في روايتها (مُدن بطعم البارود)، تذهب الأديبة والروائية بشرى أبو شرار إلى يوميات الحرب على سورية وما جرّته من آثار لا تُمحى من الروح والأجساد والرؤى والذاكرة، لتجعل منها مروية الأيام والساعات والدقائق التي باتت تشكّل ذاكرة السوريين، ذاكرة الشهداء والأحياء، ويومياتهم اللاهبة في أتون الحرب، وهنا تأخذنا الرواية في أبعادها الأخرى إلى أكثر من تجلّيات الروح لتقف بمعادل تعبيري وجمالي وفكري واجتماعي، يندغم في منمنمات كتابية (استدخلتها) الكاتبة، قائمة على توليفات وشذُر كتابية، لعلّها تؤلف روايتها الكبيرة رواية الحرب في تجلياتها الإنسانية الأكثر التقاطاً للحظة وتوثيقاً يؤسّس للذاكرة البعيدة القريبة،
ولعلّ المكان الذي تطيفه الكاتبة بشرى أبو شرار إلى مدن مضرّجة بروائحها الخاصة وتفاصيل ناسه ومحكياته لتكتمل بطعم البارود، أي دلالة الحرب التي تأخذنا بدورها إلى حقل شاسع من الدلالات، وما المدن في أبعادها الأخرى سوى البشر المحكومين بالحياة والأمل رغم كثافة النهايات واحتداماتها الدرامية. تقول الكاتبة: في الشام (أعرف من أنا وسط الزحام. يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة.. يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمين ثم نام.. يدلّني بردى الفقير كغيمة مكسورة.. ويدلّني شعر فروسي عليّ: هناك عند نهاية النفق الطويل محاصر مثلي سيوقد شمعة، من جرحه لتراه.. تدلّني ريحانة أرخت جدائلها على الموتى ودفأت في الرخام.. في الشام أمشي نائماً وأنا في حضن الغزالة ماشياً، هناك أرض الحلم عالية، ولكن السماء تسير عارية وتسكن بين أهل الشام).
بشرى أبو شرار المقيمة في مصر، وتهجس بما يجري في أرض الشام، تكتب من مصر مدوّنة الشام في رحلتها المتصلة المنفصلة، وعبر ما كتبه أدباء الشام، وعبر ما تتذكره هي لتصبح بحق مدوّنة مدن تذهب إلى فضاءاتها الحالمة بأكثر من حياة، والموت على طريقتها، لذا فإن في كثافة الأصوات وسردياتها، كثافة أحداث وبلاغة مرويات، تجيد الكاتبة نسجها وتركيبها ليكون الرواة المتعددون بأصواتهم هم ما يتصادى في المكان بمنادات أرواحهم العالية من محمود درويش إلى أمل دنقل إلى نزار بني المرجة إلى ماجد أبو شرار، لتقف بكتابتها موازية كمرايا متقابلة للبوح الشفيف.. ليست يوميات الحرب ولكنها ملحمة الحرب والحب وجدليتهما الأثيرة، وأكثر من ذلك هي تطريز على قماشة سورية بمحكيات بواسل الجيش العربي السوري، وتضحيات شهدائه وذاكرة شهدائه الأحياء: (يونس أحمد الناصر يكتب حروفه على شارات النصر: تدخلونها أفواجاً وتتحولون فيها أشلاء هذا هو وعدنا). وتراه الكاتبة راسماً لنا ملامح من سورية الجميلة، قصر العدل في شارع النصر، فندق راندو- دمشق بناء العابد، ساحة المرجة دمشق، محطة الحجاز، ميدان وزير الحربية يوسف العظمة الذي رفض أن يدخل (غورو) إلى دمشق إلا على جثته، فهبَّ مع عدد من الأحرار لمواجهة الفرنسيين واُستشهد في معركة ميسلون، وسجّل اسمه في سجل الخالدين.. وجيش في قلب رجل صلب كصخور قاسيون (أبو يعرب) فداء جسر الشغور، لن نترك الأرض لتتار العصر.. أبو يعرب صمد في مفرزة جسر الشغور حين حاصره آلاف المسلحين، لم يعبأ بكل توسلاتهم حيناً وتهديداتهم حيناً آخر.. قال لرفاقه: (سنصمد حتى الطلقة الأخيرة.. سيأتي من يرابط مكاننا).
وهكذا تتواتر الحكايات على ألسنة رواتها في مرايا راوية، استطاعت أن تُخيط تفاصيلها الكثيفة، هي الحكايات السورية بامتياز التي تكتب نفسها، وتتشابك وتتعانق لتشي بفرادتها وأساطيرها الأخرى، شاءت الكاتبة أن تسرد تلك الأقدار في مدونة أولى كان عنوانها (مُدن بطعم البارود)، لتليها أجزاء أخرى متممة تلك الصيرورات المدهشة لأبطالها، بل للأمكنة المقاومة تاريخاً وجغرافيا ولغةً.
(مُدن بطعم البارود) رواية صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة – دمشق- 2016
ولعلّ المكان الذي تطيفه الكاتبة بشرى أبو شرار إلى مدن مضرّجة بروائحها الخاصة وتفاصيل ناسه ومحكياته لتكتمل بطعم البارود، أي دلالة الحرب التي تأخذنا بدورها إلى حقل شاسع من الدلالات، وما المدن في أبعادها الأخرى سوى البشر المحكومين بالحياة والأمل رغم كثافة النهايات واحتداماتها الدرامية. تقول الكاتبة: في الشام (أعرف من أنا وسط الزحام. يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة.. يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمين ثم نام.. يدلّني بردى الفقير كغيمة مكسورة.. ويدلّني شعر فروسي عليّ: هناك عند نهاية النفق الطويل محاصر مثلي سيوقد شمعة، من جرحه لتراه.. تدلّني ريحانة أرخت جدائلها على الموتى ودفأت في الرخام.. في الشام أمشي نائماً وأنا في حضن الغزالة ماشياً، هناك أرض الحلم عالية، ولكن السماء تسير عارية وتسكن بين أهل الشام).
بشرى أبو شرار المقيمة في مصر، وتهجس بما يجري في أرض الشام، تكتب من مصر مدوّنة الشام في رحلتها المتصلة المنفصلة، وعبر ما كتبه أدباء الشام، وعبر ما تتذكره هي لتصبح بحق مدوّنة مدن تذهب إلى فضاءاتها الحالمة بأكثر من حياة، والموت على طريقتها، لذا فإن في كثافة الأصوات وسردياتها، كثافة أحداث وبلاغة مرويات، تجيد الكاتبة نسجها وتركيبها ليكون الرواة المتعددون بأصواتهم هم ما يتصادى في المكان بمنادات أرواحهم العالية من محمود درويش إلى أمل دنقل إلى نزار بني المرجة إلى ماجد أبو شرار، لتقف بكتابتها موازية كمرايا متقابلة للبوح الشفيف.. ليست يوميات الحرب ولكنها ملحمة الحرب والحب وجدليتهما الأثيرة، وأكثر من ذلك هي تطريز على قماشة سورية بمحكيات بواسل الجيش العربي السوري، وتضحيات شهدائه وذاكرة شهدائه الأحياء: (يونس أحمد الناصر يكتب حروفه على شارات النصر: تدخلونها أفواجاً وتتحولون فيها أشلاء هذا هو وعدنا). وتراه الكاتبة راسماً لنا ملامح من سورية الجميلة، قصر العدل في شارع النصر، فندق راندو- دمشق بناء العابد، ساحة المرجة دمشق، محطة الحجاز، ميدان وزير الحربية يوسف العظمة الذي رفض أن يدخل (غورو) إلى دمشق إلا على جثته، فهبَّ مع عدد من الأحرار لمواجهة الفرنسيين واُستشهد في معركة ميسلون، وسجّل اسمه في سجل الخالدين.. وجيش في قلب رجل صلب كصخور قاسيون (أبو يعرب) فداء جسر الشغور، لن نترك الأرض لتتار العصر.. أبو يعرب صمد في مفرزة جسر الشغور حين حاصره آلاف المسلحين، لم يعبأ بكل توسلاتهم حيناً وتهديداتهم حيناً آخر.. قال لرفاقه: (سنصمد حتى الطلقة الأخيرة.. سيأتي من يرابط مكاننا).
وهكذا تتواتر الحكايات على ألسنة رواتها في مرايا راوية، استطاعت أن تُخيط تفاصيلها الكثيفة، هي الحكايات السورية بامتياز التي تكتب نفسها، وتتشابك وتتعانق لتشي بفرادتها وأساطيرها الأخرى، شاءت الكاتبة أن تسرد تلك الأقدار في مدونة أولى كان عنوانها (مُدن بطعم البارود)، لتليها أجزاء أخرى متممة تلك الصيرورات المدهشة لأبطالها، بل للأمكنة المقاومة تاريخاً وجغرافيا ولغةً.
(مُدن بطعم البارود) رواية صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة – دمشق- 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق