اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

قرار موجز | قصة قصيرة لـ غسان كنفاني

⏪⏬
كَانَ مِنْ هُوَاةِ الفَلْسَفَةِ. وَالحَيَاةُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ هِيَ مُجَرَّدُ نَظَرِيَّةٍ. لَقَدْ بَدَأَ يَتَفَلْسَفُ مُنْذُ كَانَ طِفْلًا, وَيُذَكَّرُ تَمَامًا كَيْفَ أَوجَدَ لِنَفْسِهِ سُؤَالًا شَغَلَهُ
طِيلَةَ أُسْبُوعٍ كَامِلٍ, وَاعْتَبَرَهُ مُشْكِلَةً جَدِيرَةً بِالتَّفْكِيرِ العَمِيقِ: لِمَاذَا يَلْبَسُ الإِنْسَانُ القُبَّعَةَ فِي رَأْسِهِ وَالحِذَاءَ فِي قَدَمِهِ؟ لِمَاذَا لَا يَضَعُ عَلَى رَأْسِهِ حِذَاءً وَيَلْبَسُ قُبَّعَةً فِي قَدَمِهِ؟ لِمَاذَا؟ وَفَكَّرَ مَرَّةً أُخْرَى بِسُؤَالٍ جَدِيدٍ: لِمَاذَا لَا يُسَيرُ الإِنْسَانُ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ شَأْنَ سَائِرِ الحَيَوَانَاتِ. أَلَا يَكُونُ مَسِيرُهِ ذَاكَ مدعاة لِرَاحَةٍ أَكْثَرَ؟

إِلَّا أَنَّ مُسْتَوَى فَلْسَفَتِهِ اِرْتَفَعَ مَعَ مَسِيرِ الزَّمَنِ. وَتَوَصَّلَ مُؤَخَّرًا إِلَى قَرَارٍ مُوجَزٌ: “طَالَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ دُفِعَ لِيَعِيشَ دُونَ أَنْ يُؤْخَذَ رَأيُهُ بِذَلِكَ, فَلِمَاذَا لَا يَخْتَارُ هُوَ وَحْدَهُ نِهَايَتَهُ؟”. وَمِنْ هَذَا القَرَارِ المُوجَزِ تُوصَّلَ إِلَى قَرَارٍ أَكْثَرَ إِيجَازًا: “المَوْتُ هُوَ خُلَاصَةُ الحَيَاةِ”.

وَهَكَذَا، تَوصَّلَ إِلَى اِسْتِقْرَارٍ دَعَاهُ بِنِهَايَةِ المَطَافِ. وَأَخَذَ يَنْتَظِرُ اللَّحْظَةَ الَّتِي يَسْتَطِيعُ فِيهَا أَنْ يَشْرَعَ بِاِخْتِيَارِ طَرِيقَةٍ مُشَرِّفَةٍ لمِيتَةٍ مَا.


إِذَنْ, فَإِنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ عَبْدَ الجَبَّارِ دُفِعَ دَفْعًا لِيَشْتَرِكَ فِي ثَوْرَةٍ. لَا يَعْرِفُ الحَقِيقَةَ مُطَلَقًا. فَهُوَ قَدْ اِخْتَارَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ لِمَرْكَزِ التَّطَوُّعِ وَأَنْ يَقِفَ أَمَامَ طَاوِلَةِ الضَّابِطِ الَّذِي يَقُولُ بِصَوْتٍ ثَابِتٍ:
– أُرِيدُ بَارُودَةً لِأَسْتَطِيعَ أَنْ أَشْتَرِكَ بِالثَّوْرَةِ..
وَسُرْعَانَ مَا اكْتَشَفَ أَنَّ قَضِيَّةَ البَارُودَةِ لَيْسَتْ سَهْلَةً بِالمَرَّةِ. وَأَنَّ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَصْطَادَ بَارُودَةً مَا بِالكَيْفِيَّةِ الَّتِي يُرِيدُ. وَمِنْ ثَمَّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِكَ بِالثَّوْرَةِ..
– وَلَكِنَّنِي قَدْ أَمُوتُ قَبْلَ أَنْ أَحْصُلَ عَلَى بَارُودَةٍ. هَكَذَا قَالَ خَانَقَا، وَلَكِنَّهُ مَا لِبَثَ أَنْ سَكَتَ وَهُوَ يَسْمَعُ جَوَابًا غَرِيبًا، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ تَقْرِيبًا:
– وَهَلْ أَتَيْتَ إِلَى هُنَا كَيْ تَسْتَمْتِعَ بِصَيْفِيَّةٍ لَطِيفَةٍ؟ ثُمَّ لِتَعُودَ إِلَى دَارِكَ؟

هُنَا, فَكَّرَ أَنَّ فَلْسَفَتَهُ – تَقْتَضِي تَعْدِيلًا طَفِيفًا. إِذْ أَنَّهُ رُبَّمَا مَات قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى بَارُودَةٍ، وَلَمْ تَنْقَضِ فَتْرَةٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا كَيْ يَتَوَصَّلَ لِقَرَارِ مُوجَزٍ جَدِيدٍ: “لَيْسَ المُهِمُّ أَنَّ يُمَوتَ الإِنْسَانُ، أَنْ يُحَقِّقَ فِكْرَتَهُ النَّبِيلَةَ. بَلْ المُهِمُّ أَنْ يَجِدَ لِنَفْسِهِ فِكْرَةً نَبِيلَةٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.”

وَهَكَذَا اِسْتَطَاعَ عَبْدُ الجَبَّارِ أَنْ يَسْتَحْصِلَ عَلَى بَارُودَةٍ جَدِيدَةٍ تَقْرِيبًا, وَلَمْ تُكَلِّفْهُ جُهْدًا بِالشَّكْلِ الَّذِي تَصَوَّرَ أَوْ بِالشَّكْلِ الَّذِي أَعَدَّ, إِذْ أَنَّهُ كَانَ يَتَجَوَّلُ خَارِجَ “…” بَعْدَ مَعْرَكَةٍ حَدَثْتُ فِي الصَّبَاحِ, فَوَجَدَ جُنْدِيًّا مَيِّتًا “وَالمَيِّتَ لَا يَحْتَاجُ لِ”بَارُودَةٍ, هَكَذَا قَالَ لِنَفْسِهُ وَهُوَ يُقَلِّبُ الجُثَّةَ عَنْ بَارُودَةٍ فَرَنْسِيَّةٌ ذَاتُ فُوهَةٍ مُدَبَّبَةٍ.

وَبَيْنَ رِفَاقِ المِتْرَاسِ عُرِفَ عَبْدُ الجَبَّارِ بِـ “الفَيْلَسُوفِ”, وَجَدَ المُنَاضِلُونَ فِي فَلْسَفَتِهِ مَنْطِقًا صَالِحًا لِتَبْرِيرِ الأُمُورِ الَّتِي تَحْدُثُ. كَانَ مُعْظَمُ الثُّوَّارِ مِنَ الشَّبَابِ، وَكَانَ يَسُرُّهُ أَنَّهُ يَكْبُرُهُمْ قَلِيلًا وَأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بَعْدَ كُلِّ مَعْرَكَةٍ لِيُدَرِّسَهُمْ قَرَارَهُ المُوجَزَ الجَدِيدَ بِشَأْنِ المَوْتِ.

وَبَعْدَ كُلِّ قَتِيلٍ، كَانَتْ الفَلْسَفَةُ تَتَطَوَّرُ وَتَتَغَيَّرُ. فَفِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَات فَلَاحٌ أُمِّيٌّ. وَقَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ فَوْقَ المِتْرَاسِ شَتَمَ “….” وَرِجَالٌ “….” وَفَكَّرَ عَبْدُ الجَبَّارِ بِكَلِمَةٍ تَصْلُحُ لِتَأْبِينِ الشَّهِيدِ, فَإِذَا بِالكَلِمَةِ تُصْبِحُ قَرَارَهُ المُوجَزَ الجَدِيدَ: “إِنَّ الفِكْرَةَ النَّبِيلَةَ لَا تَحْتَاجُ غَالِبًا لِلفَهِمِ. بَلْ تَحْتَاجُ لِلإِحْسَاسِ!” وَبَعْدَ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَات شَابٌّ كَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ المِتْرَاسِ وَهَجَمَ بِالسِّكِّينِ عَلَى جُنْدِيٍّ كَانَ يَزْحَفُ قُرْبَ الجِدَارِ, وَأُطْلِقَتِ النَّارُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ إِلَى المِتْرَاسِ. وَقَالَ عبدُالجبَّارِ “إِنَّ الشَّجَاعَةَ هِيَ مِقْيَاسُ الإِخْلَاصِ.” وَكَانَ عبدُالجبارِ بِالذَّاتِ شُجَاعًا. فَلَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ الضَّابِطُ, وَكَانَ قَدْ تَوَصَّلَ أَخِيرًا إِلَى إِيجَادٍ بذلَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ مُلَائِمَةٍ, أَنْ يَذْهَبَ لِلمِينَاءِ كَيْ يَرَى مَاذَا يَجْرِي هُنَاكَ, وَقَالَ لَهُ إِنَّ مَنْظَرَ وَجْهِهِ الهَادِئِ الحَزِينِ لَا يُثِيرُ الرَّيْبَةَ فِي قُلُوبٍ الخَائِفِينَ.
وَسَارَ عبدُالجبارِ فِي الشَّوَارِعِ بِلَا سِلَاحٍ, وَوصَلَ لِلمِينَاءِ وَتَجَوَّلَ مَا شَاءَ لَهُ التَّجَوُّلَ, ثُمَّ قَفَلَ عَائِدًا إِلَى مِتْرَاسِهِ..
إِنَّ الأُمُورَ تَجْرِي عَكْسَ مَا يَفْتَرِضُ المَرْءُ. فَلَقَدْ عَرَفَهُ وَاحِدٌ مِمَّنْ اِشْتَرَكُوا مَرَّةً فِي الهُجُومِ. وَقَبَضَ عَلَيْهِ. وَسَاقَهُ إِلَى حَيْثُ قَال لَهُ ضَابِطٌ خَائِفٌ بَعْدَ أَنْ صَفَعَهُ:
– إِنَّكَ ثَائِرٌ…
– نَعَمْ..
– ملعون..
– كَلَّا!

وَلَمْ يَنْسَ عَبْدُ الجَبَّارِ وَهُوَ تَحْتَ الضَّرْبِ الَّذِي لَا يَرْحَمُ أَنْ يَضَعَ قَرَارَا مُوجَزًا جَدِيدًا: “إِنَّ ضَرَبَ السَّجينِ هُوَ تَعْبِيرٌ مَغْرُورٌ عَنْ الخَوْفِ…” وَشَعَرَ إِثْرَ ذَلِكَ القَرَارِ, بِشَيْءٍ مِنَ الاِرْتِيَاحِ..

وَلَكِنَّ الأُمُورَ جَرَتْ, مِنْ ثَمَّ, عَلَى نَحْوٍ مُغَايِرٍ فَلَقَدْ تَوَصَّلَ الضَّابِطُ أَخِيرًا إِلَى فِكْرَةٍ اِعْتَبَرَهَا، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَانِهِ المُخْلِصِينَ فِكْرَةً ذَكِيَّةً. بَيْنَمَا عَدَّهَا عبدُالجبارِ تَصَرُّفًا مَغْرُورًا آخَرَ يَنْتُجُ فِي العَادَةِ عَنْ الخَوْفِ…
قَالَ لَهُ الضَّابِطُ:
سَتَسِيرُ أَمَامَنَا إِلَى مِتْرَاسِكُمْ المَلْعُونِ… وَسَتُعْلِنُ لِرِفَاقِكَ المَجَانِينِ أَنَّكَ أَحْضَرَتْ مَعَكَ عَدَدًا جَدِيدًا مِنْ الثُّوَّارِ. ثُمَّ سَيُكْمِلُ جُنُودِي بَقِيَّةَ القِصَّةِ…
– وَأَنَا؟
– سَتَعِيشُ مُعَزَّزًا مُكَرَّمًا. أَوْ سَتَمُوتُ كَالكَلْبِ إِنْ حَاوَلْتَ خِيَانَتَنَا. وَقَالَ عَبْدُ الجَبَّارِ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ “إِنَّ الخِيَانَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَيْتَةٌ حَقِيرَةٌ”.
وَأَمَامَ صَفَّيْنِ مِنَ الجُنُودِ سَارَ عبدُالجبارِ مَرْفُوعَ الجَبِينِ، وَفُوهَةُ مِدْفَعٍ رَشَّاشٍ تَنْخَرَ خَاصِرَتَهُ.. وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى المِتْرَاسِ بِقَلِيلٍ سَمِعَ صَوْتَ الضَّابِطِ المبحوحِ يَفِحُّ فِي الظَّلَامِ:
– هَيَّا
لَمْ يَكُنْ عَبْدُ الجَبَّارِ خَائِفًا إِذْ أنَّ رِفَاقَ المِتْرَاسَ قَالُوا إِنَّ صَوْتَهُ كَانَ ثَابِتًا قَوِيًّا عِنْدَمَا سَمِعُوهُ يَصِيحُ:
– لَقَدْ أَحْضَرْتُ لِكُمْ خَمْسِينَ جُنْدِيًّا.
لَمْ يَكُنْ عبدُالجبارِ قَدْ مَاتَ، بَعْدُ، عِنْدَمَا وَصَلَ رِفَاقُهُ إِلَيْهِ مُلْقَىً بَيْنَ جُثَثِ الجُنُودِ. وَبِصُعُوبَةٍ جَمَّةُ سَمع أَحَدُهُمْ صَوْتَهُ يُمْلِي قَرَارَهُ الموجزَالأخيرَ،
” لَيْسَ المُهِمُّ أَنَّ يَمُوتَ أَحَدُنَا. المُهِمُّ أَنْ تَسْتَمِرُّوا.. “
ثُمَّ مَات.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...