اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

صانع الخرز _قصة قصيرة | بقلم : علي حزين

في إشراقة كل صباح .. تستطيع أن تضبط ساعتك .. يخرج من زنزانته .. بالدور الرابع علي أيدك اليمين وأنت طالع .. في أخر الممر الضيق ..يتسند جدران السجن .. وبيده صرة صغيرة .. وما أن يصل إلي الشباك الحديدي .. الذي يطل علي الفناء .. وغرفة الإعدام .. وممر الزيارات .. وحديقة السجن.. يجلس علي خرقة صغيرة .. يفرشها تحته ببطء .. يضع أغراضه أمامه .. وهي عبارة عن كمية صغيرة .. من علب البرشام البلاستكية الفارغة .. والتي يتعاطاها لمرضه المزمن .. وقد ملأها بالخرز .. وخيوط سلكية شفافة رفيعة , أظن انه سلك لصيد الأسماك..
وعلبة إبر رفيعة .. ثم يشرع في عمله .. يلضم الإبرة بخفة وحرفية فائقة النظير .. يغرس الإبرة الرفيعة .. داخل كومة من الخرز بألوان الطيف .. موضوعة في غطاء ورقي .. لعلبة جبنة نوستن .. أحضرها خصيصا لذلك الغرض .. يعبئها ثم يرفعها الي أعلي .. ويعد بأصابع مرتعشة .. خشية أن يكون قد أخطأ العد ..
ــ واحد .. اتنين ... تــ ...
زنزانته في أخر الممر الضيق..محكوم عليه بالمؤبد..في قضية مخدرات"
معروف للجميع .. طيب .. متواضع .. وديع .. كريم .. محبوب من كل السجن
ولا يؤذي احد .. منهمك في عمله .. ولا يحتكّ بأحدٍ ... ولا أحد يحتك به .. لكنه يعرف كل كبيرة , وصغيرة تدور من حوله في العنبر ..
ــ واحد .. اتنين ... تــ ...
عندما يضحك .. تري في عينيه الدموع .. ويده المرتعشه مازالت تعمل .. تسمعه يردد دائماً ..
ــ طاب ابن الذين .... كان سرق الحِرز وما ضربني علي رأسي .. اه لو أعرفه اشرب من دمه ..
ــ صباح الخير يا عم " محمد يا فيومي "
هكذا ينادونه .. فهو نار علي علم .. مشهور في السجن كله .. والكل يحبه .. وأنا واحدا من هؤلاء.. معجب بشخصيته القوية .. التي تشبه شخصية أبي .. بل كنت أرى فيه أبي .. بكل طيبتة .. وحنيّته.. لدرجة أني كنت أجلس بجواره بالساعات الطوال .. أضحك معه , وأنظر إليه .. أتابعه .. وأحكي معه ..
ــ امك في العش ولا طارت ..
ــ لسه بتبيض .. ههههه
قصته معروفة .. ومشهورة للجميع .. والتي لا يكل .. ولا يمل ان يحكيها .. بكل تفاصيلها .. لكل من يجلس بجواره .. فلا تجد نفسك إلا أن تصدقه .. وتتعاطف معه أيضاً ..
" كان يعمل "صول" في الميناء .. وفي إحدى المرات .. وفي ليلة من ليالي الشتاء الممطرة .. والبرد فيها كان شديد .. وقارص .. وكان يحرس غرفة الأحراز .. وكان في جوفها كميات كبيرة من المخدرات .. ُضبطت عند محاولة لتهريبها .. ذهب غير بعيد ليقضي حاجته .. ولما عاد وجد غرفة الأحراز مواربة .. وسمع من داخلها أصوات همهمات غريبة .. تسلل في صمت .. بعدما أمسك بسلاحه الميري المعمّر .. وما أن دخل .. وبحث عن كُبس النور فلم يدري بالدنيا من حوله.. إلا وهو في المشفى .. وعندما فتح عينية اكتشف أنه قد شجت رأسه.. ثم وجهت له تهمة , سرقة الحرز .. ثم شكلوا له محكمة عاجلة .. أخذ خمسة وعشرون عاماً .."
ــ واحد .. اتنين ... تــ ...
" تنبهر بما يصنع .. وتعجب عجبا شديداً.. فهو يستطيع أن يحول حبات الخرز الصغيرة .. التي لا تتعدى قبضة اليد .. ليصنع منها أشياء رائعة .. تحف فنية مبهرة .. ومدهشة أيضاً .. هالني , وشدني ما يصنع .. " إنسيالات .. بوك حريمي .. كوليه.. شنط .. سبح للمصلين .. طقم حريمي كامل ..عبارة عن عُقد , وخاتم , وانسيال, وحلق .. والمدهش في الأمر .. لديه قدرة فائقة علي تصنيع عُقد من الفل.. وأخر علي هيئة ثعبان.. وثالث علي هيئة حبات سِبح.. وأقراط بأشكال مختلفة , ومتنوعة كذلك .. كما يحب ويهوى الزبون .. وصور مزخرفة..وربما كتب اسم معين .. أو حكمة في برواز من الخرز نفسه طلبت منه أن يعلمني, كيف أصنع مثله.. برهة تفرّسني فيها بعينين صغيرتين حادتين ثم سألني
ــ واخد كام سنة ..؟
ــ واحد .. اثنين ..
ضحك حتى بانت نواجزه .. وعاد ليغرس بصره .. في غطاء العلبة الورقية من جديد.. ليلضم الخرز في الإبرة الرفيعة .. وقد وضع سيجارة أعطيتها له في فمه وراح يجز علي أسنانه .. وهو يحجز الخرز ببنانه , وتابع يقول لي :
ـــ الشُغلانه دي يا ابني بتاخد وقت طويل .. دي شغلانة الأحكام التقيلة .. عشان تعرف تعيش في السجن .. وانت جاي هنا زيارة ومروح
ـــ طاب بص أنا أخدمك وأنت تعلمني ..
ولما وجدني ُمصِر ومصمم , وتحت إلحاحي الشديد .. والترجي .. ضحك وهزّ رأسه بالموافقة ..
ــ وانت ايه اللي عاجبك في الشغلانه الزفت دي
ــ بصراحة عجباني قوي يا عم محمد .. ومنها أسلي وقتي بحاجة مفيدة
ــ علي شرط ..؟!.
ـــ ..........
ــ لما يتفتح الباب .. تجيني تطلّع الحاجة .. وتفرش .. ولا تحتك بأحد .. ولا ترد علي أحد مهما حدث .. وإن كُسرت إبرة تدفع ثمنها .. وإذا جاءتك زيارة تحضرها لي كاملة سامع ههههههه
وافقت .. وارتضيت .. وكنت أفعل كل ما قال لي بالحرف الواحد .. أذكر .. حدث في أحد الأيام .. أن مسجون أراد أن يستظرف .. ويستخف دمه .. استفزني .. وانا بطبعي سريع الغضب .. وشديد الانفعال .. فكدت أن أقوم من مكاني , لأتشاجر معه , وأفتك به .. لولا أن تدخل عم "محمد الفيومي" .. في اللحظة الحرجة .. ذكرني بالشروط التي وضعها بيني وبينه .. وبأنه سوف يغضب عليّ .. ولا يجعلني أعمل معه مرة أخرى .. فكظمت غيظي .. وكتمت غضبي , وانفعالي .. وتدارك عم " محمد " الأمر حتى هدأت , وهدأ الموقف .. وانصرف من حاول أن يستفزني.. إلي حال سبيله .."فعم محمد " كان ينصحني دائما .. ويطلب مني عدم الاحتكاك بالمساجين .. ولا مخالطتهم إلا في أضيق الحدود .. وكان يقول لي دائما
ــ افتكر أبوك وأمك .. انت مش عاوز تخرج بالسلامة .. مش عاوز تكمل تعليمك ما تضيعش مستقبلك يا ابني ..
ويظل ينصحني .. وينصحني .. وهو يحكي لي عن بعض المساجين الذين دخلوا السجن بستة أشهر .. ولم يخرجوا حتى الآن .. لأنهم أخذوا أحكاماً أخرى ثقيلة من الداخل .. ومنهم ما وصل إلي التأبيد .. بسبب المشاجرات التافهة , التي تطورت إلي القتل ..
ــ واحد .. اثنين .. ثلاثة ..
أسمع في إذاعة السجن من ينادي علي البُسطَة .. أستأذن منه وأهرول سريعا عندما أسمع اسمي .. يزداد السجن صخبا وضجيجاً .. يتجمع المساجين , يتدافعون .. يشرئبون بأعناقهم .. ويصغون السمع .. ويهرولون .. يخبطني أحدهم بكتفه ويجري .. وهو يزعق بصوته الأجش ..
ــ أوعى الحرامية .. خالي بالك من نفسك ..
أتحسس جيوبي خشية أن أكون قد سرقت .. أتأكد أن سجائري لم تزل في جيبي .. وبعض الأوراق البيضاء .. التي أُدون فيها ملاحظاتي , وأفكاري .. والقلم .. وعلبة الكبريت .. أجري خلفه لأدفعه كما دفعني .. وما أن أصل إلي الإذاعة .. حتي أجد المساجين يعتركون .. كلاً يريد أن يأخذ خطابه أولاً .. أدفعهم وأخترق الحلبة ..
ــ أنا اسمي اتنده .
ــ اسمك ايه .؟
ــ .........
أخذ منه الخطاب .. وأتخلص من وسطهم .. بمعاناة شديدة , خرجت .. فضضت الخطاب بسرعة .. احتضنت عينيَّ سطوره .. إنه خطاب من أبي
"حضرة المحترم / ابننا العزيز / .............
بعد السلام / والتحية ... والسؤال عن صحتكم الغالية , التي نتمناها لكم علي الدوام .. وصلنا خطابكم وفهمنا ما فيه .. وحمدنا الله علي تمام صحتكم الغالية , أما من جهة أي جاجة .. لا يكن عندك شغل إن شاء الله .. منتظرك أنا ووالدتك .. يابني كله يهون .. ومن جهة أي جاجة عندك ملهاش عازه أتركها لزمالتك وأنت طالع .. فقط الكبرتايه والحاجه المهمة .. أحضرها معك .. اما الجرجر.. المواعين .. الصحون .. خلافه .. لا داعي منها .. اتركها ولا تربك نفسك .. منتظرينك علي العيد بخير ... سلام ...
ملحوظة .. لم نتمكن من الاتصال بك يوم الجلسة .. برائة يا ابني , إن شاء الله تعالى , لأن ربنا عارف اننا ملناش ذنب الله يختم بالخير مشوارك ... والسلام ختام .. ملحوظة أخيرة .. نحن مهتمين بك عند الخروج ..ومجهزين لك كل حاجة .. فلا تعول هم شيء وسلام ... والدك العزيز .."
أجلس بجوار عم " محمد الفيومي ".. أعيد قراءة الخطاب .. مرة بعد مرة .. وانا لم استطع أن أمسك دموعي .. أخرج عم محمد سجارة .. أشعلها وأعطنيها , وهو يضحك .
ـــ جواب من مين ..؟
ـــ من ابي
ـــ فيه حاجة مش كويسه لا قدر الله ..؟.
ــ ..........
دفعت له الخطاب.. وأنا أحاول حبس دموعي .. أخرجت منديل مسحت وجهي وأخذت أتابع عملي .. أمسكت بعلبة الخرز .. أفرغت بعضاً منها .. في الغطاء الورقي .. وأخذت أشرع في لقط الخرز .. لأكمل حبات السبحة .. التي سأعطيها لأبي .. مع عقد الفل لأمي .. وعم " محمد " يقرأ الخطاب بصوت مسموع .. يتهادى صوت المؤذن من بعيد .. أسمع عم "محمد " يردد مع الأذان .. أخذت منه الخطاب .. وضعته في جيبي .. ينهض يفرش سجادته .. يكبر , ويصلي العصر في مكانه .. يفرغ يجلس ليختم الصلاة , أما أنا ذهبت إلي المصلي .. وعندما عدت طلب مني أن أجهز الغداء.. ثم الشاي الخفيف
ــ نصف معلقة سكر ..
ــ ...........
اقتربت ساعة التمام .. لذا يجب أن يستعد الجميع .. السجن في حالة تأهب .. حركة قوية , وغير منقطعة , هرج , مرج , صخب .. تمشي في الممر.. صعود علي السلم الحديدي .. هبوط علي نفس السلم .. نفس الوجوه هي هي .. بنفس الطقس اليومي .. ونفس الأشياء التي يفعلونها .. يفردون البطاطين ينفضونها .. يجمعون الغسيل المنشور.. يذهبون إلي الحمامات .. يتشطفون .. يملئون الجراجل بالماء .. يطلب عم " محمد" أن أفرغ بسرعة .. من الذي في يدي .. حتي أغسل المواعين وأملأها .. يشعل سيجارته الأخيرة .. يلملم أشيائه, يستفها .. يعيدها كما كانت .. وباش نبطشي السجن يصفر بالصفارة وقد راح تجول في العنبر .. وهو يأمر الجميع .. بالدخول الي الزنازين .. بسرعة .. وهو ينادي بصوته الجهوري
ــ السجن تمام .. تمام السجن ..
يدفع اليّ عم " محمد " ببعض العلب الصغيرة .. بها بعض الخرز .. وعلبة الإبر الرفيعة .. وأكرة الخيط حتي أكمل الشغل داخل الزنزانة .. أخذها منه .. وأنا أوصله إلي الزنزانة " المخدرات " القاطن بها .. وما أن يصل الشويش الي الدور الرابع .. حتى أنطلق كالسهم .. أدخل الحمام .. بسرعة أتوضأ .. أملأ مواعيني بالماء .. ألُم الغسيل المنشور .. أنفض بطاطيني .. ثم أفرشها فوق النمرة .. أجلس في مكاني .. بجوار حوض التشطيف .. أخرج سيجارة من جيبي .. تصتدم يدي في خطاب والدي .. أُخرجه من جيبي .. أقرأه في سري .. والمساجين الذين معي .. في الزنزانة يدخلون تباعاً .. وقد حلّ المساء .. وهدأ السجن قليلاً .. وغلقت الزنازين علي المساجين .. وفي داخل كل مسجون , حكايات لا تنتهي ..!.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...