صوته الهادر يُرجف أجسام الفلاحين الأُوجَريَّة, العاملين في أرضه..
لايتورع عن نزع ورقة التوت عن ماتبقى من سوءة حيائنا, أما الغرباء..
قدومه بمثابة جحيم, لم يألفه الجميع خلال سنوات متعاقبة, فمازالت الغصة ذاتها, تجتاح حلوقهم, كلما نالت منهم أحجار تقريعه, وسخريته..
"العجيزي"؛ أضعف من تلتقي في حياتك, يرتعش رعشة بادية, كلما انطلق عيار ناري بإحدى مناسبات بالقرية..
يحيط نفسه بِلفيف من الحراس الموكلين بصرف الفقراء المدقعين من سؤاله شيئًا..
يكنز القرش فوق القرش.. و المليم على المليم..
مخازنه متخمة بالغلال..
و رقعة أراضيه تتسع, و تتسع كل عام, دون أن يُخرج زكاتها, رغم نصح أهل التقى له بضرورة إخراج الزكاة !!!
ماقدَّم لضيوفه طعامًا؛ حتى استدر منهم أضعاف ما طعِموا في بيته, فهو لايعرف معنى الخسارة !
يجلس فوق أريكته, يراقب كل شاردة, وواردة, تدخل أو تخرج من داره..
يعد الماشية.. و الدجاج, و الأوز, و البيض الذي ترقد عليه بعض الدجاجات, ثم يعد الكتاكيت,
و إذا نفقَ كتكوت رغم برودة طقس الشتاء؛ أقام الدنيا, و لم يقعدها, و سبَّ الرائح, و الغادي من العاملين في داره, و حقوله ..
يصرف ناظريه بناحية خاوية, ويغمض عينيه في ارتعاب, كلما رأى زوجته "شامة" ــ التي لم تكترث لزجره, و أمره, فتتناول ماتشتهي نفسها من خيرات الدار ــ بينما تذبح دجاجة, أو دكر بط, ولكنه سرعان مايثور عليها:
ــ نظِّفي حوش الدار, هناك بعض أعيان البلد قادمون بعد قليل.. أسرعي يا ثقيلة..
يتمرغ "العجيزي" في ثراء لايستحقه, و يصول, و يجوال, داهسًا من دونه مالًا, و أملاكًا,
تلقي "شامة" بِــ دكر البط أرضًا, يظل الطير السابح في دمائه, يتقافز, فتضحك "شامة", فيما تحدج زوجها الجِعجاع بنظرةِ تُشعره بالبرودة بظهيرةٍ قائظة, و تقول:
ــ يرف بجناحيه, و يتمرغ بالتراب.. حلاوة روح..
ترتعش شفتا الزوج ذي الجسد المكتنز, وهو يغمغم متحسسَا عنقه:
ــ ياروح مابعدِك رُوح !!!
فتنصرف المرأة, بجسدها المترجرج, من أثر اللحم, و الشحم, وهى تغني:
ــ ياطير يا ملاوع
مسيري ادبحك و ارتاح..
يا ناسي أصلك؛
يا حدَّاية, خدِت سِت المِلاح..
هاجيب رقبتك؛
و الغمة عن داري؛ راح تنزاح..
يرقبها "العجيزي" هلعًا.. ثم يعود إلى اضجاعه, بساحة البيت الذي ورثه عن أبيه عن جده.. دون أن يبذل جهدًا, أو تنساب فوق جبينه قطرةً من عرق..
و يمر أمامه شريط ذكرياته, منذ رأى "شامة", سِت الحُسن, و الجمال, بأحد الأفراح, ومن ثمَّ يفاتح أباه في زواجه منها..
لم يرد أبوه طلبه, فهو الولد الوحيد, بين إثنى عشر بنت, بينما أعربت العروس المرغوبة عن رفضها لأبيها, قائلة:
ــ مابقي سوى هذا القصير السمين الذي يطلب يدي !
ولكن المهر الذي قدمه "فيَّاض", والد العجيزي, كان كفيلًا بإرغام "شامة" على الإذعان لكلمة والدها "عزَّازي" !
وبقي فمها مقفلًا حتى وافتْ "عزَّازي", المنية !
كم تزوج "العجيزي", من نساءٍ؛ لعله يرى ولدًا من صُلبِه.. ولكن هيهات له أن يسعد بما تمنى, فقد مات "فيَّاض", دون أن تكتحل عيناه بمرأى حفيدًا له !
كل هؤلاء النسوة اللواتي تزوج بهن "العجيزي", قد طُلِّقن.. فيماعدا "شامة", تلك المرأة الوحيدة التي لم يُطِق فراقها, مع علمه التام ببغضها له !
لم يبدُ على "شامة", تأثرًا بفراق أبيها, تلقت كلمات المواساة بهدوء, و أسكتت النائحات المُجامِلات, بعين غاضبة..
قبعتْ "شامة" في دار أبيها, مرتاحة من وجه "العجيزي", المنتفخ زهوًا, رغم خوائه من أدني سمات الرجال !
طالعت بالمرآة ذات صباحٍ, جسدها المُهمل, ووجها الذي احتلته التجاعيد, و سنواته المنفرطة بلا احتواء, و لا ولد ..
لولا بعض الفلاحات اللواتي تؤنسن وحدتها, و تعاوننها لقاء سلة من البيض, أو خُرج من الدقيق, أو الخبز, لطاش عقلها ..
لم تمضِ ثلال ليالٍ, على رحيل "عزازي", حتى ضجتْ القرية, بنبأ غرق "العجيزي", بالمصرف القبلي, حيث تتكدس النفايات !
ــــــــــــــــ
أسماء الصياد
لايتورع عن نزع ورقة التوت عن ماتبقى من سوءة حيائنا, أما الغرباء..
قدومه بمثابة جحيم, لم يألفه الجميع خلال سنوات متعاقبة, فمازالت الغصة ذاتها, تجتاح حلوقهم, كلما نالت منهم أحجار تقريعه, وسخريته..
"العجيزي"؛ أضعف من تلتقي في حياتك, يرتعش رعشة بادية, كلما انطلق عيار ناري بإحدى مناسبات بالقرية..
يحيط نفسه بِلفيف من الحراس الموكلين بصرف الفقراء المدقعين من سؤاله شيئًا..
يكنز القرش فوق القرش.. و المليم على المليم..
مخازنه متخمة بالغلال..
و رقعة أراضيه تتسع, و تتسع كل عام, دون أن يُخرج زكاتها, رغم نصح أهل التقى له بضرورة إخراج الزكاة !!!
ماقدَّم لضيوفه طعامًا؛ حتى استدر منهم أضعاف ما طعِموا في بيته, فهو لايعرف معنى الخسارة !
يجلس فوق أريكته, يراقب كل شاردة, وواردة, تدخل أو تخرج من داره..
يعد الماشية.. و الدجاج, و الأوز, و البيض الذي ترقد عليه بعض الدجاجات, ثم يعد الكتاكيت,
و إذا نفقَ كتكوت رغم برودة طقس الشتاء؛ أقام الدنيا, و لم يقعدها, و سبَّ الرائح, و الغادي من العاملين في داره, و حقوله ..
يصرف ناظريه بناحية خاوية, ويغمض عينيه في ارتعاب, كلما رأى زوجته "شامة" ــ التي لم تكترث لزجره, و أمره, فتتناول ماتشتهي نفسها من خيرات الدار ــ بينما تذبح دجاجة, أو دكر بط, ولكنه سرعان مايثور عليها:
ــ نظِّفي حوش الدار, هناك بعض أعيان البلد قادمون بعد قليل.. أسرعي يا ثقيلة..
يتمرغ "العجيزي" في ثراء لايستحقه, و يصول, و يجوال, داهسًا من دونه مالًا, و أملاكًا,
تلقي "شامة" بِــ دكر البط أرضًا, يظل الطير السابح في دمائه, يتقافز, فتضحك "شامة", فيما تحدج زوجها الجِعجاع بنظرةِ تُشعره بالبرودة بظهيرةٍ قائظة, و تقول:
ــ يرف بجناحيه, و يتمرغ بالتراب.. حلاوة روح..
ترتعش شفتا الزوج ذي الجسد المكتنز, وهو يغمغم متحسسَا عنقه:
ــ ياروح مابعدِك رُوح !!!
فتنصرف المرأة, بجسدها المترجرج, من أثر اللحم, و الشحم, وهى تغني:
ــ ياطير يا ملاوع
مسيري ادبحك و ارتاح..
يا ناسي أصلك؛
يا حدَّاية, خدِت سِت المِلاح..
هاجيب رقبتك؛
و الغمة عن داري؛ راح تنزاح..
يرقبها "العجيزي" هلعًا.. ثم يعود إلى اضجاعه, بساحة البيت الذي ورثه عن أبيه عن جده.. دون أن يبذل جهدًا, أو تنساب فوق جبينه قطرةً من عرق..
و يمر أمامه شريط ذكرياته, منذ رأى "شامة", سِت الحُسن, و الجمال, بأحد الأفراح, ومن ثمَّ يفاتح أباه في زواجه منها..
لم يرد أبوه طلبه, فهو الولد الوحيد, بين إثنى عشر بنت, بينما أعربت العروس المرغوبة عن رفضها لأبيها, قائلة:
ــ مابقي سوى هذا القصير السمين الذي يطلب يدي !
ولكن المهر الذي قدمه "فيَّاض", والد العجيزي, كان كفيلًا بإرغام "شامة" على الإذعان لكلمة والدها "عزَّازي" !
وبقي فمها مقفلًا حتى وافتْ "عزَّازي", المنية !
كم تزوج "العجيزي", من نساءٍ؛ لعله يرى ولدًا من صُلبِه.. ولكن هيهات له أن يسعد بما تمنى, فقد مات "فيَّاض", دون أن تكتحل عيناه بمرأى حفيدًا له !
كل هؤلاء النسوة اللواتي تزوج بهن "العجيزي", قد طُلِّقن.. فيماعدا "شامة", تلك المرأة الوحيدة التي لم يُطِق فراقها, مع علمه التام ببغضها له !
لم يبدُ على "شامة", تأثرًا بفراق أبيها, تلقت كلمات المواساة بهدوء, و أسكتت النائحات المُجامِلات, بعين غاضبة..
قبعتْ "شامة" في دار أبيها, مرتاحة من وجه "العجيزي", المنتفخ زهوًا, رغم خوائه من أدني سمات الرجال !
طالعت بالمرآة ذات صباحٍ, جسدها المُهمل, ووجها الذي احتلته التجاعيد, و سنواته المنفرطة بلا احتواء, و لا ولد ..
لولا بعض الفلاحات اللواتي تؤنسن وحدتها, و تعاوننها لقاء سلة من البيض, أو خُرج من الدقيق, أو الخبز, لطاش عقلها ..
لم تمضِ ثلال ليالٍ, على رحيل "عزازي", حتى ضجتْ القرية, بنبأ غرق "العجيزي", بالمصرف القبلي, حيث تتكدس النفايات !
ــــــــــــــــ
أسماء الصياد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق