يحمل عنوان المجموعة دلالته المخضوضرة في يباس هذا العالم الذي كاد أن يفقد براءته , مختاراً إيحاءته الفنيّة من لغة تطير بأجنحة الحداثة , في آفاق تنأى عن المألوف المعتاد , لتتسربل في غلالات المعنى , مضفية على مبناها ظلالاً من سحر وإثارة , تأخذنا معها إلى عوالم تستيقظ للتو , على جحيم يتربّص بعفويتها الغارقة في أحلام اليقظة .حيث يقف عصفور الروح على غصن ذاكرة تتأرجح بين التشيّؤ والتلاشي , لينقر حبّات الصّدأ التي علتها طويلاّ , معيداً إليها يناعتها واخضلالها , فإذا برمادها يتطاير عن اخضرار باذخ لخلاياها المتفحّمة , فتبرعم
أغصانها وتورق, ويتكوثر ماؤها . وتفيض أفياؤها على تصحّر الوجود , لتعيد إليه الزمن المفقود . (وقف على غصن الذاكرة , فتبرعمت خلاياها , واخضرّت أوراقها , وعزف على وتر الصباح , بوحه الشفيف المغموس بحزن معتّق .) .لقد أكسبتنا هذه المجموعة خبرات جمالية , موفّرة لنا جوّاً من الإمتاع والاستئناس , محوّلة أحداثها المستقاة من بيئتها المحيطة إلى فنّ يرقى بالذائقة , ويسمو بالوجدان .( ابتسمت تفاحة تسترخي على وجه السلّة و , تضاحكت أخريات مرحّبات وشامتات .) ( قالت الأرض وهي تمشّط شعرها بإزميل حاد , نسيه فلاح على حدودها : أنا أمّ العالم ! من يقتلع الأشواك من جسدي , وينظّفه من البراكين الملتهبة ؟)
(نامت الشمس في حضن أول غيمة منفيّة من موطنها ) , ( تحسست رأسي فكان أملس كسطح المرآة )....استطاع باسم عبدو في هواجسه من خلال الصورة السّردية التي لا تنتهي عند حدٍّ معيّن , أن يفتح دلالاته على المتن السّردي في إغناء وتعميق لذلك الحراك الحكائيّ وقد أغنته وعمّقته ,مستبطنة فعاليات التصوير السّردي , حيث يمتزج الواقع المعاش بالمتخيّل المغرق في الحلم , وأورد بعض العناوين أمثلة بيّنة على ذلك ,منها مذّكرات فاتنة ) , (كلام على فم المصباح ) , (الصّياد والفراشة) . لقد استثمراللّغة في تعبير لافت عن الرؤيا التي تتمظهر في تجلّيات النّص وقصديته لتنفتح على أعماقها بجهدها الخاصّ , موشّحة بحرير الشّعر , وفضاءاته البرقيّة التي تتيح للذائقة الأدبية والجمالية من خلال رؤيا باذخة , واستشفاف ذي حساسية عالية , أن تلتقط ما تصطفي في نسيج دراميّ , يولّد لدى المتلقّي ذلك الانطباع الراسخ بمدى وأهميّة ما يترك في وجدانه من حالات تربو على اللّحظة الماثلة , لتندرج في سيرورة وديمومة خلودها , منجزة المتعة والفائدة : (شرطا الإبداع الفنّي ) بامتياز .
اللغة والحدث في آن معاً , تعتملان بشعرية السّرد من خلال الحيّز الدرامي وتقنيات الإثارة في السّرد وتوظيفها , فتأخذ الدلالات في العناوين أبعاداً فنّية متميزة بوصفها عتبات للنصوص , وأيضاً بكونها مكامن سرديّة تضيف إلى جماليتها الخاصة , توظيف تقنية المقاطع التي تتمظهر في (سالومي) و(مشاهد مألوفة ) و(تورق ذاكرتي) القصّة التي تحمل اسم المجموعة .و(بين القلب والذاكرة ). أمّا بالنسبة إلى الدراما في اللّغة فقد جاءت بعض القصص على حساب الحدث الدرامي فطغت عليه تبعاً لنشاط الصورة السّردية في حراكها الانفعاليّ الذي ظهر من خلال اللّغة التي تنفتح على ذاتها ومتلقيها محمّلة بالحياة المتفجّرة بالحدث القصصي , لتتكشف للمتلقي لحظة ذروته في نهاياتها كما جاء في قصّة(مشاهد ملوّنة ). جاءت اللّغة في قصص باسم عبدو لتتقلّد مهمّة إضافية في إحداثيات السرد , مغامراً بتجريبية فائقة الجرأة ليؤسّس عن طريق التصوير التشخيصيّ معنى جديداً للدلالة المتغيرة والمتمايزة لتلك المغامرة الحكائية السردية . في تمركز العنونة خلق مغاير للسائد في التأليف القصصي , استطاع أن يبرز من إحداثيات الواقع إلى جماليات المتخيّل .
لقد كانت مضامين تلك القصص فاضحة للزيف في العلاقات الاجتماعية , كاشفة وجوه الخيانة في المصير الوطنيّ لصميم هويتنا التي تمتدّ في الانتماء إلى القوميّ , ذلك الانتماء المتين وشمولية مداه .
لقد أطلّ باسم عبدو بخصوصية نادرة , لينثّ عطراً من حبر الكلمات , على حديقة من أوراق بيضاء , ليحيل شحوبها إلى توهّج وإنارة , أطلّ بأحلامه الهادفة, من خلال فضاءات رحيبة , لتطلعات يثوّرها حسّ إنساني عالٍ , بكل طيّب وجميل .هذه المقدرة على تحويل المرار إلى عسلٍ يطفح بالأمل وربيع دائم الاخضلال , يحرّك في الأعماق ما سكن وركد من حبّ للجمال ونزوع للخير وتنصّر للحقّ .
خلال السطور وبينها . وما تخفّى تحتها وما توارى خلفها , كانت المفردات تتجوّل ككائنات عرفت جيّداً خطورة الدور الذي تؤدّيه على مسرح المواجهة , أمام جمهرة من القرّاء, تباينت رؤاهم , واختلفت مفاهيمهم .
أزعم وأنا أقرأ درر هذه المجموعة بإمعان وتشخيص لدلالات عناوينها , ومغزى كل مضمون من مضامينها , بأن هذا الأديب الموهوب , كان يكنز في ذاكرته الحيّة والمخضوضرة رغم صقيع العواطف, والرمال المتحركة من حوله ينبوعاً ثرّاً يولّد من المعاني المتجوهرة بفعل الخبرة والنضج وسعة الاطلاع ,ما يجعلها مدرسة لتلاميذ القصّة المحدّثة , ومن الثراء اللغوّي والمقدرة على الاشتقاق والتحويل والخلق , ما يثير الشهوة إلى التجريب والمبادأة والمحاكاة بكلّ تجلياتها لدى الكاتب , أيّاً كان مستواه الثقافي والمعرفي والإبداعيّ .
وقفت طويلاً أمام عنوان المجموعة ,(تورق ذاكرتي ) ترى ماذا ستورق ذاكرة باسم عبدو ؟ وهل ستزهر وتعقد في مجريات أحداثها ؟ وإلى أين ستأخذنا ؟ هل ستلقينا على مفارش أحلامنا نجترّ ماضٍ لايمكن أن يعود ؟ أم تراها ستمخر بتطلعاتنا وأهدافنا وطموحاتنا إلى آفاق الإنجاز والتحقيق , واستعادة المكانة اللائقة بإنسانيتنا التي راودتها قوى الشرّ والباطل , لتودي بها إلى الهلاك .
تضم هذه المجموعة المخضلّة بما يندى ويروي والصادرة عن الاتحاد العام للكتاب العرب , ثلاثاً وعشرين قصّة ,بالإضافة إلى ثمانٍ من القصص القصيرة جداً , تحمل في مضامينها هموم الإنسان المسحوق بفعل الإحباط والتردّي في مهاوي الاستهلاك المحموم لمثله وإنسانيته , في رعبه العشوائي من مجهول يتربّص بوجوده , ومواريثه وقيمه .
لست بصدد تقديم دراسة نقدية لهذه المجموعة التي استحوذت على مخيلتي فجعلتها تورق أيضاً بعد أن شابها هشيم الأيام , فإذا بنسائم الجديد والمغاير تزرّي عنها غبار التراكم والوقوع تحت تأثير الرتابة والمحاكاة , إن هذه المجموعة الحائزة على أهم مقومات القصة , بفنيّتها العالية , من حيث الأفكار الجديدة , والأساليب المبتكرة , والنهايات التي تحمّل القارئ تساؤلات من المفروض أن تحرّك لا أن تسكّن , فالأمل سلاح لدحر التواكل والاستسلام , لكنه ليس ركناً نلوذ به لاجترار الأحلام .
بالرغم من أنّ المؤلّف قد كشف لنا عن بعض أسراره الفنيّة من حيث دلالاتها المجتمعية والسياسية ومستوياتها الثقافية والاستيعابية , فقد خبّأ لنا الكثير من مفاجآته المكنونة , والتي نكتشفها تباعاً , من خلال قراءات متباعدة , تأخذنا في كلّ قراءة إلى آفاق مستجدّة , ومغايرة لما سبقها , وهذه الاختلافات هي سرّ عظمة المبدع الذي يتجدد بنتاجه وعطاءاته في كل لحظة من لحظات الزمان القلّب , لعقول تتغاير وتنموفي تطوير لمفاهيم وأفكار تتأبى على التكرار , بل تتخلّق خلقاّ جديداّ يتمخضه الإدهاش والانبهار .
أغصانها وتورق, ويتكوثر ماؤها . وتفيض أفياؤها على تصحّر الوجود , لتعيد إليه الزمن المفقود . (وقف على غصن الذاكرة , فتبرعمت خلاياها , واخضرّت أوراقها , وعزف على وتر الصباح , بوحه الشفيف المغموس بحزن معتّق .) .لقد أكسبتنا هذه المجموعة خبرات جمالية , موفّرة لنا جوّاً من الإمتاع والاستئناس , محوّلة أحداثها المستقاة من بيئتها المحيطة إلى فنّ يرقى بالذائقة , ويسمو بالوجدان .( ابتسمت تفاحة تسترخي على وجه السلّة و , تضاحكت أخريات مرحّبات وشامتات .) ( قالت الأرض وهي تمشّط شعرها بإزميل حاد , نسيه فلاح على حدودها : أنا أمّ العالم ! من يقتلع الأشواك من جسدي , وينظّفه من البراكين الملتهبة ؟)
(نامت الشمس في حضن أول غيمة منفيّة من موطنها ) , ( تحسست رأسي فكان أملس كسطح المرآة )....استطاع باسم عبدو في هواجسه من خلال الصورة السّردية التي لا تنتهي عند حدٍّ معيّن , أن يفتح دلالاته على المتن السّردي في إغناء وتعميق لذلك الحراك الحكائيّ وقد أغنته وعمّقته ,مستبطنة فعاليات التصوير السّردي , حيث يمتزج الواقع المعاش بالمتخيّل المغرق في الحلم , وأورد بعض العناوين أمثلة بيّنة على ذلك ,منها مذّكرات فاتنة ) , (كلام على فم المصباح ) , (الصّياد والفراشة) . لقد استثمراللّغة في تعبير لافت عن الرؤيا التي تتمظهر في تجلّيات النّص وقصديته لتنفتح على أعماقها بجهدها الخاصّ , موشّحة بحرير الشّعر , وفضاءاته البرقيّة التي تتيح للذائقة الأدبية والجمالية من خلال رؤيا باذخة , واستشفاف ذي حساسية عالية , أن تلتقط ما تصطفي في نسيج دراميّ , يولّد لدى المتلقّي ذلك الانطباع الراسخ بمدى وأهميّة ما يترك في وجدانه من حالات تربو على اللّحظة الماثلة , لتندرج في سيرورة وديمومة خلودها , منجزة المتعة والفائدة : (شرطا الإبداع الفنّي ) بامتياز .
اللغة والحدث في آن معاً , تعتملان بشعرية السّرد من خلال الحيّز الدرامي وتقنيات الإثارة في السّرد وتوظيفها , فتأخذ الدلالات في العناوين أبعاداً فنّية متميزة بوصفها عتبات للنصوص , وأيضاً بكونها مكامن سرديّة تضيف إلى جماليتها الخاصة , توظيف تقنية المقاطع التي تتمظهر في (سالومي) و(مشاهد مألوفة ) و(تورق ذاكرتي) القصّة التي تحمل اسم المجموعة .و(بين القلب والذاكرة ). أمّا بالنسبة إلى الدراما في اللّغة فقد جاءت بعض القصص على حساب الحدث الدرامي فطغت عليه تبعاً لنشاط الصورة السّردية في حراكها الانفعاليّ الذي ظهر من خلال اللّغة التي تنفتح على ذاتها ومتلقيها محمّلة بالحياة المتفجّرة بالحدث القصصي , لتتكشف للمتلقي لحظة ذروته في نهاياتها كما جاء في قصّة(مشاهد ملوّنة ). جاءت اللّغة في قصص باسم عبدو لتتقلّد مهمّة إضافية في إحداثيات السرد , مغامراً بتجريبية فائقة الجرأة ليؤسّس عن طريق التصوير التشخيصيّ معنى جديداً للدلالة المتغيرة والمتمايزة لتلك المغامرة الحكائية السردية . في تمركز العنونة خلق مغاير للسائد في التأليف القصصي , استطاع أن يبرز من إحداثيات الواقع إلى جماليات المتخيّل .
لقد كانت مضامين تلك القصص فاضحة للزيف في العلاقات الاجتماعية , كاشفة وجوه الخيانة في المصير الوطنيّ لصميم هويتنا التي تمتدّ في الانتماء إلى القوميّ , ذلك الانتماء المتين وشمولية مداه .
لقد أطلّ باسم عبدو بخصوصية نادرة , لينثّ عطراً من حبر الكلمات , على حديقة من أوراق بيضاء , ليحيل شحوبها إلى توهّج وإنارة , أطلّ بأحلامه الهادفة, من خلال فضاءات رحيبة , لتطلعات يثوّرها حسّ إنساني عالٍ , بكل طيّب وجميل .هذه المقدرة على تحويل المرار إلى عسلٍ يطفح بالأمل وربيع دائم الاخضلال , يحرّك في الأعماق ما سكن وركد من حبّ للجمال ونزوع للخير وتنصّر للحقّ .
خلال السطور وبينها . وما تخفّى تحتها وما توارى خلفها , كانت المفردات تتجوّل ككائنات عرفت جيّداً خطورة الدور الذي تؤدّيه على مسرح المواجهة , أمام جمهرة من القرّاء, تباينت رؤاهم , واختلفت مفاهيمهم .
أزعم وأنا أقرأ درر هذه المجموعة بإمعان وتشخيص لدلالات عناوينها , ومغزى كل مضمون من مضامينها , بأن هذا الأديب الموهوب , كان يكنز في ذاكرته الحيّة والمخضوضرة رغم صقيع العواطف, والرمال المتحركة من حوله ينبوعاً ثرّاً يولّد من المعاني المتجوهرة بفعل الخبرة والنضج وسعة الاطلاع ,ما يجعلها مدرسة لتلاميذ القصّة المحدّثة , ومن الثراء اللغوّي والمقدرة على الاشتقاق والتحويل والخلق , ما يثير الشهوة إلى التجريب والمبادأة والمحاكاة بكلّ تجلياتها لدى الكاتب , أيّاً كان مستواه الثقافي والمعرفي والإبداعيّ .
وقفت طويلاً أمام عنوان المجموعة ,(تورق ذاكرتي ) ترى ماذا ستورق ذاكرة باسم عبدو ؟ وهل ستزهر وتعقد في مجريات أحداثها ؟ وإلى أين ستأخذنا ؟ هل ستلقينا على مفارش أحلامنا نجترّ ماضٍ لايمكن أن يعود ؟ أم تراها ستمخر بتطلعاتنا وأهدافنا وطموحاتنا إلى آفاق الإنجاز والتحقيق , واستعادة المكانة اللائقة بإنسانيتنا التي راودتها قوى الشرّ والباطل , لتودي بها إلى الهلاك .
تضم هذه المجموعة المخضلّة بما يندى ويروي والصادرة عن الاتحاد العام للكتاب العرب , ثلاثاً وعشرين قصّة ,بالإضافة إلى ثمانٍ من القصص القصيرة جداً , تحمل في مضامينها هموم الإنسان المسحوق بفعل الإحباط والتردّي في مهاوي الاستهلاك المحموم لمثله وإنسانيته , في رعبه العشوائي من مجهول يتربّص بوجوده , ومواريثه وقيمه .
لست بصدد تقديم دراسة نقدية لهذه المجموعة التي استحوذت على مخيلتي فجعلتها تورق أيضاً بعد أن شابها هشيم الأيام , فإذا بنسائم الجديد والمغاير تزرّي عنها غبار التراكم والوقوع تحت تأثير الرتابة والمحاكاة , إن هذه المجموعة الحائزة على أهم مقومات القصة , بفنيّتها العالية , من حيث الأفكار الجديدة , والأساليب المبتكرة , والنهايات التي تحمّل القارئ تساؤلات من المفروض أن تحرّك لا أن تسكّن , فالأمل سلاح لدحر التواكل والاستسلام , لكنه ليس ركناً نلوذ به لاجترار الأحلام .
بالرغم من أنّ المؤلّف قد كشف لنا عن بعض أسراره الفنيّة من حيث دلالاتها المجتمعية والسياسية ومستوياتها الثقافية والاستيعابية , فقد خبّأ لنا الكثير من مفاجآته المكنونة , والتي نكتشفها تباعاً , من خلال قراءات متباعدة , تأخذنا في كلّ قراءة إلى آفاق مستجدّة , ومغايرة لما سبقها , وهذه الاختلافات هي سرّ عظمة المبدع الذي يتجدد بنتاجه وعطاءاته في كل لحظة من لحظات الزمان القلّب , لعقول تتغاير وتنموفي تطوير لمفاهيم وأفكار تتأبى على التكرار , بل تتخلّق خلقاّ جديداّ يتمخضه الإدهاش والانبهار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق