رواية (طريق مولى مطر) محكية روائية ذات هيكل مركَّب، يمنح الروائي عمار باطويل المتلقي أكثر من مقترح لمقاربتها وقراءتها؛ فهل نقرأها صورة من صور الوعي الجماعي لمجتمع عربي لم يبدأ مرحلة الحداثة في ثلاثينيات القرن العشرين؛ أم نقرأها صورة من صور نضال البدو في وادي حضرموت ضد المستعمر البريطاني ومن يعاونه من السلاطين؛ أم نقرأها صورة من صور الخلاص الفردي والروحي التي لا تتحقق إلا عبر ذات عليا يمثلها ولي الله على الأرض، ولا تمر إلا عن طريق مولى مطر.
والجواب إنها رواية تمثل شكلاُ آخر من أشكال الوعي الممكن، عبر إقرارها بواقع التساؤلات المصيرية التي تطرحها شخصياتها الروائية أمام إكراهات الواقع الصعب الذي تعيشه ومحاولتها فهم ما يدور حولها. ومن تلك التساؤلات التي تطرحها شخصيات الرواية، لماذا يستهدف البريطاني بطائرته البدو في وادي حضرموت؟ ولماذا يهاجر الرجال للعمل في بلاد بن سعود ولا يفكرون بالعودة إلى بلادهم ونساءهم وأطفالهم؟ ولماذا تضحي النساء بحياتهن من أجل حماية أولادهن؟ ولماذا تبدو حضرموت أرضاً للموت؟ ولماذا رجال هذه البلاد يحصد رؤوسهم القتال المستمر فيما بينهم. هكذا تترك الرواية الباب موارباً أمام أبطالها، ففاطمة الطيارة بنت رحمة البدوية التي قًتلت أمها بطيارة البريطاني، وسعيدة التي تنتظر عودة زوجها من بلاد الغربة، والجدّة سلومة التي تجاوزت المئة وماتزال تقاوم، وبركة التي غادرها زوجها سعد إلى مكة المكرمة للاجتماع مع الملك فيصل بن سعود لدعم القبائل بالسلاح ولم يعود إلى الديار… والتاجر النجدي الذي فتحت له بريطانيا مخازنها التي في عدن لينفذ خططها وغير ذلك من شخصيات وإن اختلفت مراميها ونظراتها إلى الحياة لكنها تشترك جميعها في أنها تنشد خلاصها الروحي. وهذا الخلاص في وعيها أو بناها الذهنية البسيطة لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق ممثل الله على الأرض… مولى مطر وصوته الهائم في ملكوت الله…
نقرأ: هل تشاهدين ذلك الجبل يا فاطمة؟ عندما تصلين إلى ذلك الجبل اتجهي لجهة اليسار، وعندها سوف، تجدين قبر مولى مطر مبني عليه بناء صغير وبجنبه قبر آخر لصديقه بدوي دُفن بالقرب منه، وعلى قمة ذلك الجبل توجد أشجار اللبان: سوف آخذك يوماً ما معي لنحصد اللبان ونبيع بخوره للبدو، فالوادي ليس مسكناً، فطريقنا وقوافلنا تمر بالجبال البعيدة وتعبر طريق مولى مطر. ووجودنا في الوادي لأوقات معروفة نحن نحددها فيكون بعضها أثناء قطع خريف النخيل من أموالنا في هذا الوادي وفي بعض الأوقات عندما يجف المرعى في الجول فنأوي إلى الأودية أو عندما تحل كارثة أو عندما يترقبنا العدو بين جبالنا كما تترقبنا طيارة بريطانيا التي قتلت أمك رحمة، أبوك سوف يعود يا فاطمة من الأرض البعيدة، سيعود كهذه السحب التي ترعد وتمطر على رؤوسنا، وبعودته سوف تنبت الأرض وينبت قلبك بالحياة.
*الرواية صادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق