حاورها محمد بدوي
أكدت المهندسة والكاتبة من المملكة المغربية نعيمة السي أعراب في لقاء خاص وحصري ل "الحياة" بأن التنوع الهائل لمصادر المعلومات والميديا والتواصل الاجتماعي حقق انفتاحا غير مسبوق للثقافات والقوميات على بعضها. ربما هذا الانفتاح سبب نوعا من الصراع الفكري، لكنه مد جسرا لتلاقح لانهائي بين الذات العربية والآخر. وهذا جعل المثقف العربي لا يكاد يختلف عن المثقف العالمي أو الغربي تحديدا، منوهة ان القصة أو الرواية أو الفنون السردية عموما (بما فيها السيرة) تعرف انتشارا واهتماما كبيرا في الوطن العربي، بنسبة تفوق المجالات الإبداعية الأخرى، لكنها تظل محصورة في منتديات وتجمعات ضيقة ولا تلقى الدعم الذي تستحق . وتاليا نص اللقاء:
1. كيف تنظرين إلى الحالة الثقافية والأدبية في الوطن العربي؟
الحالة الثقافية في الوطن العربي متأثرة بالوضع العام، وهذا طبيعي. فنجد أن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية عموما، وطغيان الهرولة السياسية والاسترزاق، جعلت ثقافة البهرجة والفلكلور هي الطاغية للأسف، مع وجود استثناءات بالطبع، إذ أن دور المثقف الحقيقي هو المقاومة.
هذا بالإضافة إلى أننا نعيش في زمن يعرف الكثير من التغيرات المتسارعة على مستوى القيم بفعل العولمة وتطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال خاصة مع اكتساح الافتراضي.
لكن من جهة أخرى، نلاحظ أن التنوع الهائل لمصادر المعلومات والميديا والتواصل الاجتماعي، حقق انفتاحا غير مسبوق للثقافات والقوميات على بعضها. ربما هذا الانفتاح سبب نوعا من الصراع الفكري، لكنه مد جسرا لتلاقح لانهائي بين الذات العربية والآخر. وهذا جعل المثقف العربي لا يكاد يختلف عن المثقف العالمي أو الغربي تحديدا، إلا فيما يخص الهوية الدينية والجغرافية وكذا المكانة المميزة التي يحتلها المثقف الغربي في مجتمعه. وهكذا نرى مثلا أن المثقف في العالم العربي أو الأديب بشكل خاص، بفضل ما هو متاح تقنيا وتفاعليا اليوم، أصبح مؤثرا بشكل مباشر في واقع الأحداث، وليس مجرد متابع لها في انتظار نهايتها حتى يقوم بتأريخها روائيا أو شعريا.
ويمكننا القول عموما أن الأدب لا زال يحتفظ بمكانته في تشكيل ثقافة المواطن العربي، وإن غير قليلا من شكله ووسائله.
2. ماذا عن القصة في الوطن العربي ودرجة الاهتمام بها؟
تعرف القصة أو الرواية أو الفنون السردية عموما (بما فيها السيرة) انتشارا واهتماما كبيرا في الوطن العربي بنسبة تفوق المجالات الإبداعية الأخرى، لكنها تظل محصورة في منتديات وتجمعات ضيقة ولا تلقى الدعم الذي تستحق؛ بينما هناك لوبيات خاصة تتحكم في الدعم الذي يمكن تقديمه للكتاب، كما تسيطر على دواليب المهرجانات وصناعة القصة، حتى الجوائز التي تخضع غالبا لاعتبارات ليست بالضرورة ثقافية أو إبداعية، وإنما منطق الولاءات والتبعية قبل كل شيء.
3. هل تعتقدين بأننا سنرى أدباء وكتابا عربا يصلون إلى العالمية ذات يوم؟
بالنسبة للعالمية، فقد حققها الأدباء العرب غير ما مرة. مثلا نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب، وأحلام مستغانمي، والكاتب المغربي محمد شكري وروايته "الخبز الحافي" التي ترجمت إلى 15 لغة عالمية منها اليابانية.
وهناك غيرهم كتاب مميزون وباستطاعتهم الوصول للعالمية، كما الحال في باقي المجالات منها العلمية أو التقنية.
