وقفتُ على ناصيةِ الشارع أنتظرُ توقُّفَ سيلِ السيّاراتِ المارّة عند الإشارةِ الضوئيّةِ لأنتقلَ إلى الجهةِ المُقابِلةِ حيث موقعُ مدرستي..
وفجأةً دوّت صافرةُ شرطيِّ المرور معلنةً تبدُّلَ لونِ الإشارةِ الضوئية..في هذه اللحظةِ شعرتُ بِأناملَ ناعمةٍ تتحسّسُ يدي،مُترافِقةً ونبراتِ صوتٍ طفوليٍّ يقول:
-"خالة..بتسمحي تعدّيني معك الشارع،بدّي روح عالمدرسة وبخاف من السيّارات.."
رنَوتُ إلى مصدرِ الصوتِ بحنوٍّ يُداني حنوَّ الأمومةِ إحساساً غمرني للحظات...أمسكتُ يدَها الصغيرةَ بإحكام،وقلت:-"هيّا لنعبرَ الشارع...أنا معكِ...لاتخافي"...
وعلى الرصيف المقابلِ نظرتُ إليها باهتمام..ذاتُ وجهٍ ملائكيٍ بريءٍ القسَمات،وخصلاتُ شعرِها الذهبيّةُ تداعبُ وجنتَيها لتتدلّى فوقَ كتفَيها الصغيرَين..قلتُ لها:"شو إسمِك يا شاطرة?!"
رفعَت رأسَها ونظرَت إليّ بعينَينِ زرقاوينِ جميلتَين وقالَت:"اسمي شام"..وأضافَت:"أنا بالصفّ التاني.."،مشَينا لدقائقَ ولازلتُ ممسكةً بيدِها،وبيدِها الثانيةِ أخذَت تعدلُ وضعَ حقيبتِها المدرسيّةِ على ظهرِها..
وعلى زاويةِ إحدى الحاراتِ..وقفَت الطفلةُ شام،وشدّت على يدي برفقٍ.وقفتُ..نظرتُ إليها وسألتُ مستفهِمةً:
-"شو..ليش وقّفتِ?"..ضحكَت وقالَت:-"خالة..وصّلنا عند المدرسة"..
لم يطُل وقوفُنا..شدَّت على أصابعِ يدي وهزَّتها برفقٍ ونعومة قائلة:-"شكراً خالة..بدّي إمشي مع رفقاتي لِبابِ المدرسة.."
تركت كفَّها الصغيرَ ينسابُ من بينِ أصابعي وذهبَت لتختلطَ برفيقاتِها المتّجهاتِ صوبَ بابِ المدرسةِ المفتوح.
ظللتُ واقفةً أتابِعُها بنظراتي وهي تبتعدُ...هممتُ بمواصلةِ السيرِ وعينايَ مازالتا تتابِعانِها..في هذه اللحظةِ كانت ورفيقاتِها قد وصلَت البابَ،ورأيتُها تلتفتُ نحوي...وكأنّها أدركَت أنّني مازلتُ واقفةً أنظرُ إليها..رفعَت يدَها الصغيرةَ ولوَّحَت لي مُوَدِّعةً،رفعتُ يدي ردّاً لِتحيّتِها،وأنا أحبسُ في عينيَّ دمعةً شعرتُ بأنّها كانت ساخنةً..وقد منحَتني شعوراً بالراحةِ،وملأَت قلبي بالبهجةِ والضياء..ربّما يرجعُ السببُ لتعلّقي بصفاءِ الطفولةِ عامّةً..ولتلكَ الصغيرةِ التي رافقَتني على وجهِ الخصوص...
واسَيتُ شجنَ روحي..وتكلَّمَ قلبي بما أحسَّ به قائلاً لي:
-*سترَينَها ثانيةً...ستلتقِينَ بِشام يا مريم...سيكونُ بينكما حديثٌ آخر..ومشوارٌ أحلى...
ودمدَمتُ بِصوتٍ خفيض.."بل سنكونُ أصدقاءَ"..
ابتسَمتُ وأخذتُ نفَساً عميقاً...وواصلتُ سَيري نحو مدرستي،وأنا أشعرُ بسرورٍ وبسعادة ملأَت المكانَ من حولي..
مريم زامل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق