اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

خطوتان ــ قصص قصيرة ...**عباس علي موسى


1
*نفق الأرقام

لم أدرك، تماماً، أنني في القاعة، وأنّه مضى عليّ ما يقارب النصف ساعة بتوقيت ساعتي، وأنّه مضى عليّ قرنٌ كاملٌ بتوقيت إرهاقي، ومع ذلك كنتُ معها. كنت أريد العبور، بجانبي وعلى اليمين تماماً كانت تريد العبور أيضاً، وهي على بُعدِ حجرَيّ رصيفٍ مني.

شعرها أسودُ سواداً بعد الهزيع الثالث من الليل، يتموجُ جهتي، تتداخلُ خصلاتُ شعرها مع تلافيف دماغي في الجانب الأيمن منه بالضبط فيما سيارةٌ قادمةٌ بسرعةٍ جنونية ذاتُ لون أسودَ سواداً بعد الهزيع الأخير من الليل، تحمل الرقم "259190" على لوحتها الأمامية وهي مائلة باتجاه اليمين قليلاً.
مُعلّق داخلها دبٌّ أصفرُ صغيرٌ، يتراقص على إيقاع قوة الأرقام. شعرها الأسود يتداخل مع تلافيف دماغي في الجانب الأيمن منه مع وحدات الزمن.
نمضي معاً على الرصيف المقابل نقطع " 125" حجرَ رصيفٍ، وشعرها يشتعلُ سواداً رغم أعمدة النور بأضوائها الشاحبة.
وعلى اليمين نزلنا خمسَ دركاتٍ إلى الأسفل، قدّمتُ لها كوبَ عصير. وجهُها يبدو أجمل إذ ينعكس في المرايا، ذات الاثنين وعشرين قطعةً، التي تتناوب على بثّ صورتها، فيما ثلاثٌ وعشرون منها في الجهة المقابلة تتناوب على بثّ ملامحي الغريبة بهندسةٍ أكثر غرابةً. حاولتُ أن أتلمّس أصابعها التي تذكّرني بمعضلةٍ حسابية مكوّنةٍ من خمس خانات هي "75931 ".
بقيتُ حينها ساعاتٍ وأنا أحلّها بتوقيت ساعتي، وسنينَ بتوقيت إرهاقي وتعبي، حاولتُ تلمُّسَ أصابعِها دون أن أصطدم بالمحبس في بِنصرها الأيمن؛ هذه الحقيقة التي لا تهمّني كثيراً قَدْرَ ما يهمّني ذلك التطابق ما بين عينيها وعينيّ خالتي لدرجةٍ كبيرة.
كنت أعرف أنّي سأحبّها، أو أنّي أحببتها. قلتُ لها، بعد مرور ثلاث ساعاتٍ تماماً، بأنّي أحبّها. لكنّها لم تغيّر من ملامحها كثيراً، مع أنني حوّلتها إلى كلمةٍ مكونة من مزيجٍ قلبيٍّ، وحوّلتُها إلى قصيدةٍ، كتبتُها قبل أن أتعرّف إليها. كانت تتعامل معي ككلمةٍ ناتئةٍ من قصيدةٍ تؤدّي جرساً جميلاً، وتمضي مع العبارات حتى أنهيها بنقطة. عيناها كانتا تستطيعان أن تتشرّبا ثلاثةً من أعمدة النور، وكوبَ عصير، وثلاثاً وعشرين قطعةً من المرايا، وتعكسا أيضاً سيارةً قادمةً بسرعةٍ جنونية.. تتغلغل في عينيها بسرعةٍ أكثر فيما شعرُها يداعب الجانب الأيمن من دماغي.
"235 " حجرَ رصيف، وثلاثةٌ من أعمدة النور، واثنتان وعشرون قطعةً من المرايا تعكس عينيها فيما تعكسني ثلاثٌ وعشرون منها، ومعضلةٌ حسابية تحمل خمسة أرقامٍ بعدد أصابعها مع المحبس.
ألجُ عينيها، فتشربني وتبعث لي ابتسامةً خفيفة. تقترب السيارة بقرونها ولونها الأسود، وذلك الدبّ الصغير يتأرجح معلّقاً وسط السيارة. تقتربُ أكثر ولوحتها مائلة إلى اليمين قليلاً، وتقترب أكثر وتدخلُ عينيها أكثر.
أرفع رأسي المنهك بحركةٍ مفاجئة، المراقبون ينظرون إليّ بشزر، والصفحةُ التي أمامي لا تزال ناصعة البياض. المعضلة تبدو أصعب من أن أحلّها، وهي تحمل أرقاماً مُرْهِقةً؛ "75931 ".
أمضي في الشوارع منهكاً، أتذكّرُ بطاقةَ اليانصيب خاصّتي، التي تحملُ الرقم
"25919"، أتخيّلُ عالماً بلا أرقام، سياراتٍ تجري بسرعةٍ جنونية دون أن تحمل أرقاماً. أُلامسُ أصابعَ امرأةٍ دون أن أُدقّق في أصابعها، ودون أن تقسمها المرايا إلى أرقام بعدد قطعها.
أمشي في الشوارع دون أن أحصي أحجار الرصيف أو أعدَّ الأدراج. أتركُ
صفحتي بيضاء، وأدوّن عليها إنهاكي وتعبي ماسحاً كلّ الأرقام.

2
*خطوتان

كان سيعطيه بعض النقود الإضافية، فقط لو كانت زهوره حمراء، في تلك اللحظة التي اقتحمَ فيها حياته بتلك الزهور الصفراء. والنقاشات التي دارت بينهما على امتداد خطواتها وهي تقترب منه وتتناقصُ مع خطواتها أحجارُ الرصيف الفاصلة بينهما.
ـ لماذا زهورك صفراء؟
ـ لأنّ أمّي تحبّها هكذا، فهي تقول بأن الزهور الحمراء هي صفراء مخضبة بالدم، وأنا وأمي نخاف الدم.
أدركَ لحظتها بأن الزهور ستذبلُ بين أصابعه الصغيرة إن لم يأخذها منه. كان لصوت النقود، وهو ينقدها لذلك الطفل الصغير، جرسٌ جميل، يؤكدّ بأنّها اقتربت منه مسافة خطوتين. عندها رفع رأسه فاصطدمت عيناه بعينيها ومضت، توقف كلُّ شيءٍ عن الحركة، وفقد كلّ شيءٍ لونه؛ فالفضاء الذي يفصل بينهما على مسافة تلك الخطوتين أمسى خالياً من الصور، من الحركة، عالماً رمادياً، ووسط هذا السكون وانعدام الألوان، ارتسمت على شبكيته تلك العيون التي اصطدمت بعينيه وَمضت.

في اللقاء الثاني كانت الزهرة قد نجحت في إدماء إصبعه وهو يقومُ بقطفها، فتشرّبت الزهرة دماءه حتى أضحت حمراء بلون الدم.

ـ ألمْ تعُد تحبُّ الزهور الصفراء؟!

عندها مدّ إليها إصبعه التي تنزف ألوانَ حمراء، قادرةً على تلوين الزهور الصفراء جميعِها، فوضعت إصبعاً تنزفُ إلى جانب زهرة في ذاكرتها، في مكانٍ غير قابلٍ للنسيان. تبادلوا جميع الزهور الصفراء التي تحويها المدينة، جميع الكلمات، جميع المفردات الجميلة إلا الفراق.. الفراق الذي أعلنه والدها عليها بقسوةٍ لن يتراجع عنها، وبصرامةٍ مثل اللعنات التي تنزل على العُصاة والمذنبين بحقّ الله:

ـ لن تتزوجي منه.

ووضع قفلاً في آخر العبارة التي لن تقبل حتّى نقاشاً، قرّر أن يزوّجها من عيونٍ لن تستطيع أن تنظر إليها؛ لأنها أقسمت ذات يوم ألّا تحبّ إلا تلك العيون وتلك الإصبع الداميةَ التي لوّنت لها حياتها وزهورها بالأحمر. الحبلُ الأصفرُ المحكمُ الربط يتأرجح بسنيّ العمر، ذلك الحبلُ الذي ستلفّه حول عنقها قبل أن يعرف حبيبها بأن الفراق أمسى سيفاً، سيقطع ما بينهما من ذكريات. إحدى عصافيرُ الدوري كانت قد حطت على الحبل المتأرجح بسنيّ العمر، وهي تجلبُ كرسيّاً لتُتِمّ مَشاهد الموت.
صعدتِ الكرسيّ وطردت عصفور الدوري من المكان وهي تتذكر، في تلك اللحظات، ذلك اليوم الذي تصادمت فيه عيونهما؛ وسقطت دمعةٌ واحدةٌ صغيرة، فيها كلّ الحسرات وكلّ الذكريات. سقطت دمعةٌ واحدةٌ، فقط، قبل أن تهمّ بِرَكْلِ الكرسيّ، عندها فقط لم أتمالك نفسي، فمسحتُ تلك الدمعة عن عينيها ونزعتُ الحبل من حول عنقها ثم وضعتُ نقطة في آخر السطر وأعدتُ صياغةَ القصة من جديد:
كان لصوت النقود، وهو ينقدُها لذلك الطفل الصغير، جرسٌ جميل، يؤكدّ بأنّها اقتربت منه مسافة خطوتين. عندها رفع رأسه، لكنها كانت قد تخطّته وَمضت متحوّلةً إلى أثير في جوّ المكان.

3
*كيف أمسيتُ أعمى

كنت يومها في العاشرة ربّما، لا أتذكر التاريخ بالضبط، لكنّه كان شتاءً بارداً. أتذكرّ اللحظات، فقط، وكأنها حدثت الآن، كنت في الحمّام.. وحينها كان أوّلَ يومٍ لي أستحمّ فيه وحدي، والفرح كان يغمرني مثل الماء. رحت أسكب الماء وأستحمّ كالبطّ، عندها امتلأت عيناي بالصابون؛ فجأةً توقف كلّ شيء عن الحركة، الماء لم يعد ينسكب في صورةٍ تشكيلية.

الرغوة المتراكمة كجبالِ ثلجٍ وهميّةٍ، لم أعد أراها. صارت يدي هي التي تتحرك، ورحت أتتبّع خريرَ الماء، همسَه ونشيجَه.

تتبّعتُه بحركاتٍ بطيئةٍ، ارتفعتْ تدريجةُ الإحساس لديّ، أصابعي تبحث بهدوءٍ عن الصنبور. عندها لامَستْ أصابعي، ذاتُ العشرين عاماً، وردةً.. مسّدتُ بيدي على أوراقها، قرّبتُها من أنفي الذي راح يتتبّع رائحتها برشاقة حتى صارت عطراً في ثنايا دماغي.

تدبّ الأصابع في فضاء المكان فتلامسُ عندها يدَ امرأةٍ، تحسّستُها جيّداً. لكنْ، ماذا لو كانت يدَ رجل؟!
أتتبّع الجسد، لكنّه جسدُ امرأة، فالأصابع تعرف أكثر، أهمُّ أن أشمّ ذلك الجسد، تلك الأصابعَ، فتتحول إلى أثير يلجُ ذاكرتي. أبحثُ بيديّ عن علبة السجائر فأستلّ منها سيجارة، تستدير حلقاتُها حول عينيّ المغمضتين، الأصابع تواصل بحثها عن صنبور الماء، فتصطدم به.
أفتح الصنبور لأمسح عن جسدي وعينيَّ تلك الرغوة، ينساب الماء على جسدي، أغتسل من الصابون جيدّاً، أمسح عينيّ جيداً، لكن دون جدوى. أُعيد الكرّة، لكن دون جدوى.
عندها، فقط، أدركتُ أنني أمسيت أعمى.



ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...