في اعتقادي، إن الخطوة الأساسية لبلوغ العالمية تبدأ من خلال المحافظة على خصوصيات المحلية. لن تكون عالميا إذا عرضت نفسك للذوبان في مصنع عولمة الأفكار، بل ضروري من التميز عبر التشبث بالهوية والخصوصية المحلية لمفاجأة العالم بعوالمك المختلفة.
4. ما الذي يحول دون تطور الحالة الأدبية والثقافية والقصة في الوطن العربي؟
هناك عوامل كثيرة، منها بالأساس ضيق هامش الحريات وطغيان السياسي، إضافة إلى تردي الأوضاع الاجتماعية للمواطن الذي يكتفي بالضروريات المعيشية، بعيدا عن الكتاب الذي هو غذاء الفكر.
5. هل لديك كتب أدبية قمت بنشرها واسمائها؟
أنا حاليا بصدد كتابة روايتي الأولى وهي بعنوان "حديقة القلب"، وقد وصلت إلى مراحلها الأخيرة.
6. كيف تعرفين على نفسك؟
نعيمة السي أعراب، من مواليد الرباط (المغرب) سنة 1970م. مهندسة وكاتبة رأي. نشرت عدة مقالات على جرائد ومجلات مغربية وعربية.
7. لو كان لديك رسالة لمن يهمه الأمر لتطوير الحالة الأدبية والثقافية في الوطن العربي، ماذا تقولين له؟
من الضروري أن نستثمر في التربية والتعليم والثقافة لصنع مواطن المستقبل. بالإضافة إلى ضرورة الاعتناء بالمثقف وتثمين جهده والاحتفاء بعمله وتقديره كما هو الشأن في الدول المتقدمة. وهذا قرار سياسي بالأساس.
8. هل الأدب والثقافة تطعم خبزا؟
ليس بالضرورة. فمثلا باستثناء شعراء التكسب، لا يذكر التاريخ أن الأدب كان مصدر عيش كريم. لكن هناك استثناءات كثيرة بالطبع لأعمال نجحت بشكل لافت وحققت مبيعات ضخمة وعائدات مالية كبيرة في حياة الكاتب.
9. ما حال القصة والحالة الثقافية في المملكة المغربية؟
عرفت القصة في المغرب تطورا نوعيا منذ أربعينيات القرن الماضي، انطلاقا من مرحلة التأسيس وبلوغا الى مرحلة ما سماه الكاتب المغربي الكبير احمد بوزفور الأفق الأزرق عند كتاب التسعينيات الشباب.
فبخلاف القصة أو الرواية في بعض الأقطار العربية خاصة مصر بحيث ارتبطت بالسينما وتطورت معها، ظلت الكتابة السردية بالمغرب منعزلة عن الإنتاج السينمائي.
كما تأثرت بفترة تضييق الحريات خلال ما عرف بسنوات الرصاص، أدت إلى لجوء أغلبية الكتاب إلى الكتابة الرمزية.
ثم فترة التسعينات حيث بلغت القصة آنذاك نوعا من النضج والتحرر في الخطاب والقدرة الهائلة على التجريب في اللغة والطرح الفلسفي والفني والاجتماعي.
واليوم نحن في مرحلة جديدة، حيث أصبحت للكتاب الالكتروني كلمته، بينما يتسم المشهد السردي عموما بنوع من الفوضوية والضبابية وتداخل المفاهيم، مع حالة من الفلتان الفكري سواء تعلق الأمر بالأنساق الفنية الأدبية أو اللغة وما شابه من مقومات هذا الفن؛ فمن جهة، نجد دعاة العمل الميداني والإصرار على جدوى الكتاب الورقي الذي يكاد ينعدم الإقبال عليه إلا في أوساط نخبوية ثقافية خاصة. وفي المقابل، نجد أصحاب المواقع الإلكترونية الخاصة والتي رغم تكاثرها قد لا يكون لها إقبال جاد من لدن القراء والنقاد والكتاب على حد سواء.
في الختام أود التعبير عن شكري لكم ولجريدة الحياة والعاملين بها وكل القراء الأردنيين.
* حاوره محمد بدويالحياة
أكدت المهندسة والكاتبة من المملكة المغربية نعيمة السي أعراب في لقاء خاص وحصري ل "الحياة" بأن التنوع الهائل لمصادر المعلومات والميديا والتواصل الاجتماعي حقق انفتاحا غير مسبوق للثقافات والقوميات على بعضها. ربما هذا الانفتاح سبب نوعا من الصراع الفكري، لكنه مد جسرا لتلاقح لانهائي بين الذات العربية والآخر. وهذا جعل المثقف العربي لا يكاد يختلف عن المثقف العالمي أو الغربي تحديدا، منوهة ان القصة أو الرواية أو الفنون السردية عموما (بما فيها السيرة) تعرف انتشارا واهتماما كبيرا في الوطن العربي، بنسبة تفوق المجالات الإبداعية الأخرى، لكنها تظل محصورة في منتديات وتجمعات ضيقة ولا تلقى الدعم الذي تستحق . وتاليا نص اللقاء:
1. كيف تنظرين إلى الحالة الثقافية والأدبية في الوطن العربي؟
الحالة الثقافية في الوطن العربي متأثرة بالوضع العام، وهذا طبيعي. فنجد أن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية عموما، وطغيان الهرولة السياسية والاسترزاق، جعلت ثقافة البهرجة والفلكلور هي الطاغية للأسف، مع وجود استثناءات بالطبع، إذ أن دور المثقف الحقيقي هو المقاومة.
هذا بالإضافة إلى أننا نعيش في زمن يعرف الكثير من التغيرات المتسارعة على مستوى القيم بفعل العولمة وتطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال خاصة مع اكتساح الافتراضي.
لكن من جهة أخرى، نلاحظ أن التنوع الهائل لمصادر المعلومات والميديا والتواصل الاجتماعي، حقق انفتاحا غير مسبوق للثقافات والقوميات على بعضها. ربما هذا الانفتاح سبب نوعا من الصراع الفكري، لكنه مد جسرا لتلاقح لانهائي بين الذات العربية والآخر. وهذا جعل المثقف العربي لا يكاد يختلف عن المثقف العالمي أو الغربي تحديدا، إلا فيما يخص الهوية الدينية والجغرافية وكذا المكانة المميزة التي يحتلها المثقف الغربي في مجتمعه. وهكذا نرى مثلا أن المثقف في العالم العربي أو الأديب بشكل خاص، بفضل ما هو متاح تقنيا وتفاعليا اليوم، أصبح مؤثرا بشكل مباشر في واقع الأحداث، وليس مجرد متابع لها في انتظار نهايتها حتى يقوم بتأريخها روائيا أو شعريا.
ويمكننا القول عموما أن الأدب لا زال يحتفظ بمكانته في تشكيل ثقافة المواطن العربي، وإن غير قليلا من شكله ووسائله.
2. ماذا عن القصة في الوطن العربي ودرجة الاهتمام بها؟
تعرف القصة أو الرواية أو الفنون السردية عموما (بما فيها السيرة) انتشارا واهتماما كبيرا في الوطن العربي بنسبة تفوق المجالات الإبداعية الأخرى، لكنها تظل محصورة في منتديات وتجمعات ضيقة ولا تلقى الدعم الذي تستحق؛ بينما هناك لوبيات خاصة تتحكم في الدعم الذي يمكن تقديمه للكتاب، كما تسيطر على دواليب المهرجانات وصناعة القصة، حتى الجوائز التي تخضع غالبا لاعتبارات ليست بالضرورة ثقافية أو إبداعية، وإنما منطق الولاءات والتبعية قبل كل شيء.
3. هل تعتقدين بأننا سنرى أدباء وكتابا عربا يصلون إلى العالمية ذات يوم؟
بالنسبة للعالمية، فقد حققها الأدباء العرب غير ما مرة. مثلا نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب، وأحلام مستغانمي، والكاتب المغربي محمد شكري وروايته "الخبز الحافي" التي ترجمت إلى 15 لغة عالمية منها اليابانية.
وهناك غيرهم كتاب مميزون وباستطاعتهم الوصول للعالمية، كما الحال في باقي المجالات منها العلمية أو التقنية.
في اعتقادي، إن الخطوة الأساسية لبلوغ العالمية تبدأ من خلال المحافظة على خصوصيات المحلية. لن تكون عالميا إذا عرضت نفسك للذوبان في مصنع عولمة الأفكار، بل ضروري من التميز عبر التشبث بالهوية والخصوصية المحلية لمفاجأة العالم بعوالمك المختلفة.
4. ما الذي يحول دون تطور الحالة الأدبية والثقافية والقصة في الوطن العربي؟
هناك عوامل كثيرة، منها بالأساس ضيق هامش الحريات وطغيان السياسي، إضافة إلى تردي الأوضاع الاجتماعية للمواطن الذي يكتفي بالضروريات المعيشية، بعيدا عن الكتاب الذي هو غذاء الفكر.
5. هل لديك كتب أدبية قمت بنشرها واسمائها؟
أنا حاليا بصدد كتابة روايتي الأولى وهي بعنوان "حديقة القلب"، وقد وصلت إلى مراحلها الأخيرة.
6. كيف تعرفين على نفسك؟
نعيمة السي أعراب، من مواليد الرباط (المغرب) سنة 1970م. مهندسة وكاتبة رأي. نشرت عدة مقالات على جرائد ومجلات مغربية وعربية.
7. لو كان لديك رسالة لمن يهمه الأمر لتطوير الحالة الأدبية والثقافية في الوطن العربي، ماذا تقولين له؟
من الضروري أن نستثمر في التربية والتعليم والثقافة لصنع مواطن المستقبل. بالإضافة إلى ضرورة الاعتناء بالمثقف وتثمين جهده والاحتفاء بعمله وتقديره كما هو الشأن في الدول المتقدمة. وهذا قرار سياسي بالأساس.
8. هل الأدب والثقافة تطعم خبزا؟
ليس بالضرورة. فمثلا باستثناء شعراء التكسب، لا يذكر التاريخ أن الأدب كان مصدر عيش كريم. لكن هناك استثناءات كثيرة بالطبع لأعمال نجحت بشكل لافت وحققت مبيعات ضخمة وعائدات مالية كبيرة في حياة الكاتب.
9. ما حال القصة والحالة الثقافية في المملكة المغربية؟
عرفت القصة في المغرب تطورا نوعيا منذ أربعينيات القرن الماضي، انطلاقا من مرحلة التأسيس وبلوغا الى مرحلة ما سماه الكاتب المغربي الكبير احمد بوزفور الأفق الأزرق عند كتاب التسعينيات الشباب.
فبخلاف القصة أو الرواية في بعض الأقطار العربية خاصة مصر بحيث ارتبطت بالسينما وتطورت معها، ظلت الكتابة السردية بالمغرب منعزلة عن الإنتاج السينمائي.
كما تأثرت بفترة تضييق الحريات خلال ما عرف بسنوات الرصاص، أدت إلى لجوء أغلبية الكتاب إلى الكتابة الرمزية.
ثم فترة التسعينات حيث بلغت القصة آنذاك نوعا من النضج والتحرر في الخطاب والقدرة الهائلة على التجريب في اللغة والطرح الفلسفي والفني والاجتماعي.
واليوم نحن في مرحلة جديدة، حيث أصبحت للكتاب الالكتروني كلمته، بينما يتسم المشهد السردي عموما بنوع من الفوضوية والضبابية وتداخل المفاهيم، مع حالة من الفلتان الفكري سواء تعلق الأمر بالأنساق الفنية الأدبية أو اللغة وما شابه من مقومات هذا الفن؛ فمن جهة، نجد دعاة العمل الميداني والإصرار على جدوى الكتاب الورقي الذي يكاد ينعدم الإقبال عليه إلا في أوساط نخبوية ثقافية خاصة. وفي المقابل، نجد أصحاب المواقع الإلكترونية الخاصة والتي رغم تكاثرها قد لا يكون لها إقبال جاد من لدن القراء والنقاد والكتاب على حد سواء.
في الختام أود التعبير عن شكري لكم ولجريدة الحياة والعاملين بها وكل القراء الأردنيين.
* حاوره محمد بدويالحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق