⏪⏬
أصغى السَّمعَ وهو يَمشي الهُوينى في طريقٍ جانِبيَّةٍ قليلةِ المَنازلِ ، يَملأُ صدرَهُ بهواءٍ عليلٍ ثُمَّ يُطلقُ زفرةَ ارتياحٍ .
يَرفعُ رأسَهُ إلى الأعلى بينما يضعُ يديهِ في سترتِهِ ، يرفعُ قدمَهُ اليُمنى ويترُكُها تهبطُ بقوةٍ على الارضِ ، ثُمَّ يتْبَعُها باليسرى كأنّهُ يريدُ أنْ يَدوسَ كلَّ ما يَعترضُ طريقَهُ .
سمعَ فجأةً صدى أصواتٍ خطواتٍ ضَجيجُها يَكسِرُ صمتَ الدُّروبِ ، يعلو الصوتُ كلما ازدادتْ منهُ اقتراباً .
فَكَّرَ بِقلقٍ :
- كمْ .. ؟ كمْ يَبعدونَ عني .. متر .. متران .. أكثر !!؟
ربما بعيدونَ جداً وربما قريبونَ جداً كما لو كانوا هاجسٌ في عقلي وحدي .
- تَجلَّدْ .. حَذارِ أنْ ترتعدَ فرائصكَ إذا قابلَكَ الضميرٌ في هيئةِ أشباحٍ لهم تحاصرُ راحةَ بالكَ .
هكذا يحاورُ ذاتهُ كلما شربتْ ذاكرتُهُ من سوءِ أفعالهِ وزارهُ الضميرُ معاتباً .
لمْ ينتهِ الضجيجُ فقد استوقفهُ أحدهم قائلاً بصوتٍ كأنه قادمٌ من بعيد :
- إلى أين ؟
تلفّتَ حولهُ فما وجدَ أحداً . تابع سَيرَهُ صامتاً وهو يشعرٌ أنهُ مراقبٌ .
بدأ الخوفُ يأكلُ جسدَه . أرادَ أن يركضَ . تَعثَّرَ ..
امتّدتْ يدٌ و رفعته من سُترتِهِ وهو يلهثُ بشكلٍ محمومٍ .. حينَ تمكنّ من الوقوف ِ ، سَمعَ صوتاً يهدرُ من داخلهِ أو من حوله ، لم يتمكن من التمييز :
- أيُّ قناعٍ تريدُ ؟ .
- لا أريدُ قِناعاُ . قالها من بين أسنانه المصطكة خوفاً .
- ماذا تريدُ إذاً .
وقبلَ أنْ يُلملمَ أجزاءَهُ المبعثرة وهو لا يعي ما يجري حولَهُ .
وضعَ يديهِ على رأسِه ، هصرَهُ بقوة ثمَّ أغمضَ عينيه بشدَّة بينما يقلّبُ في صورِ مزخرفةٍ عتَّقتْها ذاكرته لواقعٍ مزيَّفٍ .
قالَ يُحدّثُ نفسه :
- لا أدري لماذا تأتيني تلكَ الأصواتُ تجتاحُ خلوتي وتوقظُ في الوجدانِ صحوةَ الضميرِ وتغدو جميعُ حساباتي متأرجحةً بخطوات " ربما " و " لعل " .
- أنا .. أنا أريد قلعتي .
قالها وهو ينظرُ حوله مندهشاً حينَ رأى خيالاتٍ تنتصبُ أمامهُ يعكسها على الجدارِ ضوءُ القمرِ .
شعرَ أنّ الجدارَ يقتربُ منه ، بلْ هي الجدرانُ الأربعةُ تطبقُ عليه من كلّ اتجاهٍ بالتوازي مع صدى صوتٍ يتكررُ :
- هذا قناعُكَ حينَ كنتَ موظفاً و حصلتَ على سيارةٍ و شقةٍ فارهة من الرّشاوي التي تَقبضُها .
وهذا أيضاً قناعُكَ حينَ أذعنتَ لزوجتِكَ العَنوتِ وأودعتَ والدَكَ مأوى العَجزة .
تلمَّسَ خدّهُ كمنْ استقبلَ صَفعَةٌ على وجهِهِ و يشعرُ أنّ هناكَ جذوةُ بدأتْ تتقدُ في وجدانِه .
وإذ صهلَ الغضبُ والارتباكُ في داخلهِ صرخَ :
- من أنتم ؟!!
- نحن مرايا تعكسُ ذاتك .
اتسعتْ دائرةُ الحيرةِ في تلكَ البقعةُ المضاءةُ من عقلِهِ وأصبحتْ أفكارُه كصخرةٍ تلاطمُها أمواجُ الضّميرِ ولكنْ قبلَ أن يتوغلَ النورُ في وجدانهِ ؛ فتحَ حقيبتَهُ ، أخرج قناعَ الرجلِ اللامبالي ومضى في طريقه .
*شذى الأقحوان المعلم
أصغى السَّمعَ وهو يَمشي الهُوينى في طريقٍ جانِبيَّةٍ قليلةِ المَنازلِ ، يَملأُ صدرَهُ بهواءٍ عليلٍ ثُمَّ يُطلقُ زفرةَ ارتياحٍ .
يَرفعُ رأسَهُ إلى الأعلى بينما يضعُ يديهِ في سترتِهِ ، يرفعُ قدمَهُ اليُمنى ويترُكُها تهبطُ بقوةٍ على الارضِ ، ثُمَّ يتْبَعُها باليسرى كأنّهُ يريدُ أنْ يَدوسَ كلَّ ما يَعترضُ طريقَهُ .
سمعَ فجأةً صدى أصواتٍ خطواتٍ ضَجيجُها يَكسِرُ صمتَ الدُّروبِ ، يعلو الصوتُ كلما ازدادتْ منهُ اقتراباً .
فَكَّرَ بِقلقٍ :
- كمْ .. ؟ كمْ يَبعدونَ عني .. متر .. متران .. أكثر !!؟
ربما بعيدونَ جداً وربما قريبونَ جداً كما لو كانوا هاجسٌ في عقلي وحدي .
- تَجلَّدْ .. حَذارِ أنْ ترتعدَ فرائصكَ إذا قابلَكَ الضميرٌ في هيئةِ أشباحٍ لهم تحاصرُ راحةَ بالكَ .
هكذا يحاورُ ذاتهُ كلما شربتْ ذاكرتُهُ من سوءِ أفعالهِ وزارهُ الضميرُ معاتباً .
لمْ ينتهِ الضجيجُ فقد استوقفهُ أحدهم قائلاً بصوتٍ كأنه قادمٌ من بعيد :
- إلى أين ؟
تلفّتَ حولهُ فما وجدَ أحداً . تابع سَيرَهُ صامتاً وهو يشعرٌ أنهُ مراقبٌ .
بدأ الخوفُ يأكلُ جسدَه . أرادَ أن يركضَ . تَعثَّرَ ..
امتّدتْ يدٌ و رفعته من سُترتِهِ وهو يلهثُ بشكلٍ محمومٍ .. حينَ تمكنّ من الوقوف ِ ، سَمعَ صوتاً يهدرُ من داخلهِ أو من حوله ، لم يتمكن من التمييز :
- أيُّ قناعٍ تريدُ ؟ .
- لا أريدُ قِناعاُ . قالها من بين أسنانه المصطكة خوفاً .
- ماذا تريدُ إذاً .
وقبلَ أنْ يُلملمَ أجزاءَهُ المبعثرة وهو لا يعي ما يجري حولَهُ .
وضعَ يديهِ على رأسِه ، هصرَهُ بقوة ثمَّ أغمضَ عينيه بشدَّة بينما يقلّبُ في صورِ مزخرفةٍ عتَّقتْها ذاكرته لواقعٍ مزيَّفٍ .
قالَ يُحدّثُ نفسه :
- لا أدري لماذا تأتيني تلكَ الأصواتُ تجتاحُ خلوتي وتوقظُ في الوجدانِ صحوةَ الضميرِ وتغدو جميعُ حساباتي متأرجحةً بخطوات " ربما " و " لعل " .
- أنا .. أنا أريد قلعتي .
قالها وهو ينظرُ حوله مندهشاً حينَ رأى خيالاتٍ تنتصبُ أمامهُ يعكسها على الجدارِ ضوءُ القمرِ .
شعرَ أنّ الجدارَ يقتربُ منه ، بلْ هي الجدرانُ الأربعةُ تطبقُ عليه من كلّ اتجاهٍ بالتوازي مع صدى صوتٍ يتكررُ :
- هذا قناعُكَ حينَ كنتَ موظفاً و حصلتَ على سيارةٍ و شقةٍ فارهة من الرّشاوي التي تَقبضُها .
وهذا أيضاً قناعُكَ حينَ أذعنتَ لزوجتِكَ العَنوتِ وأودعتَ والدَكَ مأوى العَجزة .
تلمَّسَ خدّهُ كمنْ استقبلَ صَفعَةٌ على وجهِهِ و يشعرُ أنّ هناكَ جذوةُ بدأتْ تتقدُ في وجدانِه .
وإذ صهلَ الغضبُ والارتباكُ في داخلهِ صرخَ :
- من أنتم ؟!!
- نحن مرايا تعكسُ ذاتك .
اتسعتْ دائرةُ الحيرةِ في تلكَ البقعةُ المضاءةُ من عقلِهِ وأصبحتْ أفكارُه كصخرةٍ تلاطمُها أمواجُ الضّميرِ ولكنْ قبلَ أن يتوغلَ النورُ في وجدانهِ ؛ فتحَ حقيبتَهُ ، أخرج قناعَ الرجلِ اللامبالي ومضى في طريقه .
*شذى الأقحوان المعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق