كل الروايات التي جعلت من الأزمة الجنسية بؤرتها وتيمتها الأساس
رغم تعمد الكثير من الروائيين العرب كسر تابو الجنس، حتى وإن كان بدون ضرورة فنية، وهو ما أدى إلى صدور سيل من الروايات التي تتمحور حول الجنس، إلا أن النقد العربي آثر السلامة وابتعد، فلم تعرف المكتبة العربية كتابا تصدى لهذه الظاهرة منذ كتاب غالي شكري "أزمة الجنس في القصة العربية" الصادر في 1964، إلا حينما أصدر عبدالله أبو هيف كتابه "الجنس الحائر، أزمة الذات في الرواية العربية" عام 2003، كان علينا أن ننتظر بعده لعقد ونصف، حتى يصدر الكتاب الثالث وهو "أزمة الجنس في الرواية العربية بنون
النسوة" للناقد المغربي الكبير الداديسي (صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة – بيروت).
ويتميز الكتاب عن سابقيه بتخصيص اهتمامه على موضوع الجنس في الرواية النسائية، وباتساع نطاق التناول ليشمل كاتبات من أغلب الأقطار العربية، عالج أعمالهن عبر ثمانية فصول كل واحد منها مخصص لكاتبات في نطاق جغرافي معين، مثل الخليج أو الشام أو مصر، وهكذا.
• صوت المرأة المظلومة
يقر الكبير الداديسي بغزارة الإنتاج الروائي للمرأة العربية قائلا: "ما إن بدأت البحث والتنقيب حتى تدفق علي سيل هادر من الأسماء، وتناسلت أمامي تجارب لم أجد أمامها إلا الاستسلام وإعلان استحالة تسييج ومتابعة كل ما أنتجته نون النسوة إلى اليوم، فلم أجد بُداً من حصر البحث في الزمن، وحصره في المضمون، وزدت التدقيق أكثر بالاقتصار على نماذج محددة (عشرون رواية نسائية) صدرت بعد مطلع الألفية الثالثة من مختلف الدول العربية بدت لي نقطة صغيرة في بحر واسع".
ويمضي مضيفا: "اتضح لنا أن القاسم المشترك والخيط الرابط بينها جميعها هو التركيز على تيمة الجنس لدرجة لم نعثر على رواية نسائية لا تقارب هذه التيمة"، ويرصد الكتاب مسارا عاما سلكته الرواية النسائية العربية، تمثل في "السرد بضمير المتكلم، وجعل السارد في الأعم الأغلب امرأة تحكي معاناة المرأة العربية من سطوة الرجل في مجتمع ذكوري يستعظم الرجل فيه بالفهم الخاطئ للدين وتأويله لتعزيز سطوته وإشباع غرائزه دون مراعاة متطلبات المرأة الجنسية"، وإن لاحظ بعض اختلافات مرتبطة بطبيعة المكان الروائي فمثلا في "الروايات الخليجية التي لم تتح أية كاتبة لأية بطلة ربط علاقة مع رجل غير خليجي، فقد وجدنا الروايات في المغرب العربي يسمحن لبطلاتهن بربط علاقات مع الآخر من جنسية أو ديانة أخرى، فكنَّ أكثر انفتاحا وأكثر تسامحا، بل ربما ألفينا بعضهن تفضل ربط علاقة مع الغريب على ربطها مع ابن البلد".
ولاحظ الكتاب أن كل الروايات التي جعلت من الأزمة الجنسية بؤرتها وتيمتها الأساس، سواء في المشرق العربي أو في مغربه، صورت "المرأة ضحية، والرجل قاهر مغتصب لا يرحم ضعفها، مثقفا كان أم سياسيا، قريبا أم غريبا. قد تكون وضعية المرأة كما تصورها الروائيات وضعية مزرية، دون أن يدرك معظمهن أن واقعنا العربي يحعل المرأة والرجل معا مطحونين تحت وطأة واقع سياسي اقتصادي واجتماعي متشظٍ، والمرأة فيه أكثر هشاشة. لكن المرأة الروائية فضلت الحديث بصوت واحد – في الأغلب الأعم - هو صوت المرأة المظلومة دون أن تمنح فرصة أكبر للرجل لتقديم رأيه".
• الرجل في روايات النساء
الكتابة الروائية عند المرأة العربية كادت تتخصص في قضايا المرأة في الـ (هنا) والـ (الآن)، حتى ليبدو وكأنها جاءت كرد فعل عما رصدته النزعة الذكورية في الرواية العربية، والتي نمطت المرأة في صورة واحدة لا تبتعد عن كونها كائنا لا حياة له بدون رجل هو مصدر أكلها وأمنها؛ فجاءت الرواية النسائية المعاصرة للثورة على هذه الصورة فجعلت المرأة البطل الرئيسي والبؤرة الأساس في كتابات النساء وإرجاع الرجل للظل كشخصية ثانوية، فقلما وجدنا رواية كتبتها امرأة بطلها رجل، وتم تقديم المرأة في الغالب شخصية قادرة على تغيير حياتها وحياة من حولها، وتقديم الرجل كشخصية غير سوية تجتمع فيها كل المساوئ.
ففي معظم أعمالهن الرجل غير عادي مهووس بالجنس ميال إلى الشذوذ تتساوى في ذلك رواية (زينة) لنوال السعداوي حيث الرجل يميل إلى الاغتصاب بطبعه، ورواية ربيعة ريحان من المغرب التي تجعل من زوج بطلة روايتها (طريق الغرام) رجلا شاذا، وهو النهج الذي نهجه عدد من الروائيات العربيات المعاصرات في مختلف البلدان فكان بطل رواية اكتشاف الشهوة للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق يمارس الشذوذ، وكذلك الرواية النسائية الخليجية تشير إلى الشذوذ كما في رواية (بنات الرياض) أو رواية (سلالم النهار) للكاتبة الكويتية فوزية الشويش.
وكما في معظم الروايات النسائية العربية المعاصرة كان الرجال الحاضرون في رواية نبيلة الزبير كلهم سالبون آباءً أو إخوانا أو أزواجا فهم لا يخرجون عن الرجل المستهتر الذي لا يعرف القيم يخون زوجاته، تلك بعض سمات الرجل العربي المعاصر في بعض الأعمال الروائية النسائية المعاصرة يتساوى في كل الرجال صغارا كانوا أم كبارا، مثقفين أم أميين، يساريين أم يمينيين، ولم تخرج رواية (وراء الفردوس) لمنصورة عز الدين عن نفس الصورة فاختارت الساردة لكل امرأة في الرواية وسيلة للهروب من سلطة الرجل.
• المرأة بعيون الروائيات
مقابل تلك الصورة السلبية للرجل حاولت معظم الروايات النسائية تقديم المرأة العربية في صورة إيجابية: متفانية في أداء واجبها، مخلصة، بريئة، وأن الرجل هو من يلوثها وأنها في الغالب فاشلة في مسايرة رغباته الجامحة والشاذة وإن فعلت فمكرهة ومجبرة، وأنها ضحية سلطة الرجل وجبروته، إنه مقابل حرص المرأة وسعيها للحفاظ على رباط الزواج موصولا، قدمت الرواية النسائية الرجلَ ساعيا دائما إلى قطع هذا الرباط لأتفه الأسباب، ففي (بنات الرياض) طلق أبو نوير زوجته وتزوج ثانية وتنكر لأسرته بمجرد أن ظهرت بعض مظاهر التخنث على ابنه نوير، ومن مظاهر تلك الصورة الإيجابية المرأة جعل معظم البطلات مثقفات معظمهن ذوات تعليم عال، راقيات في سلوكهن، يقدرن عواقب كل خطوة يعتزمن خطوها، سواء تربين في الشارع أو كن منحدرات من أصول راقية، في (مريم الحكايا) لعلوية صبح من لبنان كانت البطلات خاصة: مريم، ابتسام، وياسمين مناضلات ثوريات ومثقفات، وكانت المرأة فيما كتبته رضوى عاشور رمزا للاستقامة والحفاظ على اللغة والهوية.
ويرى الكتاب أن الروائية العربية لا تهاجم الرجل كرجل، وإنما صورة الرجل المتسلط فيه، إذ وجدنا من البطلات تجري وراء الرجل الذي يهفو قلبها له، فسعدة في رواية (العمامة والطربوش) عرَّضت حياتها للخطر من أجل الهروب مع مروان الفلسطيني وقدمت نفسها قربانا لحبهما، واختارت ريما في (قلبي أنثى عبرية) تغيير ديانتها من اليهودية إلى الإسلام، حبا في أحمد ليكون زوجها، دون أن تقدم رواية النساء أية امرأة تجري وراء الرجل لأهداف مادية، ورغم جرأة الطرح الذى قدمه الكتاب إلا أنه اكتفى بالرصد دون أن يقدم تفسيرا، ولم أر مبررا للتقسيم الجغرافي حسب موطن الروائيات، وكان من الأجدى أن يرصد ملامح الظاهرة فيتم التناول بحسب الموضوع.
(خدمة وكالة الصحافة العربية)
رغم تعمد الكثير من الروائيين العرب كسر تابو الجنس، حتى وإن كان بدون ضرورة فنية، وهو ما أدى إلى صدور سيل من الروايات التي تتمحور حول الجنس، إلا أن النقد العربي آثر السلامة وابتعد، فلم تعرف المكتبة العربية كتابا تصدى لهذه الظاهرة منذ كتاب غالي شكري "أزمة الجنس في القصة العربية" الصادر في 1964، إلا حينما أصدر عبدالله أبو هيف كتابه "الجنس الحائر، أزمة الذات في الرواية العربية" عام 2003، كان علينا أن ننتظر بعده لعقد ونصف، حتى يصدر الكتاب الثالث وهو "أزمة الجنس في الرواية العربية بنون
النسوة" للناقد المغربي الكبير الداديسي (صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة – بيروت).
ويتميز الكتاب عن سابقيه بتخصيص اهتمامه على موضوع الجنس في الرواية النسائية، وباتساع نطاق التناول ليشمل كاتبات من أغلب الأقطار العربية، عالج أعمالهن عبر ثمانية فصول كل واحد منها مخصص لكاتبات في نطاق جغرافي معين، مثل الخليج أو الشام أو مصر، وهكذا.
• صوت المرأة المظلومة
يقر الكبير الداديسي بغزارة الإنتاج الروائي للمرأة العربية قائلا: "ما إن بدأت البحث والتنقيب حتى تدفق علي سيل هادر من الأسماء، وتناسلت أمامي تجارب لم أجد أمامها إلا الاستسلام وإعلان استحالة تسييج ومتابعة كل ما أنتجته نون النسوة إلى اليوم، فلم أجد بُداً من حصر البحث في الزمن، وحصره في المضمون، وزدت التدقيق أكثر بالاقتصار على نماذج محددة (عشرون رواية نسائية) صدرت بعد مطلع الألفية الثالثة من مختلف الدول العربية بدت لي نقطة صغيرة في بحر واسع".
ويمضي مضيفا: "اتضح لنا أن القاسم المشترك والخيط الرابط بينها جميعها هو التركيز على تيمة الجنس لدرجة لم نعثر على رواية نسائية لا تقارب هذه التيمة"، ويرصد الكتاب مسارا عاما سلكته الرواية النسائية العربية، تمثل في "السرد بضمير المتكلم، وجعل السارد في الأعم الأغلب امرأة تحكي معاناة المرأة العربية من سطوة الرجل في مجتمع ذكوري يستعظم الرجل فيه بالفهم الخاطئ للدين وتأويله لتعزيز سطوته وإشباع غرائزه دون مراعاة متطلبات المرأة الجنسية"، وإن لاحظ بعض اختلافات مرتبطة بطبيعة المكان الروائي فمثلا في "الروايات الخليجية التي لم تتح أية كاتبة لأية بطلة ربط علاقة مع رجل غير خليجي، فقد وجدنا الروايات في المغرب العربي يسمحن لبطلاتهن بربط علاقات مع الآخر من جنسية أو ديانة أخرى، فكنَّ أكثر انفتاحا وأكثر تسامحا، بل ربما ألفينا بعضهن تفضل ربط علاقة مع الغريب على ربطها مع ابن البلد".
ولاحظ الكتاب أن كل الروايات التي جعلت من الأزمة الجنسية بؤرتها وتيمتها الأساس، سواء في المشرق العربي أو في مغربه، صورت "المرأة ضحية، والرجل قاهر مغتصب لا يرحم ضعفها، مثقفا كان أم سياسيا، قريبا أم غريبا. قد تكون وضعية المرأة كما تصورها الروائيات وضعية مزرية، دون أن يدرك معظمهن أن واقعنا العربي يحعل المرأة والرجل معا مطحونين تحت وطأة واقع سياسي اقتصادي واجتماعي متشظٍ، والمرأة فيه أكثر هشاشة. لكن المرأة الروائية فضلت الحديث بصوت واحد – في الأغلب الأعم - هو صوت المرأة المظلومة دون أن تمنح فرصة أكبر للرجل لتقديم رأيه".
• الرجل في روايات النساء
الكتابة الروائية عند المرأة العربية كادت تتخصص في قضايا المرأة في الـ (هنا) والـ (الآن)، حتى ليبدو وكأنها جاءت كرد فعل عما رصدته النزعة الذكورية في الرواية العربية، والتي نمطت المرأة في صورة واحدة لا تبتعد عن كونها كائنا لا حياة له بدون رجل هو مصدر أكلها وأمنها؛ فجاءت الرواية النسائية المعاصرة للثورة على هذه الصورة فجعلت المرأة البطل الرئيسي والبؤرة الأساس في كتابات النساء وإرجاع الرجل للظل كشخصية ثانوية، فقلما وجدنا رواية كتبتها امرأة بطلها رجل، وتم تقديم المرأة في الغالب شخصية قادرة على تغيير حياتها وحياة من حولها، وتقديم الرجل كشخصية غير سوية تجتمع فيها كل المساوئ.
ففي معظم أعمالهن الرجل غير عادي مهووس بالجنس ميال إلى الشذوذ تتساوى في ذلك رواية (زينة) لنوال السعداوي حيث الرجل يميل إلى الاغتصاب بطبعه، ورواية ربيعة ريحان من المغرب التي تجعل من زوج بطلة روايتها (طريق الغرام) رجلا شاذا، وهو النهج الذي نهجه عدد من الروائيات العربيات المعاصرات في مختلف البلدان فكان بطل رواية اكتشاف الشهوة للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق يمارس الشذوذ، وكذلك الرواية النسائية الخليجية تشير إلى الشذوذ كما في رواية (بنات الرياض) أو رواية (سلالم النهار) للكاتبة الكويتية فوزية الشويش.
وكما في معظم الروايات النسائية العربية المعاصرة كان الرجال الحاضرون في رواية نبيلة الزبير كلهم سالبون آباءً أو إخوانا أو أزواجا فهم لا يخرجون عن الرجل المستهتر الذي لا يعرف القيم يخون زوجاته، تلك بعض سمات الرجل العربي المعاصر في بعض الأعمال الروائية النسائية المعاصرة يتساوى في كل الرجال صغارا كانوا أم كبارا، مثقفين أم أميين، يساريين أم يمينيين، ولم تخرج رواية (وراء الفردوس) لمنصورة عز الدين عن نفس الصورة فاختارت الساردة لكل امرأة في الرواية وسيلة للهروب من سلطة الرجل.
• المرأة بعيون الروائيات
مقابل تلك الصورة السلبية للرجل حاولت معظم الروايات النسائية تقديم المرأة العربية في صورة إيجابية: متفانية في أداء واجبها، مخلصة، بريئة، وأن الرجل هو من يلوثها وأنها في الغالب فاشلة في مسايرة رغباته الجامحة والشاذة وإن فعلت فمكرهة ومجبرة، وأنها ضحية سلطة الرجل وجبروته، إنه مقابل حرص المرأة وسعيها للحفاظ على رباط الزواج موصولا، قدمت الرواية النسائية الرجلَ ساعيا دائما إلى قطع هذا الرباط لأتفه الأسباب، ففي (بنات الرياض) طلق أبو نوير زوجته وتزوج ثانية وتنكر لأسرته بمجرد أن ظهرت بعض مظاهر التخنث على ابنه نوير، ومن مظاهر تلك الصورة الإيجابية المرأة جعل معظم البطلات مثقفات معظمهن ذوات تعليم عال، راقيات في سلوكهن، يقدرن عواقب كل خطوة يعتزمن خطوها، سواء تربين في الشارع أو كن منحدرات من أصول راقية، في (مريم الحكايا) لعلوية صبح من لبنان كانت البطلات خاصة: مريم، ابتسام، وياسمين مناضلات ثوريات ومثقفات، وكانت المرأة فيما كتبته رضوى عاشور رمزا للاستقامة والحفاظ على اللغة والهوية.
ويرى الكتاب أن الروائية العربية لا تهاجم الرجل كرجل، وإنما صورة الرجل المتسلط فيه، إذ وجدنا من البطلات تجري وراء الرجل الذي يهفو قلبها له، فسعدة في رواية (العمامة والطربوش) عرَّضت حياتها للخطر من أجل الهروب مع مروان الفلسطيني وقدمت نفسها قربانا لحبهما، واختارت ريما في (قلبي أنثى عبرية) تغيير ديانتها من اليهودية إلى الإسلام، حبا في أحمد ليكون زوجها، دون أن تقدم رواية النساء أية امرأة تجري وراء الرجل لأهداف مادية، ورغم جرأة الطرح الذى قدمه الكتاب إلا أنه اكتفى بالرصد دون أن يقدم تفسيرا، ولم أر مبررا للتقسيم الجغرافي حسب موطن الروائيات، وكان من الأجدى أن يرصد ملامح الظاهرة فيتم التناول بحسب الموضوع.
(خدمة وكالة الصحافة العربية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق