⏪(1)
الودّ لا يعني أن يتعلق ثوبك بغصن الشجرة الرّخو، والشجرة تسهو عن فكرتك، قبل الوقوع، وتلهو بوثيق الثبات للأناس المُعلَقِين في الهواء، مثل: ذكرياتنا الغريبة، والمؤلمة، تتماسك في الفراغ أكثر من كفوف التذكر، والتعقل، التي تثبّت الحدود، كي لا تتماهى ولا
تتنصل، الأناس ذكريات، متجسدة مثل نهر في لوحة، يوحي بالسيلان، لكنه صلبٌ في مكانه مثل غصة في الكلام، تقف أمام المعنى وقوف السلطان في عين رعيته.
الودّ أن أقتل الأصدقاء دفعةً واحدة، وكيف يبقى الجسد نابضًا دون دمِه؟! هكذا أسأل في غيبة عن المعنى، وهكذا تنفض عمان آخر وجه فيها، لتمّحي مثل ورقة منسية في حقيبة.
(2)
كان الأصدقاء قديمًا عونًا في السفر، وحماية من غلب الطريق ووحشته، وأنسًا للوحيد، وندماء للحيارى والحزانى، كان الصديقُ جملًا وحصانًا وقمرًا في سماء الصحراء، وكتابًا للعارف، وعارفًا للناظر، وثقبًا للمعرفة، ومريدًا، يلحق بالمعلم في خلوته ليأخذ منه بصيصَ علمه، وسرًّا من أسراره، كان لا يستقيم القدم بلا رفقاء، خوفًا من ناب الوَحدة، وعجز البدن عن مجابهة الخوف الكبير، والقوة المتكالبة، لم يخلق المرء وحيدًا ليمشي دربه وحيدًا، الوحدة تعني الصراع، والصرْع، والصداقة تعني الحماية من الوقوع في شرك الغابة.
(3)
لم يزل الصديق يواجه ضباب الزمان، وتكالب ذاته عليه، لكن لسانه سيف، والكلام صون وصيانة، والكلام فخ للشقاء، وهدر للمعنى على حواف الفراغ، من أين لنا بصديق لا يتكلم لكن يقول؟ تنسى عمان الكلام في المطر، فتغسل كل ما مضى منه على وجوه الأصدقاء، بجبالها ومدرجها، وقلعتها، فتشرق شمسها على مقولات جديدة عن الحب والصداقة والتطهير، ويفوز الرسامون، والشعراء ممن يجيدون القول، ونسيج المعنى بما يلائم الخيبة، والجرح.
*حلا السويدات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق