عرفت الكتابة الروائية النسائية في المغرب كما في باقي الدول العربية مع مطلع الألفية الثالثة انتعاشة كبيرة فخلقت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تراكما تجاوز من حيث الكم والنوع كل ما أبدعت الأنامل الناعمة عبر تاريخها منذ اقتحامها عباب الكتابة الروائية فإلى حدود 2010 ولم يكن للنساء في المغرب إلا 53 رواية كتبن منها 34 رواية في العشرية الأولى من الألفية الثالثة، ويتضح من خلال التتبع أنه إلى حدود نفس التاريخ لم يقتحم الكتابة الروائية من نساء المغرب إلا 39 امرأة ، تسع وعشرون منهن لكل واحدة نص روائي يتم، وست روائيات لهن روايتان ، وأربع روائيات لهن ثلاث روايات.. وهو عدد قليل جدا إذا ما قورن بالتطلعات والآمال ....
ومن الروائيات اللواتي اقتحمن الكتابة الروائية حديثا رغم حضورهن الوازن في الكتابة السردية نقف في هذه الدراسة على تجربة الكاتبة ربيعة ريحان فبعد إصدارها لعدة
مجموعات قصصية قصت شريطها بمجموعة ( ظلال وخلجان) التي قدم لها الروائي العربي الكاتب السوري حنا مينا وقال فيها وقتئذ :(لقد ولدت مع هذه المجموعة قاصة رائعة في المغرب العربي كله ومعها سيكون للقصة العربية القصيرة شأن آخر مع قصص المرأة في الوطن العربي بأسره ..) لتدفق نتاجها القصصي عبر مجموعات مثل ( مشارف التيـه سنة 1996، ( شرخ الكـلام) و ( مطر المسـاء) سنة 1999 وقد توجت هذه المجموعة الأخيرة ب( جائزة الإبداع النسائي) إضافة لمجموعة (بعض من جنون) سنة 2002 ومن أحدث مجوعاتها القصصية (أجنحة للحكي) و(كلام ناقص) ...
بعد هذا المشوار الحافل في المساحات السردية القصيرة تقتحم ربيعة ريحان غمار الكتابة الروائية ومسافاتها الطويلة بأول رواية لها ( طريق الغرام ) الصادرة سنة 2013 عن دار توبقال للنشر، وهي رواية تمتد ورقيا عبر 180 صفحة من الحجم المتوسط تؤكد من خلالها الكاتبة استعدادها تقديم رؤيتها للعالم من خلال جنس الرواية...
الرواية تحكى بضمير المتكلم على لسان البطلة فوزية أو (فوز) كما يناديها عشيقها الافتراضي يوسف، يتراوح السرد فيها بين الماضي (تجربة حب أثمرت زواجها بسميـر، زواج لم يعمر طويلا بعد اكتشافها لإدمانه وشذوذه وتغير سلكه وتصرفاته معها) وبين الحاضر (علاقة حب افتراضية نشأت عبر التواصل الإليكتروني مع يوسف الشاب العراقي المستقر بلندن ) ، وبذلك تتمحور أحداث الرواية حول تجربتين لفوزية السيدة المطلقة٬ ابنة مدينة آسفي٬ التي تجتر فشل تجربة الزواج بـ "سمير" وتصف وتفاعل أسرتها ومحيطها مع طلاقها٬ لتجد نفسها أمام إغواء تجربة جديدة عبر علاقة افتراضية بيوسف جاءت في مرحلة فراغ عاطفي وكأنها كانت (وفي حاجة إلى من يملأ فراغها وتفرغ عليه همومها)[1]
ومن تم يكون عنوان الرواية (طريق الغرام) قد قدم للقارئ فكرة مسبقة عن هذا الطريق الذي قالت فيه الساردة (طريق حب وغرام محفوف بالمخاطر)[2] سلكته ربيعة ريحان وهي تصف ما ينشر على حافة هذا الطريق من عادات، تقاليد ، أعراف... و مما تكتنز به الذاكرة الخاصة للكاتبة و الذاكرة الجمعية للمرأة المغربية عامة في علاقة المرأة بالرجل، مستحضرة عقلية المرأة المغربية وطريقة تفكيرها في علاقتها بالرجل، وما يشوب هذه العلاقة من طقوس عادات.. وما يروج من أمثلة شعبية أوردتها الرواية على لسان شخصياتها وخاصة عمة الساردة، وهي أمثال مقتبسة من واقع الحياة اليومية تلخص عصارة تجربة أمة في موضوع العلاقة بين الجنسين ، وهو ما أكسب أحداث الرواية واقعية سعت الساردة إلى تكريسها وتوهيم القارئ بواقعيتها من خلال الإحالة على أمكنة و شخصيات حقيقية بمن فيها الكاتبة نفسها تقول الساردة : (أشتغل على بعض القصاصين المغاربة الذين أحببتهم كثيرا وشدتني تجربتهم بدءا من شكري وبوزفور وزفزاف مرورا بلطيفة باقا وربيعة ريحان)[3] وكأنها بذلك تريد التمييز بين الكاتبة (ربيعة ريحان) والساردة (فوزية) والرد على من يتهمها بكتابة سيرتها في عمل روائي ، ويحاول ربط تفاصيل الرواية بحياة الكاتبة..
إن رواية طريق الغرام تجعل من الحب تيمتها الأساسية ، وعلى الرغم من كون الحب شكل محور الكثير من المؤلفات السردية في الثقافة الإنسانية منذ القديم، فإن ربيعة ريحان وسمت هذه التيمة بتجربتها الخاصة ، فنسجت أحداثا (لا يهمنا في شيء إن كانت واقعية أو خيالية) أبطالها ثلاثة شخصيات تفاعلت في مسار سردي يشد القارئ : فبعد فشل فوزية في تجربتها مع سمير تدخل عبر البوابة الإلكترونية تجربة ثانية وكلها حيطة وحذر وخوف من تكرار فشلها : (من يضمن لي أن هذا التمادي الحلو لا يقودني إلى حتف آخر؟)[4] قبل أن يجرفها طريق الحب وتجد نفسها منساقة مع تياره الجارف، بعد أن فعلت رسائل يوسف فعلها السحري (كتابات غيّرتْ واقع حياتي وجعلتني أفتح نوافذي لأستقبل تلك الإشارات التي يرسلها إليّ، والمشاعر الحنون التي تمتلئ بها روحي. «أنا بانتظارك»، موحية وجذابة هذه الكلمة لامرأة رومانسية مثلي، كانت عاشقة بامتياز وانصدمتْ، لكنّها لم تستطع أن تتخلص من تحليقها الحالم وستظلّ إلى الأبد تهزها بعمق تعابير شفافة كأنما هي ضوء باهر)[5] .
هكذا يكون طريق الغرام في الرواية طريقا سيارا باتجاهين مختلفين :
- طريق واقعي غير سالك بدأ في رحاب الجامعة عند التقاء فوزية وسمير لقاء نتج عنه علاقة تعارف انتهت إلى علاقة حب وعشق ثم زواج، ليعيش العشيقين تحت سقف واحد، وتكون النهاية الماسأوية باكتشاف فوزية لإدمان زوجها وشذوذه بعدما استحالت علاقتهما عنفا ولامبالاته وبرودة جنسية من قبل زوج غدا يتجاهلها يعنفها ويبحث عن لذته مفعولا به مع أبناء جنسه، فكان الطلاق نهاية طبيعية لتطور الأحداث
- طريق افتراضي حالم كانت بدايته بالتعرف على يوسف عبر رسائل إليكترونية تطورت لتصبح رسائل غرامية طافحة بلغة شعرية وتعابير رومانسية لم تجد أمامها فوزية سوى سلك هذه الطريق الناعمة إلى نهايتها ، وإذا كان طريق الغرام الواقعي قد انتهى بالفراق ، فإن الساردة اختارت لطريق الغرام الافتراضي نهاية أخرى بالتقاء العشيقين وإخراج غرامهما من الواقع الافتراضي إلى الواقع الأمبيريكي الملموس، حبا طاهرا صادقا مفضلة وضع حد لأحداث الرواية بمجرد التقاء العشيقين...
إن ربيعة ريحان بتمييزها بين هذين المسلكين في طريق الغرام تكون قد انحازت إلى الحب الافتراضي الإليكتروني، بإنجاحها لعلاقة لم ير فيها العشيقين بعضهما البعض ، وحكمها بالفشل على علاقة اختار العشيقين بعضهما عن قناعة، وأحبا بعضهما وتحديا بحبهما سلطة الأسرة والمجتمع، وكأنها بذلك تمرر رسائل لأولئك المتخوفين من ربط علاقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتهمس في آذانهم بأن العلاقات الافتراضية أأمن من علاقات الواقع الملموس ... وحتى تُبقي الحب الافتراضي طاهرا اضطرت إلى إنهاء السرد بمجرد التقاء العشيقين في الواقع بمراكش، وكأنها تخشى على هذا الحب من ملوثاث الواقع، في مقابل ذلك أناطت بحب الواقع (مع سمير) كل الشرور من شعوذة، خرافة ، سحر، شذوذ ... وهي أمور لا أثر لها في العلاقات الافتراضية حسب تطور الأحداث !! وعلى الرغم من تكرار البطلة رفضها لكل تلك السلوكات المرتبطة بالسحر والشعوذة التي نصحتها بها النساء، فإن الرواية حاولت رصد بعض ما تقوم به النساء للحفاظ على الرجل ..فما هي تجليات ذلك في رواية طريق الغرام ؟؟؟
استطاعت رواية طريق الغرام معالجة عدة قضايا اجتماعية وإنسانية، جاعلة من الحب تيمتها الأساسية، محاولة انتقاد المعتقدات التي تركبها بعض النسوة للوصول إلى قلب الزوج أو للحفاظ عليه بعد الزواج ، أو إعادته ذليلا في حالة الطلاق ، في مجتمع فيه ( أغلب النساء مسكونات بهاجس الخوف من ضياع الأزواج، لاشيء يجعلهن يهدأن ، أو تطمئن قلوبهن إلى مصائرهن إلا بتزكية من السحرة والشوافات...) ومعظمهن مقتنعات (بداهة احتمال خيانة الأزواج لهن، أو تطليقهن أو تركهن على الهامش كلما حلا لهم ذلك ( أو كلما ) تتبدى لهم صورة امرأة لعوب يمكن أن تسلبهم عقولهم ) فزوجة العم ظلت تردد على البطلة قولها ( أنا دائما أدعو على عمك بالزلط (الفقر) لأن الرجل إذا ترفح (اغتنى) ترفه )[6] أمام هذا الخوف الشديد من ضياع الزوج تبرر الرواية (رغم رفض البطلة لذلك) لجوء النساء إلى ربط الحب بأعمال الشعوذة والسحر ، ولعل من أهم هذه المعتقدات رسوخا في الذاكرة الجمعية المغربية ما يعرف ب(الشرويطة) التي تعرفها الساردة معلنة عن موقفها منه بقولها (إنه حل غيبي تمارسه الكثير من العاجزات عن التوصل إلى حل فعلي لمشكلاتهن الزوجية)[7] ومع ذلك فالكثير من نساء الرواية تعتبر الشرويطة السبيل للتحكم في الرجل ، وتسييره على هوى الزوجة، وإذا ما ظفرت امرأة بهذا الكنز الثمين فإنها تعمل كل ما ي جهدها للحفاظ عليه بعيدا عن العيون في أأمن الأمكنة ولا تظهره إلا عند الحاجة: ( هذه الكتانة التي تتهافت النساء على امتلاكها، خفية عن أعين الرجال ويحرصن على حفظها في أماكن سحيقة من الخزائن المعتمة، ولا يشهرنها كرايات حمراء إلا عند الضرورة والبعض يضيف إليها بخورا وأعشاب كأنما تحنط الواحدة منهن كائنات مذهلة..)[8] أن معظم الأمهات توصي بناتهن بالحصول على هذه الكتانة الغريبة التي لها من القوة ما يركع الرجالات الجامحة وتصف الرواية كيفية الحصول عليها:( حين تنام المرأة مع زوجها وبعد أن تمضي معه أحلى الأوقات أو أتعسها تحرص أن تحتفظ بذلك الشيء المشترك بينهما ، الذي مسحته في خرقة بيضاء بعد لحظة الذروة في الجماع )[9] لكن الحصول على الكتانة غير كاف فلا بد من طقوس وطلاسيم حتى تؤدي مفعولها، تلخصها الرواية ( يكفي أن توجد تلك الكتانة العفنة ومجمر صغير وأبخرة فينعكس كل شيء من أول سطر الحكاية إلى آخرها )
فبعدما طلق سمير فوزية، اعتبرت نساء الأسرة الطلاق كارثة ، وأول ما طالبت العمة به فوزية هو الشرويطة تقول العمة: (هات فقط الكتانة أو أي قطعة من ثياب سمير مما هو موجود عن فوزية) ورغم كل هذا فالكاتبة كان هدفها انتقاد هذه الأفكار الخرافية ،وقد عبرت عن موقفها من خلال البطلة التي كانت ترفض كل ما تمليه عليها العمة وباقي النساء، واصفة الشرويطة بأنها(حل غيبي لا يلجأ إليه إلا العاجزات من النساء ) وتعلن الكاتبة عن موقف فوزية في قولها (حديث الكتانة عالم متشابك من الخزعبلات والسفه وكل من تمتاز بإيقاعات ارتجالية في الكلام تستطيع أن تفتي في الموضوع) كما أن فوزية حاولت أن تـُرفِـّع أسرتها عن هكذا سلوك تقول:(لم يسبق لأمي أن تداولت معي شيئا من هذا القبيل ولو من باب التلميح) معلنة تذمرها من ذلك النوع من الفتيات اللواتي ( يكسرن الحواجز بينهن وبين أمهاتهن ما أن يبلغن المراهقة أو حتى قبلهن ، ويشاركن الأحاديث في تفاصيل حميمياتهن بعد أن يكبرن ويتزوجن أو حتى عن أصحابهن لكن علاقتي بوالدتي اتسمت دوما بالتحفظ) وتبدو فوزية حالة نادرة في مجتمع كل النساء فيه مقتنعات أن في مثل حال الساردة بعد انفصالها عن سمير ( الذهاب إلى فقيه أو شوافة أمر واجب ) هكذا تغوص الرواية بالقارئ في عالم تفهم النساء تفاصيله، فأينما حلت وارتحلت البطلة تحيطها الكاتبة بالخرافة والشعوذة : ففي المنزل كل النسوة يلمنها على عدم اكتراثها بالشرويطة ويلمن في ذلك الأم وتلخص العمة موقف النساء قائلة: (بنتها حمارة مثلها ، كانت تثق في زوجها ثقة الأعمى في الظلمة وأكيد ليس لديها شيء) ، حتى وهي في خرجاتها السياحية في مراكش تتطاول عليها الشعوذة من كل حدب وصوب : (الشوافات المقرفصات تحت المظلات الشمسية المهترئة ... يلوحن لنا بأوراق الحظ الموضوعة على سجادة شرقية مهترئة ) وإن حاولت الساردة إظهار امتعاضها من الشعوذة فإنها كانت تبرز إقبال صديقاتها عليها، وتبرز كيف أن الحب هو موضوع حديثهن: وأنهن لا حديث لهن إلا كيفية إسقاط الرجل ، وكيفية الحفاظ عليه إن سقط في الشرك تتساءل شوافة في مكر: (هل هناك من لا تحب الرجال ؟ ولا تحب ذلك الشيء؟؟) [10] ، فالمشعوذات يوهمن كل غير متزوجة بأنها مسحورة، وأن المشعوذة قادرة على إبطال سحرها فنراها تستدرج البطلة بقولها:(عندك سحر ،أيتها الغزال ،اسأليني أنا ، تعالي لكي أبطله لك ...)
إن الرواية تعترف بانتشار الشعوذة في المجتمع وأن الظاهرة ( ليس إشاعة بالطبع ولكنه تهول بشكل مقنع وضار، ويؤذي في السمعة مما جعلنا كأننا وحدنا في العالم نمارس هذا الطقس الإنساني المشترك)[11] ولتصحيح الوضع نصبت ربيعة ريحان الساردةَ فوزية محامية للدفاع عن سمعة المغرب فنراها تارة تهوّن من الظاهرة ( لسنا مسجلات في باب (خطر جدا) ولسنا في أدغال إفريقيا) .. وتارات أخرى تبرز أن معظم المغربيات لا تولين أهمية للشعوذة: (منا الكثيرات اللاتي يعشن كارهات لتجاربهن الزوجية لكنهن غير مقتنعات بالانتماء إلى تلك الجوقات التي تطبل للغباء ) وأحيانا أخرى تلقي باللوم على الأحكام المسبقة والإشاعات التي تكرست في عقل الآخر عن المغربيات انطلاقا من بعض الحالات:(إننا ابتلينا في الخارج بتلك الصورة المخجلة عن كوننا منفتحات جدا منفتحات فقط ؟؟ ! بل يصفوننا بالعاهرات لأن منا ذلك الكم الهائل من البنات اللائي يذهبن إلى تلك الجنات المقيتة في الخليج للفجور)[12]
يبدو أن هم الكاتبة كان محاولتها الدفاع عن العلاقات التي تنشأ عبر التواصل الافتراضي وفي ذلك إشارة إلى علاقة المبدعين بهذا العالم الحديث الذي انتشر بسرعة وجعل كل المهتمين بالمجال الإبداعي - حتى أشدهم رفضا له، ينجذبون إليه وينتصرون له، وبيد أننا وجدنا البطلة تمتعض من بعض التعليقات والرسائل الإليكترونية و المعاكسات وتصف بعض مظاهر الشذوذ في هذه العوالم كقولها : ( الرجل الذي يتصل بي على مدار الساعة ويضايقني ، لا يستحيي من اعتذاراتي المتكررة .. يدخل مباشرة في غزل فج وكلمات جنسية ماجنة . أرمي التليفون بعيدا عني .. ويصلني فحيح أنفاسه ولهاته كأنما يمارس الجنس مع امرأة في السرير هؤلاء شواذ من نوع آخر)[13] فإن ذلك لم يصل إلى مستوى الشذوذ الذي شاهدته من زوجها على أرض الواقع فاعتبرت اكتشافها لشذوذ سمير ضربة قاضية :(الضربة القاضية التي جاءتني من سمير .. كانت عبارة عن ملابس داخلية حريرية للرجال أخفاها بشكل ماكر بين طيات ملابسه فعثرت عليها بالصدفة كما عثرت على تلك الصفائح الصغيرة من الحشيش ذات يوم) بيكيني أحمر رجالي بالدنتيل ؟؟ومنديل عنق حريري وأكسسوارات ، أشياء من النوع الذي يرتديه أصحاب البورنو ) [14]
اكتشافها لشذوذ الزوج الذي أحبته واختارته رغما عن أسرتها أدخلها في دوامة من الحيرة والشك ، وجعلها تتخيل سميرا في وضعيات مهينة وتتساءل : هل يكون سمير لواطيا يضاجعه الرجال ؟؟ هل يضع سمير الكريمات وأحمر الشفاه كلما خلا به رجل ثم يتدلى ويتهادى ، ويفعل كل الأمور الخاصة التي تفعلها النساء؟؟ ولماذا يذهب به الحال إلى أن يرمي نفسه تحت أفخاذ الرجال ؟؟ وإذا كان كذلك لماذا جنى علي وتزوجني؟؟
يستنتج من خلال رواية طريق الغرام أن الكاتبة حاولت فيما يشبه سيرة ذاتية إماطة اللثام عن موضوع يدخل ضمن الطابوهات ، وأنها تعاملت معه بحذر شديد خائفة من تكريس ما يشاع عن المرأة المغربية ، فجعلت البطلة حذرة في ردودها وتعاليقها حتى في قمة الهزل تقول عندما غازلها سمير مرة تقول (خطر ببالي أن أرد عليه متهكمة بعنوان سكيتش (الزين والبنزين) لكنني لم أفعل كان في ذلك إشارة إلى العهارة المغربية بالخليج)[15] كما أن البطلة لم تتوان لحظة في إعلان رفضها وشجبها للشعوذة، فقدمتها الرواية في صورة المرأة العفيفة الطاهرة الخجولة المجتهدة والناجحة في مشوارها الدراسي، المرأة التي تقطر رومانسية وتفيض شاعرية القليلة التجربة التي لم تعرف رجلا قبل زواجها المخلصة لزوجها رغم شذوذه وإدمانه ، الخافضة لصوتها الكاتمة لأسرار بيتها فهي لم تكلم أحدا بما يدور بينها وبين زوجها رغم تعنيفه لها، تعتبر الجرأة قلة حياء لذلك تقول عن نفسها (إن أي حس بالجرأة لم أكن أمتلكه)
إن رواية طريق الغرام رواية رومانسية من نوع خاص ، لأنها بنيتي على التقابل بين واقع مرفوض كل ما فيه ينبئ بالفشل ، وواقع منشود تطير في سمائه طيور المحبة، يفيض من الحب والشعر
وبذلك تكون الرواية قد نجحت في إدخال ربيعة ريحان إلى عالم الرواية العربية المعاصرة، وأن كان طابع القصة القصيرة لا زال يشدها إليه ، فقد انطلقت الرواية بقوة وجرأة لكن سرعان ما دخلت في تمطيط الفكرة فكانت الرسائل بين يوسف و فوز استطرادا مملا في الكثير من مقاطع النصف الثاني من الرواية، كما أن طول النص جعل الكاتبة المعتادة على القصص القصيرة تخلط في كثير من المرات بين سمير ويوسف كما في هذا المقطع ( إذا كان يوسف الذي أحببته وتزوجته .. قد تنكر لي بكل قوة وأذاقني العذاب فما الذي يمكن أن أتوقع من رجل بعيد وغريب يعرض صداقته وحبه على النيت)[16] والأكيد أنها تقصد سمير
ومن الروائيات اللواتي اقتحمن الكتابة الروائية حديثا رغم حضورهن الوازن في الكتابة السردية نقف في هذه الدراسة على تجربة الكاتبة ربيعة ريحان فبعد إصدارها لعدة
مجموعات قصصية قصت شريطها بمجموعة ( ظلال وخلجان) التي قدم لها الروائي العربي الكاتب السوري حنا مينا وقال فيها وقتئذ :(لقد ولدت مع هذه المجموعة قاصة رائعة في المغرب العربي كله ومعها سيكون للقصة العربية القصيرة شأن آخر مع قصص المرأة في الوطن العربي بأسره ..) لتدفق نتاجها القصصي عبر مجموعات مثل ( مشارف التيـه سنة 1996، ( شرخ الكـلام) و ( مطر المسـاء) سنة 1999 وقد توجت هذه المجموعة الأخيرة ب( جائزة الإبداع النسائي) إضافة لمجموعة (بعض من جنون) سنة 2002 ومن أحدث مجوعاتها القصصية (أجنحة للحكي) و(كلام ناقص) ...
بعد هذا المشوار الحافل في المساحات السردية القصيرة تقتحم ربيعة ريحان غمار الكتابة الروائية ومسافاتها الطويلة بأول رواية لها ( طريق الغرام ) الصادرة سنة 2013 عن دار توبقال للنشر، وهي رواية تمتد ورقيا عبر 180 صفحة من الحجم المتوسط تؤكد من خلالها الكاتبة استعدادها تقديم رؤيتها للعالم من خلال جنس الرواية...
الرواية تحكى بضمير المتكلم على لسان البطلة فوزية أو (فوز) كما يناديها عشيقها الافتراضي يوسف، يتراوح السرد فيها بين الماضي (تجربة حب أثمرت زواجها بسميـر، زواج لم يعمر طويلا بعد اكتشافها لإدمانه وشذوذه وتغير سلكه وتصرفاته معها) وبين الحاضر (علاقة حب افتراضية نشأت عبر التواصل الإليكتروني مع يوسف الشاب العراقي المستقر بلندن ) ، وبذلك تتمحور أحداث الرواية حول تجربتين لفوزية السيدة المطلقة٬ ابنة مدينة آسفي٬ التي تجتر فشل تجربة الزواج بـ "سمير" وتصف وتفاعل أسرتها ومحيطها مع طلاقها٬ لتجد نفسها أمام إغواء تجربة جديدة عبر علاقة افتراضية بيوسف جاءت في مرحلة فراغ عاطفي وكأنها كانت (وفي حاجة إلى من يملأ فراغها وتفرغ عليه همومها)[1]
ومن تم يكون عنوان الرواية (طريق الغرام) قد قدم للقارئ فكرة مسبقة عن هذا الطريق الذي قالت فيه الساردة (طريق حب وغرام محفوف بالمخاطر)[2] سلكته ربيعة ريحان وهي تصف ما ينشر على حافة هذا الطريق من عادات، تقاليد ، أعراف... و مما تكتنز به الذاكرة الخاصة للكاتبة و الذاكرة الجمعية للمرأة المغربية عامة في علاقة المرأة بالرجل، مستحضرة عقلية المرأة المغربية وطريقة تفكيرها في علاقتها بالرجل، وما يشوب هذه العلاقة من طقوس عادات.. وما يروج من أمثلة شعبية أوردتها الرواية على لسان شخصياتها وخاصة عمة الساردة، وهي أمثال مقتبسة من واقع الحياة اليومية تلخص عصارة تجربة أمة في موضوع العلاقة بين الجنسين ، وهو ما أكسب أحداث الرواية واقعية سعت الساردة إلى تكريسها وتوهيم القارئ بواقعيتها من خلال الإحالة على أمكنة و شخصيات حقيقية بمن فيها الكاتبة نفسها تقول الساردة : (أشتغل على بعض القصاصين المغاربة الذين أحببتهم كثيرا وشدتني تجربتهم بدءا من شكري وبوزفور وزفزاف مرورا بلطيفة باقا وربيعة ريحان)[3] وكأنها بذلك تريد التمييز بين الكاتبة (ربيعة ريحان) والساردة (فوزية) والرد على من يتهمها بكتابة سيرتها في عمل روائي ، ويحاول ربط تفاصيل الرواية بحياة الكاتبة..
إن رواية طريق الغرام تجعل من الحب تيمتها الأساسية ، وعلى الرغم من كون الحب شكل محور الكثير من المؤلفات السردية في الثقافة الإنسانية منذ القديم، فإن ربيعة ريحان وسمت هذه التيمة بتجربتها الخاصة ، فنسجت أحداثا (لا يهمنا في شيء إن كانت واقعية أو خيالية) أبطالها ثلاثة شخصيات تفاعلت في مسار سردي يشد القارئ : فبعد فشل فوزية في تجربتها مع سمير تدخل عبر البوابة الإلكترونية تجربة ثانية وكلها حيطة وحذر وخوف من تكرار فشلها : (من يضمن لي أن هذا التمادي الحلو لا يقودني إلى حتف آخر؟)[4] قبل أن يجرفها طريق الحب وتجد نفسها منساقة مع تياره الجارف، بعد أن فعلت رسائل يوسف فعلها السحري (كتابات غيّرتْ واقع حياتي وجعلتني أفتح نوافذي لأستقبل تلك الإشارات التي يرسلها إليّ، والمشاعر الحنون التي تمتلئ بها روحي. «أنا بانتظارك»، موحية وجذابة هذه الكلمة لامرأة رومانسية مثلي، كانت عاشقة بامتياز وانصدمتْ، لكنّها لم تستطع أن تتخلص من تحليقها الحالم وستظلّ إلى الأبد تهزها بعمق تعابير شفافة كأنما هي ضوء باهر)[5] .
هكذا يكون طريق الغرام في الرواية طريقا سيارا باتجاهين مختلفين :
- طريق واقعي غير سالك بدأ في رحاب الجامعة عند التقاء فوزية وسمير لقاء نتج عنه علاقة تعارف انتهت إلى علاقة حب وعشق ثم زواج، ليعيش العشيقين تحت سقف واحد، وتكون النهاية الماسأوية باكتشاف فوزية لإدمان زوجها وشذوذه بعدما استحالت علاقتهما عنفا ولامبالاته وبرودة جنسية من قبل زوج غدا يتجاهلها يعنفها ويبحث عن لذته مفعولا به مع أبناء جنسه، فكان الطلاق نهاية طبيعية لتطور الأحداث
- طريق افتراضي حالم كانت بدايته بالتعرف على يوسف عبر رسائل إليكترونية تطورت لتصبح رسائل غرامية طافحة بلغة شعرية وتعابير رومانسية لم تجد أمامها فوزية سوى سلك هذه الطريق الناعمة إلى نهايتها ، وإذا كان طريق الغرام الواقعي قد انتهى بالفراق ، فإن الساردة اختارت لطريق الغرام الافتراضي نهاية أخرى بالتقاء العشيقين وإخراج غرامهما من الواقع الافتراضي إلى الواقع الأمبيريكي الملموس، حبا طاهرا صادقا مفضلة وضع حد لأحداث الرواية بمجرد التقاء العشيقين...
إن ربيعة ريحان بتمييزها بين هذين المسلكين في طريق الغرام تكون قد انحازت إلى الحب الافتراضي الإليكتروني، بإنجاحها لعلاقة لم ير فيها العشيقين بعضهما البعض ، وحكمها بالفشل على علاقة اختار العشيقين بعضهما عن قناعة، وأحبا بعضهما وتحديا بحبهما سلطة الأسرة والمجتمع، وكأنها بذلك تمرر رسائل لأولئك المتخوفين من ربط علاقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتهمس في آذانهم بأن العلاقات الافتراضية أأمن من علاقات الواقع الملموس ... وحتى تُبقي الحب الافتراضي طاهرا اضطرت إلى إنهاء السرد بمجرد التقاء العشيقين في الواقع بمراكش، وكأنها تخشى على هذا الحب من ملوثاث الواقع، في مقابل ذلك أناطت بحب الواقع (مع سمير) كل الشرور من شعوذة، خرافة ، سحر، شذوذ ... وهي أمور لا أثر لها في العلاقات الافتراضية حسب تطور الأحداث !! وعلى الرغم من تكرار البطلة رفضها لكل تلك السلوكات المرتبطة بالسحر والشعوذة التي نصحتها بها النساء، فإن الرواية حاولت رصد بعض ما تقوم به النساء للحفاظ على الرجل ..فما هي تجليات ذلك في رواية طريق الغرام ؟؟؟
استطاعت رواية طريق الغرام معالجة عدة قضايا اجتماعية وإنسانية، جاعلة من الحب تيمتها الأساسية، محاولة انتقاد المعتقدات التي تركبها بعض النسوة للوصول إلى قلب الزوج أو للحفاظ عليه بعد الزواج ، أو إعادته ذليلا في حالة الطلاق ، في مجتمع فيه ( أغلب النساء مسكونات بهاجس الخوف من ضياع الأزواج، لاشيء يجعلهن يهدأن ، أو تطمئن قلوبهن إلى مصائرهن إلا بتزكية من السحرة والشوافات...) ومعظمهن مقتنعات (بداهة احتمال خيانة الأزواج لهن، أو تطليقهن أو تركهن على الهامش كلما حلا لهم ذلك ( أو كلما ) تتبدى لهم صورة امرأة لعوب يمكن أن تسلبهم عقولهم ) فزوجة العم ظلت تردد على البطلة قولها ( أنا دائما أدعو على عمك بالزلط (الفقر) لأن الرجل إذا ترفح (اغتنى) ترفه )[6] أمام هذا الخوف الشديد من ضياع الزوج تبرر الرواية (رغم رفض البطلة لذلك) لجوء النساء إلى ربط الحب بأعمال الشعوذة والسحر ، ولعل من أهم هذه المعتقدات رسوخا في الذاكرة الجمعية المغربية ما يعرف ب(الشرويطة) التي تعرفها الساردة معلنة عن موقفها منه بقولها (إنه حل غيبي تمارسه الكثير من العاجزات عن التوصل إلى حل فعلي لمشكلاتهن الزوجية)[7] ومع ذلك فالكثير من نساء الرواية تعتبر الشرويطة السبيل للتحكم في الرجل ، وتسييره على هوى الزوجة، وإذا ما ظفرت امرأة بهذا الكنز الثمين فإنها تعمل كل ما ي جهدها للحفاظ عليه بعيدا عن العيون في أأمن الأمكنة ولا تظهره إلا عند الحاجة: ( هذه الكتانة التي تتهافت النساء على امتلاكها، خفية عن أعين الرجال ويحرصن على حفظها في أماكن سحيقة من الخزائن المعتمة، ولا يشهرنها كرايات حمراء إلا عند الضرورة والبعض يضيف إليها بخورا وأعشاب كأنما تحنط الواحدة منهن كائنات مذهلة..)[8] أن معظم الأمهات توصي بناتهن بالحصول على هذه الكتانة الغريبة التي لها من القوة ما يركع الرجالات الجامحة وتصف الرواية كيفية الحصول عليها:( حين تنام المرأة مع زوجها وبعد أن تمضي معه أحلى الأوقات أو أتعسها تحرص أن تحتفظ بذلك الشيء المشترك بينهما ، الذي مسحته في خرقة بيضاء بعد لحظة الذروة في الجماع )[9] لكن الحصول على الكتانة غير كاف فلا بد من طقوس وطلاسيم حتى تؤدي مفعولها، تلخصها الرواية ( يكفي أن توجد تلك الكتانة العفنة ومجمر صغير وأبخرة فينعكس كل شيء من أول سطر الحكاية إلى آخرها )
فبعدما طلق سمير فوزية، اعتبرت نساء الأسرة الطلاق كارثة ، وأول ما طالبت العمة به فوزية هو الشرويطة تقول العمة: (هات فقط الكتانة أو أي قطعة من ثياب سمير مما هو موجود عن فوزية) ورغم كل هذا فالكاتبة كان هدفها انتقاد هذه الأفكار الخرافية ،وقد عبرت عن موقفها من خلال البطلة التي كانت ترفض كل ما تمليه عليها العمة وباقي النساء، واصفة الشرويطة بأنها(حل غيبي لا يلجأ إليه إلا العاجزات من النساء ) وتعلن الكاتبة عن موقف فوزية في قولها (حديث الكتانة عالم متشابك من الخزعبلات والسفه وكل من تمتاز بإيقاعات ارتجالية في الكلام تستطيع أن تفتي في الموضوع) كما أن فوزية حاولت أن تـُرفِـّع أسرتها عن هكذا سلوك تقول:(لم يسبق لأمي أن تداولت معي شيئا من هذا القبيل ولو من باب التلميح) معلنة تذمرها من ذلك النوع من الفتيات اللواتي ( يكسرن الحواجز بينهن وبين أمهاتهن ما أن يبلغن المراهقة أو حتى قبلهن ، ويشاركن الأحاديث في تفاصيل حميمياتهن بعد أن يكبرن ويتزوجن أو حتى عن أصحابهن لكن علاقتي بوالدتي اتسمت دوما بالتحفظ) وتبدو فوزية حالة نادرة في مجتمع كل النساء فيه مقتنعات أن في مثل حال الساردة بعد انفصالها عن سمير ( الذهاب إلى فقيه أو شوافة أمر واجب ) هكذا تغوص الرواية بالقارئ في عالم تفهم النساء تفاصيله، فأينما حلت وارتحلت البطلة تحيطها الكاتبة بالخرافة والشعوذة : ففي المنزل كل النسوة يلمنها على عدم اكتراثها بالشرويطة ويلمن في ذلك الأم وتلخص العمة موقف النساء قائلة: (بنتها حمارة مثلها ، كانت تثق في زوجها ثقة الأعمى في الظلمة وأكيد ليس لديها شيء) ، حتى وهي في خرجاتها السياحية في مراكش تتطاول عليها الشعوذة من كل حدب وصوب : (الشوافات المقرفصات تحت المظلات الشمسية المهترئة ... يلوحن لنا بأوراق الحظ الموضوعة على سجادة شرقية مهترئة ) وإن حاولت الساردة إظهار امتعاضها من الشعوذة فإنها كانت تبرز إقبال صديقاتها عليها، وتبرز كيف أن الحب هو موضوع حديثهن: وأنهن لا حديث لهن إلا كيفية إسقاط الرجل ، وكيفية الحفاظ عليه إن سقط في الشرك تتساءل شوافة في مكر: (هل هناك من لا تحب الرجال ؟ ولا تحب ذلك الشيء؟؟) [10] ، فالمشعوذات يوهمن كل غير متزوجة بأنها مسحورة، وأن المشعوذة قادرة على إبطال سحرها فنراها تستدرج البطلة بقولها:(عندك سحر ،أيتها الغزال ،اسأليني أنا ، تعالي لكي أبطله لك ...)
إن الرواية تعترف بانتشار الشعوذة في المجتمع وأن الظاهرة ( ليس إشاعة بالطبع ولكنه تهول بشكل مقنع وضار، ويؤذي في السمعة مما جعلنا كأننا وحدنا في العالم نمارس هذا الطقس الإنساني المشترك)[11] ولتصحيح الوضع نصبت ربيعة ريحان الساردةَ فوزية محامية للدفاع عن سمعة المغرب فنراها تارة تهوّن من الظاهرة ( لسنا مسجلات في باب (خطر جدا) ولسنا في أدغال إفريقيا) .. وتارات أخرى تبرز أن معظم المغربيات لا تولين أهمية للشعوذة: (منا الكثيرات اللاتي يعشن كارهات لتجاربهن الزوجية لكنهن غير مقتنعات بالانتماء إلى تلك الجوقات التي تطبل للغباء ) وأحيانا أخرى تلقي باللوم على الأحكام المسبقة والإشاعات التي تكرست في عقل الآخر عن المغربيات انطلاقا من بعض الحالات:(إننا ابتلينا في الخارج بتلك الصورة المخجلة عن كوننا منفتحات جدا منفتحات فقط ؟؟ ! بل يصفوننا بالعاهرات لأن منا ذلك الكم الهائل من البنات اللائي يذهبن إلى تلك الجنات المقيتة في الخليج للفجور)[12]
يبدو أن هم الكاتبة كان محاولتها الدفاع عن العلاقات التي تنشأ عبر التواصل الافتراضي وفي ذلك إشارة إلى علاقة المبدعين بهذا العالم الحديث الذي انتشر بسرعة وجعل كل المهتمين بالمجال الإبداعي - حتى أشدهم رفضا له، ينجذبون إليه وينتصرون له، وبيد أننا وجدنا البطلة تمتعض من بعض التعليقات والرسائل الإليكترونية و المعاكسات وتصف بعض مظاهر الشذوذ في هذه العوالم كقولها : ( الرجل الذي يتصل بي على مدار الساعة ويضايقني ، لا يستحيي من اعتذاراتي المتكررة .. يدخل مباشرة في غزل فج وكلمات جنسية ماجنة . أرمي التليفون بعيدا عني .. ويصلني فحيح أنفاسه ولهاته كأنما يمارس الجنس مع امرأة في السرير هؤلاء شواذ من نوع آخر)[13] فإن ذلك لم يصل إلى مستوى الشذوذ الذي شاهدته من زوجها على أرض الواقع فاعتبرت اكتشافها لشذوذ سمير ضربة قاضية :(الضربة القاضية التي جاءتني من سمير .. كانت عبارة عن ملابس داخلية حريرية للرجال أخفاها بشكل ماكر بين طيات ملابسه فعثرت عليها بالصدفة كما عثرت على تلك الصفائح الصغيرة من الحشيش ذات يوم) بيكيني أحمر رجالي بالدنتيل ؟؟ومنديل عنق حريري وأكسسوارات ، أشياء من النوع الذي يرتديه أصحاب البورنو ) [14]
اكتشافها لشذوذ الزوج الذي أحبته واختارته رغما عن أسرتها أدخلها في دوامة من الحيرة والشك ، وجعلها تتخيل سميرا في وضعيات مهينة وتتساءل : هل يكون سمير لواطيا يضاجعه الرجال ؟؟ هل يضع سمير الكريمات وأحمر الشفاه كلما خلا به رجل ثم يتدلى ويتهادى ، ويفعل كل الأمور الخاصة التي تفعلها النساء؟؟ ولماذا يذهب به الحال إلى أن يرمي نفسه تحت أفخاذ الرجال ؟؟ وإذا كان كذلك لماذا جنى علي وتزوجني؟؟
يستنتج من خلال رواية طريق الغرام أن الكاتبة حاولت فيما يشبه سيرة ذاتية إماطة اللثام عن موضوع يدخل ضمن الطابوهات ، وأنها تعاملت معه بحذر شديد خائفة من تكريس ما يشاع عن المرأة المغربية ، فجعلت البطلة حذرة في ردودها وتعاليقها حتى في قمة الهزل تقول عندما غازلها سمير مرة تقول (خطر ببالي أن أرد عليه متهكمة بعنوان سكيتش (الزين والبنزين) لكنني لم أفعل كان في ذلك إشارة إلى العهارة المغربية بالخليج)[15] كما أن البطلة لم تتوان لحظة في إعلان رفضها وشجبها للشعوذة، فقدمتها الرواية في صورة المرأة العفيفة الطاهرة الخجولة المجتهدة والناجحة في مشوارها الدراسي، المرأة التي تقطر رومانسية وتفيض شاعرية القليلة التجربة التي لم تعرف رجلا قبل زواجها المخلصة لزوجها رغم شذوذه وإدمانه ، الخافضة لصوتها الكاتمة لأسرار بيتها فهي لم تكلم أحدا بما يدور بينها وبين زوجها رغم تعنيفه لها، تعتبر الجرأة قلة حياء لذلك تقول عن نفسها (إن أي حس بالجرأة لم أكن أمتلكه)
إن رواية طريق الغرام رواية رومانسية من نوع خاص ، لأنها بنيتي على التقابل بين واقع مرفوض كل ما فيه ينبئ بالفشل ، وواقع منشود تطير في سمائه طيور المحبة، يفيض من الحب والشعر
وبذلك تكون الرواية قد نجحت في إدخال ربيعة ريحان إلى عالم الرواية العربية المعاصرة، وأن كان طابع القصة القصيرة لا زال يشدها إليه ، فقد انطلقت الرواية بقوة وجرأة لكن سرعان ما دخلت في تمطيط الفكرة فكانت الرسائل بين يوسف و فوز استطرادا مملا في الكثير من مقاطع النصف الثاني من الرواية، كما أن طول النص جعل الكاتبة المعتادة على القصص القصيرة تخلط في كثير من المرات بين سمير ويوسف كما في هذا المقطع ( إذا كان يوسف الذي أحببته وتزوجته .. قد تنكر لي بكل قوة وأذاقني العذاب فما الذي يمكن أن أتوقع من رجل بعيد وغريب يعرض صداقته وحبه على النيت)[16] والأكيد أنها تقصد سمير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق