيولوجية(خلية عصبية) في حجم حبة الرمل داخل المخ ,وتربطها بالعين شبكة من الاعصاب تقوم بتوصيل الاحساسات المختلفة بأوقات اليوم – الضوء والظلام – الى المخ وتنظيم الحركة الهرمونية للجسم ,فتنشط هرمونات النمو ليلا اثناء النوم لتزداد نسبة(الادرينالين) عند الاستيقاظ .وقد اثبتت التجارب والأبحاث تأثير الساعة البيولوجية في جسم الانسان في الاعمال التي يؤديها على مدار اليوم ,وان لكل عمل له وقت محدد يكون الانسان في افضل حالاته عندما يمارسه ,فساعات الصباح افضل أوقات (الحب) ,اذ تكون المعدلات الهرمونية في ذروتها ,وساعات منتصف الصباح هي من افضل الأوقات (للتركيز الذهني) ,لان هذا الوقت هو الأنسب للمذاكرة والاعمال الذهنية والتفكير لاتخاذ القرارات ,وكما اثبتت هذه الأبحاث ان ذاكرة الانسان تبقى في ذروة نشاطها من منتصف الليل حتى التاسعة صباحا ,اما ساعات الظهيرة فهي افضل الأوقات(للعمل والاجتماعات والاعمال المنزلية للنساء) ,بينما ساعات ما بعد الظهيرة هي اقل اوقات اليوم للإحساس (بالألم) وافضل الأوقات (للنوم والراحة) ,لان الايقاعات الطبيعية للجسم في هذا الوقت تجعل الانسان يشعر بالرغبة في النوم ,اما أوقات ما بعد الخامسة مساء فهي الأفضل لممارسة(الرياضة).
لم تقتصر الدراسات والأبحاث على هذه الساعة البيولوجية فقط على الانسان ,بل أيضا قام العلماء(الالمان) بدراسة علمية عن علاقة التكاثر بعوامل البيئة ,كدرجات الحرارة وعدد ساعات بقاء ضوء الشمس خلال النهار ,وانتهت هذه الدراسة الى نتائج ابرزها : ان فرص الحمل عند النساء تزداد خلال الأشهر التي تظل فيها الشمس مشرقة لمدة 12) ساعة) في اليوم ,كما اكدت الدراسات الاجتماعية والميدانية التي اجراها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاءات بالقاهرة ان السعادة الزوجية لها مواسم معينة.
علم الايقاعات البيولوجية:
هذا العلم هو جديد ,لكنه يتطور بسرعة فائقة بفضل الدراسات والتجارب المتخصصة وهو لبس علما أساسيا فحسب ,بل ينفذ مباشرة الى تطبيقاته العلمية أيضا , ما يمكن الأطباء من إعطاء وصفات اثر دقة لتناول الدواء في اوقاته المناسبة والمعينة ,كما ان هذا العلم يعطي حلولا جذرية حول (الإيقاع المدرسي) وضرورة مجاراته (للإيقاع البيولوجي) ,خصوصا عند الطفل الذي عادة نجبره على القراءة والمذاكرة خلال ساعات النهار والتي يكون خلالها غير قادر على ان يستوعب شيئا على الاطلاق.
كما بدأ الأطباء يفهمون ظهور امراض معينة مثل: حدوث الازمات القلبية بمعدل اكبر في اخر ساعات الليل او بداية الصباح الباكر ,حيث هناك تخثرا مفرطا في الدم نحو الثامنة صباحا ,نتيجة إيقاع جسمي عادي ,وكذلك تقلص حجم القصبة الهوائية في الليل عادة وهذا ما يفسر الربو الليلي.
وبفضل علم الايقاعات البيولوجية تمكن فريق من الأطباء الأمريكيين النفسيين من معالجة عدد من حالات(الارق) المزمن عند كثير ممن لم يفلحوا في تعديل ساعتهم البيولوجية ,اما لظروف عملها او نتيجة مشاكل اجتماعية.
وفي الطب النفسي ,هناك بعض حالات الاكتئاب والانهيار العصبي والتي تتميز بتغير كثير في الايقاعات البيولوجية ,خصوصا إيقاع العمل (الراحة والايقاع الحراري) ,ويعالج المصابون بهذه الحالات "بتطويل" نهارهم او "تقصيره" ,ومن الوسائل العلاجية التي تعيد ايقاعاتهم البيولوجية الطبيعية وضبطها هو في تعرضهم لنور مكثف ولامع جدا للحد من افراز هرمون "الميلاتونين" في الغدة الصنوبرية الموجودة في الدماغ والتي تنشط كثيرا في الظلام.
هجرة الساعة البيولوجية:
يعتبر العلماء هجرة الحيوانات لغزا غامضا ,حيث اكتشفوا انها تتبع توقيت الساعة البيولوجية في داخلها ,ويؤكد العلماء ان هذه الساعة تحدث مواقيت بداية رحلة الهجرة للطيور ونهايتها.
وللنبات أيضا ساعته البيولوجية الخاصة به ,حيث لاحظ العالم (جاك دي ميران) ان احد أنواع نبات (السنط) يفتح أوراقه نهارا لاستقبال الشمس ,حتى اذا ما اقبل الليل اغلقها ,لذلك ,قام بنقل هذا النبات الى مكان مظلم لا تدخله الشمس ليبقى معزولا عن اية عوامل بيئية لها علاقة بدورة الليل والنهار ,ليستنتج من تجربته ودراسته :" ليس من الضروري ابدا ان يكون النبات في الشمس او الهواء الطلق لكي يفتح أوراقه ويغلقها ,بل ان الظاهرة نفسها تحدث لو وضع في الظلام عدة أيام متتالية ,فهو يفتح أوراقه عندما يشرق ضوء الشمس على الرغم انه معزول تماما عن ظلام الليل وضوء النهار ,فهو يحس بالشمس من دون ان يراها".
سبحان الله في خلقه ,وكل يمشي ويحيا وفق ايقاعه الخاص ,ليطرز اية رائعة الجمال من آيات الخلاق العظيم.
*د. باسم عثمان
كاتب وباحث
عرف الانسان التوقيت في شؤون حياته منذ الاف السنين ,فالساعة كانت الأداة التي يتعرف بها على الوقت ,لكن هذه الساعة ليست
الوحيدة التي عرفها ,فهناك ساعة اقدم منها بكثير وهي اعجب ساعة في الكون :انها الساعة البيولوجية – Biological clock - وهذه الساعة تدق في أعماق جميع الكائنات الحية ,حيث تحدد دورات حياتها بمهارة ودقة عالية ,ولولاها لانقرضت صور كثيرة من الحياة ,ولحلت الفوضى في هذا الكوكب.
هذه الساعة تحملها الكائنات الحية في خلاياها وانسجتها ,لكن لا احد يستطيع تحديد موقعها بصورة قاطعة ومؤكدة حتى الان. ومن قديم الزمان ,ايقن الانسان ان الكون منسق طبقا لقوانين الهية صارمة لا يتطرق لها الخطأ ,وأخيرا جدا اكتشف الانسان انه يوجد في جسمه هو الاخر ساعة تحكم حركته وحركة كل شيء فيه ,لذلك ,اكتشف الانسان ان أجهزة جسمه تعمل وفقا لإيقاع معين هو "الإيقاع البيولوجي" ,فكل عضو في جسمنا له إيقاع معين يسير عليه دون خلل ,ولوحظ ان هناك (دورة معينة) للأحلام تتم كل 90 دقيقة ,اما النشاط اليومي فيتبع دورة ال 24 ساعة ,والدورة الشهرية للنساء تحدث كل 27 يوما ,حتى العواطف وبرأي العالم(ليبر) ان لها دورة معينة كل 27.5 يوما ,أي: توازي تقريبا الشهر القمري ,ولاحظ أيضا ان محاولات الانتحار او الاعتداء على الاخرين تتركز في ظهور القمر كاملا في السماء ,لذلك ,اصبح الرياضيين يتبعون في اسفارهم ساعة البلد المضيف قبل السفر بأسبوع حتى يتسنى لهم فرصة ضبط ساعتهم الداخلية قبل الدخول في المسابقات ,واصبح الدبلوماسيون ينتظرون مدة أسبوع للتكيف قبل اتخاذ القرارات المهمة.
ولوحظ أيضا ان معظم الناس يفضلون السفر من الشرق الى الغرب عن السفر من الغرب الى الشرق لأنه من السهل ان يناموا في وقت متأخر ليلة بعد الأخرى من النوم أكثر تبكيرا ليلة بعد الأخرى.
ضبط الساعة الداخلية:
يتم ضبطها من خلال عملية التناغم على الإيقاع اليومي – 24 ساعة – وسمي هذا الإيقاع (بالسيركاديان) ,ويرى معظم العلماء ان هذا الإيقاع موجود في كل خلية من خلايا الجسم في الظروف الثابتة ,حيث ان هناك نوعين من السر: النهاري والليلي ,ويختلفان في انهما يستعملان مؤثرات خارجية تختلف لكل منهما ,لتنظيم الإيقاع اليومي الداخلي ,ومن دون هذه المؤثرات الخارجية ,الانسان يتبع ايقاعا مدته(24 ساعة) ,وفي حال عدم وجود المؤثرات الخارجية يحصل عدم ضبط تام للإيقاع بحدوث فرق عدة دقائق يوميا بالزيادة او النقصان ,وتسمى هذه الظاهرة "الانسياب الحر", حيث استعمل العلماء هذه الملحوظة في تفسير حدوث الارق في بعض حالات الاكتئاب ,فعندما يكتئب المريض يبدأ في فقدان الاهتمام بالمؤثرات الخارجية ويبدأ الزمن بالنسبة اليه يمر في حالة انسياب حر.
ولوحظ أيضا ,ان غالبية الأشخاص لديهم القدرة على ضبط ساعتهم الداخلية للاستيقاظ مبكرا قبل رنين جرس المنبه في الصباح ,لهذا ,حيرت هذه الساعة الحكماء والفلاسفة منذ قديم الزمان ,فالفيلسوف اليوناني(ارسطو) أشار اليها حين طرح سؤالا اثار ولعه وهو:" لماذا تنتفخ انثى قنفذ البحر كلما اصبح القمر بدرا كل شهر؟!!" ,وجاء بعده اخر ليسأل:" لماذا تتحرك أوراق شجر التمر الهندي على مدار ساعات اليوم بنظام دقيق؟!!" ,وجاء بعدهما علماء اخرون يطرحون ذات الأسئلة الحائرة عن الطبيعة مما حفز العديد من العلماء للسبر والكشف عن خفاياها واسرارها.
منذ اكثر من نصف قرن نجح العالم البريطاني " كلود تومسون" في سبر الأمور الغامضة لهذه الظاهرة العجيبة ,حيث انتقل من ميدان الأسئلة الحائرة الى افاق جديدة ورحبة اتاحت للعلماء من بعده ,الاقتراب اكثر فاكثر من اسرار هذه الساعة البيولوجية المثيرة ,وظهور حقائق غريبة وكثيرة تؤكد ان كل كائن حي يحمل بداخله ساعة خاصة به ,تشير الى مواقيت محددة في ضبط نشاطه وتنظيم دورات حياته بدقة متناهية.
وهنا العلماء يتلاعبون بهذه الساعة ,فيقدمونها ويؤخرونها بوسائل علمية لمعرفة اثر اختلال الوقت في دورة حياة الكائنات الحية حتى امتد هذا التلاعب ليصل حياة الانسان نفسه.
يقول العلماء: ان هذه الساعة البيولوجية(خلية عصبية) في حجم حبة الرمل داخل المخ ,وتربطها بالعين شبكة من الاعصاب تقوم بتوصيل الاحساسات المختلفة بأوقات اليوم – الضوء والظلام – الى المخ وتنظيم الحركة الهرمونية للجسم ,فتنشط هرمونات النمو ليلا اثناء النوم لتزداد نسبة(الادرينالين) عند الاستيقاظ .وقد اثبتت التجارب والأبحاث تأثير الساعة البيولوجية في جسم الانسان في الاعمال التي يؤديها على مدار اليوم ,وان لكل عمل له وقت محدد يكون الانسان في افضل حالاته عندما يمارسه ,فساعات الصباح افضل أوقات (الحب) ,اذ تكون المعدلات الهرمونية في ذروتها ,وساعات منتصف الصباح هي من افضل الأوقات (للتركيز الذهني) ,لان هذا الوقت هو الأنسب للمذاكرة والاعمال الذهنية والتفكير لاتخاذ القرارات ,وكما اثبتت هذه الأبحاث ان ذاكرة الانسان تبقى في ذروة نشاطها من منتصف الليل حتى التاسعة صباحا ,اما ساعات الظهيرة فهي افضل الأوقات(للعمل والاجتماعات والاعمال المنزلية للنساء) ,بينما ساعات ما بعد الظهيرة هي اقل اوقات اليوم للإحساس (بالألم) وافضل الأوقات (للنوم والراحة) ,لان الايقاعات الطبيعية للجسم في هذا الوقت تجعل الانسان يشعر بالرغبة في النوم ,اما أوقات ما بعد الخامسة مساء فهي الأفضل لممارسة(الرياضة).
لم تقتصر الدراسات والأبحاث على هذه الساعة البيولوجية فقط على الانسان ,بل أيضا قام العلماء(الالمان) بدراسة علمية عن علاقة التكاثر بعوامل البيئة ,كدرجات الحرارة وعدد ساعات بقاء ضوء الشمس خلال النهار ,وانتهت هذه الدراسة الى نتائج ابرزها : ان فرص الحمل عند النساء تزداد خلال الأشهر التي تظل فيها الشمس مشرقة لمدة 12) ساعة) في اليوم ,كما اكدت الدراسات الاجتماعية والميدانية التي اجراها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاءات بالقاهرة ان السعادة الزوجية لها مواسم معينة.
علم الايقاعات البيولوجية:
هذا العلم هو جديد ,لكنه يتطور بسرعة فائقة بفضل الدراسات والتجارب المتخصصة وهو لبس علما أساسيا فحسب ,بل ينفذ مباشرة الى تطبيقاته العلمية أيضا , ما يمكن الأطباء من إعطاء وصفات اثر دقة لتناول الدواء في اوقاته المناسبة والمعينة ,كما ان هذا العلم يعطي حلولا جذرية حول (الإيقاع المدرسي) وضرورة مجاراته (للإيقاع البيولوجي) ,خصوصا عند الطفل الذي عادة نجبره على القراءة والمذاكرة خلال ساعات النهار والتي يكون خلالها غير قادر على ان يستوعب شيئا على الاطلاق.
كما بدأ الأطباء يفهمون ظهور امراض معينة مثل: حدوث الازمات القلبية بمعدل اكبر في اخر ساعات الليل او بداية الصباح الباكر ,حيث هناك تخثرا مفرطا في الدم نحو الثامنة صباحا ,نتيجة إيقاع جسمي عادي ,وكذلك تقلص حجم القصبة الهوائية في الليل عادة وهذا ما يفسر الربو الليلي.
وبفضل علم الايقاعات البيولوجية تمكن فريق من الأطباء الأمريكيين النفسيين من معالجة عدد من حالات(الارق) المزمن عند كثير ممن لم يفلحوا في تعديل ساعتهم البيولوجية ,اما لظروف عملها او نتيجة مشاكل اجتماعية.
وفي الطب النفسي ,هناك بعض حالات الاكتئاب والانهيار العصبي والتي تتميز بتغير كثير في الايقاعات البيولوجية ,خصوصا إيقاع العمل (الراحة والايقاع الحراري) ,ويعالج المصابون بهذه الحالات "بتطويل" نهارهم او "تقصيره" ,ومن الوسائل العلاجية التي تعيد ايقاعاتهم البيولوجية الطبيعية وضبطها هو في تعرضهم لنور مكثف ولامع جدا للحد من افراز هرمون "الميلاتونين" في الغدة الصنوبرية الموجودة في الدماغ والتي تنشط كثيرا في الظلام.
هجرة الساعة البيولوجية:
يعتبر العلماء هجرة الحيوانات لغزا غامضا ,حيث اكتشفوا انها تتبع توقيت الساعة البيولوجية في داخلها ,ويؤكد العلماء ان هذه الساعة تحدث مواقيت بداية رحلة الهجرة للطيور ونهايتها.
وللنبات أيضا ساعته البيولوجية الخاصة به ,حيث لاحظ العالم (جاك دي ميران) ان احد أنواع نبات (السنط) يفتح أوراقه نهارا لاستقبال الشمس ,حتى اذا ما اقبل الليل اغلقها ,لذلك ,قام بنقل هذا النبات الى مكان مظلم لا تدخله الشمس ليبقى معزولا عن اية عوامل بيئية لها علاقة بدورة الليل والنهار ,ليستنتج من تجربته ودراسته :" ليس من الضروري ابدا ان يكون النبات في الشمس او الهواء الطلق لكي يفتح أوراقه ويغلقها ,بل ان الظاهرة نفسها تحدث لو وضع في الظلام عدة أيام متتالية ,فهو يفتح أوراقه عندما يشرق ضوء الشمس على الرغم انه معزول تماما عن ظلام الليل وضوء النهار ,فهو يحس بالشمس من دون ان يراها".
سبحان الله في خلقه ,وكل يمشي ويحيا وفق ايقاعه الخاص ,ليطرز اية رائعة الجمال من آيات الخلاق العظيم.
*د. باسم عثمان
كاتب وباحث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق