كانت الشمسُ تقتحمُ ظهيرةَ ذاكَ اليوم , الحرُّ يهاجِمُ بِضراوة , الخبرُ ينتقلُ كهشيمِ نيرانٍ وقِحة , اِنتقلَ أحدُ كبارِ القريةِ الغافيةِ على ضفّةِ تاريخِ الباديةِ إلى عالمه الثاني , الوجوهُ الشاحبةُ تتواكبُ نحو مقبرةٍ سمراءَ , الخالُ أبو نبيل ذو العينِ الواحدة والرأسُ النظيفُ مِنَ الشْعَرِ , إلاَّ خِصلةٌ
مُتمردة , صاحبُ الظرافةِ والنُكتة , ( يُلقبُ با لحمصيّ ) , كانَ هُناك , رُبما هي مِنَ المراتِ النادرة , الخالُ يهابُ صعودَ المقابر , تلاقينا بعدَ غياب , قبّلني بشفتيهِ الزرقاوين مُطلِقَاً عبارتهُ الشهيرة : ( آهٍ مِنكَ يا خال ) , جلسنا بعيداً نرْقُبُ المشيعينَ , هُناكَ فُسحة صغيرة بينَ قبرين , أحدهما لوالدهِ شيخُ القرية , والثاني لولدهِ الشاب الذي رحلَ قبلَ ما يقاربُ العامَ تاركاً خلفهُ زوجة وثلاثةُ أطفال , رَبَتَ على كتفي , ( أوصيك يا خال إنْ مِتُّ قبلكَ فليكنْ قبري هنا بجوارِ محمود ) , ابتسمتُ خفيةً رغمَ الجو الكئيب , ( لكنَّ الفُسْحة صغيرةٌ يا خال , لا تتسعُ لكَ , وأنت تُحبُّ المُشاغبة ) , أمسكّ بكتفيَّ بقوةٍ لم أعهدها , ( هذه أمانة ووصيةٌ , عليكَ أنْ تتدبرَ الأمر , انتهى التشييع والدفنُ وافترقنا , من يومها لم أرَ الخالَ , ذاتَ يومٍ رنَّ جرسُ هاتفي , الخالُ على الطرفِ الآخر : ( آهٍ منكَ يا خال ) , إعصار غربيُّ الهوى يهبُّ دونما إنذارٍ , يقتلعُ كلّ ماهو حيّ , القريةُ الوادعة يوماً , أمستْ كثيباً , المِقبرةُ تكتسي ثوباً مُختلفاً , كُنتُ أُعالجُ فنجانَ قهوتي الصباحي , يطرقُ صوت شقيقي من مسافةٍ بعيدة أذناي , ( الخالُ فارقَ الحياة ) صمتٌ وسكون , الذاكرةُ تعودُ أدراجها إلى تلك الأمسية الكئيبة , الكتفُ يستذكرُ قبضةُ الخال , كلماتٌ ثكلى تكادُ تنتحرُ في بحرٍ منَ الشوقِ المُطرزِ بعنفوانِ رجل , الفسحةُ الصغيرةُ تمتثلُ أمامَ عينيَّ , كانت تبكي , فنجانُ القهوة يعانقُ سقفَ الغرفةِ ثمَّ يعود فاقداً وعيه , دُفِنَ الخالُ بعيداً جداً , كم تمنيتُ في تلكَ اللحظات أنَ يكون لي جناحين , سألتْ والدتي : (ما بِكَ يا بُنيَّ ) , أشحتُ بوجهي المُلتهب , عيناي تذرِفُ دمعةً كبيرة , محمود يستعدُّ للقاءٍ مختلف ذلك الصباح ...
________
وليد.ع.العايش
مُتمردة , صاحبُ الظرافةِ والنُكتة , ( يُلقبُ با لحمصيّ ) , كانَ هُناك , رُبما هي مِنَ المراتِ النادرة , الخالُ يهابُ صعودَ المقابر , تلاقينا بعدَ غياب , قبّلني بشفتيهِ الزرقاوين مُطلِقَاً عبارتهُ الشهيرة : ( آهٍ مِنكَ يا خال ) , جلسنا بعيداً نرْقُبُ المشيعينَ , هُناكَ فُسحة صغيرة بينَ قبرين , أحدهما لوالدهِ شيخُ القرية , والثاني لولدهِ الشاب الذي رحلَ قبلَ ما يقاربُ العامَ تاركاً خلفهُ زوجة وثلاثةُ أطفال , رَبَتَ على كتفي , ( أوصيك يا خال إنْ مِتُّ قبلكَ فليكنْ قبري هنا بجوارِ محمود ) , ابتسمتُ خفيةً رغمَ الجو الكئيب , ( لكنَّ الفُسْحة صغيرةٌ يا خال , لا تتسعُ لكَ , وأنت تُحبُّ المُشاغبة ) , أمسكّ بكتفيَّ بقوةٍ لم أعهدها , ( هذه أمانة ووصيةٌ , عليكَ أنْ تتدبرَ الأمر , انتهى التشييع والدفنُ وافترقنا , من يومها لم أرَ الخالَ , ذاتَ يومٍ رنَّ جرسُ هاتفي , الخالُ على الطرفِ الآخر : ( آهٍ منكَ يا خال ) , إعصار غربيُّ الهوى يهبُّ دونما إنذارٍ , يقتلعُ كلّ ماهو حيّ , القريةُ الوادعة يوماً , أمستْ كثيباً , المِقبرةُ تكتسي ثوباً مُختلفاً , كُنتُ أُعالجُ فنجانَ قهوتي الصباحي , يطرقُ صوت شقيقي من مسافةٍ بعيدة أذناي , ( الخالُ فارقَ الحياة ) صمتٌ وسكون , الذاكرةُ تعودُ أدراجها إلى تلك الأمسية الكئيبة , الكتفُ يستذكرُ قبضةُ الخال , كلماتٌ ثكلى تكادُ تنتحرُ في بحرٍ منَ الشوقِ المُطرزِ بعنفوانِ رجل , الفسحةُ الصغيرةُ تمتثلُ أمامَ عينيَّ , كانت تبكي , فنجانُ القهوة يعانقُ سقفَ الغرفةِ ثمَّ يعود فاقداً وعيه , دُفِنَ الخالُ بعيداً جداً , كم تمنيتُ في تلكَ اللحظات أنَ يكون لي جناحين , سألتْ والدتي : (ما بِكَ يا بُنيَّ ) , أشحتُ بوجهي المُلتهب , عيناي تذرِفُ دمعةً كبيرة , محمود يستعدُّ للقاءٍ مختلف ذلك الصباح ...
________
وليد.ع.العايش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق