كتاب "النص السردي المتمرد" يتهم النص الروائي العربي المكتوب في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الذي يليه بأنه نص مفعم بالعنف.كتاب "النص السردي المتمرد.. دراسة نقدية في تحولات الرواية الجديدة"، يتهم النص الروائي العربي المكتوب في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الذي يليه بأنه نص مفعم بالعنف، يميل للشك والغموض، وينفتح بلا نهاية على كافة احتمالات التأويل، ومع ذلك يؤكد مؤلفه د. محمد حسين أبو الحسن أن كتابه (الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب) ليس محاكمة لنصوص جيل التسعينيات، إنما يسعي عبر صفحاته الاربعمائة والعشرين "لاستقراء نقدي ينصت بشغف متعاطف إلى هذا المنجز الروائي، سعيا لاستكناه تحولاته ورؤاه الفنية والجمالية، إنها كتابات متمردة تعبر عن حساسية جديدة تحتاج إلى قراءة جديدة تمهد الطريق لاستيعابها وفهمها عبر ذائقة تنطوي على فهم مختلف للذات والعالم".
تحولات النص الجديد
يصف أبو الحسن تسعينيات القرن العشرين بأنها كانت فترة مخاض هائلة، وشعور جمعي بالإخفاق توقف أمامه تيار الإبداع، فاتخذ الروائيون من الكتابة سلاحا لمواجهة الإحباط، ووسيلة لإثبات الذات ضد محاولات المسخ والإلغاء، لكل ذلك اجترأت نصوصهم على التابوهات وأقنعة السلطة المستبدة، ولم تأبه كثيرا لضرورات السرد التقليدية، وانطوت على فضاء من المفارقات والمتناقضات لا تتمثل الواقع وإنما تطرحه من زوايا تعقده، فأظهرت مدى تشظي الهوية، وكشفت كذلك مدى تعرى "الأنا" من أي إحالة مرجعية. فرواية التسعينيات أظهرت ولعا بالتجريب والتشظي والميتاسرد والذاتية وجماليات القبح والسخرية والشك والتناقض والمفارقة، وغيرها من التحولات الفنية، وكأنها بذلك تشير إلى أن الرواية التي عرفناها تدخل مرحلة جديدة لها ملامحها وسماتها الخاصة بتحولات فنية، أرادت أن تكون من خلالها قفزة نوعية في تاريخ الجنس الروائي.
ويشير الباحث إلى أن جيل التسعينيات يبصر القضايا الكبرى من منظور جديد يخلق إطارات فنية وجمالية تعمل على تكثيف الواقع وتجاوزه، من دون أن تكون نصوصهم انعكاسا أو اختزالا آليا له، منظور لا يرى الحدود الفاصلة أو المفترضة بين العام والخاص، ويركز على الذات والنظر إلى داخلها، وتفاصيل الحياة اليومية الصغيرة، وإلى الهامشي والمسكوت عنه، حتى صارت كتابة الرواية مغامرة لغوية تخييلية تنطوي على قدر كبير من الجرأة الجمالية والفكرية والتمرد شكلا ومضمونا على نحو يكاد يكون غير مسبوق.
فالرواية عندهم تشربت بروح "نيتشوي" متمرد على كل سلطة وساخر من كل حقيقة في محاولة من الذات المبدعة لتجاوز النفي من الحياة، فتبدو إبداعاتها وكأنها أحد مظاهر الثورة على العقل وأحكامه، كذلك فرواية التسعينيات رواية مضادة، بمعني أن أبطالها يتبنون سلوكا مضادا للمجتمع، أيضا يحفل النص الروائي التسعيني بالحكايات الصغيرة المتدفقة لا ترتبط ظاهريا ببعضها البعض، بالرغم من أنها تتساند وتتكامل لإبراز مشهد روائي بعينه، كذلك تتكىء روايتهم على الحكي المباشر، المتحرر من أي خطاب أيديولوجي.
هكذا بدت الرواية التسعينية ممارسة إبداعية مغايرة، مع أنها في أحد جوانبها محصلة لممارسة معرفية إنسانية سابقة. وهذه التحولات الفنية بلا سقف، فكلما بلغت مرحلة فارقتها إلى سواها، كذلك فهي لم تطرأ فجأة أو بالصدفة، بل حدثت كنتيجة لعملية تطور مستمرة، والرواية لا تولد في فراغ بل يجب مقاربتها في ظل سياقات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، ولم تكن نشازا عن الإيقاع العام لحركة المجتمع العربي وأحداثها الجارفة التي تركت آثارها على مجمل الإبداع.
جماليات القبح
رصد الكتاب عدة تحولات فنية في رواية التسعينيات أولها التجريب بوصفه محاولة لابتكار عوالم متخيلة جديدة، غير مألوفة في حياتنا العادية، يتم عبرها توظيف تقنيات فنية مستحدثة كالمونتاج السينمائي أو تيار الوعي أو تعدد الأصوات، ويتم خلالها اكتشاف مستويات لغوية في التعبير تتجاوز نطاق المألوف في الإبداع لتحقيق درجات مختلفة من شعرية السرد. وكان التجريب هدفا في حد ذاته عند البعض من روائيي التسعينيات الذين رأوه ضرورة فنية وفكرية، انبثاقا من رفضهم للواقع القائم بكافة معطياته. فأخضعوه للمساءلة المتشككة والعصيان الجمالي انطلاقا من إيمانهم بحتمية التغيير وضرورة التحول.
وفي إطار انشغالها بهاجس التحرر من القوالب مالت الرواية التسعينية للشكل المتشظي فبدت كوحدة بنيوية مفككة، يمتلكها الوهم والتناقض ويبعثرها الغموض وافتقاد اليقين، فاستسلمت لوحشية التفاصيل الصغيرة التي تلتهم السرد.
كذلك جنح روائيو التسعينيات للتعبير عن جماليات القبح، أو عن واقع يعشش فيه القبح باستخدام كلمات وجمل شائعة قد يرفضها الذوق العام، مقتربا مما يدعى بالواقعية القذرة، بهدف خلق رؤيا جديدة جماليا للواقع وللإنسان، فعندما يقبع المجتمع تحت وطأة مشكلات تدمر منظومة القيم السائدة فيه، يحدث الخلل الذي ينطلق منه النص الروائي بحثا عن أفق للحرية، وتعيد الرواية النظر في وجود مملوء بالسقوط وبالفردية من خلال وحدات سردية تقوم على الالتباس والمراوغة وتحدي المجتمع، وربما العنف والسادية، أي تقوم على القبح في شتى صوره.
مع ملاحظة أن الجمال والقبح في الفن نسبيين، وكلاهما ليست أشياء معطاة في الطبيعة بل قيم يخلقها الآخر وتنمو مع الزمن، وقد يلجأ المبدع إلى توظيف جماليات القبح روائيا بقصد اجتراح نوع من التدنيس الذي يعيد مساءلة الواقع الذي يبدو بثقل وطأته وكأنه غير قابل للمساءلة. فيتم تحويله إلى خيال ومن ثم يمكن الاشتباك معه ومحاولة للتحرر من سطوته عبر توظيف فني يظهر مدى تفسخ الواقع، من هذا المنطلق يتناول الناقد رواية "فاصل للدهشة" لمحمد الفخراني. كذلك يرى الكاتب أن تذويت الكتابة أو الاتجاه إلى الذاتية يمثل تحولا فنيا في فهم الذات المبدعة لنفسها وصياغتها لهذا الفهم في آن. ويرجح الكاتب أن الذاتية كانت سببا في قلة الإنتاج الروائي لمعظم التسعينيين.
حضور نسوي
الأدب تعبير فني عن حالة إنسانية لا تعتمد على جنس المبدع، لذا لا يمكن النظر للأدب اعتمادا على التقسيم البيولوجي، وعندما تعبر المرأة عن نفسها أدبيا فإنها لا تعمل قسرا على توظيف خصوصيتها النوعية بوصفها امرأة، ولكن المرأة بحكم طبيعتها الفسيولوجية ووضعيتها الاجتماعية، تحوز خصوصية ما تطبع حياتها وكتابتها على الرغم من المشترك الإنساني الواسع بينها وبين الرجل.
وتتميز الكتابة الروائية التسعينية بكثافة الحضور النسوي، فيعتبره الكاتب تحولا فنيا مهما، ويلمس أثره في تفجير المكبوت النسوي فتناولت المرأة في روايتها مخاوف ومباهج الأنوثة، لكن تجاوزت الهم الأنثوي الذاتي إلى الهم الإنساني العام، متشبثة برؤى وخيارات وقيم إنسانية مشتركة هي مطالب للرجل والمرأة على السواء.
وبإيجاز، فالمرأة تكتب لرغبتها في أن تكون، وسردها يتميز بعدة سمات أهمها نقض الثقافة الذكورية، والبحث عن الهوية الأنثوية، والاحتفاء بالجسد، و المتح من ذاكرة الكاتبة.
القاهرة ـ من أحمد رجب
(خدمة وكالة الصحافة العربية)
تحولات النص الجديد
يصف أبو الحسن تسعينيات القرن العشرين بأنها كانت فترة مخاض هائلة، وشعور جمعي بالإخفاق توقف أمامه تيار الإبداع، فاتخذ الروائيون من الكتابة سلاحا لمواجهة الإحباط، ووسيلة لإثبات الذات ضد محاولات المسخ والإلغاء، لكل ذلك اجترأت نصوصهم على التابوهات وأقنعة السلطة المستبدة، ولم تأبه كثيرا لضرورات السرد التقليدية، وانطوت على فضاء من المفارقات والمتناقضات لا تتمثل الواقع وإنما تطرحه من زوايا تعقده، فأظهرت مدى تشظي الهوية، وكشفت كذلك مدى تعرى "الأنا" من أي إحالة مرجعية. فرواية التسعينيات أظهرت ولعا بالتجريب والتشظي والميتاسرد والذاتية وجماليات القبح والسخرية والشك والتناقض والمفارقة، وغيرها من التحولات الفنية، وكأنها بذلك تشير إلى أن الرواية التي عرفناها تدخل مرحلة جديدة لها ملامحها وسماتها الخاصة بتحولات فنية، أرادت أن تكون من خلالها قفزة نوعية في تاريخ الجنس الروائي.
ويشير الباحث إلى أن جيل التسعينيات يبصر القضايا الكبرى من منظور جديد يخلق إطارات فنية وجمالية تعمل على تكثيف الواقع وتجاوزه، من دون أن تكون نصوصهم انعكاسا أو اختزالا آليا له، منظور لا يرى الحدود الفاصلة أو المفترضة بين العام والخاص، ويركز على الذات والنظر إلى داخلها، وتفاصيل الحياة اليومية الصغيرة، وإلى الهامشي والمسكوت عنه، حتى صارت كتابة الرواية مغامرة لغوية تخييلية تنطوي على قدر كبير من الجرأة الجمالية والفكرية والتمرد شكلا ومضمونا على نحو يكاد يكون غير مسبوق.
فالرواية عندهم تشربت بروح "نيتشوي" متمرد على كل سلطة وساخر من كل حقيقة في محاولة من الذات المبدعة لتجاوز النفي من الحياة، فتبدو إبداعاتها وكأنها أحد مظاهر الثورة على العقل وأحكامه، كذلك فرواية التسعينيات رواية مضادة، بمعني أن أبطالها يتبنون سلوكا مضادا للمجتمع، أيضا يحفل النص الروائي التسعيني بالحكايات الصغيرة المتدفقة لا ترتبط ظاهريا ببعضها البعض، بالرغم من أنها تتساند وتتكامل لإبراز مشهد روائي بعينه، كذلك تتكىء روايتهم على الحكي المباشر، المتحرر من أي خطاب أيديولوجي.
هكذا بدت الرواية التسعينية ممارسة إبداعية مغايرة، مع أنها في أحد جوانبها محصلة لممارسة معرفية إنسانية سابقة. وهذه التحولات الفنية بلا سقف، فكلما بلغت مرحلة فارقتها إلى سواها، كذلك فهي لم تطرأ فجأة أو بالصدفة، بل حدثت كنتيجة لعملية تطور مستمرة، والرواية لا تولد في فراغ بل يجب مقاربتها في ظل سياقات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، ولم تكن نشازا عن الإيقاع العام لحركة المجتمع العربي وأحداثها الجارفة التي تركت آثارها على مجمل الإبداع.
جماليات القبح
رصد الكتاب عدة تحولات فنية في رواية التسعينيات أولها التجريب بوصفه محاولة لابتكار عوالم متخيلة جديدة، غير مألوفة في حياتنا العادية، يتم عبرها توظيف تقنيات فنية مستحدثة كالمونتاج السينمائي أو تيار الوعي أو تعدد الأصوات، ويتم خلالها اكتشاف مستويات لغوية في التعبير تتجاوز نطاق المألوف في الإبداع لتحقيق درجات مختلفة من شعرية السرد. وكان التجريب هدفا في حد ذاته عند البعض من روائيي التسعينيات الذين رأوه ضرورة فنية وفكرية، انبثاقا من رفضهم للواقع القائم بكافة معطياته. فأخضعوه للمساءلة المتشككة والعصيان الجمالي انطلاقا من إيمانهم بحتمية التغيير وضرورة التحول.
وفي إطار انشغالها بهاجس التحرر من القوالب مالت الرواية التسعينية للشكل المتشظي فبدت كوحدة بنيوية مفككة، يمتلكها الوهم والتناقض ويبعثرها الغموض وافتقاد اليقين، فاستسلمت لوحشية التفاصيل الصغيرة التي تلتهم السرد.
كذلك جنح روائيو التسعينيات للتعبير عن جماليات القبح، أو عن واقع يعشش فيه القبح باستخدام كلمات وجمل شائعة قد يرفضها الذوق العام، مقتربا مما يدعى بالواقعية القذرة، بهدف خلق رؤيا جديدة جماليا للواقع وللإنسان، فعندما يقبع المجتمع تحت وطأة مشكلات تدمر منظومة القيم السائدة فيه، يحدث الخلل الذي ينطلق منه النص الروائي بحثا عن أفق للحرية، وتعيد الرواية النظر في وجود مملوء بالسقوط وبالفردية من خلال وحدات سردية تقوم على الالتباس والمراوغة وتحدي المجتمع، وربما العنف والسادية، أي تقوم على القبح في شتى صوره.
مع ملاحظة أن الجمال والقبح في الفن نسبيين، وكلاهما ليست أشياء معطاة في الطبيعة بل قيم يخلقها الآخر وتنمو مع الزمن، وقد يلجأ المبدع إلى توظيف جماليات القبح روائيا بقصد اجتراح نوع من التدنيس الذي يعيد مساءلة الواقع الذي يبدو بثقل وطأته وكأنه غير قابل للمساءلة. فيتم تحويله إلى خيال ومن ثم يمكن الاشتباك معه ومحاولة للتحرر من سطوته عبر توظيف فني يظهر مدى تفسخ الواقع، من هذا المنطلق يتناول الناقد رواية "فاصل للدهشة" لمحمد الفخراني. كذلك يرى الكاتب أن تذويت الكتابة أو الاتجاه إلى الذاتية يمثل تحولا فنيا في فهم الذات المبدعة لنفسها وصياغتها لهذا الفهم في آن. ويرجح الكاتب أن الذاتية كانت سببا في قلة الإنتاج الروائي لمعظم التسعينيين.
حضور نسوي
الأدب تعبير فني عن حالة إنسانية لا تعتمد على جنس المبدع، لذا لا يمكن النظر للأدب اعتمادا على التقسيم البيولوجي، وعندما تعبر المرأة عن نفسها أدبيا فإنها لا تعمل قسرا على توظيف خصوصيتها النوعية بوصفها امرأة، ولكن المرأة بحكم طبيعتها الفسيولوجية ووضعيتها الاجتماعية، تحوز خصوصية ما تطبع حياتها وكتابتها على الرغم من المشترك الإنساني الواسع بينها وبين الرجل.
وتتميز الكتابة الروائية التسعينية بكثافة الحضور النسوي، فيعتبره الكاتب تحولا فنيا مهما، ويلمس أثره في تفجير المكبوت النسوي فتناولت المرأة في روايتها مخاوف ومباهج الأنوثة، لكن تجاوزت الهم الأنثوي الذاتي إلى الهم الإنساني العام، متشبثة برؤى وخيارات وقيم إنسانية مشتركة هي مطالب للرجل والمرأة على السواء.
وبإيجاز، فالمرأة تكتب لرغبتها في أن تكون، وسردها يتميز بعدة سمات أهمها نقض الثقافة الذكورية، والبحث عن الهوية الأنثوية، والاحتفاء بالجسد، و المتح من ذاكرة الكاتبة.
القاهرة ـ من أحمد رجب
(خدمة وكالة الصحافة العربية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق