اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

لَمْ يُصَدِّقْ أَنِّى أَشْرَبُ الخَمْرَ ــ قصة قصيرة ...** محمد ابوالدهب

وافقتُه، في النهاية، علي أنْ نلتقي. كنتُ جادّا، ومتخوّفاً من ضياع العمر. ربما لأنه لم يأتِ علي سِيرة الخمر، مثلما فعل في المصادفات الأربع الأخيرة.
ثم لم أعد واثقاً إن كنتُ تكلمت للتوّ مع شبح، مجرد طيْف، لايخيف ولن يعاود الظهور. تخيّلتُ أن نفس الارتياب يراوده الآن بشأني. وابتسمتُ لأن أفخاخ الحياة لايكدّرها التكرار، ولأن الأمر لايستأهل مباغتةً فلسفيّة: زميل ابتدائي -ثلاثون عاماً طغتْ!- لم تجمعْنا مرحلةٌ تالِية، فقط مصادفاتٌ تحْدُث: انت فين يا راجل، ضروري نتقابل، عايزين نحكي.
يجهل أحدُنا خبايا انفراط أيام الآخَر، وظروف توغّله في الكهولة. لذا لم يكن واقعياً إلحاحه العابر علي ضرورة اللقاء -إلا إذا كان يريد النبش في موضوع الخمر من جديد- ولا اعترافه المجامل
باحتياجنا لنجتمع ونحكي. مع أن توالي المفاجآت تكفّل، تباعاً، ببثّ موجزٍ من أنباء عِيشتنا -بقدر ما سمحتْ به ذاكرةٌ مجروحة- تكفي ليقتَني كلانا (مُلخّص قصة حياة الآخر).
ـ طبعا يا عمّ أوّل الابتدائية بلا منافس (ثلاثون عاماً للوراء).. عرفت ان أحمد راضي اتكهرب؟ (ثمانيةٌ وعشرون).. يا أخي من يوم ما أبويا مات وأنا بفكر أسيب الثانوية (ستّة وعشرون).. لحقت حقوق (أربعة وعشرون).. أمْن الدولة مالهم ومالك؟ (ثلاثة وعشرون)..............لابد أن مصادفاتٍ حصلتْ في تلك الهوّة الزمنية أو حتي في غيرها، والأرجح أني كنتُ سكرانَ، لأني نسيتُها تماماً، وهو لم يكن كشفَ علاقتي بالخمر بعد............... لو تشجّعني نروح نقدّم في الهجرة لرومانيا، الاتحاد الأوروبي فاتح (أربعة عشر).. يوووه! اتجوّزت وعندي ميّ ومهند (اثنا عشر).. البقية في حياتك، عرفت متأخر من عبدالله أمين، بس قال انك معملتش عَزا (أحد عشر).. سمعت انك بتشرب خمرة، والله ما صدّقت (عشرة وتسعة وثمانية).. أخدت مكتب كده مع زميل، انت لسه بتشرب؟ (سبعة).. عربيّة موديل السنة بس تاعباني أوي (ستة).. آهي ماشية (ثلاثة).. ماشية (اثنان).. ماشية (عام).. لازم نتقابل (أقل من عام).
ـ شنبك طلع قبل شنبى (طبعاً نفس الترتيب الزمني التنازلي، مع التغاضي عن السنوات الساربة عن التأريخ، بسبب ضعف الذاكرة الناتج عن كثرة استعمالها، أو عن شُرب الخمر).. الأستاذ فوزى بتاع الابتدائي مات وهوّ سكران (لم يكن ذلك حماقةً مِنّي في تلك الآونة، لأن الخمر لم تكن دخلتْ بيننا).. يعني خدمة اجتماعية والا حقوق!.. فقدتْ دفعة في الجيش.. يا أخي الحياة دي لغز كبير.. كتبت رواية محدش قرَاها.. استشارة قانونية: لو مراتي طلبتْ الطلاق أتصرّف ازاي؟ (هذا هو عين الغباء، فأنا لم أتزوج، ومع ذلك أوحيتُ له أنّي أكابدُ فشلاً اجتماعيّاً).. فتحت محل بقالة صغير.. قفلت المحل وفتحت مكتب تصوير مستندات صغير.. كتبت رواية تانية بس مطبعتهاش.. أخيرا اشتغلت بعقد في مديرية الصحة.. في الدنيا.. في الدنيا.. في الدنيا.. عايزين نحكي.
وبغض النظر عن النبرة القتالية، الانتقاميّة، التي أقيسُ احتدامها منذ (أمْن الدولة مالهم ومالك؟) وحتي (انت لسه بتشرب؟) فإن الأمر لن يتجاوز دردشةً مُبتذَلة، حول كوبَيْن من الشاي، داخل مقهي مزدحم فقير، بين شخصين يتعلّقان بأحبالٍ ذائبة لزمالة غابرة، لم تعنِ لأحدهما يوماً أي شيء. ثم إنه رحّبَ بحماسٍ فاجأني. ربما شغفاً بالتلصّص علي أحدِ غُزاةِ طفولته، بعد أن صار كهلاً، يفهم -مُرغماً- أنّ الذي راح أكثر ممّا بقي، حتي وإنْ لم أزلْ أراه عيّلاً بارداً بليداً، يمسح مناخيره بقماش كُمّه. أو ربما طمعاً في وضع حدّ لثلاثين عاماً من المصادفات المُقلقة، التي استغلّها هو في إثبات أن تفوّقى عليه في العصور الأولي كان مجرد نكْش عيال!
غير أنه -رغم ذلك- ترك باباً موارباً لافتراض حُسن النيّة: يسأل عن أخباري، ويُحلّلها معي، بطريقةٍ تدلّ علي تعاطفه، وحرصه علي أن تظلّ صورتي القديمة -أي وهْم!- مضيئةً بذاكرته، بدايةً من اعترافه المتصالح بأني أوّل الإبتدائية، حتي لو كانت (طبعاً يا عمّ) فيها من المراوغة ما يسمح بتوفّر حسد مكظوم، ومبكّر!.. واهتمامه بأن نتشارك مصائب الزمالة، حدّ استهلاك مصادفة كاملة في سِيرة المرحوم أحمد راضي، متجاهلاً أن الحدث يخصّني وحدي، إذ كنتُ أتمشّى مع أحمد حين شفطتْ الكهرباء دمه، والجميع يحفظُون القصة، ولم يمنعْه ذلك من سؤالى كما لو أنه لم يعرف، فقط ليسلبني دوراً اختارتْه لي الأقدار!.. ثم تصدير استسلامه، أو بالأحري تضحيته، لحدّ ترْك المدرسة نهائياً بعد أحد عشر عاماً من الترقّي المتعسّر بين صفوفها، ليصير رجلَ البيت، إن لم يكن رجل الجيل!.. بكل ما هجستُه من محاولة تهبيطي، وإشعاري بأن الحياة ملأي بما هو أهمّ بكثير من التفوق في المدارس... هل قفلتُ الباب الموارب علي حُسن النّية تماما؟... لماذا لا أفترض أنه يُدخلني في خصوصيّاته، ويطلب مشورتي لثقته في رجاحة عقلي بشهادة الأستاذ فوزي، الذي سأحرصُ علي عدم استدعائه، حتي لا يردّه ذلك إلي موضوع الخمر؟.. وبعد أقل من عام يصيغ بأدبٍ وتواضع نبأ التحاقه بكلية الحقوق، وإلا ما الذي دفعه ليقول (لحقت) كما لو أن قطاراً سيفوته. ويُمكننِي -بلا شبهة إساءة الظنّ- رصد التحوّلات التي تصيب الشخص العِصاميّ الذي نزل أخيراً ساحة الكفاح المحتدم، رافعاً راية ليسانس الحقوق، وتزامناً مع -أو قريباً من- مصادفة (أمن الدولة مالهم ومالك؟) بما يغلّف سؤاله الاستنكاريّ من استصغار شأني بحيث لا يُعقل أن تنشغل بي الدولةُ وأمنُها.. ولن تزحزحني رغبته في الهجرة، بصحبتي، إلي رومانيا -أنْ يبدأ من جديدٍ معي بالذّات!- بما تشِي به تلك الرغبة من إحساسه، مثلاً، بأننا توأمان، مع أننا نراهن فقط علي المصادفات، ومع أنه قد يكون قال نفس الشيء لكلّ كهول الدفعة. سأفترضُ، مضطراً، أنه يمارس اللّؤْم -الذي لابد عرفه مبكرا، تماماً كالحسد- لأنه يفهم أكثر من غيره، هو العارف بالقانون الدوليّ، أني لن أهاجر بسبب ملف أمن الدولة.
لم أنمْ ليلة (سمعت انك بتشرب خمرة، والله ما صدّقت).. كانت فرصته المضمونة للانتقام، وكانت فرصتي المفقودة لأبوح باعترافٍ عظيم. لاأذكر ماذا قلتُ لأحافظ له علي التشبّث بعدم التصديق. الراجح أني ضحكتُ بسخريةٍ لم تطمسْ ذهولَ سِحْنتي: (خمرة يا راجل!).. ثم ذهبتُ لأسهر الليل، مُنقّباً عن ناقل الأخبار الشرير -مستعيناً، للأمانة، بنصف ويسكي علي الأقلّ- وعن الطريقة التي نقل بها (خبر الموسم).. وعن اتفاقهما، هو والناقل، علي أنها مفاجأةٌ رهيبة، وسارّة.. اتفاقٌ يوازي شماتةَ الخُطاة حين يراقبون لعنةً تصيب قدّيساً.
هو إذنْ رسولُ الغمّ، يرسلُه إلهُ النّحس، ليؤدّي صَلاة التشفّي، في مواعيد مكتوبة، أحسبها مصادفات، فيما كنتُ أنا حريصاً، بغفلةٍ مُدهشة، علي ترتيب نقاط فشلي المتواترة -بعد استبعاد أخطاء البدايات البريئة- وتقديمها إليه كاملة. حتي وإنْ قَنطتُ من فكرة تعديل النتيجة للحدّ الذي جعلَنا نكتفي ب(آهي ماشية) و(في الدنيا) لمدة ثلاث مصادفات، قبل وصولنا إلي المباراة النهائية، والتي تواعدْنا عليها ب(ضرورى نتقابل) و(عايزين نحكي).. ويُمكنني انتظار المصادفة القادمة -التي ستكون بالنسبة إليه مُقابَلةً محدّدة الزمان والمكان- لأعتذر عن نسيان لقاء المقهي.
محمد أبوالدهب

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...