كلما قادتني قدماي الى ذلك المكان ،و قابلتني تلك البناية،بطوابقها الأربعة .هندسة معمارية تخطف الألباب،شرفاتها الثمانية تطل على ساحة واسعة ،حديقة غناء.
تتوسط الساحة نافورة بديعة ، يقال أن مصممها جاء خصيصا من المغرب لأنجاز هذه الروعة.الياسمين الأبيض،يتسلق الشرفة ،يغازلها يغريها بعبيره ،يتلصص على الذي يدور خلفها دون خجل ،العصافير كذلك تفعل.نخلة باسقة تراقب الوضع،أضفت على المكان المزيد من الجمال.
سيارات فخمة ،مركونة بالجوار.شاب بلباسه التّقليدي ، قندورة بيضاء،يعتمر عمامة بيضاء.يقف مسندا ظهره الى الجدار ،بمدخل البناية كحارس غير رسمي ،يراقب الداخل و الخارج ،من القصر دون أدنى كلمة منه ،الا ابتسامات يوزعها على الزوار بمقدار دون كلل.
قلت كلما قادتني قدماي الى هذا المكان،تذكرت جدي رحمة الله عليه.يومها كان في العاشرة من عمره،أكبر قليلا ربما.كان المكان القصر اليوم،... بطحاء واسعة ،منخفظا تكسوه الاعشاب و الأشواك، نخلة مقطوعة الرأس،تقف خشبة خاوية ،فارقت الحياة منذ أمد.مكانا مرتعا للذئاب ،أخبرني جدي.
كان يومها في العاشرة من عمره ،يوم حل بالقرية الهادئة ،الغارقة في همومها ،هذا الغريب الأطوار.لم يكن ليهتم لأمره أحدا.- فالقوم فيهم ما يكفيهم- كما أن الكثير من أمثاله مروا من هنا... لم يكن فيه ما يشد الأنتباه، ما هو مختلفا عن غيره.....
وجها عاديا ،وجها لفحته أشعة الشمس، جلدا على عظم،عينان جاحظتان حد التّقزز،أنفا احتلت كل الوجه.اسنانا يبدو صاحبها مبتسما على الدوام.... قال جدي.
البؤس عنوانا واضحا،على وجه هذا الغريب ،أطفال القرية النصف عراة،متحلقين حوله
يدفعهم الفضول،يراقبون بعيونهم المفتوحة ، المشدوهة حركات الغريب و سكناته.الكيس الملقى بجانبه....
ينهرهم أحد رجال القرية العائد من بستانه للتو.ممتطيا حماره الهزيل.
- اتركوا الدرويش ،في حال سبيله،قال صاحب الحمار الهزيل.
راق الغريب قول الرجل .. اتركوا الدروبش في حال سبيله ،أعادها زاجرا الأطفال ،آمرا اياهم الأنصراف...
كانت عينا الغريب تومضان ،-قال جدي ،و كان يهز رأسه ،هزا متواترا،الى الأمام و الى الوراء،متمتما بما لا يفهمه الا هو. كلمات لا معنى لها.و كأنه يكلم قوما غير القوم.
العيون التى وصلت المسرح للتو،سكنتها الدهشة عادة تفعل مع كل غريب.
بعد مدة ليست بالقصيرة،اضاء عيني الغريب وميض خبث،فأنتصب واقفا و غرس عصاه
بين قدميه ،معلنا بصوت مبحوح،أنه سيقيم في هذا المكان كما أمر.
أكد لي جدي أنه قال هذا ، كما أمرت ...من أمره..؟؟ لم يكن أحدا غيره يعلم طبعا.
- سآتيك بما يسد رمقك ،و يروي عطشك،فوجوب اكرام عبير السبيل واجب، قال صاحب الحمار الهزيل.
لم يكن غيرهما ، الدرويش ،و صاحب الحمار الهزيل،فقد انفض القوم لغاياتهم.رد موافقا بحركة من رأسه،
دون النطق بكلمة.
أسند الدّرويش ظهره الى جذع النّخلة الخاوية المقطوعة الرّأس.أخذته غفوة ربما.قال جدي.
أتاه صاحب الحمار الهزيل،بالقليل مما وجد،كسرة خبز جافة ، كل ما وجده ببيته المسكين.كان يتمنى من كل قلبه لو اتاه بما هو أفضل،من هذا الذي بين يديه ،و لكن......... لاحظ الدرويش مسحة الخجل على وجهه
- لا عليك، كله خير،و كله من فضل الله ،علينا شكره على كل حال ...ثم اردف لو سمحت ،لو بوسعك،لا أريد أن أثقل عليك،
- قل ... قل لا عليك أنت ضيفي و أنا في الخدمة ... قال صاحب الحمار الهزيل.
- لو بوسعك أريد ماءا ، للوضوء ، بعد اذنك أيها الرجل الطيب ...طبعا.
في لمح البصر جاءه الرجل الطيب بما طلبه ، اناءا به ماء.شكر الغريب صاحبنا الطيب، سأله اسمه ...؟
عمار قال صاحب الحمار الهزيل اسمي عمار ... عاشت الأسامي يا عمار .....
- بعد اذنك ، و أنت ما اسمك، بعد اذنك طبعا ......
- الشيخ ابراهيم، ناديني هكذا ، الشيخ ابراهيم....
- تشرفنا يا شيخ ابراهيم......
تقدم الشيخ ابراهيم من الاناء،، شرع يتوضأ ، و ما أن فرغ ، نادى عليه أن خذ الأناء يا عمار.
اقترب عمار من الأناء، مادا يده لأخذه، ... شلت يده ، لم تطاوعه،تسمرت قدماه في مكانها، تعقد لسانه، أحس جفافا بحلقه، تصببت جبهته عرقا ، قشعريرة ألمت به لهول ما رأى ........
لم يكن بالأناء الا حليبا خالصا، .. حليبا خالصا قسما بالله قال عمار لكل سكان القرية . حليبا خالصا يتقاطر من مرفق الرجل، صدقا اقول ، يا قوم ،قال عمار هذا و هو يركض لاهثا بين حارات القرية قاصدا الجامع.
ينزل الماء حليبا من مرفق الرجل يا ناس ، حليبا خالصا من مرفق الرجل يا ناس ..........................
هرع القوم الى المكان ،الايادي تتخاطف الاناء، العيون محدقة بقلب الاناء،امرا جلل، كرامة ، سبحان الله
آيته في أضعف خلقه، سبحان الله.. لا شك في صلاح هذا الغريب قال احدهم، وليا من أولياء الله الصالحين
نعمة انعم بها الله على قريتنا ، قال آخر .لنكرم مثواه و نحسن اليه ، فننال و تنال قريتنا خيرا من ورائه كنا نتمناه قال شيخ الجامع.
- لا عنزة ولا نعجة و لا حتى أتان بالجوار، همس أحدهم في أذن صاحبه .......
- استغفر ربك،، لا تقل هذا رد الرجل على صاحبه المتسائل .
شاع أمر الولي الصالح ، أمر المرفق الذي يدر حليبا، المرفق نبع الحليب الذي لا ينضب. لا حديث الا عن هذه الكرامة، التي أذهلت كل من وقعت على مسمعه.
شد سكان القرى المجاورة التى وصلها الخبر المعجزة، خبر المرفق الضرع، الرحال الى موطن هذا الولي الصالح، القرية المحظوظة التي آوته . و التي كان لها شرف احتضانه، و يا له من شرف .
قرر كبار القرية أن يشيدوا لهذا الشريف بيتا يليق بمقامه و بأسرع ما يمكن .
كان يوما مشهودا ،محفوظا في ذاكرة قريتي ، اليوم الذي أنجز فيه بيت الشيخ ابراهيم على أكمل وجه.
بيتا و لا أجمل منه، بين بيوت القرية كلها ،قال جدي .
كيف لا و هو المرفق التي تدر حليبا خالصا ، الكف الكريمة التي تشفي كل عليل.
غالبية زوار الشيخ ابراهيم ،كانت النسوة و الفتيات اليافعات... أملا بكسب الرضى،و نيل المبتغى،زوجا صالحا لمن خافت فوات الأوان، و استقرارا لمن خافت هجرا و نشوزا من بعلها.عودة غريب طالت غربته.
يرونه عارفا بكل الأمور، كشفت عنه الحجب، قوة خفية تمده يد العون تسانده.صدقوا قوة تمده العون أكيد.
قال جدي ،وانه بعد مرور السنوات، بدأ الشيخ يفقد بريقه، قليلا قليلا ، جف المرفق الضرع، ربما.
لم يعد يدر حليبا كسابق عهده ربما .
سيارة الجيب العسكرية ، تخترق الجموع ، قفز منها الضابط الفرنسي المتعجرف، قبل أن تتوقف حتى.
أمر النسوة الابتعاد عن باب بيت الشيخ القذر ، حسب قوله.الضابط الحثالة قال عن الشيخ ،بأنه قذر و محتال
مدّعي، ينتحل شرفا زائفا لا يستحقه.
نسوة القرية الموجودات امام بيت الشيخ يومها سمعن الضابط الحثالة يقول في الشيخ الذي قاله .بعدها سدد رشاشه بأتجاه قفل الباب ،أراد تدميره ،أطلق وابلا من الرصاص باتجاه الباب ، قفل الباب بالتحديد.
ملأ صراخ النسوة و عويلهن الأرجاء، صمت الرصاص، تقدم الضابط الحثالة، فجأة تسمر في مكانه ،فاغرا فاه و هو يرى ان لا أثر للرصاص على باب بيت الشيخ ابراهيم. لا أثر له تماما قالت النسوة.
نزع قبعته من على رأسه ،اعترافا منه بقوة الشيخ الخارقة.لقد كانت رصاصاته بردا و سلاما على باب بيت الولي الصالح، تناثرت بعيدا بعيدا ، غادر الضابط الحثالة المكان مقهورا ، مقرا أمامهن بعجزه، وسط زغاريد النسوة و اهازيجهن، التى ملأت المكان .شاع خبر الهزيمة التى مني بها الضابط الحثالة و الذي عجزت رصاصات رشاشه على النيل من باب بيت الشيخ الصالح.
ذاع صيت الشيخ ابراهيم أكثر من ذي قبل . كيف لا بعد الذي حدث.زادت قوافل الحجاج الى بيت الشيخ، محملة بما أستطاعت ، كسبا لوده، و تقربا منه، طلبا لقضاء حوائجهم، و ابعاد الضر عن مرضاهم، باذنه تعالى فورعه و تقواه جعلاه مقبول الدعاء و من المقربين. يرى القوم.... قال جدي.
أنها السنة التي التي تزوج فيها الشيخ ، للمرة الثالثة،صبية بكرا ،يافعة جميلة،في عمر الزهور.
قدمت للشيخ هدية، من قرية مجاورة، تعب أهلها أيم تعب و هم يراودون الشيخ على نفسه .كانت فرحتهم لا توصف ، بعد نزول الشيخ عند رغبتهم ، و قبوله هديتهم ، محقين ربما .....
لقد كانت للشيخ فضائله على أهل القرية أيضا .يقول جدي ، أنه لن ينسى اليوم الذي اصيبت فيه رقية ابنت الشيخ المختار ، امام الجامع بمس ، جنا يتكلم لغة غريبة ، على فم الصبية، مقرا بأنه يعشقها ، و لن يغادرها مهما حاولوا متيما بها ، لن يتنازل عن عشيقته لهذا الخاطب المعتوه ، و لا لأبن العم و الذي لا يخفى على أحد تعلقه برقية منذ الصبى.
دخل المارد في صراع مع الشيخ ابراهيم ليلة بطولها . ليلة كانت الى وقت قريب حديث القرية .ليلة استثنائية، أبطالها استثنائيون، نهايتها استثنائية. اشترط الجن لمغادرة الجسد الغض ، امرين لا ثالث لهما.
الخروج من خلال العين الجميلة الساحرة، ليتركها مفقوءة مشوهة ، لا يقرب صاحبتها أحدا بعده.أو ليخرج من ذاك المكان ، ليشفي غليله و الا .......
وقع الشيخ ابراهيم في ورطة ، مع هذا الشيطان . فكان لزاما عليه استشارة أهل المريضة، و الخطيب المغلوب على أمره .
- الا العمى الا العمي ... الا هذه ، قال الشيخ المختار ، والد رقية .و أردف الخطيب الا العمى و هل اغلى على الانسان من نعمة البصر .
فهم الشيخ من كلامهما أن لا مناص من ............. فنزل عند رغبة المارد العصي و كان الذي كان.
شفيت رقية ، و زفت الى زوجها ، انتهى الكابوس الذي أرق الأهل و الخلان .الكل نازلا مدحا في الشيخ ابراهيم. و الذي لولاه،لانتهت الأمور لما لا يرضاه احدا لوالد رقية الطيب. الكريم مع الجميع. و الذي لم تكن فرحته لتخفى على احد ليلتها.و هل اجمل من الستر .....
بالمناسبة أقام والد رقية ،الشيخ المختار وليمة حضرها أعيان القرية ، و القرى المجاورة ، و على راسهم طبعا الشيخ الصالح ، الولي الطاهر الشيخ ابراهيم... كان جدي ليلتها من بين الحضور رحمة الله عليه.
آه يا جدي الذي غاب عليك يومها ،معذورا بجهلك جدي ،من أين لك أن تعرف ...أن العالم عرف الذي يجعل المرافق تدر حليبا خالصا ، منذ قرون خلت أن الأكف التي تدر حليبا هي نفسها التي قامت بتجفيفه،
و جعلته يحمل في الجيوب و تحت العمائم.... من أين لك أن تعرف أن المغول قد عرفوا المرافق و الأكف التي تدر حليبا منذ قرون خلت.
آه يا جدي كم كنت طيبا و على نياتك ليرحمك الله .
تتوسط الساحة نافورة بديعة ، يقال أن مصممها جاء خصيصا من المغرب لأنجاز هذه الروعة.الياسمين الأبيض،يتسلق الشرفة ،يغازلها يغريها بعبيره ،يتلصص على الذي يدور خلفها دون خجل ،العصافير كذلك تفعل.نخلة باسقة تراقب الوضع،أضفت على المكان المزيد من الجمال.
سيارات فخمة ،مركونة بالجوار.شاب بلباسه التّقليدي ، قندورة بيضاء،يعتمر عمامة بيضاء.يقف مسندا ظهره الى الجدار ،بمدخل البناية كحارس غير رسمي ،يراقب الداخل و الخارج ،من القصر دون أدنى كلمة منه ،الا ابتسامات يوزعها على الزوار بمقدار دون كلل.
قلت كلما قادتني قدماي الى هذا المكان،تذكرت جدي رحمة الله عليه.يومها كان في العاشرة من عمره،أكبر قليلا ربما.كان المكان القصر اليوم،... بطحاء واسعة ،منخفظا تكسوه الاعشاب و الأشواك، نخلة مقطوعة الرأس،تقف خشبة خاوية ،فارقت الحياة منذ أمد.مكانا مرتعا للذئاب ،أخبرني جدي.
كان يومها في العاشرة من عمره ،يوم حل بالقرية الهادئة ،الغارقة في همومها ،هذا الغريب الأطوار.لم يكن ليهتم لأمره أحدا.- فالقوم فيهم ما يكفيهم- كما أن الكثير من أمثاله مروا من هنا... لم يكن فيه ما يشد الأنتباه، ما هو مختلفا عن غيره.....
وجها عاديا ،وجها لفحته أشعة الشمس، جلدا على عظم،عينان جاحظتان حد التّقزز،أنفا احتلت كل الوجه.اسنانا يبدو صاحبها مبتسما على الدوام.... قال جدي.
البؤس عنوانا واضحا،على وجه هذا الغريب ،أطفال القرية النصف عراة،متحلقين حوله
يدفعهم الفضول،يراقبون بعيونهم المفتوحة ، المشدوهة حركات الغريب و سكناته.الكيس الملقى بجانبه....
ينهرهم أحد رجال القرية العائد من بستانه للتو.ممتطيا حماره الهزيل.
- اتركوا الدرويش ،في حال سبيله،قال صاحب الحمار الهزيل.
راق الغريب قول الرجل .. اتركوا الدروبش في حال سبيله ،أعادها زاجرا الأطفال ،آمرا اياهم الأنصراف...
كانت عينا الغريب تومضان ،-قال جدي ،و كان يهز رأسه ،هزا متواترا،الى الأمام و الى الوراء،متمتما بما لا يفهمه الا هو. كلمات لا معنى لها.و كأنه يكلم قوما غير القوم.
العيون التى وصلت المسرح للتو،سكنتها الدهشة عادة تفعل مع كل غريب.
بعد مدة ليست بالقصيرة،اضاء عيني الغريب وميض خبث،فأنتصب واقفا و غرس عصاه
بين قدميه ،معلنا بصوت مبحوح،أنه سيقيم في هذا المكان كما أمر.
أكد لي جدي أنه قال هذا ، كما أمرت ...من أمره..؟؟ لم يكن أحدا غيره يعلم طبعا.
- سآتيك بما يسد رمقك ،و يروي عطشك،فوجوب اكرام عبير السبيل واجب، قال صاحب الحمار الهزيل.
لم يكن غيرهما ، الدرويش ،و صاحب الحمار الهزيل،فقد انفض القوم لغاياتهم.رد موافقا بحركة من رأسه،
دون النطق بكلمة.
أسند الدّرويش ظهره الى جذع النّخلة الخاوية المقطوعة الرّأس.أخذته غفوة ربما.قال جدي.
أتاه صاحب الحمار الهزيل،بالقليل مما وجد،كسرة خبز جافة ، كل ما وجده ببيته المسكين.كان يتمنى من كل قلبه لو اتاه بما هو أفضل،من هذا الذي بين يديه ،و لكن......... لاحظ الدرويش مسحة الخجل على وجهه
- لا عليك، كله خير،و كله من فضل الله ،علينا شكره على كل حال ...ثم اردف لو سمحت ،لو بوسعك،لا أريد أن أثقل عليك،
- قل ... قل لا عليك أنت ضيفي و أنا في الخدمة ... قال صاحب الحمار الهزيل.
- لو بوسعك أريد ماءا ، للوضوء ، بعد اذنك أيها الرجل الطيب ...طبعا.
في لمح البصر جاءه الرجل الطيب بما طلبه ، اناءا به ماء.شكر الغريب صاحبنا الطيب، سأله اسمه ...؟
عمار قال صاحب الحمار الهزيل اسمي عمار ... عاشت الأسامي يا عمار .....
- بعد اذنك ، و أنت ما اسمك، بعد اذنك طبعا ......
- الشيخ ابراهيم، ناديني هكذا ، الشيخ ابراهيم....
- تشرفنا يا شيخ ابراهيم......
تقدم الشيخ ابراهيم من الاناء،، شرع يتوضأ ، و ما أن فرغ ، نادى عليه أن خذ الأناء يا عمار.
اقترب عمار من الأناء، مادا يده لأخذه، ... شلت يده ، لم تطاوعه،تسمرت قدماه في مكانها، تعقد لسانه، أحس جفافا بحلقه، تصببت جبهته عرقا ، قشعريرة ألمت به لهول ما رأى ........
لم يكن بالأناء الا حليبا خالصا، .. حليبا خالصا قسما بالله قال عمار لكل سكان القرية . حليبا خالصا يتقاطر من مرفق الرجل، صدقا اقول ، يا قوم ،قال عمار هذا و هو يركض لاهثا بين حارات القرية قاصدا الجامع.
ينزل الماء حليبا من مرفق الرجل يا ناس ، حليبا خالصا من مرفق الرجل يا ناس ..........................
هرع القوم الى المكان ،الايادي تتخاطف الاناء، العيون محدقة بقلب الاناء،امرا جلل، كرامة ، سبحان الله
آيته في أضعف خلقه، سبحان الله.. لا شك في صلاح هذا الغريب قال احدهم، وليا من أولياء الله الصالحين
نعمة انعم بها الله على قريتنا ، قال آخر .لنكرم مثواه و نحسن اليه ، فننال و تنال قريتنا خيرا من ورائه كنا نتمناه قال شيخ الجامع.
- لا عنزة ولا نعجة و لا حتى أتان بالجوار، همس أحدهم في أذن صاحبه .......
- استغفر ربك،، لا تقل هذا رد الرجل على صاحبه المتسائل .
شاع أمر الولي الصالح ، أمر المرفق الذي يدر حليبا، المرفق نبع الحليب الذي لا ينضب. لا حديث الا عن هذه الكرامة، التي أذهلت كل من وقعت على مسمعه.
شد سكان القرى المجاورة التى وصلها الخبر المعجزة، خبر المرفق الضرع، الرحال الى موطن هذا الولي الصالح، القرية المحظوظة التي آوته . و التي كان لها شرف احتضانه، و يا له من شرف .
قرر كبار القرية أن يشيدوا لهذا الشريف بيتا يليق بمقامه و بأسرع ما يمكن .
كان يوما مشهودا ،محفوظا في ذاكرة قريتي ، اليوم الذي أنجز فيه بيت الشيخ ابراهيم على أكمل وجه.
بيتا و لا أجمل منه، بين بيوت القرية كلها ،قال جدي .
كيف لا و هو المرفق التي تدر حليبا خالصا ، الكف الكريمة التي تشفي كل عليل.
غالبية زوار الشيخ ابراهيم ،كانت النسوة و الفتيات اليافعات... أملا بكسب الرضى،و نيل المبتغى،زوجا صالحا لمن خافت فوات الأوان، و استقرارا لمن خافت هجرا و نشوزا من بعلها.عودة غريب طالت غربته.
يرونه عارفا بكل الأمور، كشفت عنه الحجب، قوة خفية تمده يد العون تسانده.صدقوا قوة تمده العون أكيد.
قال جدي ،وانه بعد مرور السنوات، بدأ الشيخ يفقد بريقه، قليلا قليلا ، جف المرفق الضرع، ربما.
لم يعد يدر حليبا كسابق عهده ربما .
سيارة الجيب العسكرية ، تخترق الجموع ، قفز منها الضابط الفرنسي المتعجرف، قبل أن تتوقف حتى.
أمر النسوة الابتعاد عن باب بيت الشيخ القذر ، حسب قوله.الضابط الحثالة قال عن الشيخ ،بأنه قذر و محتال
مدّعي، ينتحل شرفا زائفا لا يستحقه.
نسوة القرية الموجودات امام بيت الشيخ يومها سمعن الضابط الحثالة يقول في الشيخ الذي قاله .بعدها سدد رشاشه بأتجاه قفل الباب ،أراد تدميره ،أطلق وابلا من الرصاص باتجاه الباب ، قفل الباب بالتحديد.
ملأ صراخ النسوة و عويلهن الأرجاء، صمت الرصاص، تقدم الضابط الحثالة، فجأة تسمر في مكانه ،فاغرا فاه و هو يرى ان لا أثر للرصاص على باب بيت الشيخ ابراهيم. لا أثر له تماما قالت النسوة.
نزع قبعته من على رأسه ،اعترافا منه بقوة الشيخ الخارقة.لقد كانت رصاصاته بردا و سلاما على باب بيت الولي الصالح، تناثرت بعيدا بعيدا ، غادر الضابط الحثالة المكان مقهورا ، مقرا أمامهن بعجزه، وسط زغاريد النسوة و اهازيجهن، التى ملأت المكان .شاع خبر الهزيمة التى مني بها الضابط الحثالة و الذي عجزت رصاصات رشاشه على النيل من باب بيت الشيخ الصالح.
ذاع صيت الشيخ ابراهيم أكثر من ذي قبل . كيف لا بعد الذي حدث.زادت قوافل الحجاج الى بيت الشيخ، محملة بما أستطاعت ، كسبا لوده، و تقربا منه، طلبا لقضاء حوائجهم، و ابعاد الضر عن مرضاهم، باذنه تعالى فورعه و تقواه جعلاه مقبول الدعاء و من المقربين. يرى القوم.... قال جدي.
أنها السنة التي التي تزوج فيها الشيخ ، للمرة الثالثة،صبية بكرا ،يافعة جميلة،في عمر الزهور.
قدمت للشيخ هدية، من قرية مجاورة، تعب أهلها أيم تعب و هم يراودون الشيخ على نفسه .كانت فرحتهم لا توصف ، بعد نزول الشيخ عند رغبتهم ، و قبوله هديتهم ، محقين ربما .....
لقد كانت للشيخ فضائله على أهل القرية أيضا .يقول جدي ، أنه لن ينسى اليوم الذي اصيبت فيه رقية ابنت الشيخ المختار ، امام الجامع بمس ، جنا يتكلم لغة غريبة ، على فم الصبية، مقرا بأنه يعشقها ، و لن يغادرها مهما حاولوا متيما بها ، لن يتنازل عن عشيقته لهذا الخاطب المعتوه ، و لا لأبن العم و الذي لا يخفى على أحد تعلقه برقية منذ الصبى.
دخل المارد في صراع مع الشيخ ابراهيم ليلة بطولها . ليلة كانت الى وقت قريب حديث القرية .ليلة استثنائية، أبطالها استثنائيون، نهايتها استثنائية. اشترط الجن لمغادرة الجسد الغض ، امرين لا ثالث لهما.
الخروج من خلال العين الجميلة الساحرة، ليتركها مفقوءة مشوهة ، لا يقرب صاحبتها أحدا بعده.أو ليخرج من ذاك المكان ، ليشفي غليله و الا .......
وقع الشيخ ابراهيم في ورطة ، مع هذا الشيطان . فكان لزاما عليه استشارة أهل المريضة، و الخطيب المغلوب على أمره .
- الا العمى الا العمي ... الا هذه ، قال الشيخ المختار ، والد رقية .و أردف الخطيب الا العمى و هل اغلى على الانسان من نعمة البصر .
فهم الشيخ من كلامهما أن لا مناص من ............. فنزل عند رغبة المارد العصي و كان الذي كان.
شفيت رقية ، و زفت الى زوجها ، انتهى الكابوس الذي أرق الأهل و الخلان .الكل نازلا مدحا في الشيخ ابراهيم. و الذي لولاه،لانتهت الأمور لما لا يرضاه احدا لوالد رقية الطيب. الكريم مع الجميع. و الذي لم تكن فرحته لتخفى على احد ليلتها.و هل اجمل من الستر .....
بالمناسبة أقام والد رقية ،الشيخ المختار وليمة حضرها أعيان القرية ، و القرى المجاورة ، و على راسهم طبعا الشيخ الصالح ، الولي الطاهر الشيخ ابراهيم... كان جدي ليلتها من بين الحضور رحمة الله عليه.
آه يا جدي الذي غاب عليك يومها ،معذورا بجهلك جدي ،من أين لك أن تعرف ...أن العالم عرف الذي يجعل المرافق تدر حليبا خالصا ، منذ قرون خلت أن الأكف التي تدر حليبا هي نفسها التي قامت بتجفيفه،
و جعلته يحمل في الجيوب و تحت العمائم.... من أين لك أن تعرف أن المغول قد عرفوا المرافق و الأكف التي تدر حليبا منذ قرون خلت.
آه يا جدي كم كنت طيبا و على نياتك ليرحمك الله .
*صلاح احمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق