![]() |
انخرط في حياته بشكل عادي بعد وفاة أمه ولم يغلق بابه على نفسه مكتئباً حزيناً لأيام وأسابيع فكانت تلك جريمته، نعم هم لم يحاسبوه على قتله للرجل الذي قتله بقدر ما حاسبوه على مقدار حزنه لوفاة أمه
وعلامات ذلك الحزن التي لم يروها، وكان في ذلك دليل إدانة كاف في رأي النائب العام والقاضي على مدى وحشيته واجرامه الذي أدى به لارتكاب الجريمة محور القضية، إذ كيف له أن يخالف طريقتهم في الحزن ويواصل حياته بشكل عادي بعد وفاة أمه دون بكاء متواصل وانعزال عن الحياة؟!
من وجهة نظري فإن المحور الأساسي لرواية الغريب للكاتب الفرنسي ألبير كامو ليس عبثية البطل ولكن عبثية المجتمع الذي قرر أن يضع قواعد صارمة لكل شيء في الحياة حتى المشاعر الشخصية وطريقة التعبير عنها وعلى من يخالف ذلك أن يدفع ضريبة اختلافه، لم تكمن المشكلة في اقدامه على قتل شخص آخر إذ أن جريمته في حد ذاتها وإن كانت جريمة فعلية فإن لها ما يبررها من وجود عداوة بين الطرفين وحمل الطرف الآخر لسلاح أبيض واصابته لصديقه به من قبل.
كان بإمكان أي محامي أن يحصل على حكم مخفف لمثل تلك الجريمة لا يصل بأي حال من الأحوال إلى الإعدام، وكان بإمكانها أن تصبح قضية عادية لولا إقحام أحداث وفاة وجنازة أم البطل في الموضوع والتي تم استخدامها بطريقة مقصودة في محاولة للإيحاء بأن ذلك الرجل لم يهتم لوفاة أمه وعدم وجودها في الحياة فكيف سيهتم لحياة شخص آخر؟! وهو يوضح أيضاً هزلية المحاكم والمحاكمات التي تلبس رداء العدالة في ظاهرها وفي باطنها هي مجرد منافسة بين المحامي والمدعي العام الذي يحاول كل منهما كسب المعركة ولو على حساب الحقيقة.
الغريب ليس غريباً عنا بل هو في داخل كل منا ولكننا لا نقوى على إظهاره، نكبح جماح أنفسنا لنتصرف وفقاً لما تمليه علينا أفكار ورغبات المجتمع لا وفقاً لأفكارنا ومشاعرنا الشخصية، كم منا اضطر للبكاء في الجنازات وهو لا يشعر برغبة البكاء فقط ليقنع من حوله بحزنه ويرضي توقعاتهم؟ كم منا اضطر للتوقف عن ممارسة أعماله اليومية عند وجود حالات وفاة قريبة له، واضطر لتكبد الخسائر على المستوى الشخصي والمهني، على الرغم من أنه يشعر بتحسن أكبر عند اشغال نفسه بروتينيات الحياة المعتادة التي تبعده عن التفكير في مصابه، ولكن لأجل خاطر الناس والمجتمع فعلينا أن نغمس أنفسنا في الحزن ونعيشه مراراً وتكراراً حتى يمنحونا وسام الوفاء والإخلاص؟!
وقس على ذلك أيضاً في كافة التفاصيل الآخرى للحياة التي أصبحنا نحياها للناس لا لأنفسنا!
*سارة الليثي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق