اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

بكـــاء العصــــافير ــ قصة قصيرة | عادل المعموري


عادل المعموريلم أكن أُدرك أني مشوّه اليدين والساقين واختلاف هيأتي عن الآخرين إلاَّ بعد حين .. لم أعد طفلاً صغيراً لا يفهم مايدور حوله ،أخي وأختي يلعبان ويمرحان أ مامي وأنا عاجز طريح الفراش ..في كل ساعتين تأتي أمي لتقلبني إلى الجهة الأخرى كي لا أصاب بقرحة الفراش ،اهتمامها بأخويي كان كثيرا .
هي لاتشعرُ بي إلاّ عندما أعلن عن تذمَّري وشكواي فأنفجر باكياً ،لساني لايطاوعني على التكلم ..كنتُ أستطيع لفظ كلمة _ماما _ فقط ..عجزَ والداي عن وجود دواء يشفي إعاقتي ، فقد أنفقا الكثير من المال وهم يدورون على الأطباء في المستشفيات والعيادات الخاصة من أجلي.

. أدركا بعد فوات الأوان، أني لن أشفى و سأبقى مشوّه اليدين والساقين ،يئسا من حالتي فأنصبّ إهتمامهما بأخوي الآخرَين ،كنتَ المح نظراةت الأسى والحزن في أعينهم ..كم من مرة كنتُ أسمع نشيج أمي وهي ساجدة في صلاتها تبكي من أجلي ،لم تكن ملك سوى أن تبكي في صمت الفجر ، أقلّبُ عيني ذات اليمين وذات اليسار وأسمع أحاديثهم ،أخي الأصغر لم يكن يهتم بشأني، قلما يأتي إلي ليغطيني إذا زحفت البطانية بعيداُ عن جسدي،عمره ستة أعوام ربما لا يعي أني احتاج إلى مساعدته .
،وأختي التي تصغره بعام واحد ،كانت تستاءُ كثيرا عندما تطلب منها أمي أن تطعمني بعض الطعام بدلاً عنها .
كنتُ أنظر نحوها بعين كسيرة لعلي أشعرها بحنوها وعطفها علي ،مضغي للطعام كان يتعبني ويتعبها فقد كانت تتقزز من طريقة مضغي لللقمة ،لذا كانت أمي دائما هي المبادرة لإطعامي إذا شعرتْ بأني جائع ،كنتَ أتألم كثيرا عندما أنظر من طرف البطانية نحو أخوي وهما يلعبان ويركضان في حديقة الدار ،أو عند لهوهما في ارتقاء الأرجوحة .
كانا يضحكان بكل مرح وسرور طوال الوقت ، وأنا أبكي بمرارة حتى تبتل وجنتي.. أسأل نفسي أحيانا لماذا لا بيكيان لأجلي .لماذا أمي تبكي لوحدها أليس أنا أخيهما الكبير ؟..كلما كبرتُ وتقدمتْ بي الأيام والشهور يكثر همي وحزني ..عمري خمسة عشر سنة ولم أعرف ماهو طعم الطفولة واللعب البريء.
.ياترى ماذا يشعرون وهم يلعبون بتلك الألعاب التي يفضلونها ..،أتمنى الآن قبل أي وقت مضى لو أني أفقد سمعي وأُصيرُ أصّما حتى لا أسمع ضحكاتهم ولهوهم ،كم كنت أتمنى أن أصرخ بهم أن يخفضوا أصواتهم ويحترمون وجودي على الأقل حين أمسك بالنوم عنوة لكي يمر بي .
،لاشيء من هذا سيتغيرفي المستقبل القريب ،سأكون طريح الفراش طوال عمري وعليَّ أن أتحمل كل مايحصل لي من مضايقة حتى لوكانت غير متعمّدة ..نفسيتي لم تعد تتقبل أن أستمع إلى أحد منهم ،بدأت أنشد العزلة ،كيف أستطيع افهامهم أني أريد مكاناً خاليا من أي صوت ،لم أجد حلا ىسوى أن أظل أصرخ بصوت عال ولا أسكت إلاّ بعد أن ينفذوا مطاليبي ،علِمَ أبي فيما بعد أن الحل الوحيد بعزلي عن إخوتي في غرفة منفردة ،عارضتْ أمي كلام الأب وغضبت كثيرا من أجلي ..كنت أنظر إلى أبي بعين الرضا بقراره الصائب هذا سمعته يقول ...ماذا لوسمعتِ كلامي وأودعتِه في معهد المعوقين قالت له غاضبة :
_كيف أترك ولدي لأناس لا يشعرون بما أشعر به تجاه ولدي البكر ،صاح بها أبي :
_هو الآن يعاني من مرض (التوحَّد )أيرضيكِ هذا ؟
ولكن كيف أستطع اقناع أمي بصحة قرار أبي بعزلي في غرفة منفردة مؤقتاً ؟ ،في محاولة منها للتأكد من صحة تلك المسألة التي باتت تؤرّقها.. أرسلت أمي أخوي ليلعبان بقربي ..فورا ًأعلنتَ ضجري وغضبي من وجودهم ،هزّت أمي رأسها بأسى فحملت فراشي وهيأتهُ لي في الغرفة الأخرى ،ثم حملتني بأحضانها ووضعتني فوق الفراش في غرفتي الجديدة ..تلك الليلة نمت هادئا ..فقد استرحت من الأصوات المزعجة
..مرّت الايام والليالي وأنا معزول في غرفتي لا يقترب مني أيّا منهم ،سوى أمي عندما تريد إطعامي أو تغيير ملابسي وحفاظتي التي لازمتني منذ أول يوم لي في هذه الدنيا ..نادرا ماكان باب غرفتي يبقى مواربا أنظر عبر الباب
،كنت أرى أخي وهو يتسلق سور السلم وينزل من الجهة الاخرى ضاحكا يملأه الفرح ،لم يفكر مرة واحدة ان يختلس النظر ويرى ما آل إليه حالي ،ربما رضخ لأوامر والديي بعدم الإقتراب مني ..وأني كنت أحب أن أكون حيدا بلا ازعاج .
.الهدوء بات جزءا من كياني وأن أي صوت من الممكن أن يسبب لي قلقا كبيرا،لم أستأنس إلاّ بشيئ واحد يريح دماغي المُتعب سوى زقزقة العصافير في الشجرة القريبة من غرفتي،متعة لا تضاهيها متعة رؤيتي للعصافير وهي تتقافز فوق أغصان شجرتنا .
،كنتُ أحلم أني أطيرُ معها في كل مكان ..لا يحجبني عن السماء أي حاجب ..كم تمنيتَ أن يستبدلني الله بجناحين بدلا من هاتيك القدمين المعوجتين.
صار همي الوحيد ومصدر ارتياحي وسعادتي هي الإنصات كل صباح لزقزقة العصافيركأنني أفهم ما تنطق .. ذات صباح تناهى إلى أذني صوت رجل غريب وصوت أبي خلف النافذة وهما يتكلمان ..ثم سادت فترة سكون وبعدها سمعت صوت منشار كهربائي يعمل ..خمنّتُ من اللحظة الأولى أن المنشار هو لقطع بعض من خشب السور الذي يحيط بالحديقة ،ولكني صُدمتُ لمّا سمعتَ صوت ارتطام الشجرة الكبيرة وهي تسقطُ إلى الأرض ثم هروب العصافير مذعورة هاربة ،لم أكن أصدق مايحدث ،ولكن تأكدَ لدي صوت صاحب المنشار الكهربائي وهو يقول لأبي :
_الشجرة سيتم حملها ب (الشفل) وسيكون المكان نظيفا بعدنصف ساعة.. وما يتبق من مخلفات الشجرة وأوراقها سيكون من مهمتكم أنتم أصحاب الدار
_لابأس يارجل ..إفعل على بركة الله.
لازمني حزن كبير وانتحبتَ باكيا ،كان بكائي هذه المرة بصوت عال ،صوت يخرج من اعماقي ،هرعوا جميعهم نحوي ،اقتربتْ من أمي تبكي قائلة :
__مابك يابُني لمَ تبكي .ممن تضايقت ..هل أنت جائع ؟تسألني عن الطعام والجوع ولا تعلم أن آخر اتصالي مع الأشياء الجميلة مع أصوات العصافير التي تآلفت معها قد انقطع ..وكذلك الشجرة التي كانت مأوى لأحلامي ،لن أعدأسمع بعد الآن صوتا لعصفور ..غادرتْ العصافير أعشاشها المحطمة وسقطتْ الشجرة تحت وحشية منشار لا يعرف الرحمة ..عدتَ أغطي وجهي ..سأبكي ماشاء لي البكاء فهل يجدي شيئا ..لن يسمعني أحد بعد اليوم ،وصدق حدسي ،فقد أوصد علي الباب نهائياً .لا يفتح الا عند أوقات ثلاثة ..في الصباح وبعد الظهيرة وبعد صلاة المغرب.
فكرتُ هذه المرة بالموت ..وان أضع حداً لحياتي ..فلم يعد بالإمكان أن أعيش هكذا ..تعتمل في أعماقي فكرة الانتحار بقوة ، ،فكرتُ بشنق رقبتي بالحبل ..داهمتني فكرة الإضراب عن الطعام حتى الموت ،لم أستسغ تلك المحاولة
لصعوبة تنفيذها .برقتْ برأسي فكرة بعد منتصف الليل بقليل .. عندما اشتعلت الأضواء وأنيرت الغرفة بنور الكهرباء الوطنية ..فكرتُ أن أزحف بكل ماأملك من جهد نحو التيار الكهربائي وأمسه بطرف من أطرافي اللعينة ،عندها سأموت سريعاً بلا ألم ..وحتى تلك الفكرة لم تتوفر لوازمها الكافية ..فقد كانت أسلاك الكهرباء بعيدة عني ،والمدفأة الكهربائية معلقة بالجدار ،فمن أين يتأتى لي لمس التيار كي ينهي عذاباتي ..أرجأتَ الخطة لحين توفر الفرصة المواتية لذلك
..لم يمضِ سوى أيام قليلة ..ذات ليلة عند اقتراب الفجر ..حانت مني التفاتة نحو المدفأة الكهربائية وهي رابضة على الأرض ،لا أعلم لمَ أنزلوها على الأرض ؟ ربما لتعطيني دفئا اكثر ،ربما وجودها معلقة على الجدارلا تعطيني الحرارة الكافية للدفء ،زحفتُ بجهد أتعبني كثيرا وجعلني ألهث ، ..أصبحتُ خارج مدى الفراش
..جسدي فوق البلاط البارد.
،اقتربتَ شيئا فشيئا من المدفأة حتى أصبحتُ قريبا منها ،مددتُ يدي المرتعشة وأصابعي المعوجة أعألج السلك المرتبط بها ،رانَ إلى مسمعي صوت المؤذن لصلاة الفجر ..توقفتُ قليلا أستمعُ الى الصوت الرخيم ،فكرتُ أن أتراجع عن مهمتي ..ولكن إنتهاء الأذان كان حافزا قويا لي، كي أقلع السلك وأمسكهُ باصأبعي المتيبسة ..هاهيَّ أصابعي تمسكان بالسلك وتقطَّعانه من المدفأة .
.في لحظة لم أكن أتوقعها ولم تطرأ على بالي ،عندما دخلتْ أمي لتطمئنَ علي ..فغرتْ فاها دهشة وهي تجري نحوي صارخة (ولدي ..ولدي ) .. أغلقتْ زر المصدر الرئيسي للسلك ..ثم أجهشت باكية وهي تضّمني إلى صدرها ،لم أكن أملك غير أن أبكي معها،طوقتني بذراعيها وضمتني إلى صدرها ،كان صوتها ونشيج بكائها يمتزجان مع بكائي .دموعها تسح على وجهي بغزارة .
كم شعرتُ بالذنب وأنا أسمع أمي العظيمة تهمس من أعماقها (حبيبي ..عمري ..أنت كل حياتي ).


من مجموعتي القادمة (الركضُ في الفراغ )
عادل المعموري

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...