اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

كَأنَّها قصَائدُ مُوَدِّع!.. قراءة في ديوان " مَنهجٌ مُختلفٌ لِلجنُون "

*محمد أبوالدهب
كتبَ الشاعرُ ربيع عبدالرازق ديوانَه (منهج مختلف للجنون) الصادرَ عن الهيئةِ العامةِ لقصورِ الثّقافةِ بمصرَ واضعاً به آخِر لَبِنةٍ في جدارِه العازلِ المعزول، الذي لم يجدْ مفرّاً من إقامته، بعد أن طال صبره واستفحل إمهاله، ليرتاحَ وإنْ قليلاً. جدارٌ يمنع عنه لعناتٍ تطَّوّح من الجهاتِ الأربعَ، كأنما بشكلٍ عشوائيّ، غير أنها مُنظَّمةٌ أكثر مما يجب، تعرفُ هدفَها الغافلَ عنها، وتُصِيبه دوماً في مَقاتِلَ سَهْلة. لكنّ ربيع عبدالرازق لم يُؤدِّ جلسة استراحته، مُحتمياً بجداره، مداوياً ندباته المستعصِية علي الإحصاء، إلا بعد أن أَعملَ شِعرَه في الجميع، فأطلق قصائده مُنتقمةً فتّاكةً صرَّاعة، لاعِنةً ملعونة، ولن أعتذر عن التجائي لهذه النعوتِ الفائضةِ بطاقاتٍ سلبيّة، والتي قد يتحرّج حارسو قبورِ
وَهْمِهم الشِّعريّ من التّعاطي معها، فمَنْ قرأ الديوان عَرف، أو كما قال ربيع: (فمن سقط احترق/ومن سما انتمي/ومن وعي التحم).. قصائد كأنها كُتِبَتْ في وادٍ من وديان جهنّم، كأنها أعمالٌ سِحريّةٌ سُفليّة مُخبّأةٌ منذ آلاف الأعوام في جوف سمكةٍ تائهةٍ في المحيط أو تحت لسانِ ميّتٍ تحلّلتْ جثّتُه وضاع ضريحُه، أفرَجَ عنها الشاعرُ -ومعه، وحده، سِرُّ أسرارها- لأن وقتَها وجَبَ، لأن الفجيعةَ استوتْ وخرافةَ اللعبةِ انكشفتْ. وهي مع ذلك خالصةُ الشِّعر، شعريّتها غاديةٌ رائحة، مُذهِلة مذهُولة، ولغتُها خدّامةٌ مخدومة، تمدّ يدها فتأخذ من آثار الأوّلين، ثم -وكأنما تنبّهتْ فجأةً- تنفض يدها وتُدِير لهم ظهرَها وتروح ترتجلُ أثرَها الخاص، النّافِر. ولآخِر مفارقةٍ، نناظرُ شاعرنا واقفاً -شامخاً بشِعرِه المُطيع- يؤنّب ويوبّخ ويصفع، يجادل ويراجع ويحاسب، يماطل ويناور ويسوّف، يُشفِق ويرجو ويبكي، يزهد ويكتوي وينكفيء.... يرصّ مباديءَ منهجِه المختلفِ للجنون، والذي لا يفارقُنا الوجَل -قصيدةً فقصيدة- من أنْ يتلبّسنَا نحن، ويخرجُ هو سالماً بعد أن انتقم وأجزلَ شفاءَ روحِه، فاستندَ علي جدارِه عارفاً مآلَ أمرِه: (ادخلي بؤرة اللغز/واضربي سور الإبهام حواليك كما تبغين/وعلّقي في صدرك المحزون سورة الريح الغريبة/واقتاتي من الشجر الحرام/واستعصي علي النخل الكريم/وساعة العري اخصفي عليك أوراق عروقي/فأنا لباسك الأبدي).
بدا الشاعرُ كما لو أنّه كتبَ سِيرتَه الذاتيّةَ شِعراً، ويتعدّي مقصدي مجرّد السيرة الموازية أو المقاربة. وليس ذلك لأني أعرف خبَراً من تلك السِّيرة، لكنّ قارئاً بعيداً، من موريتانيا مثَلاً، سيراوده نفس الخاطر، سيُلحّ عليه خلال انتقاله بين القصائد، خاصة (شبرا بنت جهنم، منهج مختلف للجنون، الشكايات، أنا أكشف خرافة اللعبة فانتبهوا لي، حصار الهلاوس والهوامش، ليس عاراً كبيراً، وغيرها...) وسيكتبُ هذا الموريتانيّ -إنْ أرادَ- بعد انتهائه من قراءة الديوان حقّ قراءته (مُختصَر حياة ربيع عبدالرازق) دون أن نزعم أنه ذهبَ بعيداً بخياله!.. ولعلّ ما ساهم في اطمئناني إلي ما ذهبتُ إليه هذه الفَوْرة الاعترافيّة الناقِمة وغير المستسلمة -حتي في عِزّ لحظات الضعف- التي ساءل بها الشاعرُ وجودَه ذاتاً وموضوعاً، ثم تحوُّله بإشاراتٍ صريحةٍ مُسهَبة -لا يريد أن يترك شيئاً قيْد التأويل أو التخمين- إلي كلّ مَن تقاطعوا مع هذا الوجود، أو قاطعوه، كأنما يرسمُ خريطةً لحياةِ ما قبل الجدار، ينثر أشلاءَ سِيرته الأولي، ليبقي ما بعدَ الجدار له وحده: امرأةٌ سرقتْ حفنةً من أيامه لتهبَه نصيبها المقسوم من اللعنة: (تدلق علي روحي كل ثانيةٍ القناطير المقنطرة من الذبول).. نساءٌ ظهرنْ له واعداتٍ بطرد اللعنة فيضاعفْنها لأنهن وصلن متأخرات أو مذبذبات: (فأقول لها: هذا فراق بيني وبينك/يابنت يا نقطة الضوء الأخيرة في عين الخمسيني/إلا وجهي).. أصدقاء أتاهم سعياً فلفظوه هرولةً: (هذه المرّة حين تطفر صور الأصدقاء/أمام عينيه كسرب خفافيش/سيطردهم بكلتا يديه ويعرف/من أين ينبع الليل بالضبط) حتي الذين لم يهرولوا منهم لم يكن لديهم ما يقدّمونه: (لا يغرنك الهزائم التي تطفو من داخله.... ولا أصدقاؤه الذين لا يملكون سوي الإشفاق) لهذا لم يكن مفرٌ من أن يسوّي للجميع مصيراً واحداً: (ولما فرغت من تقطيع قلوب أصدقائي/الذين كومتهم إلي جانبي قطعاً متساوية.... عرتني الدهشة/من تلك المساحة الفارغة) وقد يجمع زوال حبيباته وكذبة أصدقائه في مرثيّةٍ واحدة: (ليس عاراً كبيراً أن تحكي لها/عن غروب الحبيبة/وعن الهواء الذي تبخه هذه الغربان/فيمسخ الأصدقاء حجارة).. تلاميذه في الفصل، يريد أن ينبّههم إلي القيود والأغلال التي كبّلته حتي يتفادوها، لكنّ قاذفاتِ اللعناتِ لا تمنحه الفرصةَ فلا يحمل لهم إلا نُذُر البوَار: (أشكو لكم أياما سودا ترقب خطاكم الخضراء/أنتم جراح آبائكم وأمهاتكم.... أنتم أكوام اللحم الحجة التي ندفن فيها جبننا.... اغرسوا نصال أسئلتكم الحادة في جلودنا/واقرأوا علي أرواحنا الصدئة/"وما لجرح بميت إيلام").. ابنته، دليل براءته واستبرائه، مَدّ مقاومتِه ووصوله، استحالتْ إحدي شكاياته لأن شياطين رحلتِه حرمتْه من أن يُسبغَ عليها عطايا الأب: (تعرفين: خطوات أبيك المكدودة لك وحدك/تعلقه بالبصيص الأخير في عينيه لكي يراك/أشكو إليك هرم بهجتي/وتكلّس روحي).. ويُعضّدُ ما ذكرناه بخصوصِ سِيرة الشاعرِ استحضارُه الحيويّ لإسمِه في كثيرٍ من القصائدِ (ربيع أو ابن عبدالرازق) مُتكلّماً أو غائباً أو مُخاطَباً، وأسماء عديد من أصدقائه مُعرّفة كاملة، وأسماء أماكن ارتادها أو أقام بها، أماكن فتحتْ له ذراعيها بآمالٍ كاذبة ثم طردتْه مصحوباً بلعناتها المدوّية!.. مدن وقري وأحياء صغيرة وكثير من الشوارع. ولنا مع شوارعه وقفة!
لن تخطيءَ عينُ قاريء (منهج مختلف للجنون) هذا الحضورَ الكثيفَ والملحّ والمتنوّع للشوارعِ علي مدار ثماني عشرة قصيدة، دون أن أقترفَ جريرة استقصاء مُعادِلها أو رمزيّتها لأنها كانت عند ربيع عبدالرازق أكثر حياةً وحيويّةً وفعاليّة من مجرّد اعتبارها قناعاً لدلالةٍ مغايرة.. وللتدليلِ علي ذلك – استبياناً إحصائيّاً كبداية- نراجعُ أسماءَ الشوارعِ المستحضَرة: (عطا، عالية، الكورنيش، الرشيد، الربايعة، الخضراوية، ناصر، عبدالحافظ) بخلاف استدعائها دون اسم أو نسبتها إلي مدنها ك(شوارع بنها) مثلاً، أو تعريفها بنعتٍ يناسبُ مقامَ دخولِها في القصيدةِ ك(الشارع الكفيف، الشوارع الذئاب، القبور الشوارع، عماء الشوارع).. وليس حضورُها استاتيكيّاً راسماً لحدود الموقف الشّعريّ من الخارج كشاهدٍ أصمّ علي تفجيرِ المكابدةِ واستجلابِ اللعنة. إنما جعله شاعرُنا فعّالاً مبادراً، متحكّماً وخدّاعاً، موسوساً وخائناً، وعنصراً أساسيّاً -من قبلُ ومن بعد- في شعريّةِ نصّه!.. فالشارع لا يدعُه يُنفّس عن قرفِه ويرميه سريعاً خارجَه: (كل يوم أتبادل التأفف/أنا وشارع عبد الحافظ/فيدفعني بأصابعه الباردة الوخّاذة).. وحين يعود إليه مرّة أخري يخيفُه ويتوعّده رغم قيودِه: (هذه المرّة بدا شارع عبد الحافظ كلباً/ينبح في وجهي وهو مغلول/وينادي المارّة: يا خنازير/فكّوا قيدي لأمزّق هذا الجسد الملعون) وهو الشرطيّ الذي يراقبُ ويتجسّسُ ويُوقِفُ ويحقّق: (وأنت معلق علي حافة الوقت/يوقفك شارع (عالية) كشرطي غليظ/ويبدأ قذف الأسئلة الحارقة) وهو الساخرُ والمتشفّي: (لأنك يا شارع (عالية) كنت تضحك ضحكة المخمورين/وأنت تري حافظتي تمنّي نفسها بكادر المعلم).. ولهذا كان طبيعيّاً أن يكون الشارع علي رأس قائمة مَن سيصرفُ إليهم الشاعرُ سبابه وانتقامه: (سيفقأ عين شارع الرباعيّة/إن سأله عن المرأة التي أطفأته/وانصرفت/ويقول له يا قميء).. لكنه لا يملِكُ الانخلاعَ الكلّيّ من علاقتِه المعقّدةِ بشوارعِه فيُضمّنها شكايته الموجّهة إلي روحِ أمّه: (أشكو إليك يا أم حوانيت الكتب/وشارع الكورنيش الذي يخاصمني).. وأبلَغ من ذلك أن يرفعَ شكايتَه إلي شارعِه نفسِه معاتباً برقّة راثياً لحاليْهما معاً: (أنت الذي شهدت انكساراتي كلها/ولم تربت علي قلبي ولو مرة واحدة.... ولكن عيالك يا شارع عالية حاصرونا/بأبجدية غريبة وباعوني/في صناديق الانتخابات/ويرقصون الآن علي جثتينا).. وتتأكد هذه النوبةُ الانفصاميّةُ مع شوارعِه حين تعلنُ شوارعُ بلدةٍ أنها تحبّه -أخيراً- لكنّ المفاجأة/"منهج جنونه المختلف" أنه لحظتها يحنّ إلي شوارع بلدةٍ غيرها: (ومرة قالت لي شوارع بنها أحبك جداً/فاشتعل الحنين إلي اسطنها).. وتردّ له شوارعُ بنها الصفعةَ فتبالغُ في إيهامِه وتشكيكِه حتي يَغرقَ أعمقَ في بئرِ جنونِه: (الشارع الذي يصرخ الآن في وجهه/يقول له: أنا لست شارع الكورنيش في بنها/أنا شارع الرشيد في بغداد).. وتُواصلُ إيهامَه والوسوسةَ له ليضعَ نهايتَه: (وأخبرتني الشوارع بالأمس/أن القارعة غدا أو بعد غد).. وحتي حين يفيق ويَقبلُ النهايةَ ويفضّ المسألةَ ويُتمّ بناءَ الجدارِ لا تكتفي منه الشوارعُ: (يخلع غيبوبته ويفتش عن لمسة دفء أو لمحة نور/يبتلع أحزانه وآهاته بشراهة/ويقول للشوارع التي تطأ قلبه بأحذيتها الحديديّة/هل اكتفيت؟/فتقول: هل من مزيد!).
ديوانُ (منهج مختلف للجنون) للشاعرِ ربيع عبدالرازق يُجبرُك علي قراءتِه المرّة تلو الأخري، لأنه -برغم صغرِ حجمه- مَفعَمٌ بالإشاراتِ والأحوال، بالمواقفِ والمصادمات، بالانكساراتِ والهزائم التي تبقي ضئيلةً متصاغرةً أمام بهاءِ الشّعر وشموخِ الشاعر. يلفحُك حريقُ أسئلتِه ومكابداتِه وجنونِه، تُبهرُك لغتُه، وترسلُ مجازاتُه اللعوب شبحَ ابتسامةٍ دائمة علي وجهِك، وتشغلُك العناصرُ المتنافرة/المتآلفة التي تصنع صورَه وتراكيبَه عن ترفِ وتهافتِ التساؤلِ عن تصنيفِ القصيدةِ إن كانت ثمانينيةً أو ألفينيّة!.. هذا الترفُ الذي يمارسُه كواجبٍ يوميّ آلهةٌ مزعومون لواقعٍ أدبيّ مستفزّ، ظلّوا لأكثر من ثلاثين عاماً يتفرّجون علي شاعرٍ كبير وهو يقيمُ جدارَه العازلَ لَبِنةً لبنة، بينما يُسكِنُون مُتشاعِرين باليوميّة أبراجاً عالية.. لكنْ أنّي لهم إذا جاءتْهم ذكراهم، فأبراجُ الهشاشةِ سريعاً ما تنهار، وللشاعرِ البقاء!
محمد أبوالدهب


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...