في تكريم صديق شاعر
ذاتَ يومٍ من أكتوبَر عام 1997دُعِيتُ إلى تكريم صديقٍ شاعر ، وافَقَ أن كانَ اسمه (جمال) وعلى الرغم من نفوري من نهج المديح ، فقد لبَّيتُ الدعوةَ لسببَينِ ، أمَّا أحدهما فهو أنني كنتُ أُبطِنُ له الودَّ ، فلم أرَ في مديحِه ما ينِدُّ عن الصِّدق أو يحمِلُ على ظِنَّة النِّفاق ، وأما الآخَرُ فهو يقيني بأنّ المديحَ - إذا سلِمَ من الرِّياء وتجافَى عن الإغراق في المُبالَغَة - قمينٌ بأن يعرِضَ من صفات الممدوح ما يُغري بانتهاجِ سَمتِهِ ، فهوَ مَعرِضٌ لجميل
السجايا ، لا يَضيرُه ألا يُحَدَّدَ لهُ شَخص، وقد ألقيتُ القصيدَة في ندوة شعراء العروبة بمحضَرهِ ، رحمَهُ الله ، ولا أنسَى فزعَه عندما علمَ من رائد الندوة أني مادِحُهُ ؛ ذلِكَ أنه كانَ يستَصعِبُ شعري ، فخشِيَ أن ينقَلِبَ امتعاضُ السامعينَ - في تقديرِهِ - نفورًا منه ، فما هوَ إلا أن انتهى الإلقاءُ بالرِضا والتصفيق حتى اطمأنَّ وآلَ إلى الغِبطَة وعادَ عليَّ بالحمد :
سَـرَتْ نَشوَةُ الــــرَّاحِ فـي شاطِئَيــهْ
وآلَـــتْ شجونُ النَّـــــدامَى إلَيــَـــــهْ
فَتًـــى يُــورِقُ الشَّدوُ فـي رُوعِـــــهِ
ويُشتَـــفُّ عِطرُ الشَّــذا مِنْ يَـدَيــــهْ
تَـقَـضَّــاهُ مَـــرُّ الليــَـــالي التُّـــــــؤادَ
وفَضَّضَ كَــــرُّ السَّنــــا عارِضَيـــــــهْ
ومــا انْــفَكَّ يَـصدَحُ فــي أيـْــكِــــــهِ
ويَحبـو النَّــدَى الــرَّفَّ مِنْ خافِقَيـــهْ
طَليـــــقُ المُحَيَّـــا سَمِـيُّ الجَمَــالْ
لَأسْماهُ في الغَيْــبِ بِيضُ الــخِصَالْ
صَفِيُّ المُنَـــاجاةِ عَــذْبُ المُصافَــــا
ةِ خِـدْنُ الشَّجِيِّــينَ سَمــحُ النِّــفَالْ
شجَا الشِّعرُ في رَوْضِهِ واسْتباحَتْ
شَهِيَّ الجَنَــى بَــاسِطــاتُ الظِّـلالْ
فَــلا غَـــروَ يَجْتـــالُـــهُ المــادِحُـــوهُ
بِبَيْــــداءَ مَـــا ودُّهَــــــــا غيْـــــرَ آلْ
تَهَــــــاوَى المُجَلُّــــونَ فــي قَصِّـــهِ
وحَــــارَ المُـسِفُّــونَ فـي غَمْصِــــهِ
لَئِــــنْ كَرَّمَتْــــهُ وفـــــودُ الحُضُـــورِ
فَقَــــدْ كُــرِّمَ الشِّعْـــرُ في شَخْصِـهِ
وأضْفَى علـــى هَـــامِهِ مِنْ وَحَـــاهُ
لَآلِـــــئَ تَختَــــــالُ فـِـي وَبــــصِـــهِ
وآيَـــــــةُ إخْـــــلادِهِ بِــالـخُـلـــــــودِ
بَلابِــــلُ غَنَّـــــتْ علَـــى خُرْصِــــهِ
طَبَــعْنَــــأ علــى فَـــوْدِهِ قُبلَــــتَيـنْ
وكِلْنَــــأ لـهُ الـــودَّ عَيْنـًــــا بِعَيـــــنْ
هُــــوَ الـــودُّ مِنْ آيِــــهِ أَنْ يُــــــذاعَ
وألَّا يُرَى فـي الوَفَــــأ بَيْــــنَ بَيــــنْ
ولَلْـحُسنُ والحَـقُّ مَرْقَــى العُــروجِ
تَــوَلَّاهُـــما الـمَجْــــدُ كالفَرْقَدَيــــنْ
ولَـــــو طاعَــتِ الأنجُـمُ النَّيِّــــــرَاتُ
كَـسَوْنَــــاهُ لَألاءَهَــــا كَالـلُّجَيـــــنْ
فَيَـا قَلْــبُ خُضْ في صَفَاهُ المَــدَى
وخَــلِّ الــلَّأَى والأسَى والصَّــــدَى
نَـــأى الشِّعرُ مِنَّــا جذورَ الإخـَـــــاءِ
وهَــدْهَـــدَ في النَّفسِ وَقعَ الـرَّدَى
ونحْـــــنُ الشُّـــداةُ علَـى بـــانِــــهِ
فَضَضْنَــــــا لِعارِيهِ رَطْبَ النَّــــــدَى
وأهْـــدَى الرُّبَـــا النَّـسْمُ مِنْ نَفْحِنا
رَحِيــقَ الخُـزَامَى ونَشْرَ الجَـــــــدَا
(محمد رشاد محمود)
..................................................
التؤاد : الرَّزانَة والتَّأنِّي . الرَّفُّ : البَريقُ والتَّلألُؤ .
النِّفال : الهِبات . يَجتالُ : يتَخيَّرُ ويستَصفي .
المُجَلُّونَ : جمعُ (المُجَلِّي) ، وهو السابِقُ في الحَلبَة .
الوَحَى والوَحَاةُ : الوَحْيُ . الوَبْصُ : اللَّمَعانُ والبَريقُ .
الخُرصُ (بِضمِّ الخاء) : الغُصْنُ . اللَّأى : الإبطاءُ والاحْتِباس .
ذاتَ يومٍ من أكتوبَر عام 1997دُعِيتُ إلى تكريم صديقٍ شاعر ، وافَقَ أن كانَ اسمه (جمال) وعلى الرغم من نفوري من نهج المديح ، فقد لبَّيتُ الدعوةَ لسببَينِ ، أمَّا أحدهما فهو أنني كنتُ أُبطِنُ له الودَّ ، فلم أرَ في مديحِه ما ينِدُّ عن الصِّدق أو يحمِلُ على ظِنَّة النِّفاق ، وأما الآخَرُ فهو يقيني بأنّ المديحَ - إذا سلِمَ من الرِّياء وتجافَى عن الإغراق في المُبالَغَة - قمينٌ بأن يعرِضَ من صفات الممدوح ما يُغري بانتهاجِ سَمتِهِ ، فهوَ مَعرِضٌ لجميل
السجايا ، لا يَضيرُه ألا يُحَدَّدَ لهُ شَخص، وقد ألقيتُ القصيدَة في ندوة شعراء العروبة بمحضَرهِ ، رحمَهُ الله ، ولا أنسَى فزعَه عندما علمَ من رائد الندوة أني مادِحُهُ ؛ ذلِكَ أنه كانَ يستَصعِبُ شعري ، فخشِيَ أن ينقَلِبَ امتعاضُ السامعينَ - في تقديرِهِ - نفورًا منه ، فما هوَ إلا أن انتهى الإلقاءُ بالرِضا والتصفيق حتى اطمأنَّ وآلَ إلى الغِبطَة وعادَ عليَّ بالحمد :
سَـرَتْ نَشوَةُ الــــرَّاحِ فـي شاطِئَيــهْ
وآلَـــتْ شجونُ النَّـــــدامَى إلَيــَـــــهْ
فَتًـــى يُــورِقُ الشَّدوُ فـي رُوعِـــــهِ
ويُشتَـــفُّ عِطرُ الشَّــذا مِنْ يَـدَيــــهْ
تَـقَـضَّــاهُ مَـــرُّ الليــَـــالي التُّـــــــؤادَ
وفَضَّضَ كَــــرُّ السَّنــــا عارِضَيـــــــهْ
ومــا انْــفَكَّ يَـصدَحُ فــي أيـْــكِــــــهِ
ويَحبـو النَّــدَى الــرَّفَّ مِنْ خافِقَيـــهْ
طَليـــــقُ المُحَيَّـــا سَمِـيُّ الجَمَــالْ
لَأسْماهُ في الغَيْــبِ بِيضُ الــخِصَالْ
صَفِيُّ المُنَـــاجاةِ عَــذْبُ المُصافَــــا
ةِ خِـدْنُ الشَّجِيِّــينَ سَمــحُ النِّــفَالْ
شجَا الشِّعرُ في رَوْضِهِ واسْتباحَتْ
شَهِيَّ الجَنَــى بَــاسِطــاتُ الظِّـلالْ
فَــلا غَـــروَ يَجْتـــالُـــهُ المــادِحُـــوهُ
بِبَيْــــداءَ مَـــا ودُّهَــــــــا غيْـــــرَ آلْ
تَهَــــــاوَى المُجَلُّــــونَ فــي قَصِّـــهِ
وحَــــارَ المُـسِفُّــونَ فـي غَمْصِــــهِ
لَئِــــنْ كَرَّمَتْــــهُ وفـــــودُ الحُضُـــورِ
فَقَــــدْ كُــرِّمَ الشِّعْـــرُ في شَخْصِـهِ
وأضْفَى علـــى هَـــامِهِ مِنْ وَحَـــاهُ
لَآلِـــــئَ تَختَــــــالُ فـِـي وَبــــصِـــهِ
وآيَـــــــةُ إخْـــــلادِهِ بِــالـخُـلـــــــودِ
بَلابِــــلُ غَنَّـــــتْ علَـــى خُرْصِــــهِ
طَبَــعْنَــــأ علــى فَـــوْدِهِ قُبلَــــتَيـنْ
وكِلْنَــــأ لـهُ الـــودَّ عَيْنـًــــا بِعَيـــــنْ
هُــــوَ الـــودُّ مِنْ آيِــــهِ أَنْ يُــــــذاعَ
وألَّا يُرَى فـي الوَفَــــأ بَيْــــنَ بَيــــنْ
ولَلْـحُسنُ والحَـقُّ مَرْقَــى العُــروجِ
تَــوَلَّاهُـــما الـمَجْــــدُ كالفَرْقَدَيــــنْ
ولَـــــو طاعَــتِ الأنجُـمُ النَّيِّــــــرَاتُ
كَـسَوْنَــــاهُ لَألاءَهَــــا كَالـلُّجَيـــــنْ
فَيَـا قَلْــبُ خُضْ في صَفَاهُ المَــدَى
وخَــلِّ الــلَّأَى والأسَى والصَّــــدَى
نَـــأى الشِّعرُ مِنَّــا جذورَ الإخـَـــــاءِ
وهَــدْهَـــدَ في النَّفسِ وَقعَ الـرَّدَى
ونحْـــــنُ الشُّـــداةُ علَـى بـــانِــــهِ
فَضَضْنَــــــا لِعارِيهِ رَطْبَ النَّــــــدَى
وأهْـــدَى الرُّبَـــا النَّـسْمُ مِنْ نَفْحِنا
رَحِيــقَ الخُـزَامَى ونَشْرَ الجَـــــــدَا
(محمد رشاد محمود)
..................................................
التؤاد : الرَّزانَة والتَّأنِّي . الرَّفُّ : البَريقُ والتَّلألُؤ .
النِّفال : الهِبات . يَجتالُ : يتَخيَّرُ ويستَصفي .
المُجَلُّونَ : جمعُ (المُجَلِّي) ، وهو السابِقُ في الحَلبَة .
الوَحَى والوَحَاةُ : الوَحْيُ . الوَبْصُ : اللَّمَعانُ والبَريقُ .
الخُرصُ (بِضمِّ الخاء) : الغُصْنُ . اللَّأى : الإبطاءُ والاحْتِباس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق