على أرض المطار وقفتِ تنتظرين الطائرة القادمة من لندن. لأول مرة تطأ قدماكِ أرض المطار لتستقبلي أحدا. ثمة امرأتان تقفان ليس بعيداً عنك. العيون ترقبُ الأجواء لمشاهدة الطائرة في الجو لتحط بعد دقائق معدودة،هذا ماقالته مذيعة الإذاعة الداخلية للمطار ، انتظرتِه عدة سنوات، ما يضيرك لو انتظرتِه ساعة أخرى؟ لمْ تصدّقي أول الأمرعندما تلفنت أخته عبر الجوّال، لتخبركِ عن قرب وصول خالد أرض الوطن، شككتِ كثيرا بدعوتها لإستقبال أخيها، لم تكن هي مطمئنة لعلاقتك بأخيها ،عرفتِ فيما بعد بعد مشادّة
كلامية بينك وبينها ،أنها ترغب بزواج أخيها من أبنة خالتك ،لملمّتِ بقاياك على عجل، شحذتِ رذاذ أنفاسكِ لتهرعي صوب المكان الذي سيشهد عودة الفرح والسعادة بعد صبر ممض .ما زال الوقت يقفز فوق طعنات الفراق، يتلو عليكِ أغانِِ حزينة تتمدد فوق بساط اللوعة . يوشم في عينيك نبوءة تحمل ألواح الأحلام القادمة . ها هو الضياء الآتي من شمس هذا اليوم البهي تتكسّر خلف أسوار تلك الليالي السود التي عانيتها.ذات صباح في حفل التخرج قال لكِ:
- سأ سافر إلى لندن لأكمل دراستي، انتظريني أربع سنوات فقط، سأعود بعدها بالشهادة الكبرى, وسنتزوج، انتظريني يا حبيبتي.
- سأنتظركَ على أحرِِ من الجمر.
طبعَ قبلة على جبينكِ ورحل. انقطعت أخباره تلك السنين الطويلة قضاها في أرض الغربة. رحتِ تجترّين الذكريات. تجلسين فوق مجمرة لن ينطفئ أوارها. تسكبين أيام عمرك المجروح في كأس الإنتظار. تصرخين من وخز الأشواك. سنابك الشوق تدوس على ما تبقَى من نضارة لديك، تلوح في خاطرك الكسير شظايا حلم مهزوز. تتكسّر في مرايا الروح. دنوتِ من أخته التي كانت تقف على مقربةِِ منك قلتِ لها:
- كيف علمتِ أنه سيعود اليوم، ألم تخبريني أن الإتصال مقطوع بينكم وأخباره مقطوعة عنكم تماما ؟.
التفتت إليكِ وهي ترمقكِ بنظرة إستياء تلوح في عينيها الصغيرتين. أجابت:
- لم يكن يتصل بنا قطعاً، ولكن ابن عمتي نزار كان يخبرنا عنه بين وقت وآخر، البارحة فقط، اتصلَ خالد بنفسه وأخبرني أنه سيعود اليوم إلى بغداد.
أنتِ تعرفين من الممكن أن تكذب عليك وأنها على إتصال دائم به.
لمْ تُفاجئي بكرهها لك، لذا تراجعتِ خطوتين إلى الوراء .فيما كانت عيناكِ تنظران إلى مدرج المطار .هي لا تصغي لتأوهات عذابك وصبرك الطويل ودموع عينيك المراقة على أرصفة الليالي الباردة وصقيع أحلامك المؤجلة. منذ سفره الطويل تنتظرين زورق العودة. ترنو عيناكِ نحو نوارس البحر لتحمل لك البشارة . تشّعُ عيناك بألق غريب هذا الصباح. أشجار حلمك ستلامس انعكاس الزمن فوق شعاع الشمس ، رفضتِ كل من تقدم لطلب يدكِ وأصررت على انتظاره، رغم الحاح أمكِ بضرورة الزواج بمن تقدموا إليك .هم في درجات وظيفة تناسب شهادتك الجامعية في الهندسة ولكن للعشق أحكام . نهاركِ اليوم لا يشبه كل النهارات الماضية . حتى الشمس لا تشبه شموسك الغائبة دوما. فكرتِ في تلك اللحظات الغائرة في عمق الدهر أن تذيبي الثلوج بينك وبين من ستكون حماتكِ في المستقبل الآتي. دنوتِ من المرأة العجوز، وضعتِ ذراعك على كتفها، انتبهتْ لوجودك التفتتْ لتطبع قبلة على جبينك، ضممتِها إليك وأنت تشاهدين الطائرة تقترب من مدرج المطار، هبطتِ الطائرة بتؤدة، لا حت لكِ من بعيد. اقتربت الطائرة وحطّت أمامك مباشرة، دنتْ منها عجلة السلّّم الآلي، انفتح الباب الأبيض. بانت منه وجوه تبتسم يملأها الفرح والحبور، سيتوقف النزيف ولن تكبر بعد اليوم مساحة الألم، ستوقف هديل الوحشة المغمّس بالمرارة سيمنح لجرحك بلسماً يتراقص على أوتار شجنك، سيقيم الحب كرنفالاً يشي بالسعادة المنتظرة.
نزلَ من الطائرة يرتدي بذلة بلون الفرح. بذلته البيضاء تهفهف في الهواء . ألقى نظرة خاطفة على صف الواقفين الذين ينتظرون القادمين .
أسرعَ متجهاً صوب أمه. احتضنها بشوق كبير. ظلا هكذا متعانقين لدقيقتين، خلتِهما دهراً، ثم انضمّت إليهما أخته. طوقهما بذراعيه وراحوا يتهامسون بكلمات الشوق والمحبة. كنتِ تنتظرين منه أن يلتفت إليك، .خطوتان بينك وبينه. صاح الصوت الذي بداخلكِ :
- أيها المسافر الآتي من أصقاع الدنيا، يملاك الشوق والحنين. تعال ارتمي في أحضاني، تعال لأضمك إلى صدري. خطاي لا تعيناني على السير نحوك . دع لي مسافة من الفرح أنا أيضا ً. تعال رممّ انكساراتي أيها الغائب. تعال قربي لأحتويك كالفراشة، مدّ إليً ذراعيك يا حبيبي.
أومأت أمه إليكِ براسها .فكّ ذراعيه عنهما ، نظرَ إليك نظرة طويلة لا تنم عن شيء. نظرة جامدة تشبه لياليكِ البارد الطويلة..همستِ له :
- خالد حبيبي، الحمد لله على السلامة ؟
لمْ يجب. أطرقَ برأسه إلى الأرض واختفت الابتسامة التي كانت مرتسمة على شفتيه. قطّبَ ما بين حاجبيه وتمتم متسائلا :
- ألم تخبريها يا خدبجة بالأمر ؟ !أطرقت أخته خديجة رأسها ولم تحر جوابا ً..قال لها :
- لمياء أنا أخبرتُ خديجة قبل شهور أنني قد ...أنا تزوجت من إمراة سويدية ولي منها طفلان .. كنت أظن أنك تنتظرين أحدا غيري ...أنا وعدتكِ بالزواج فعلا،وطلبتُ منكِ ان تنتظريني .ولكن ظروفي اضطرتني أن ...
لم يفه فمك بكلمه ،انعقد لسانكِ عن الكلام ، خنقتكِ صرخة في أعماقك كادت أن تخرج رغماً عنك. ترككِ ليصطحب أمه وأخته وأنت تنظرين إليه،قال لكِ متصنّعا الألم :
_أنا آسف يا لمياء ..الزواج قسمة ونصيب.
قال ذلك و مشى مبتهجا معانقا امه وأخته . تركوك وحيدة .احذري أن تميدَ بكِ الأرض. لا تفتحي نوافذ الدموع بعد الآن. ليس كل العابرين يصلحون للحب، تريّثي أيتها اليمامة، انتظري كي يغادرون المكان، لا تصرخي الآن، ستعودين وحيدة كما كنتِ، لا تستغربي اضطرام المجامر في روحكِ العطشى.ستذوين لتبقى فيك أغصان اللوعة تهزها غربان التيه. ستنساكِ المروج التي تمرّغتِما فوقها معا . ستمضين لتصلين صلاة الغائب الذي لن يعد .الحلم الذي تشظّى ، سيجعل من غربان الخيبة تنعق لتنهش ذاكرتك عند لحظة انطفاء الحلم .
عادل المعموري
كلامية بينك وبينها ،أنها ترغب بزواج أخيها من أبنة خالتك ،لملمّتِ بقاياك على عجل، شحذتِ رذاذ أنفاسكِ لتهرعي صوب المكان الذي سيشهد عودة الفرح والسعادة بعد صبر ممض .ما زال الوقت يقفز فوق طعنات الفراق، يتلو عليكِ أغانِِ حزينة تتمدد فوق بساط اللوعة . يوشم في عينيك نبوءة تحمل ألواح الأحلام القادمة . ها هو الضياء الآتي من شمس هذا اليوم البهي تتكسّر خلف أسوار تلك الليالي السود التي عانيتها.ذات صباح في حفل التخرج قال لكِ:
- سأ سافر إلى لندن لأكمل دراستي، انتظريني أربع سنوات فقط، سأعود بعدها بالشهادة الكبرى, وسنتزوج، انتظريني يا حبيبتي.
- سأنتظركَ على أحرِِ من الجمر.
طبعَ قبلة على جبينكِ ورحل. انقطعت أخباره تلك السنين الطويلة قضاها في أرض الغربة. رحتِ تجترّين الذكريات. تجلسين فوق مجمرة لن ينطفئ أوارها. تسكبين أيام عمرك المجروح في كأس الإنتظار. تصرخين من وخز الأشواك. سنابك الشوق تدوس على ما تبقَى من نضارة لديك، تلوح في خاطرك الكسير شظايا حلم مهزوز. تتكسّر في مرايا الروح. دنوتِ من أخته التي كانت تقف على مقربةِِ منك قلتِ لها:
- كيف علمتِ أنه سيعود اليوم، ألم تخبريني أن الإتصال مقطوع بينكم وأخباره مقطوعة عنكم تماما ؟.
التفتت إليكِ وهي ترمقكِ بنظرة إستياء تلوح في عينيها الصغيرتين. أجابت:
- لم يكن يتصل بنا قطعاً، ولكن ابن عمتي نزار كان يخبرنا عنه بين وقت وآخر، البارحة فقط، اتصلَ خالد بنفسه وأخبرني أنه سيعود اليوم إلى بغداد.
أنتِ تعرفين من الممكن أن تكذب عليك وأنها على إتصال دائم به.
لمْ تُفاجئي بكرهها لك، لذا تراجعتِ خطوتين إلى الوراء .فيما كانت عيناكِ تنظران إلى مدرج المطار .هي لا تصغي لتأوهات عذابك وصبرك الطويل ودموع عينيك المراقة على أرصفة الليالي الباردة وصقيع أحلامك المؤجلة. منذ سفره الطويل تنتظرين زورق العودة. ترنو عيناكِ نحو نوارس البحر لتحمل لك البشارة . تشّعُ عيناك بألق غريب هذا الصباح. أشجار حلمك ستلامس انعكاس الزمن فوق شعاع الشمس ، رفضتِ كل من تقدم لطلب يدكِ وأصررت على انتظاره، رغم الحاح أمكِ بضرورة الزواج بمن تقدموا إليك .هم في درجات وظيفة تناسب شهادتك الجامعية في الهندسة ولكن للعشق أحكام . نهاركِ اليوم لا يشبه كل النهارات الماضية . حتى الشمس لا تشبه شموسك الغائبة دوما. فكرتِ في تلك اللحظات الغائرة في عمق الدهر أن تذيبي الثلوج بينك وبين من ستكون حماتكِ في المستقبل الآتي. دنوتِ من المرأة العجوز، وضعتِ ذراعك على كتفها، انتبهتْ لوجودك التفتتْ لتطبع قبلة على جبينك، ضممتِها إليك وأنت تشاهدين الطائرة تقترب من مدرج المطار، هبطتِ الطائرة بتؤدة، لا حت لكِ من بعيد. اقتربت الطائرة وحطّت أمامك مباشرة، دنتْ منها عجلة السلّّم الآلي، انفتح الباب الأبيض. بانت منه وجوه تبتسم يملأها الفرح والحبور، سيتوقف النزيف ولن تكبر بعد اليوم مساحة الألم، ستوقف هديل الوحشة المغمّس بالمرارة سيمنح لجرحك بلسماً يتراقص على أوتار شجنك، سيقيم الحب كرنفالاً يشي بالسعادة المنتظرة.
نزلَ من الطائرة يرتدي بذلة بلون الفرح. بذلته البيضاء تهفهف في الهواء . ألقى نظرة خاطفة على صف الواقفين الذين ينتظرون القادمين .
أسرعَ متجهاً صوب أمه. احتضنها بشوق كبير. ظلا هكذا متعانقين لدقيقتين، خلتِهما دهراً، ثم انضمّت إليهما أخته. طوقهما بذراعيه وراحوا يتهامسون بكلمات الشوق والمحبة. كنتِ تنتظرين منه أن يلتفت إليك، .خطوتان بينك وبينه. صاح الصوت الذي بداخلكِ :
- أيها المسافر الآتي من أصقاع الدنيا، يملاك الشوق والحنين. تعال ارتمي في أحضاني، تعال لأضمك إلى صدري. خطاي لا تعيناني على السير نحوك . دع لي مسافة من الفرح أنا أيضا ً. تعال رممّ انكساراتي أيها الغائب. تعال قربي لأحتويك كالفراشة، مدّ إليً ذراعيك يا حبيبي.
أومأت أمه إليكِ براسها .فكّ ذراعيه عنهما ، نظرَ إليك نظرة طويلة لا تنم عن شيء. نظرة جامدة تشبه لياليكِ البارد الطويلة..همستِ له :
- خالد حبيبي، الحمد لله على السلامة ؟
لمْ يجب. أطرقَ برأسه إلى الأرض واختفت الابتسامة التي كانت مرتسمة على شفتيه. قطّبَ ما بين حاجبيه وتمتم متسائلا :
- ألم تخبريها يا خدبجة بالأمر ؟ !أطرقت أخته خديجة رأسها ولم تحر جوابا ً..قال لها :
- لمياء أنا أخبرتُ خديجة قبل شهور أنني قد ...أنا تزوجت من إمراة سويدية ولي منها طفلان .. كنت أظن أنك تنتظرين أحدا غيري ...أنا وعدتكِ بالزواج فعلا،وطلبتُ منكِ ان تنتظريني .ولكن ظروفي اضطرتني أن ...
لم يفه فمك بكلمه ،انعقد لسانكِ عن الكلام ، خنقتكِ صرخة في أعماقك كادت أن تخرج رغماً عنك. ترككِ ليصطحب أمه وأخته وأنت تنظرين إليه،قال لكِ متصنّعا الألم :
_أنا آسف يا لمياء ..الزواج قسمة ونصيب.
قال ذلك و مشى مبتهجا معانقا امه وأخته . تركوك وحيدة .احذري أن تميدَ بكِ الأرض. لا تفتحي نوافذ الدموع بعد الآن. ليس كل العابرين يصلحون للحب، تريّثي أيتها اليمامة، انتظري كي يغادرون المكان، لا تصرخي الآن، ستعودين وحيدة كما كنتِ، لا تستغربي اضطرام المجامر في روحكِ العطشى.ستذوين لتبقى فيك أغصان اللوعة تهزها غربان التيه. ستنساكِ المروج التي تمرّغتِما فوقها معا . ستمضين لتصلين صلاة الغائب الذي لن يعد .الحلم الذي تشظّى ، سيجعل من غربان الخيبة تنعق لتنهش ذاكرتك عند لحظة انطفاء الحلم .
عادل المعموري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق