⏪حرو ف الهجاء يغزل الشاعر "يوسف الباز بلغيث" أبيات شعرية في شاكلة لوحة فنية متميزة وإيقاع موسيقي رنان يحاكي منخلاله إحساس المتلقي
من حروف الهجاء يغزل الشاعر "يوسف الباز بلغيث" أبيات شعرية في شاكلة
لوحة فنية متميزة وإيقاع موسيقي رنان يحاكي من خلاله إحساس المتلقي.
عند جوف القوافي ومنتهى الإبداع نشا الشاعر" يوسف الباز بلغيث" وسط جو
عائلي مهيأ لامتهان الحرف متسلح بأبجديات اللغة ومعانيها ما مكنه من
تجاوز طابوهات المبهمات ، و كل ما يشتت الفكر ويعيب الإبداع حيث نلتمس
في شعره محاور تمس الشكل و الأسلوب ناهيك عن الرسالة الشعرية التي
ينقلها في تطورات شكلية للقصيدة العربية الجديدة ،ومن إصداراته 5 دواوين
والسادس " للنخلة دين علي" بعمان ـ الأردن، بــ ( دار شهرزاد للنشر
والتوزيع ) متحصل على جوائز عديدة من بينها الجائزة الوطنية الـ 1 في
الشعر الملتقى الوطني الأول للأدب والسياحة 2000 ، تراه يراوح بين شكلي
قصيدة التفعيلة والقصيدة الحرة ،وله مشاريع منتظرة تشمل رسائل أدبية،
وديوان شعري كما له مخطوطات تتناول (مجموعة قصصية ،رؤية شعرية ،قراءات
نقدية، وخواطر أدبية).
حوار : حكيمة شكروبة
س 1ــ يحاول الشاعر الجزائري "يوسف الباز بلغيث" الارتحال بنا في كبسولة
الزمن من خلال قصائده التي تجمع بين العمودي والحر عبر محطات متعددة ،
فما هي نوازعك الداخلية التي وضفتها لهذا البذخ الفكري؟
بسم الله.. والحمد لله؛ .. إنَّ التنوّعَ في الكتابة يربأُ بالحرفِ إلى
دافع التأثّر بالأدب العربي الجميل _ تحتَ رايةِ صنوفِه النثريّة
والشّعريّة _ ثمّ بقيمةِ المُقتَنى منه دونَ تخطيطٍ مُسبق؛ ولا أدَّعي
علمًا بكلّ الصّنوف، بقدر ما أريدُ التّدليلَ على نتيجةِ التّلقّي
الجميلِ الذي سيؤدّي بالكاتبِ إلى إنتاجِ جمالٍ موازٍ، قد لا يقلُّ
أهميّةً وقيمةً عن الذي تأثّرتُ به . وأما عن طبيعة القصيدة التي أشتغل
عليها _ حرة كانت أم عمودية _ فالنازع هو البحث عن معالم التأثير في
القارئ والمتلقي في سياق الوزن الشعري الطافح ظاهريا أو باطنيا، المنقب
عن بؤر الجمال والدهشة في السياق والمعنى ليتم ربط الحلقة المفرغة بينَ
عاشق ومعشوق. وما يُصبُّ في جدليّة الاعتراف بالإبداع نفسِه، فأنا لا
أنفي وجودَ وتأثيرَ هذا الإبداع، بقدْر ما أنوِّه إلى خطورة فاعليّته..
بل يوجدُ ما هو حداثيٌّ عربي، يرجع الفضلُ به وله في تشكيلِ قصيدةٍ
حداثيّةٍ من حيث الشّكل، والمضمون والمبنَى الشّعريِّ .. ولكنّ المشكلَ
في
الاتّجاهاتِ الجديدة التي رأت في هذه الحداثة الممنهَجة السّاحرة متّكأً
في أنْ تبرِّرَ خروجَها على النّمط القديم، باسم الخروج وفقط؛ أي" خالف
تُعرفْ !" ومن المغالبة ساعتَها أنّ نصدّق بمُتشاعرٍ يتشدّق برؤَى الشّعر
الحديث ،ولم يقف مرّةً على أطلال القصيدة الأصيلة.
س 2 ـ صراع الذات وأنماط المعيشة المتابينة ، هل هذه المفارقات تخلق
سيولة في العطاء المعرفي؟
الحاجة ام الاختراع _كما يقولون_ وليس بالضرورة شظف العيش سيولد لدى
الكاتب أو المبدع او الفنان سيولة في العطاء؛ ولكن المبدع الحقيقي يصارع
معيشته وظروف ملابساتها المتباينة ليخلق من عطشه دفقا لمريدي الفن
والكلمة واللوحة. فلا جرمَ أنّ الشاعرَ لا يتحكّم فيما يصل إلى خَلَدِه
التّخيّلي والوجدانيّ من هواجسَ وإملاءاتٍ شعريّة_ وقد ارتبطت بنفسيته
وواقعه _ وبالتّالي فهذه التجربةُ الفنيّةُ ستكون بمنأًى عن تصريفِ
الشّاعر لها بشكلٍ ما. والكلمةُ الشّعرية ستتلفّفُ بأثوابٍ متنوّعة تبعًا
للحالة النّفسيّة للشّاعر، حتى يصوغَها غنائيةً ،أو فصيحةً كقصيدٍ..و..
إلخ..
س 3 ـ كون الشاعر "الباز" يحمل في جعبته الكثير من الثروة الفكرية
والطاقة الإبداعية ، فما هي طموحاتك المستقبلية، واستشعارك لمكانة الشعر
الجزائري بين نظائره من الدول ؟
ليس منتهى تفكيري أن أتوكأ على ثروتي الشَّعرية لأصِل إلى مكانةٍ علميّة
ما، ولقد خبِرتُ تجاربَ عديدةً كانت لها مقاماتٌ كبرى وجليلة في الشعر
والرّواية ووووو.. ولكنها انطوت تحتَ جناح السّياسة وزوايا المقعد الحزبي
أو النقابي، وبدأت ثروتها تنفد، واهتماماتها تضمحل رويدا رويدا؛ في خضم
ما تمليه المسؤولية الحكومية أو الخاصة. وأما عن مكانة الشعر الجزائري
فإني متفائل بأسماء كتابنا في جميع الصعود الإبداعية، وينقص مجامعنا
الأدبية ودراسات باحثينا النظر بكتب في دفقة إبداع شبابنا، بعيدا عن
مزايداتٍ، ضلت طريقَها وهي تتشدّق بأدب محمود درويش ونزار قباني وووو،
كما امتلأت خزائن جامعاتنا بمناقشاتها، وتركت أدبنا تأكله الأغبرة،
وتسحقه العداوات المجانية والحسد والمحسوبية إلا ما شذر من بحوث يُحسب
لصحابها الفضل والصدقية والإيمان بمحصول البيت.
س 4 ـ هذا المولود الجديد " للنخلة دين علي" بحجم متوسط في 30 قصيدة (
قصيرة وطويلة ، عمودية وحرة ) ما هي أسباب ميلاده
بعمان ـ الأردن، بــ ( دار شهرزاد للنشر والتوزيع )، وهل وفقت في ملامسة
مخيلة الإبداع الإنساني باشتغالك على ترويض الحرف؟
كنتُ أردّدُ دائمًا فيما مضى ( مَن لا يحبُّ وطنَه الصّغيرَ لا يحبُّ
وطنَه الكبيرَ ) ... وليس من العجيب أنّ تكون لوعةُ الشّاعر وحسرتُه هي
نفسُ الدّاعي للاعتزاز بالوطن، رغم ما يتدثّر نصوصَنا من خيباتٍ واغترابٍ
في وطنٍ أقلُّ ما يُقال عنه: "إنّه لا يقدّرُ طاقاتِ أبنائه !"..ولكن من
الهامّ أن نعزّزَ حبَّ الوطن بدْءًا منّا وانطلاقا إلى الآخر المريدِ
لنا، المتأثّرِ بأدبنا ورؤانا، ولا يعني هذا أن من ينشر أو يطبع عملا ما
خارج الوطن فقد ارتكب جرما !! بل إنه من الضروريّ أن تتعبّق ورودُ الوطن
وتزدهي كمشاتل جمالية خارجَه، ولعلّ أهم أسباب ميلاده ؛ تواصلُ الآخر مع
أدبنا، وبحثه عن معالم الجمال هنا وهناك، فضلا عن رغبتي في وصول حرفي إلى
من يعشقون الحرفَ العربيَّ الجزائريَّ ولم يتوفّر لهم، وهنا أتذكّر بيتين
للشّاعر ( إيليا إبي ماضي) لحظاتٍ قبل مغادرته وطنَه " لبنان " مؤكدا
فكرتي : لبنانُ لا تعذلْ بَنِيكَ إذا هُمُو ••• ركبُوا إلى
العليـــــــاءِ كلَّ سفِينِ لم يهجُروكَ ملالـــــــــــةً لكنّهم •••
خُلِقوا لِصيدِ اللّؤلؤ المكنونِ والجدير بالذكر؛ إن مانكتبه بصفة وطنية
أو محلية هو في الحقيقة انبعاث إنساني بأتمّ معنى الكلمة، لأن واحد
والفرح واحد ، والإنسان تروضه عولمة إنسية واحدة.
س5- هل تمتهنُ النقد ؟..و كيف ترى للترجمة من أهمية ؟
في الحقيقة أنا أطيلُ التأمّلَ ولا أجيدُ النّقدَ ؛ وما درج لي بمدوّنتي
الخاصّة أو ببعضِ المنابر الثّقافية كانَ مجرّدَ رؤًى وليستْ نقدًا
صِرفا.. ولعلّ عامِليْ (التّرجمة والنّقد) وجيهان في عمليّة تقدير العمل
الإبداعيّ وإبرازه للنّاس، ولا يختلفُ اثنان في أن يضيفَ العاقل في
تقديره لعمل شعريّ ما صفةَ الجمال والقبح والرّقي، أو الابتذال إزاءَ
حكمه على نصٍّ ما أن يدلّلَ على دور الحركة النّقديّة والتّرجمة في توجيه
بصرِه وبحثِه لهذا الشّاعر دونَ آخر، غيرَ نافٍ مستوى وقيمةَ العمل الذي
أنتجَه صاحبُه. ولكنَّ التّرجمةَ والنّقدَ إذا ما وُجِّها إلى هذه القيمة
صارا عامليْ تثريةٍ وتجليةٍ، وبالتّالي سيظهر صاحبُه وتنتشر أعمالُه،
فيتراءى للقارئ أنّه مثالٌ يجب الاحتذاء به، ومنهلٌ يجب الاغترافُ من
معينه، وبهذا تشتهرُ أسماءٌ وتُغمرُ أخرى كان لها أن ترقى، ويتلألأ
نجمُها في سماءِ عاشقيها..! ولكن قد أضيف شيئا مهمّا؛ وهو فكرة "التناسب
بين الصّنفين" الشّعر والنّقد" فهل سيلتقي الشّعرُ الجيّدُ بالنّاقد
الحصيفِ المنصف؟ أم سيتزاوج الشّعرُ بناقدٍ يغالبُ نفسَه في تحليل رقعةٍ
نصيّةٍ مكابرًا تعليلاتِه لها بنوعٍ من الكبرياء أو بلا مبالاة
وعنجهيّة..؟
س6ـ إن زمن ومكان الكتابة يختلفان من شاعر لأخر، فماهي الأماكن والأزمنة
المفضلة لديك . وكيف ساهمت احترافيتك في تلبية مطالب المتلقي ؟
أفضل الأزمان والأمكنة ما قلبت فيّ حرقة التعبير الجادّ، وأثارت في
مخيّلتي ووجداني جمرَ التوقيع الشّعري الفريد، الباحث عن الرقي بفكر
القارئ والسموّ بذائقته، بعيدا عن خرطقات حروفية ساهم في انتشارها أشباهُ
مبدعين، لأنّ الحيلةَ الخاصّة التي يركنُ إليها أو يراها الشّاعرُ أكثرَ
ما يُعطي نصَّه جماليّاته وقوّتَه ،ويزيد في رونقه ؛ إذ الأمورُ ستمشي
على سجيّتها في أثناء ولوجِ اللّحظةِ الإبداعيّة بابَ الفكر والقلب..
والهاجسُ الذي ينتابُني للكتابة _ مثلَ باقي الكُتّاب_ وإنْ تغيّرتْ
مواسمُه و رياحُه؛ يستجدي حالةً من الوَعي واللاّوَعي على حدٍّ سواء..
واللاّوعي أسبقُ كما تعرفون، ولكنّي أجدني متدفّقًا بالكتابة في حالات
الحزن أكثرَ، وفي النّقر على بوّابةِ الألم، لاستقراءِ ما مضى من أملٍ
ضيّعه واقعُ هذا العالم الحالم البائس. أمّا عن صُنع القصيدة فهي تأتيني
كالضّيفِ اللّجوج في لحظاتٍ حرجةٍ، تسكنُ بيتَ قلبي وعقلي، وقد لا تجدُ
زادًا تستقوي به من ذاكرتي إلاّ إذا مصّتْ قصبَ السّكَّر من شرايين
هُمومي المالحة، وللَّيلِ شانٌ خاص.
س 7ـ من خلال التوزيع الحسي للنص على صفحة قصائدك الشعرية ، هل هذه
الاحترافية جعلت من القصيدة لغة ولوحة ؟
مَن لا فلسفةَ له لا أدبَ له ؛ والشّاعرُ الذي يصوّر فلسفتَه _ في زمن ما
ومكان ما _دون دراية أو تجربة أو احتكاكٍ بالواقع في هذه الحياة سينبثق
حرفُه ريشةً في مهبّ الريح، وبما أنّ الإبداعَ له عوالمُه فلابدّ من
تجسيد الشّاعر لرؤيته المعرفيّة والثقافيّة بكلّ أنواعها حينما يباشرُ
فَرْشَ تصوُّراتِه وتفسيراتِه لما ينتجه من آراءَ تعبّر عن حالاته
الفلسفيّة ، بدْءًا بمعالم المجتمع الدّاخليّ (نفسه) وانطلاقًا للمجتمع
الخارجيّ . وما وضع الخط الحمر تحت لفظة" الاحترافية" سوى تدليلٍ على مدى
ذكاء وصدق الشاعر في توزيع نبضاتِ حسِّه على صفحات قصائده، التي ترتفع
وتائرُها تارة وتخبو تارةً أخرى.. وفلسفة ألوان الصّورة الشّعرية هي التي
تحدّد مدى إجادة الكاتب في إعطاء نسقٍ لونيٍّ للوحته الشّعرية.
س 8ـ تمتلك قصائدك أماكن معلومة ساهمت في إثراء المخيلة وتوظيف اللغة ،هل
بإمكان الشاعر تدوين التاريخ باللغة الشعرية؟
إن الشاعر الذي يوقع اسمه على قصيدة له، ارتبطت بزمن ومكان ما دون أن
يعود لمفهوم تأريخ أحاسيسه ، هو الذي ضمن للشعر بأن يؤرخ لاسمه في سجل من
مرّ على هذه البسيطة؛ واما عن المواقع والأمكنة التي سُجّلت في قاموس
الشاعر فهي ولابد ستُخَلد بخلود القصيدة ؛ وعليه يحسن القول:" إثراءُ
المخيلة وتوظيفُ اللغة شعريًّا هو قنصٌ لفكرة المكان ضمن "زمن مخيال"
الشاعر، الذي حفل إلهامه بتأريخ الأمكنة ومسمياتها. وقد يموت أثر المكان
إذا تماهى في أثر المخيال الصوري لمعنى أثر، بمعنى؛ إنه يجب على الشاعر
أن يخلد نفَسَه وشعورَه في مكان يلمُّ الناس جميعا، ولا يضطر أحدا للخروج
من هالة الفراغ لمعنى "مكان".
س9ـ ديوانك "للنخلة دين علي" هل هي خلفية لامرأة جادت بها لغة الشعر؟
من الهام أن نفتح بابا لفرح الشاعر_ بعد حزنه الدائم وبؤسه المستديم_ وهو
يستمتع برأي القراء والنقاد في عنوان ديوانه أو قصيدته؛ وأما عن عنوان
ديواني" للنَّخلةِ ديْنٌ عليّ" فهو من حق الناس حتى يقولوا كلمتهم فيه؛
غير ناكر أن للمرأة فيه كل طياته أثرًا بليغا وخطًى مرسومة بالقرب من
نخلته تريد من يوجهها إلى أقرب بئر دهقى بزلالٍ ونشوة. والحكم للقارئ
حالما تصبح أشعار ديواني بين يديه ليقول كلمته فيها، ويبدي تفسيراته
وتأويلاته التي ستبهرنا وتسعدنا على حدّ سواء.
س10 ،هل حققت القصيدة الحرة مقاصد مع الذات ، وكيف كان تقييم صاحب الدار
الناشرة الدكتور الأردني” مفلح الجرّاح “لعملك الأدبي؟
قد يَحسنُ بنا الوقوفُ عند قضيّة "الكلمة الإبداعية " لتتمّ فيما بعدُ
الإجابةُ عن دور هذه المفاهيم في بلورة الفضاء المتألّقِ للنّصِّ
الشّعري_ في ظلِّ التغيّراتِ المعرفيّة له_ وعليه فالكلمةُ الإبداعيّةُ
ليست بحاجةٍ إلى تفسيرٍ حرفيٍّ دلاليٍّ، يُوصل مدَى الدّهشةِ والجمال
داخلَ النّصّ الجديد لدَى عُفاةِ الحداثة وطُلاّبِ التّحرُّر النّسَقيّ
من القصيدة العموديّة، وهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تشرُّبٍ عميقٍ من العمودِ
الخليليّ، ليتمَّ عبرَه المرورُ إلى الأفق القشيب للقصيدة الجديدة (
الحرة).. ويكفي أنّ نشيرَ إلى أنّ قيمةَ المكافأة لبعضِ المؤسّساتِ
الناشرة على عمل كاتب ما _وأنا منهم _ كان لها فضل كبيرٌ في توسيع دائرة
معارف القارئ ونشر المجال البحثي لحدود حرف كاتب ما داخل حدود الوطن
الواحد أو خارج حدوده؛ وبالتالي كان لمتابعة الدار الناشرة الأردنية "
شهرزاد" لأعمالي دور كبير قبل تقييمها وقبولها لديواني؛ ولكم كانت فرحتي
عامرة وأنا أتلقى من صاحب الدار "د. مفلح الجرّاح" خبر قبول الدار طبع
كتابي على عاتقها ، معترفة بجودة العمل ولله الحمد والمنّة.
س11 أخر كلمة لقرائك مع ختمة شعرية؟
قد يجدرُ بنا الحديثُ في الأخير عن " مشروع المقاولة الثّقافيّة ".. فلا
عُذرَ لمَنْ يقفُ بحِياءٍ وحِيادٍ من هذه النّهضةِ الحالمةِ، المشتركةِ
بين المال كآلةٍ مُحرّكةٍ وبين الثّقافة كرُوحٍ مُتحرّكةٍ؛ والبخيلُ مَنْ
يعتقدُ واهمًا بأنَّ دعمَ الثّقافةِ _ كأفكارٍ ترتبطُ بمدلولاتِ
المواطنةِ وقيَمِ المجتمعِ وعاداتِه_ هو نوعٌ من فضولِ الأمُورِ يمكنُ أن
يُساهمَ _ بشُحِّهِ _ في إفلاسِ الخزينةِ الفكريّةِ والوجدانيّةِ وهوَ لا
يدري البتّةَ أو يدري بجهله وقلّةِ فطنتِه، إذ باتَ من الهامّ أنْ لا
يظنَّ صاحبُ المال أنّ الثّقافةَ هي عنصرٌ لا حاجةَ للمجتمع إليه؛ وقد
ترسّخَ بإيمانِه أنّها من كماليّاتِ التّحصيل، يمكنُه أن يتواصلَ بها
لمُجرَّدِ حاجتِه إلى المُتعةِ أو التّسليةِ .. وهيَ سبيلٌ حَرِيٌّ
بالمجتمع أنْ يسلكَها ويتقصَّى دروبَـها، مادامتِ المادّةُ تحتاجُ إلى
منهجيّةٍ فكريّةٍ، تُرشِّدُ تصريفاتِها خدمةً للوطنِ وحفاظًا على
مقوِّماتِه. وصدق ابن قيّم الجوزيّة حين قال :" البخيلُ فقيرٌ..لا
يُؤجَرُ على فقره.. ".
..وأمّا عن هديتي الشعرية فسأختار لكم أبياتا من قصيدتي " بَسْمةٌ
لِثَغْرِ الشَّوق" عربون محبة وتواصل:
مِن أينَ يأتي زحْفُ بَوحِكِ في المنامْ؟ ... والشَّوقُ قوسٌ والحنينُ له
سهامْ لا تَـحْرِمي نجُمَ الـمـُنى مِن غَفـوةٍ ... في لَيْلكِ الوجَّاسِ
في جُنْحِ الظَّـــــلامْ هل تَلمَسيـنَ الحُبَّ قَبلَ هُبوبــِه؟ ...
مَن لا يذوقُ الحربَ ينسـاهُ السَّـلامْ نامِـي قُبيلَ الصَّدِّ،،
قُولي:" إنّني... في شاعِري تـحْيا الـمكارمُ.. والكرامْ " يا وَيـْحَها
مِن غَزوةٍ تُرْوي الظَّمَــا ... يـَا ويْلَ ثغْـريَ إنْ تسمَّــرَ
بالـكـــلامْ ولقد شكوتُكِ للنُّجومِ، تقولُ لي: ... "خَلِّ الهلالَ،
ولُفَّ قلبكَ بالغَمـــامْ" مُتقمِّطًا بـحنينِ شـوقٍ، تصْطلـي ...
ذكراهُ من خَوفٍ،، ووَجْدٍ،، وانهزامْ قــــالتْ:" ألِفْتُ الـحبَّ مثلَ
صبيَّـةٍ ... تـحنُـو عليها لـمسةٌ قبلَ الـمَنــامْ" تـختــــالُ وسْطَ
دلالِـــها ببراءةٍ ... وتهدُّ عاشقَــها.. فيكويه الغَــــرامْ
بُستانُهُ المعطاءُ جفَّ.. ولـم يعُدْ... يَهْدي الفراشَ لمرجهِ الهافي
الهُمــامْ لكنَّــني جـمـرٌ أُطـــرِّزُه علــى ... مـا كـان يُذكي
بيننـــا حُـمَّـى العِظــامْ يا ليتَ نـجْمــي يـحتفي بعذابـِنا...
ويُهدهـــدُ اللَّحنَ الـمُعَنَّى ألفَ عــامْ ما ماتَ مَن مَـدَّ
الجمالَ بـِمسْكِه... إنْ صارَ كونُكَ -هاجري- مثلَ الحُطامْ
محبة لكم جميعا يوسف الباز بلغيث
*حكيمة شكروبة
من حروف الهجاء يغزل الشاعر "يوسف الباز بلغيث" أبيات شعرية في شاكلة
لوحة فنية متميزة وإيقاع موسيقي رنان يحاكي من خلاله إحساس المتلقي.
عند جوف القوافي ومنتهى الإبداع نشا الشاعر" يوسف الباز بلغيث" وسط جو
عائلي مهيأ لامتهان الحرف متسلح بأبجديات اللغة ومعانيها ما مكنه من
![]() |
حكيمة شكروبة |
في شعره محاور تمس الشكل و الأسلوب ناهيك عن الرسالة الشعرية التي
ينقلها في تطورات شكلية للقصيدة العربية الجديدة ،ومن إصداراته 5 دواوين
والسادس " للنخلة دين علي" بعمان ـ الأردن، بــ ( دار شهرزاد للنشر
والتوزيع ) متحصل على جوائز عديدة من بينها الجائزة الوطنية الـ 1 في
الشعر الملتقى الوطني الأول للأدب والسياحة 2000 ، تراه يراوح بين شكلي
قصيدة التفعيلة والقصيدة الحرة ،وله مشاريع منتظرة تشمل رسائل أدبية،
وديوان شعري كما له مخطوطات تتناول (مجموعة قصصية ،رؤية شعرية ،قراءات
نقدية، وخواطر أدبية).
حوار : حكيمة شكروبة
س 1ــ يحاول الشاعر الجزائري "يوسف الباز بلغيث" الارتحال بنا في كبسولة
الزمن من خلال قصائده التي تجمع بين العمودي والحر عبر محطات متعددة ،
فما هي نوازعك الداخلية التي وضفتها لهذا البذخ الفكري؟
بسم الله.. والحمد لله؛ .. إنَّ التنوّعَ في الكتابة يربأُ بالحرفِ إلى
دافع التأثّر بالأدب العربي الجميل _ تحتَ رايةِ صنوفِه النثريّة
والشّعريّة _ ثمّ بقيمةِ المُقتَنى منه دونَ تخطيطٍ مُسبق؛ ولا أدَّعي
علمًا بكلّ الصّنوف، بقدر ما أريدُ التّدليلَ على نتيجةِ التّلقّي
الجميلِ الذي سيؤدّي بالكاتبِ إلى إنتاجِ جمالٍ موازٍ، قد لا يقلُّ
أهميّةً وقيمةً عن الذي تأثّرتُ به . وأما عن طبيعة القصيدة التي أشتغل
عليها _ حرة كانت أم عمودية _ فالنازع هو البحث عن معالم التأثير في
القارئ والمتلقي في سياق الوزن الشعري الطافح ظاهريا أو باطنيا، المنقب
عن بؤر الجمال والدهشة في السياق والمعنى ليتم ربط الحلقة المفرغة بينَ
عاشق ومعشوق. وما يُصبُّ في جدليّة الاعتراف بالإبداع نفسِه، فأنا لا
أنفي وجودَ وتأثيرَ هذا الإبداع، بقدْر ما أنوِّه إلى خطورة فاعليّته..
بل يوجدُ ما هو حداثيٌّ عربي، يرجع الفضلُ به وله في تشكيلِ قصيدةٍ
حداثيّةٍ من حيث الشّكل، والمضمون والمبنَى الشّعريِّ .. ولكنّ المشكلَ
في
الاتّجاهاتِ الجديدة التي رأت في هذه الحداثة الممنهَجة السّاحرة متّكأً
في أنْ تبرِّرَ خروجَها على النّمط القديم، باسم الخروج وفقط؛ أي" خالف
تُعرفْ !" ومن المغالبة ساعتَها أنّ نصدّق بمُتشاعرٍ يتشدّق برؤَى الشّعر
الحديث ،ولم يقف مرّةً على أطلال القصيدة الأصيلة.
س 2 ـ صراع الذات وأنماط المعيشة المتابينة ، هل هذه المفارقات تخلق
سيولة في العطاء المعرفي؟
الحاجة ام الاختراع _كما يقولون_ وليس بالضرورة شظف العيش سيولد لدى
الكاتب أو المبدع او الفنان سيولة في العطاء؛ ولكن المبدع الحقيقي يصارع
معيشته وظروف ملابساتها المتباينة ليخلق من عطشه دفقا لمريدي الفن
والكلمة واللوحة. فلا جرمَ أنّ الشاعرَ لا يتحكّم فيما يصل إلى خَلَدِه
التّخيّلي والوجدانيّ من هواجسَ وإملاءاتٍ شعريّة_ وقد ارتبطت بنفسيته
وواقعه _ وبالتّالي فهذه التجربةُ الفنيّةُ ستكون بمنأًى عن تصريفِ
الشّاعر لها بشكلٍ ما. والكلمةُ الشّعرية ستتلفّفُ بأثوابٍ متنوّعة تبعًا
للحالة النّفسيّة للشّاعر، حتى يصوغَها غنائيةً ،أو فصيحةً كقصيدٍ..و..
إلخ..
س 3 ـ كون الشاعر "الباز" يحمل في جعبته الكثير من الثروة الفكرية
والطاقة الإبداعية ، فما هي طموحاتك المستقبلية، واستشعارك لمكانة الشعر
الجزائري بين نظائره من الدول ؟
ليس منتهى تفكيري أن أتوكأ على ثروتي الشَّعرية لأصِل إلى مكانةٍ علميّة
ما، ولقد خبِرتُ تجاربَ عديدةً كانت لها مقاماتٌ كبرى وجليلة في الشعر
والرّواية ووووو.. ولكنها انطوت تحتَ جناح السّياسة وزوايا المقعد الحزبي
أو النقابي، وبدأت ثروتها تنفد، واهتماماتها تضمحل رويدا رويدا؛ في خضم
ما تمليه المسؤولية الحكومية أو الخاصة. وأما عن مكانة الشعر الجزائري
فإني متفائل بأسماء كتابنا في جميع الصعود الإبداعية، وينقص مجامعنا
الأدبية ودراسات باحثينا النظر بكتب في دفقة إبداع شبابنا، بعيدا عن
مزايداتٍ، ضلت طريقَها وهي تتشدّق بأدب محمود درويش ونزار قباني وووو،
كما امتلأت خزائن جامعاتنا بمناقشاتها، وتركت أدبنا تأكله الأغبرة،
وتسحقه العداوات المجانية والحسد والمحسوبية إلا ما شذر من بحوث يُحسب
لصحابها الفضل والصدقية والإيمان بمحصول البيت.
س 4 ـ هذا المولود الجديد " للنخلة دين علي" بحجم متوسط في 30 قصيدة (
قصيرة وطويلة ، عمودية وحرة ) ما هي أسباب ميلاده
بعمان ـ الأردن، بــ ( دار شهرزاد للنشر والتوزيع )، وهل وفقت في ملامسة
مخيلة الإبداع الإنساني باشتغالك على ترويض الحرف؟
كنتُ أردّدُ دائمًا فيما مضى ( مَن لا يحبُّ وطنَه الصّغيرَ لا يحبُّ
وطنَه الكبيرَ ) ... وليس من العجيب أنّ تكون لوعةُ الشّاعر وحسرتُه هي
نفسُ الدّاعي للاعتزاز بالوطن، رغم ما يتدثّر نصوصَنا من خيباتٍ واغترابٍ
في وطنٍ أقلُّ ما يُقال عنه: "إنّه لا يقدّرُ طاقاتِ أبنائه !"..ولكن من
الهامّ أن نعزّزَ حبَّ الوطن بدْءًا منّا وانطلاقا إلى الآخر المريدِ
لنا، المتأثّرِ بأدبنا ورؤانا، ولا يعني هذا أن من ينشر أو يطبع عملا ما
خارج الوطن فقد ارتكب جرما !! بل إنه من الضروريّ أن تتعبّق ورودُ الوطن
وتزدهي كمشاتل جمالية خارجَه، ولعلّ أهم أسباب ميلاده ؛ تواصلُ الآخر مع
أدبنا، وبحثه عن معالم الجمال هنا وهناك، فضلا عن رغبتي في وصول حرفي إلى
من يعشقون الحرفَ العربيَّ الجزائريَّ ولم يتوفّر لهم، وهنا أتذكّر بيتين
للشّاعر ( إيليا إبي ماضي) لحظاتٍ قبل مغادرته وطنَه " لبنان " مؤكدا
فكرتي : لبنانُ لا تعذلْ بَنِيكَ إذا هُمُو ••• ركبُوا إلى
العليـــــــاءِ كلَّ سفِينِ لم يهجُروكَ ملالـــــــــــةً لكنّهم •••
خُلِقوا لِصيدِ اللّؤلؤ المكنونِ والجدير بالذكر؛ إن مانكتبه بصفة وطنية
أو محلية هو في الحقيقة انبعاث إنساني بأتمّ معنى الكلمة، لأن واحد
والفرح واحد ، والإنسان تروضه عولمة إنسية واحدة.
س5- هل تمتهنُ النقد ؟..و كيف ترى للترجمة من أهمية ؟
في الحقيقة أنا أطيلُ التأمّلَ ولا أجيدُ النّقدَ ؛ وما درج لي بمدوّنتي
الخاصّة أو ببعضِ المنابر الثّقافية كانَ مجرّدَ رؤًى وليستْ نقدًا
صِرفا.. ولعلّ عامِليْ (التّرجمة والنّقد) وجيهان في عمليّة تقدير العمل
الإبداعيّ وإبرازه للنّاس، ولا يختلفُ اثنان في أن يضيفَ العاقل في
تقديره لعمل شعريّ ما صفةَ الجمال والقبح والرّقي، أو الابتذال إزاءَ
حكمه على نصٍّ ما أن يدلّلَ على دور الحركة النّقديّة والتّرجمة في توجيه
بصرِه وبحثِه لهذا الشّاعر دونَ آخر، غيرَ نافٍ مستوى وقيمةَ العمل الذي
أنتجَه صاحبُه. ولكنَّ التّرجمةَ والنّقدَ إذا ما وُجِّها إلى هذه القيمة
صارا عامليْ تثريةٍ وتجليةٍ، وبالتّالي سيظهر صاحبُه وتنتشر أعمالُه،
فيتراءى للقارئ أنّه مثالٌ يجب الاحتذاء به، ومنهلٌ يجب الاغترافُ من
معينه، وبهذا تشتهرُ أسماءٌ وتُغمرُ أخرى كان لها أن ترقى، ويتلألأ
نجمُها في سماءِ عاشقيها..! ولكن قد أضيف شيئا مهمّا؛ وهو فكرة "التناسب
بين الصّنفين" الشّعر والنّقد" فهل سيلتقي الشّعرُ الجيّدُ بالنّاقد
الحصيفِ المنصف؟ أم سيتزاوج الشّعرُ بناقدٍ يغالبُ نفسَه في تحليل رقعةٍ
نصيّةٍ مكابرًا تعليلاتِه لها بنوعٍ من الكبرياء أو بلا مبالاة
وعنجهيّة..؟
س6ـ إن زمن ومكان الكتابة يختلفان من شاعر لأخر، فماهي الأماكن والأزمنة
المفضلة لديك . وكيف ساهمت احترافيتك في تلبية مطالب المتلقي ؟
أفضل الأزمان والأمكنة ما قلبت فيّ حرقة التعبير الجادّ، وأثارت في
مخيّلتي ووجداني جمرَ التوقيع الشّعري الفريد، الباحث عن الرقي بفكر
القارئ والسموّ بذائقته، بعيدا عن خرطقات حروفية ساهم في انتشارها أشباهُ
مبدعين، لأنّ الحيلةَ الخاصّة التي يركنُ إليها أو يراها الشّاعرُ أكثرَ
ما يُعطي نصَّه جماليّاته وقوّتَه ،ويزيد في رونقه ؛ إذ الأمورُ ستمشي
على سجيّتها في أثناء ولوجِ اللّحظةِ الإبداعيّة بابَ الفكر والقلب..
والهاجسُ الذي ينتابُني للكتابة _ مثلَ باقي الكُتّاب_ وإنْ تغيّرتْ
مواسمُه و رياحُه؛ يستجدي حالةً من الوَعي واللاّوَعي على حدٍّ سواء..
واللاّوعي أسبقُ كما تعرفون، ولكنّي أجدني متدفّقًا بالكتابة في حالات
الحزن أكثرَ، وفي النّقر على بوّابةِ الألم، لاستقراءِ ما مضى من أملٍ
ضيّعه واقعُ هذا العالم الحالم البائس. أمّا عن صُنع القصيدة فهي تأتيني
كالضّيفِ اللّجوج في لحظاتٍ حرجةٍ، تسكنُ بيتَ قلبي وعقلي، وقد لا تجدُ
زادًا تستقوي به من ذاكرتي إلاّ إذا مصّتْ قصبَ السّكَّر من شرايين
هُمومي المالحة، وللَّيلِ شانٌ خاص.
س 7ـ من خلال التوزيع الحسي للنص على صفحة قصائدك الشعرية ، هل هذه
الاحترافية جعلت من القصيدة لغة ولوحة ؟
مَن لا فلسفةَ له لا أدبَ له ؛ والشّاعرُ الذي يصوّر فلسفتَه _ في زمن ما
ومكان ما _دون دراية أو تجربة أو احتكاكٍ بالواقع في هذه الحياة سينبثق
حرفُه ريشةً في مهبّ الريح، وبما أنّ الإبداعَ له عوالمُه فلابدّ من
تجسيد الشّاعر لرؤيته المعرفيّة والثقافيّة بكلّ أنواعها حينما يباشرُ
فَرْشَ تصوُّراتِه وتفسيراتِه لما ينتجه من آراءَ تعبّر عن حالاته
الفلسفيّة ، بدْءًا بمعالم المجتمع الدّاخليّ (نفسه) وانطلاقًا للمجتمع
الخارجيّ . وما وضع الخط الحمر تحت لفظة" الاحترافية" سوى تدليلٍ على مدى
ذكاء وصدق الشاعر في توزيع نبضاتِ حسِّه على صفحات قصائده، التي ترتفع
وتائرُها تارة وتخبو تارةً أخرى.. وفلسفة ألوان الصّورة الشّعرية هي التي
تحدّد مدى إجادة الكاتب في إعطاء نسقٍ لونيٍّ للوحته الشّعرية.
س 8ـ تمتلك قصائدك أماكن معلومة ساهمت في إثراء المخيلة وتوظيف اللغة ،هل
بإمكان الشاعر تدوين التاريخ باللغة الشعرية؟
إن الشاعر الذي يوقع اسمه على قصيدة له، ارتبطت بزمن ومكان ما دون أن
يعود لمفهوم تأريخ أحاسيسه ، هو الذي ضمن للشعر بأن يؤرخ لاسمه في سجل من
مرّ على هذه البسيطة؛ واما عن المواقع والأمكنة التي سُجّلت في قاموس
الشاعر فهي ولابد ستُخَلد بخلود القصيدة ؛ وعليه يحسن القول:" إثراءُ
المخيلة وتوظيفُ اللغة شعريًّا هو قنصٌ لفكرة المكان ضمن "زمن مخيال"
الشاعر، الذي حفل إلهامه بتأريخ الأمكنة ومسمياتها. وقد يموت أثر المكان
إذا تماهى في أثر المخيال الصوري لمعنى أثر، بمعنى؛ إنه يجب على الشاعر
أن يخلد نفَسَه وشعورَه في مكان يلمُّ الناس جميعا، ولا يضطر أحدا للخروج
من هالة الفراغ لمعنى "مكان".
س9ـ ديوانك "للنخلة دين علي" هل هي خلفية لامرأة جادت بها لغة الشعر؟
من الهام أن نفتح بابا لفرح الشاعر_ بعد حزنه الدائم وبؤسه المستديم_ وهو
يستمتع برأي القراء والنقاد في عنوان ديوانه أو قصيدته؛ وأما عن عنوان
ديواني" للنَّخلةِ ديْنٌ عليّ" فهو من حق الناس حتى يقولوا كلمتهم فيه؛
غير ناكر أن للمرأة فيه كل طياته أثرًا بليغا وخطًى مرسومة بالقرب من
نخلته تريد من يوجهها إلى أقرب بئر دهقى بزلالٍ ونشوة. والحكم للقارئ
حالما تصبح أشعار ديواني بين يديه ليقول كلمته فيها، ويبدي تفسيراته
وتأويلاته التي ستبهرنا وتسعدنا على حدّ سواء.
س10 ،هل حققت القصيدة الحرة مقاصد مع الذات ، وكيف كان تقييم صاحب الدار
الناشرة الدكتور الأردني” مفلح الجرّاح “لعملك الأدبي؟
قد يَحسنُ بنا الوقوفُ عند قضيّة "الكلمة الإبداعية " لتتمّ فيما بعدُ
الإجابةُ عن دور هذه المفاهيم في بلورة الفضاء المتألّقِ للنّصِّ
الشّعري_ في ظلِّ التغيّراتِ المعرفيّة له_ وعليه فالكلمةُ الإبداعيّةُ
ليست بحاجةٍ إلى تفسيرٍ حرفيٍّ دلاليٍّ، يُوصل مدَى الدّهشةِ والجمال
داخلَ النّصّ الجديد لدَى عُفاةِ الحداثة وطُلاّبِ التّحرُّر النّسَقيّ
من القصيدة العموديّة، وهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تشرُّبٍ عميقٍ من العمودِ
الخليليّ، ليتمَّ عبرَه المرورُ إلى الأفق القشيب للقصيدة الجديدة (
الحرة).. ويكفي أنّ نشيرَ إلى أنّ قيمةَ المكافأة لبعضِ المؤسّساتِ
الناشرة على عمل كاتب ما _وأنا منهم _ كان لها فضل كبيرٌ في توسيع دائرة
معارف القارئ ونشر المجال البحثي لحدود حرف كاتب ما داخل حدود الوطن
الواحد أو خارج حدوده؛ وبالتالي كان لمتابعة الدار الناشرة الأردنية "
شهرزاد" لأعمالي دور كبير قبل تقييمها وقبولها لديواني؛ ولكم كانت فرحتي
عامرة وأنا أتلقى من صاحب الدار "د. مفلح الجرّاح" خبر قبول الدار طبع
كتابي على عاتقها ، معترفة بجودة العمل ولله الحمد والمنّة.
س11 أخر كلمة لقرائك مع ختمة شعرية؟
قد يجدرُ بنا الحديثُ في الأخير عن " مشروع المقاولة الثّقافيّة ".. فلا
عُذرَ لمَنْ يقفُ بحِياءٍ وحِيادٍ من هذه النّهضةِ الحالمةِ، المشتركةِ
بين المال كآلةٍ مُحرّكةٍ وبين الثّقافة كرُوحٍ مُتحرّكةٍ؛ والبخيلُ مَنْ
يعتقدُ واهمًا بأنَّ دعمَ الثّقافةِ _ كأفكارٍ ترتبطُ بمدلولاتِ
المواطنةِ وقيَمِ المجتمعِ وعاداتِه_ هو نوعٌ من فضولِ الأمُورِ يمكنُ أن
يُساهمَ _ بشُحِّهِ _ في إفلاسِ الخزينةِ الفكريّةِ والوجدانيّةِ وهوَ لا
يدري البتّةَ أو يدري بجهله وقلّةِ فطنتِه، إذ باتَ من الهامّ أنْ لا
يظنَّ صاحبُ المال أنّ الثّقافةَ هي عنصرٌ لا حاجةَ للمجتمع إليه؛ وقد
ترسّخَ بإيمانِه أنّها من كماليّاتِ التّحصيل، يمكنُه أن يتواصلَ بها
لمُجرَّدِ حاجتِه إلى المُتعةِ أو التّسليةِ .. وهيَ سبيلٌ حَرِيٌّ
بالمجتمع أنْ يسلكَها ويتقصَّى دروبَـها، مادامتِ المادّةُ تحتاجُ إلى
منهجيّةٍ فكريّةٍ، تُرشِّدُ تصريفاتِها خدمةً للوطنِ وحفاظًا على
مقوِّماتِه. وصدق ابن قيّم الجوزيّة حين قال :" البخيلُ فقيرٌ..لا
يُؤجَرُ على فقره.. ".
..وأمّا عن هديتي الشعرية فسأختار لكم أبياتا من قصيدتي " بَسْمةٌ
لِثَغْرِ الشَّوق" عربون محبة وتواصل:
مِن أينَ يأتي زحْفُ بَوحِكِ في المنامْ؟ ... والشَّوقُ قوسٌ والحنينُ له
سهامْ لا تَـحْرِمي نجُمَ الـمـُنى مِن غَفـوةٍ ... في لَيْلكِ الوجَّاسِ
في جُنْحِ الظَّـــــلامْ هل تَلمَسيـنَ الحُبَّ قَبلَ هُبوبــِه؟ ...
مَن لا يذوقُ الحربَ ينسـاهُ السَّـلامْ نامِـي قُبيلَ الصَّدِّ،،
قُولي:" إنّني... في شاعِري تـحْيا الـمكارمُ.. والكرامْ " يا وَيـْحَها
مِن غَزوةٍ تُرْوي الظَّمَــا ... يـَا ويْلَ ثغْـريَ إنْ تسمَّــرَ
بالـكـــلامْ ولقد شكوتُكِ للنُّجومِ، تقولُ لي: ... "خَلِّ الهلالَ،
ولُفَّ قلبكَ بالغَمـــامْ" مُتقمِّطًا بـحنينِ شـوقٍ، تصْطلـي ...
ذكراهُ من خَوفٍ،، ووَجْدٍ،، وانهزامْ قــــالتْ:" ألِفْتُ الـحبَّ مثلَ
صبيَّـةٍ ... تـحنُـو عليها لـمسةٌ قبلَ الـمَنــامْ" تـختــــالُ وسْطَ
دلالِـــها ببراءةٍ ... وتهدُّ عاشقَــها.. فيكويه الغَــــرامْ
بُستانُهُ المعطاءُ جفَّ.. ولـم يعُدْ... يَهْدي الفراشَ لمرجهِ الهافي
الهُمــامْ لكنَّــني جـمـرٌ أُطـــرِّزُه علــى ... مـا كـان يُذكي
بيننـــا حُـمَّـى العِظــامْ يا ليتَ نـجْمــي يـحتفي بعذابـِنا...
ويُهدهـــدُ اللَّحنَ الـمُعَنَّى ألفَ عــامْ ما ماتَ مَن مَـدَّ
الجمالَ بـِمسْكِه... إنْ صارَ كونُكَ -هاجري- مثلَ الحُطامْ
محبة لكم جميعا يوسف الباز بلغيث
*حكيمة شكروبة
هناك تعليق واحد:
الأستاذ والشاعر يوسف الباز بلعي من خيرة الشعراء التي أنجبتهم الجزائر بارك الله فيك
إرسال تعليق