اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الكتابات القصصية حول الثورة الجزائرية .... ‘ بقلم: لامية مراكشي

السياسة الإستعمارية إبان الثورة التحريرية الجزائرية وتوسل أسلوب القص كسلاح
بلغ الإستعمار الفرنسي أوج جبروته بعد مضي قرن على اغتصابه أرض الجزائر واحتفل الغزاة في سنة 1830م بانتصاراتهم العسكرية والسياسية وأكدوا على مرآى ومسمع من شهود البشرية جمعاء ثبوت أنظمتهم ودوامها عبر الأجيال .
في هذه الفترة بدأ مخططوا الإستعمار يخططون لمحو آثار الحضارة العربية الإسلامية
في بلادنا مستندين إلى وسائل عديدة وخصوصا إلى وسائل الثقافة من خلال المدرسة ومختلف المؤسسات الفرنسية الهادفة إلى تلقين مبادئ الحضارة الغربية المسيطرة على العالم ، غير أن الإستعمار لم يمس النواة الحية لأمتنا لأنها بقيت نواة النهضة الثقافية التي انطلقت منها كل روح حية للجهاد .
وكانت صيحة ثوارنا أننا أمة عربية مسلمة ، لأنها كيان وطني وسياسي وحضاري وعسكري وفكري ولغوي مستقل بذاته ، قد فرض وجوده منذ آلاف السنين ، ومامرت إلا سنوات قلائل حتى قابلت المدرسة الفرنسية المدرسة الجزائرية بلغتها العربية ومناضليها بالجهاد في الميدان الثقافي وصحفها ونواديها .

لقد توسلت إضافة إلى ذلك فن القص كسلاح لصد الإستعمار ، فكان يتصف بقوة في الأسلوب ، يؤدي نفس المعنى في نفس السياق ، وقد عالج القضايا الاجتماعية والسياسية والإصلاحية والدينية والعسكرية كذلك .

لقد لفت القص الانتباه إلى الحقيقة الاستعمارية وبين طبيعة هذا المستعمر الذي لايجيئ من ورائه إلا الخراب والدمار على مر الأزمان وتلاعبات فرنسا بالشعب الجزائري الذي أوهمته بالحرية والإستقلال وذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ضد الألمان حيث كان وقودها الشعب الجزائري .

إلا أن الخداع من طرف فرنسا التي بمجرد انتهاء الحرب حتى ارتكبت أبشع مجازر الثامن ماي من سنة خمسة وأربعين وتسعمائة وألف خيب آمال الجزائريين كما تحدث القص عن دستور 1947م الذي فرض على الجزائر وتحدث عن الإتحاد والتكتل في وجه المحتل واجلائه من الجزائر وتحقيق الاستقلال .

لقد التزم القص الجزائري في غياب السلاح بالقضايا الجادة والأهداف الوطنية العليا وحرص على التوجيه والتعليم بصفة أو بأخرى . ولم يخرج عن الإطار الحضاري الإسلامي بمفهومه العام والشعور القومي العربي فكان يستمد منه مادته الخام . لقد طغت على القصص في الفترة الاستعمارية تلك الروح الدينية التي فسرت على غرارها المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تخبط فيها المجتمع الجزائري .

الإطار الفني للقصة :

ترعرعت القصة الأدبية في الجزائر ، ونمت في أحضان حرب التحرير وعهد الاستقلال وفتـحت المجال واسعا أمام المبدعين الجزائريين لنشر أفكارهم وآرائهم بغير قيد على الرغم مما كانت تتعرض له من اضطهاد ومصادرة وتنكيل بكتابها والمشرفين عليها .

وظهرت قصص ذات قيمة جمالية رفيعة على يد كتابنا الـذين عرف فضلهم وثراء كتاباتهم أدباء المشرق والمغرب العربيين ، وقد استطاعوا في هذه الفترة أن يعالجوا قصص بنجاح فني مقبول، إذ كانوا يتوخون لدى تحبيرها معظم القواعد الفنية المعروفـة . وكانت كل قصة في معظـم الأحوال تتبع هذا الخـط المنهجي المعروف وهو : الفكرة ، الحدث، العقدة ،الشخصيات، الإطارين الزماني والمكاني

تشكل هذه العناصر علاقات داخلية فيما بينها وتماسكا قويا ، وهذا التصميم هو العقل في الأسلوب. وقد تطول الفكرة أو تقصر ، وهي تمهيد للموضوع الذي يـود الكاتب إثارته، وتعبر عـن انفـعال بمجريات الحياة الذي يصـور التاريخ والواقـع والشخصية الوطنية ... وهي قضايا تعكس قضايا المجتمع ووعيه.

فالفكرة عامة يقيم عليها المرسل موضوعه تكون قد عرفت عند الشعوب، فهي إما مستحسنة يدعو الناس إليها أو مرفوضة يحثهم على تجنبها . والتركيز على العلاقة بين الأحداث والأشخاص والأفكار وربطها بعنوان القصة .

وفي الحدث يناقش الكاتب القضية التي طرحها في على شكل مجموعة من الوقائع المرتبة بشكل سببي يدور حول موضوع عام فيحللها ويستدل عليها بالدلائل العقلية والنقلية الممكنة ، أي يحتوي على الوسـائل الإقناعية من برهـنة واستشهاد وسرد الحجج والبراهين، واختيار الألفاظ وتوظيفها في أساليب ملائمة للموضوع . حتى يصل للاجابة عن الاسئلة التالية :كيف ومتى وأين ولماذا وقع الحدث؟

وتترسخ الفكرة التي أثارها الكاتب بالعقدة التي تتمثل في ترابط مجموعة من الأحداث زمنيا تبرز نتيجتها ، فيشعر أنه أقنع القـارئ الذي يسـتشف فكرة يؤمن ويعمل بها ويتخذ موقفا إزاء القضية التي عرضها الكاتب.

وعادة مايختار الكاتب الشخصيات من واقع الحياة والتي يعرضها في مجموعة من الأبعاد هي كالتالي :

البعد الجسماني : من حيث البدانة والنحافة والطول والقصر والعمر والعيوب ...

البعد الاجتماعي : يكون بانتماء الشخصية للطبقة الاجتماعية ونشأتها وثقافتها...

البعد النفسي : ويكون عن طريق السلوك والمزاج والهدوء ... ووجوب اتسامها بالإحكام اللغوي والصياغة الجيدة ، وقد تتضمن نصائح الكاتب للمتلقي.

أما البيئة فتعد الوسط الطبيعي الذي تسير ضمنه الأحداث وتنتقل الشخصيات ضمن بيئة زمانية ومكانية تمارس وجودها .

على هذا الخط المنهجي تأتي بذلك القصص منظمة ، مرتبة وتعرض عرضا فنيا متسلسلا فضلا عن تقسيم المرسل الموضوع إلى فقرات شبه متوازية، وجمل قـصار متساو عدد كلماتها ومقاطعها في أحيان كثيرة ، خاضعة إلى سلطان الإيقاع الـذي يعد عنصرا إقناعيا يلفت الانتباه ويثير انفعالات المتلقي .

ومن القصص الفنية الممتازة التي تمثل لب الأدب العربي في الجزائر ، والتي تلتزم هذا الخط المنهجي ولا تكاد تعدوه قصص أحمد رضا حوحو ومحمد السعيد الزاهري وأحمد بن عاشور وغسان كنفاني وعبد الحميد بن هدوقة ومصطفى لطفي المنفلوطي ومحمد سعيد الريحاني وغيرهم كثير .

لقد كانت قصصهم تتسم بالربط المحكم بين الفقرات وأجزائها فلا يشعر القارئ بخلل وهو يتابع القراءة . لقد كان شعارهم دائما :

أما آن للحالمين بالوحدة الفرنسية أن ينفضوا عنهم الأحلام ؟

أما آن للمستعصمين بالأمل ، أن يريقوا صبابة الأمل ؟ إن الاستعمار شيطـان ، وإن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، وإن الاستعمار شر ، ومحال أن يأتي الشر بالخير ، ومحال أن يجني من الشوك العنب.

لأن فرنسا نبية في الاستعمار ، وإنها ترى أنه شرع لا ينسخ وعقد لا يفسـخ ،

لكن آلية المسلم البر، لا يرجو الخير من الاستعمار وما كنا نرجو منه أن يسترجع ما اغتصب مـن دنيانا والدنيا مادة يملكها المغتصب بعد تسلطه على ديننا ، والدين روحاني لا يسلبه إلا من يسـلب الروح، ولكـننا نظن أن تلك القلوب القاسـية ترقـقها الشدائد، وأن تلك النفوس العاتية تلطفها المصائب وأن تلك الإحساسات الغليظة ترهفها مناظر البؤس الذي نزل بها ، وتوقضها أصوات القوارع التي حلت بدارها من اكتساح " الألمان" لها واجتياحها لديارها ، فقطـع علينا هـذا المظن يوم حجر الحقد تلك القلوب على مسلمي الجزائر حتـى أبت عليـهم أن يشاركوها في فرحة فنغصتها عليهم بمناظر الدماء .

وفي الوقت الذي تطمح فيـه أنظار الأمم الضعـيفة إلى الاستقـلال التام ، يرسلها رئيس وزراء فرنسـا صيحة إنذار ، بأن لا حق لنا حتـى في استـقلال ديننا ؟؟

واخيبتاه ! أبعد مداورات دامت سنوات يفرض على الأمة الجزائرية دستور أعرج لا يسمع ولا يبصر ؟!

فارجعوا وتداعوا إلى الاتحاد على الحق الواضح فإن القوم قد اتحدوا على هضمكم بالمنطق المسلح ، ارجعوا واجتمعوا واجمعوا الأمة واشرحوا لها الحقيقة ، ودعوا لها الكلمة في تحديد الموقف وتقرير المستقبل .

نلاحظ مدى تماسك البناء الفني ، حيث تبدأ القصة بجملة من الاستفهامات عن قضية الإدمـاج والغاية منها لفت الانتباه إلى الحقيقة الاستعمارية ثم طبيعة هذا المستعمر الذي لايجيء من ورائه إلا الخراب على مر الأزمان ، وبعدها يكون التحـدث عن فرنسا وتلاعبها بالشعـب الجزائري الذي أوهمته بالحرية وذلك بعد نهاية الحـرب العالمية الثانية ضـد الألمان ، حيث كان وقودها الشعب الجزائري ولكن كان الخداع من طرف فرنسا التي بمجرد انتهاء الحـرب حتى ارتكبت أبشع مجازر 8 ماي 1945 .

تعريف القصة :

القص في اللغة العربية يعني تتبع الاثر، والقص في جوهره وجهة نظر ذاتي وموقف من الحياة والواقع وبمقدار وعي الواقع وإدراك القوانين المتحكمة فيه يتمكن الإنسان من تحقيق الكشف المعرفي والمساهمة في إيصاله إلى الآخرين ، لذلك تحددت جماليات القصة بمدى مشابهتها للواقع المادي ، لأنّ الواقع المادي يحدد أبعاد المعرفة، وكلما كانت الأشكال الأدبية ومنها القصة « تعكس الواقع المادي »تحققت تقدميتها، وحققت من ثم نجاحها الفني، وفي ضوء هذا يحدد الانعكاس مستويات المعرفة والفن معاً .

وفي ضوء هذا يغفل الناقد الجوانب الخفية المؤثرة في تغيير الواقع، ومعطلاً إسهامات التحويل الذاتي في تأمله، فتكون النتيجة ـ حينئذ ـ قائمة على أساس الطرف الفاعل « الواقع » الذي يحدد المعرفة والفن، والطرف المنفعل « الذات » التي تنسج الواقع وتصوره ، وتنقل ما يحدث فيه من تغيير، كما أنَّ وظيفة القاص ليست تشكيلاً جديداً للواقع ، وإنما تحقيق هذا الانعكاس الصادق للواقع المادي فحسب.

ويتأمل القاص الواقع وأحداثه عبر آلية الإدراك الحسي المباشر ، وعبر الوصف في تجميع الحوادث وربطها، ويأتي إتقان النص الأدبي للقصة من خلال معالجة لغوية لا تسعى لغير المعالجة المباشرة للحادثة وعرض أبعادها الحسية، وتكون القصة في ضوء هذا صورة للواقع الاجتماعي ، ويكمن دور القاص في تدوير المرآة وتحريكها في جوانب متخيرة من الواقع ، وتكون وظيفة الانعكاس تقديم التجربة المألوفة التي تقدم ـ من ثم ـ بعداً سلبياً في المعرفة ، بحيث يؤدي كل بعد فيه دوره الفاعل في تشابك بنائه ودلالاته .

وتنطوي القصة على تصوير الواقع اليومي المعتاد ، وما دام الأدباء يتأملون واقعاً محدداً، فإنه من الطبيعي أنْ تتشابه النتاجات القصصية في الأقل على صعيد تصوير الحوادث المتكررة في الحياة .

إن القصة لا تنقل الواقع كما هو عليه، لأنها أساساً عمل منظم يتجاوز عشوائية الواقع، كما أنها لا تشابه الواقع أو تماثله، لأنَّ القاص يهدف إلى تجاوزه، كما أنَّ التحويل الذاتي يسهم هو الآخر في تجاوز النقل الآلي له، وهذا يعني إسهام كل من الذات وموضوعها في عملية الإبداع، ومن ثم فإنَّ التجربة ليست ذاتية، وليست موضوعية، وإنما هي ذاتية وموضوعية معا.

وتسهم الوحدة بين الذات والموضوع في تزويد القصة بأبعاد معرفية تتغاير مع أنماط المعرفة الأخرى، كالتاريخ والفلسفة، كما تتغاير طبيعة العمل الأدبي مع الواقع، لأنَّ القاص « يفكك الواقع، ويختار منه، ثم يعيد تأليفه من جديد بروح جديدة تعكس إيمانه ومقدرته على تحسس الواقع ووعيه، وبذلك يخلق عوالمه ويكون أهلا لأن يدعى قاصاً»،

وهذا يعني أنَّ الأديب يتجادل مع الواقع « مع إعادة خلق ذاتي له، وهناك يقوم الموقف الشخصي وأحاسيس الكاتب بإظهار وفرز كل الاختلافات »، ويقود الانعكاس الفني إلى خلق فني تتوازى فيه القصة مع الواقع، وتتوازى مع أنماط المعرفة الأخرى، كالفلسفة والتاريخ والعلوم، غير أنَّ القصة تتميز بعالمها الخاص المنظم، وتتضمن معرفتها الخاصة بها، وهي تختلف دون شك عن أنماط المعرفة الأخرى.

وعلى الرغم من أنَّ القصة تستقي مادتها من الواقع فإنها تعيد خلقه من جديد، وتتجاوزه بمعرفتها الخاصة، وتوهم المتلقي بمماثلته عبر احتمالية وقوع أحداثه، وبهذا يتمكن القاص من سرد قصة

« لم تجر في الواقع ولكن حذاقة الكاتب تستطيع أن تقنع القارئ بأنَّ هذا الحادث قد جرى بالواقع »، وفي ضوء هذا فإنَّ الواقع الفني للقصة « عالم خيالي متصور وهمي، والوهم في العمل الأدبي سيكون ذا علاقة معقدة لذلك القطاع من الواقع الذي يعكسه... « وإنَّ » خلق مجال للاحتمال هو.... جزء «من» الانعكاس الفني ».

تؤثر القصة في المتلقي عبر اقتناعه باحتمالية وقوع الحوادث، ويشعر بأنها «منتزعة من الحياة، لأنّ القارئ يجد فيها نفسه وظروفه ومجتمعه »، وبهذا يكون عالم القصة عالم المتلقي الخاص، ما دام يعبر عن مشكلاته الخاصة، فهو أقرب إلى ذاته وواقعه، ومن شأن هذا أن يدفع إلى تأمل الواقع الاجتماعي والإسهام في تغييره.

وعلى الرغم من أنَّ الواقع الاجتماعي ـ ما هو كائن ـ يشتمل على جوانب قاتمة معتمة، فإنَّ القاص لا يصور ـ فقط ـ هذا الجانب السوداوي والمنهار من العالم، وإنما « يصور ما هو قاتم مظلم وما هو منير مشرق »، وبهذا ينبئ عن نظرة مستقبلية متفائلة، ومن ثم تكون الواقعية المتجاوزة، بحسب تصور الناقد « فعالة ومنفعلة في آن واحد ».

لقد كان الكتاب الجزائريون ملتزمون ، بالقضايا الجادة والأهداف الوطنية العليا ، مما جعلهم يحرصون حرصـا شديدا على التـوجيه والتعليم بصفة أو بأخرى .

فقد كانوا يحشون كتاباتهم القصصية بمعلومات كثيرة يفيد منها القارئ ،غير أن ذلك لايعني بالضرورة أن كتاباتهم القصصية كتبـت لغاية تعليمية ، وإنما ثقافتهم المعمقة هي التي جعلت كثيرا من المعلومات تفيض علـى أقلامهم بدون شعور " .

والإطار الحضاري الذي تتحرك داخله الكتابات القصصية ، هو إطار الحضارة العربية الإسلامية ، ومن شرايينها تستقي شخصياتهم الأدبية والفكرية شعورها القومي وروحها الإسلامية الذيـن يكونان عندهم العرق النابض ،فطغت على قصصهم تلك الروح الدينية التي فسروا على غرارها المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تخبط فيها المجتمع الجزائري ..

إن ما يميز كتاباتهم الفصصية استعانتهم بكل المناهج ؛ كالتاريخية ، التحليلـية ، النقدية وهي تترجم كلها مدى أهمية الموسوعة المعرفية التي تطبع ثقافاتهم وخصوصا تفتحهم على ثقافة العصر، والأهم من كل ذلك أنهم بهذه الخاصية يرفعون أية قضية من قضايا المجتمع والشعب مهما صغرت إلى درجة التحليل المعرفي ليجعلوا منها قضايا كبرى .

لقد كان الكتاب الجزائريون في هذا النـوع من الكتابة يشنون معارك قلـمية قوامها اللهجة الحادة لاسيما مـا تعلق بالقضايا الدينيـة فكانوا يناقشون ويرمون خصومهم بألفاظ كأنـها شفرات حادة ؛ فحروف ألفاظهم لهب وجملهم جمر، وعباراتهم الجارحة سياط من العذاب ، ويصلون أحيانا إلى التأنيب ؛ والسخرية سمة بارزة في أساليبهم ، وهي عندهم درجـات في القسوة ؛ تنتشر على طريق ممتد من التهكم الساخر ، إلى الإخضاع الفاحش

ويتصرفون بالأشخاص الذين يسخرون منهم فيـضعونهم مـن ذلك في الوضع الذي يريدون .

وليس لهم من غاية سوى أن يبعثوا في النفوس الضحك والازدراء أو الأسف والرثاء.

السمات الفنية العامة في أسلوب الكتابات القصصية الجزائرية :

إن أساليب الكتاب الجزائريون تشكل مذهبـا قائما بذاته في الجزائر ، فتعد امتدادا للمدرسة الكلاسيكية وتطويرا لطرائقهـا في زخرفة الكلام ، لذلك نجد فيها كثيرا مما يـوجد في الأساليب القديمة مـن جـزالة الألفاظ ، ووضوح المعاني ، والتأنق في الأسلوب ، ورغبتهم في رشها بالمحسنات اللفظية والمعنوية عـلى اختلافها . مع إتقان القواعد ووفرة المحفوظ .

نماذج من الكتابة القصصية الجزائرية الثورية :

1 – قصة الجزائر واستقلالها :

قصة الجزائر واستقلالها قصة طويلة الفصول ، حزينة ، تجمع بين البطولة والأحداث ، بين الظلم والمقاومة ، بين القهر والاستعمار ...

كان أبطال هذه القصة الفريدة من نوعها ملايين الشهداء واليتامى ، كتبت أحداثها بدماء غزيرة أرهقت في ميادين المقاومة وفي المساجد ، وفي الجبال ...، بل وفي أركان المنازل .

لقد شاءت الأقدار أن يكون اليوم الذي بدأ فيه الإحتلال الفرنسي للجزائر هو اليوم نفسه الذي استقلت فيه ، غير أن الفارق الزمني بينهما كان 132 عاما ، امتلأت بالأحداث والشهداء ، فقد دخل الفرنسيون مدينة الجزائر في الخامس جويلية 1830 م ، وكان عدد القوات الفرنسية التي نزلت الجزائر حوالي أربعين ألف مقاتل خاضوا أثناء احتلالهم لهذا البلد معارك شرسة استمرت تسع سنوات فرضوا خلالها سيطرتهم على الجزائر .

كان الاستعمار الفرنسي يهدف إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري ، وأن يكون هذا البلد تابعا لفرنسا لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم ، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته ، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين ، ثم محاربة الشعب الجزائري في عقيدته . بالإضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة أبيدت فيها قبائل بكاملها .

بدأت المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال ، وكان أقوى حركاتها ، حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر عام 1832 م واستمرت 15 عاما ، لكنها ضعفت بعد ثورة أحمد بومرزاق سنة 1872 م ، وقلت بسبب وحشية الفرنسيين واتخاذهم سياسة الإبادة الجماعية والنفي إلى الخارج .

لقد سبق العمل المسلح الإعلان عن ميلاد جبهة التحرير الوطني التي أصدرت أول تصريح رسمي لها يعرف ببيان أول نوفمبر، وقد وجهت هذا النداء إلى الشعب الجزائري مساء 31 أكتوبر 1954 ، ووزعته صباح أول نوفمبر حددت فيه الثورة مبادئها ووسائلها ورسمت أهدافا رامية إلى الاستقلال.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى ظهور الثورة الجزائرية مايلي :

الوجود الإستعماري.
إنتشار موجة التحرر في دول العالم الثالث .
استقلال بعض الدول العربية .
تطور الوعي السياسي في الجزائر – حوادث 8 ماي 1945 م .
فشل الوعي السياسي لمطامح فرنسا .
تنكر فرنسا لوعودها .
ظهور الكتلة الشرقية وتأييد الشعوب دول العالم الثالث .

كل هذه الأسباب حفزت الشباب الجزائري لتفجير الثورة الخالدة في الفاتح من نوفمبر 1945 م ، وهذا بالهجوم في عدة أرجاء البلاد في ثورة شعبية عارمة .

لقد دامت الثورة سبع سنوات ونصف استشهد فيها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد
وانتهت باستقلال الجزائر في 5 جويلية 1962 م .

لم يقتصر القص على هذا النوع الأدبي بل تخلل حتى المسرحيات والمقامات والمقالات فجل مقالات الشيخ البشير الإبراهيمي على سبيل المثال لا الحصر مشبعة بروح القص ؛ فهو لا يكتـب فحسب بل يقص ؛ فالأحداث التي يواجهها والقضايا التي يعالجها والآراء التي يقدمـها عبارة عن قصص ما تنعكس على مقالاته .

والحق أن هناك قصة ما يتحدث عنها الإبراهيمي حين يكتـب عن بعض وقائعها أو عن بعض شخوصها ؛ وهذه القصة هي قصة الاستعمار الفرنسي في الجزائر وقصة مجابهة الجزائر لهذا الاستعـمار ونجده يقص لجمعية العلمـاء المسلمين وللأحزاب الأخرى ، ويفصل في قضيـة " فصل الدين عن الحكومة " كل هذه الأحداث ومجرياتها شبيهة بالقص والحكي .

لكن العلامة لم يستخدم القصة على نحو ما يستخدمها أصحابها اليوم لا لأنها لم تكن قد غـزت الأسلوب العربي بل أن هناك تناقضات بين عقلية الإبراهيمي وعقليـة القصة ؛ فهو متأثر بالثقافة الإسلامية وأسلوبه وليـد لهذه الثقافة التي تتنافى والتخيل الذي تقوم عليه القصة . فالإبراهيمي وإن لم يستخدم تقنيات القصة المعاصرة فإنه لم يعدم روح القص .

ولغته في القصة لم تكن مجرد وسيـلة للتواصل بيـن الكاتب والقراء فحسب ؛ بل هي غـاية عنده إذ كان إحيـاء معـالم اللغة العربية في الجزائر هدفا من أهدافه الكبرى .

وبالفعل فدوره في إحياء اللغة لم يكن هينا فقد كان الإبراهيمي أديبا فذا ، فقد تمتـع بحافظة نادرة ، وحب للأدب العـربي القديم ؛ فنـهل من حياظه ما شاءت نفسـه وطموحه ، حفظ دواوين الشعر ومـتون اللغـة وخزائن الأدب ؛ ولذلك بهر المعاصرين في المشرق والمغرب باستحضاره ذخائر التراث .

كان هدفه في كل ذلك الإصلاح ، فالإصلاح أمر فطري لا في شخصية البشير فحسب ، بل تسعى إليه كل النفوس للوصول إلى سعادة دنيوية وأخروية باستخدام كل السبل الانسانية المشروعة لاقامة العدل والانصاف ونبذ العنف والظلم والإجحاف . وإعداد الشعب الجزائري المسلم ليوم لاريب فيه هو يوم التحرر من الإستعمار الفرنسي الإستيطاني المتغطرس الذي طال ليله . ولم تزل الصرخة الإبراهيمية الإصلاحية تدوي في سماء الأحرار والمصلحين ، حتى تحرر الشعب المظلوم من ذلك الإستعمار الغاشم .

ومن نماذج القص أيضا : قصة الشهيد الحملاوي ومضمونها :

" حكا لي أبي حكاية طريفة وقعت لمجاهدي الثورة التحريرية المباركة .

كنا جالسين في غرفة الاستقبال بالمنزل ، لما بدأ يسرد علينا وقائع تاريخية في منتهى الأهمية . كان اسمه الحملاوي فدائي من مدينة الجزائر .

في يوم من أيام الثورة تنكر في زي دركي فرنسي وراح يتجول في الشوارع ، وبينما هو يتجول صادفته سيارة فرنسية يقودها عسكري ، وحتى لا يجلب إليه الأنظار أوقف صاحب السيارة وراح يتحدث إليه .

وعندما أحس الحملاوي من العسكري عدم معرفته ومتنكر قضى عليه وأخذ سلاحه وسيارته بهدوء وشجاعة لا توصف . وبينما بقيت جثة العسكري في السيارة . انطلق الحملاوي يجوب شوارع الجزائر ، فمر بدورية عسكرية راجلة وصوب إليها سلاحه الآلي ودهمها ولاذ بالفرار .

وفي ليلة من ليالي شهر ديسمبر المضلمة والممطرة تسلل الحملاوي ورفاقه إلى مرقد عساكر العدو ، وقضوا على أغلب أفراده وغنموا أسلحة وذخائر وانسحبوا آمنين غانمين .

وفي عام 1961 م تنبه العدو الغاشم بواسطة جواسيسه إلى مخبأ الحملاوي ، فكان الموعد ، وكانت الحشود العسكرية تطوق المكان الذي يأوي مخبأ الحملاوي ورفاقه . وما كان عليه إلا الرد البطولي حتى استشهد وجميع رفاقه في ميدان الشرف .

توقف أبي عن الكلام ونظر إلى أمي التي كانت عيناها تدمعان .

فسألها : " مابك يا زبيدة ؟ "

ردت عليه قائلة : " ذكرتني بأيام فقدنا فيها الأعزاء ، وذقنا مرارة لا توصف من جراء اضطهاد الإستعمار الغاشم .

فقاطعها أبي قائلا : ولكن اليوم : الحمد لله نحن ننعم بالإستقلال والأمن ، فهزت رأسها بالموافقة على قول أبي ومسحت دموعها وقمنا بعدها جميعا إلى مائدة العشاء " .

هكذا كان كتابنا الجزائريون يجاهدون ، لكن هذه المرة كان الجهاد بالقلم ، بالكلمة ، بالإيمان والضمير ليعرفوا الأجيال اللاحقة على تاريخ بلادهم الحبيبة لتهيئتها للإستعداد لأي عدو طامع ويؤدوا واجبهم الإنساني .

لامية مراكشي 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المراجع

1- الوصل : مجلة يصدرها معهد اللغة العربية و آدابها ، تلمسان ، ع ،3، 1419ه،1998م.
2- أحمد رضا حوحو رائد القصة القصيرة في الجزائر : مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في اللغة والأدب العربي ، إعداد :مماد عائشة ،إشراف حياة عمارة، المركز الجامعي أبو بكر بلقايد تلمسان ، 2017 م .
3 - أبو القاسم سعد الله : تاريخ الجزائر الثقافي (1830-1954 )، دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1998 ،ج 1.
4 ـ محمود عبد الوهاب، أزمة الرواية في الأدب العراقي المعاصر، ج صوت الطليعة ع 50 / 26 ك2 /1960.
5 ـ أديب، الواقعية في الأدب، ج الإخاء ع 79 / 17 ت1 / 1951.
6 ـ ناظم توفيق، قواعد القصة وقوانينها، م الأديب ع 12 / ديسمبر / 1954.
7 ـ Leroy , Marxism and Modern literature , p.12.
8 ـ شرقية عزيز، القصة والواقع، ج فتى العرب ع 73 / 27 آب / 1964.
9 ـ Leroy , Marxism and Modern literature , p.17
10 ـ فيصل عمران القاضي، أدبنا بعد الثورة، م الرسالة العراقية ع 2 ـ 3 / أيلول ـ ت1 / 1959
11- عبد الملك مرتاض: فنون النثر الأدبي في الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية د،ط،1983،.
12- محمد رزمان : معالم الفكر السياسي و الاجتماعي عند الشيخ البشير الإبراهيمي، منشورات جامعة باتنة ، د ، ط/ د ،ت.
13 - محمد ناصر: المقالة الصحفية الجزائرية ، ج2.
14 - مجلة الثقافة ع ،87 ، ص 336.
15 - محمد البشير الإبراهيمي : عيون البصائر الثانية ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر، د ، ط/ د ،ت .

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...