اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

مأساة صديقي الثري ... *متولي محمد متولي

⏪⏬
كل مرة كنت أقسم ألا أعود إليه مرة أخرى مهما حدث، وكنت أعرف أنني سأحنث في قسمي! وما أكثر ما عاتبتني زوجتي لدرجة أنها كانت تصرخ في وجهي من شدة الغيظ :
- أين كرامتك .. .. أين كبرياؤك ؟!
وكان ردي جاهزا دائما، مثل وجبة ( تيك أوي)، وكان يجري على لساني رغم ضجري منه؛ فليس أمامي تبرير آخر:
- لا كرامة لمن يسمع أبناءه وهم يضجّون من الجوع .. .. لا كبرياء للفقراء أمثالي !
صحيح أنني أعمل منذ سنوات في ورشة كبيرة لتصنيع الأثاث؛ لكن الأجر الذي أناله لم يعد يكفي احتياجات أسرتي منذ أن ولّى العهد الذهبي للنجارة! وبدأت الكثير من الورش تغلق أبوابها، وهرب أربابها فرارا من الغارات الشعواء للفقر، والجوع الأسود ؛ ولجأوا إلى مهن أخرى؛ فاشتغل الكثير منهم في المقاهي والمطاعم التي انتشرت، وحلت محل الورش، بينما آثر البعض أن يسافر ، ويبتعد عن طوفان الكساد الذي ظهرت نذره في الأفق!
تغيرت الدنيا، وما كان يكفينا بالأمس أسبوعا كاملا ، أصبح الآن لا يكفي إلا يوما واحدا ! حاولت بشهادتي أن أفوز بوظيفة؛ تحفظ لي ماء وجهي في هذه الأيام الكاسرة، لكن من كان بلا ظهر مثلي، فليس له إلا مصمصة الشفاه!
كنت أعود من شغلي خائر القوى، كثور الساقية الذي لا يكف عن الدوران، فأجلس بين زوجتي وأولادي عشاء ًلنتناول الغداء! وكأننا نجمع بينهما جمع تأخير! وعندما كانت الورشة تغلق أبوابها لأي سبب؛ كنت لا أنجح إلا في توفير وجبة واحدة فقط ، و بصعوبة بالغة !
حتى ظهر هذا الشخص في حياتي! قابلته في حفل توزيع جوائز القصة، فقد كانت الكتابة هوايتي ، أقضي وقتا طويلا من الليل في كتابة بعض الخواطر أو القصص وكنت قد اشتركت في مسابقة متواضعة للقصة ، ورغم معرفتي مسبقا بأن مبلغ الجائزة تقريبا مساوٍ لما سأنفقه في كتابتها على الكمبيوتر ، وتحميلها على اسطوانة، وطباعتها، وتصوير النسخ المطلوبة منها؛ إلا أنني كنت مصرا على الاشتراك ؛ فقد كنت في أمس ِّ الحاجة إلى بعض الدعم المعنوي الذي أفتقده بشدة وأنا وسط طوفان الحياة المادية الجارف !
وبالفعل منحتني الجائزة - رغم ضآلتها – بعض الثقة المفتقدة ، وأكثر من ذلك فرحة زوجتي وأولادي في هذه الليلة السعيدة ؛ حتى إنني شعرت بهرمون السعادة يتدفق في شراييني بكميات كبيرة !
و قبل انتهاء الحفل بقليل ، خرجنا من قاعة الفندق الذي لم أدخله في حياتي إلا هذه المرة اليتيمة ! ثم انطلقنا للاستمتاع بفسحة مميزة في رأس البر؛ التي حُرمنا من الذهاب إليها منذ سنوات بسبب الظروف المادية الخانقة ! وقبل أن نبتعد فوجئت به يتوقف بسيارته الفارهة ، ويعرض علي َّ توصيلنا حتى باب البيت ! لم أعرفه رغم أنه كان عَلما من أعلام البلد! أخبرني أنه كان في الحفل ، وأنه معجب جدا بقصتي وبأسلوبي في السرد ، وأنه يرغب في مناقشتي بخصوص قصتي الفائزة ، وأعطاني كارت التعريف الخاص به ، وأخبرني أنه سيكون في غاية السعادة إذا شرفته في معرضه ! وظل يمدحني ، ويثني علي طريقتي في الكتابة وأنا وسط زوجتي وأولادي مثل البالون الذي يوشك أن ينفجر من شدة النفخ فيه !
شكرته ، وذهبت بأسرتي الصغيرة للتنزه في ( الجربي ) متجهين نحو ( اللسان ) بمحاذاة النيل ، كانت ليلة من أجمل ليلات حياتي ، كدت أطير فيها من السعادة ، وأنا أرى الفرحة تطل من عيون زوجتي وأولادي .
في اليوم التالي ، وبعد أن أنهيت عملي في الورشة ذهبت إليه في العنوان الذي ذكره لي ، والمكتوب على الكارت ، وعلى الرغم من ملابسي التي تبوح بأنها قديمة جدا ، والنشارة التي تعفرها وتعفر شعر رأسي ووجهي ؛ فقد رحب بي ترحيبا كبيرا وكأنني عريس جاء يطلب يد ابنته ! مع أنني عرفت بمرور الأيام أنه ليس له إلا ولد وحيد في طور الشباب ، و أن ولده هذا بمجرد أن أتم تعليمه سافر إلى لبنان !
دارت الأيام ، وصديقي الجديد الثري يُظهر لي الود الشديد ، ويدعوني باستمرار إلى مجلسه الفخم الذي كان لا يجالسه فيه إلا علية القوم، وكان يقدم لي كل ما لذ وطاب من الطعام والشراب ، والعجيب أنني لم أره يوما يتناول قطعة واحدة من الحلويات ! عرفت بعد ذلك أن كبده تالف ؛ وأنه سيجري عملية زراعة كبد ، وأن المسألة مسألة وقت وسبب التأخير عدم وجود متبرع أو كبد مناسب له !
وكنت أفاجأ به كل يوم ؛ يأمر أحد عماله بتجهيز علبة كبيرة مليئة بالفطير والبريك وبعض الحلويات ؛ وينفحني بها بعد انتهاء الأمسية ؛ وكنت أدخل على زوجتي وأولادي المحرومين ، فيكادون يحملونني من على الأرض حملا !
مرت الأيام ونحن على هذه الحال ، وأحيانا عندما كانت الورشة تغلق أبوابها ؛ كنت أقترض منه ، وكان لا يتأخر في إقراضي ، رغم أنني كنت أسمع أصدقاءه ، وعماله يصفونه بالبخل الشديد !
أصبحت الأمسية ثابتة في برنامجي اليومي ؛ لا يمنعني عنها تعب ولا مرض ! وذات مساء تشجعت وطلبت منه أن أعمل عنده في المصنع مجرد عامل ، أو في أحد محلات البيع بائعا أو ( كاشير ) ، كنت واثقا من أنه لن يرفض طلبي ؛ لكنه رفض وبشدة ، وتعلل بأننا أصدقاء ، وأنه يعتبرني أخاه الذي لم تلده أمه ، وأنه يتحرَّج من أن أعمل عنده ، فالعمل عنده - على حد قوله - أشغال شاقة !
كانت صدمة كبيرة لي ؛ فلم أتوقع بعد كل هذا الترحيب أن يرفض اشتغالي عنده ، لا سيما أن الورشة أصبح العمل فيها نصف يومية فقط ، وكثيرا ما كانت تغلق أبوابها
رغم ذلك ، ظللت أذهب إلى أمسياته التي كان يفتتحها دائما بقوله المعتاد :
- ما الجديد .. .. ( يا أبو زيد ) ؟
كان يحاول التحدث بالفصحى مع أنه - كما عرفت من مخالطتي له – لم يكن يجيد القراءة والكتابة ، والشهادة الوحيدة التي حصل عليها – كما أخبرني هو بنفسه – هي شهادة محو الأمية التي اضطر لشرائها بالمال ليتمكن من استخراج رخصة قيادة !
كنت أروي له قصصي التي ألفتها ، وكان اهتمامه الكبير الذي يبديه يشجعني على أن أسرد حتى أدق التفاصيل ، وفي كل مرة كان يدور بيننا نقاش جيد حول ما أسرده له من قصصي ، والعجيب أنني أحيانا كنت أذهب إليه خاوي الوفاض ، ولكن بمجرد أن يبادرني بسؤاله العجيب :
- ما الجديد .. .. يا ( أبوزيد ) ؟
أجد سماء الإلهام قد فتحت أبوابها ، وأفاجأ بلساني يسرد وقائع قصة جديدة وليدة اللحظة !
وكنت أحكي لزوجتي كل صغيرة وكبيرة ، ومن العجيب أنها كانت تحذرني منه ، بل وتطلب مني الابتعاد عنه ، لدرجة أنها كانت تقول لي :
- يا ( أبو زيد ) ! التجار فجار ، وهذا الرجل لم يرحب بك ،ولم يصاحبك رغم فقرك إلا لأنه يطمع من وراء كل هذا في شيء لا تعرفه !
ضحكت من كلامها كثيرا ، وقلت لها :
- الرجل الغني .. .. يطمع في العبد الفقير .. .. فيما سيطمع ؟ هو فقط معجب بطريقتي في الكتابة .. .. إنها هواية .. .. مجرد هواية ، مثل ملايين الناس الذين يحبون مشاهدة كرة القدم أو المصارعة !
فوجئت بها ، تداهمني بكلمة وقعت على رأسي مثل صخرة صلدة ، وتقول لي :
- ربما يريد سرقة قصصك !
- ها ها .. .. يسرق قصصي .. إن معرفته بالقراءة والكتابة ضعيفة جدا .. .. لا .. لا .. ثم إنه صاحب أكبر مصنع للحلويات ، ولديه الكثير من الأموال .. .. فلماذا يسرق قصصي ؟!!
جرى الكلام على لساني ، دون تدخل مني ، لا أدري كيف حدث ذلك ، فقد كنت أحاول إقناعها ، بينما كانت قناعتي أنا تتحول إلى قطعة جبن مليئة بالثقوب !
رغم انتهاء الحوار إلا أن كلمة ( سرقة ) ظلت تتردد ، وظل صداها يعلو في رأسي ، حتى كادت رأسي تنفجر ، فلم أنم ليلتي تلك ، وخرجت أبحث عن ( سايبر ) وأنا أعرف أن مثل هذه المحلات لا تغلق أبوابها إلا فجرا ! طلبت من صاحب ( السايبر ) أن يبحث لي عن صفحة صديقي الثري على ( الفيس بوك ) وأخبرته اسم الصفحة ، فرغم أن صديقي لم يكن يطلعني على هاتفه المحمول الذي لم يكن يفارق أصابعه لحظة ، إلا أنني لمحت اسم صفحته ذات مرة !
غامت عيني َّ ، وأحسست بطعم الدم في فمي وأنفي ، وأنا أشاهد قصصي بحذافيرها مكتوبة ، وموثقة باسمه هو ! ربما لو كانت صدمتني مقطورة كبيرة ، ما كنت شعرت بكل هذه الآلام المبرحة التي انتشرت في رأسي ، وبدأت تصل إلى قلبي !
مرَّت هذه الليلة على َّ وأنا شبه ميت ! ولم أخبر زوجتي بشيء ، خشيت أن تصاب بالجلطة التي كنت أشعر بأنني على وشك أن أصاب بها !
وطلع النهار وليس في جيبي من المال حتى رائحته إن كانت له رائحة ؛ فخرجت أدور في الشوارع مثل المتسولين ؛ فالورشة مغلقة ! والأولاد يتضورون جوعا ؛ وقبل موعد الأمسية اليومية وجدتني أجلس في مكاني المعتاد ! رأيتني أجلس أمامه كالأبله ! والعجيب أنه لم يسألني سؤاله المعتاد ، بل بادرني بقوله :
- لدي قصة .. .. أريدك أن تكتبها لي بأسلوبك الجميل .. .. إنها قصة واقعية .. ..
وبدأ يحكي حكايته .. .. كنت متعبا جدا بسبب سهري طول الليل ، ورغم ذلك أخذت أنصت لما يقول ، فوجئت به يخبرني بحكاية ابنه الوحيد الذي تركه وسافر إلى لبنان ، أخبرني أنه كان ينتظر أن ينهي ابنه تعليمه حتى يساعده في إدارة أعماله في المصنع والمحلات ؛ ولكن ابنه كان له رأي آخر ، كان يريد أن يبدأ من الصفر فطلب من والده مبلغا من المال ليبدأ مشروعه، وبالطبع رفض، فما كان من الولد إلا أن سافر، وترك له البلد!
قال أنه كان يراسله ، ثم بعد فترة انقطعت أخباره! لقد فعل الكثير ليصل إليه؛ أبلغ السلطات المسئولة في مصر، وفي لبنان، بل ودفع لشركة أمن خاصة للبحث عنه، وحتى الآن لم يعثر له على أثر!
إنه فقط يريد رؤيته قبل أن يذهب لعمل عملية زراعة الكبد ، فقد أخبره طبيبه أنهم أخيرا عثروا على كبد مناسب له ، والعجيب أن العملية ستتكلف مائة ألف ، إنه نفس المبلغ الذي طلبه منه ابنه من قبل ليبدأ مشروعه الخاص !
أخبرني أيضا أن طبيبه يقول له أنه محظوظ جدا ؛ لأن تحاليل الكبد الذي سيزرع له تؤكد أنه يناسبه جدا بصورة لا تحدث إلا عندما يكون المتبرع قريبا له من الدرجة الأولى !
رأيت دموعه لأول مرة وهو يقول لي أنه تعيس جدا ، لأنه سيكون بين الحياة والموت ، بينما هو لا يعرف عن ابنه الوحيد أي شيء !
سهرت أسابيعا في كتابة القصة ، ولم أستطع إنهاءها ؛ فقد كنت حريصا على أن أكتب نهاية تعجبه ؛ لكن قلمي كان دائما يأبى ذلك! ليس انتقاما منه، ولكن لأن السياق كان دائما يجرفني كالشلال نحو نهاية مفزعة لا أستطيع تغييرها !
فكلام الطبيب عن الكبد الذي تظهر التحاليل أنه مناسب له تماما، وكأنه جاء من متبرع قريب له من الدرجة الأولي، مع اختفاء ابنه الوحيد بهذه الطريقة الغامضة في جبال لبنان؛ لم يتركا لي خيارا آخر !
بعد تماثله للشفاء ، ابتعدت شيئا فشيئا حتى لا يسألني عن القصة، فقد كنت أخشى أن يفلت لساني ويبوح بما يراودني من أفكار رهيبة عما حدث لابنه، لقد ألقيت بهذه القصة في أحد أدراجي؛ لكن ها هي ترى النور لأول مرة بعد أن ظلت حبيسة أكثر من عشر سنوات، لقد قررت أخيرا أن أشارك بها في إحدى المسابقات، بعدما علمت برجوع الابن الضائع من لبنان!
-
*متولي محمد متولي بصل
دمياط

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...