اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

مليكة || بقلم: عناق مواسي ــ باقة الغربية ــ فلسطين


أيقظني الفجر بلا ترددٍ، وقبل أن ألمس شاشة الايفون لأسكت تبيهه المدندن، عاينته مرتين لأتاكد أني صحوت قبله. نادرةٌ هي المرات
التي أستيقظ قبل الفجر وعينّي ممتلئتان باليقظة رغم أن الليلة السابقة كانت مدججة بالتفاصيل. الفجر يناديني بصوته المخملي، لأسمع الأشجار عن قربٍ وهديل الحمائم وهو يبتسم لأزهار الياسمين ويشرب الندى من شفاه الورود.

تمام السادسة 6:00 صباحاً

أنهيت ترتيباتي الصباحية وخرجتُ لأشتري الخبز الساخن من المخبز لأول مرة في حياتي، كان بهيجًاً منظر الفرن المشتعل ورائحة الخمائر تتصاعد كما ولو كانت ترقص على سلم موسيقي،
عادةً ما يأخذنا شغف الانشغال صباحاً قبل أن يفترسنا بدءُ العمل دون أن نتمتع بالشمس وهي تضيء الجوانب المنكمشة في فيء العتمة، لحسن حظي أني خرجت من بيتي لأراقب العصافير وهي تستيقظ في أعشاشها، أو لأتابع الشجر وهو يتماوج مع ريح الفجر العسجدي، والناس وهي تخرج من أوكارها للعمل، أتحجج بشراء الخبز وهو لا يزال يتنفسُ من جسده القمحي..
والصباح لا يزال يتثاءبُ ويشد لحاف اليوم يتوافدُ الناسُ أسرابًاً، رائحة الطحين والخميرة وبخار المقاهي على حوافي الشارع الرئيسي في باقة الغربية، هذه المدينة السهلية الممتدة الروابي وهي تنبض قلباً أخضر في المثلث. وخلال دقائق يتسارع نبض الشارع، يأخذ كلٌ مساره ويتابع يومه. سافرتٌ وبين شفتي كأس القهوة الصباحي لأتغلب على جفني إن راودهما النعاس.

************************
8:19
سافرتُ هذه المرة محطة برديس حنا وصولاً الى تل أبيب. تل ابيب الجامعة / مركز المعارض. ثم باص 289 أو باص 7 لأصل مبنى "نفتالي"-مبنى كلية العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية.
عادةً ما أسافر من محطة بنيامينا، وهي محطة مركزية انشأت فترة الانتداب البريطاني ضمن الخطوط الفلسطينية لتكون ضمن خط حديد الحجاز بين حيفا ودرعا جنوب سوريا. وهي تعد من أهم محطات القطار الذي انشئ في بداية القرن العشرين حيث يصل إلى القدس. وأكثر ما أفضي حاجتي به مساره السريع، حيث لا يتوقف إلا في تل ابيب ومحطاتها "تل- ابيب الجامعة"، "هاشلاوم"، "سفيدور مركاز" و"هغانا" . فغالباً لا يتوقف عند المحطات التي تسبق تل - ابيب. أما المسافر من محطة برديس حنا يمشي كأفعى متوثبة يتوقف كل دقائق معدودة، تصعد قصص بشرية مسافرة وتنزل قصص أخرى مع حقائب سفر، وهذا ما حصل معي.
تعودتُ أن ألحق بالتوتر فيلحق بي، فأجري خوفًاً وتوفيرًاً لكل ثانية وضعت البطاقة الجامعية في جيب هاتفي كي لا أبحث عنه حال وصولي المحطة. عرضته على ضابط الأمن. اعتدنا على تكرار إثبات أنفسنا ولم يعد يضايقني أن يطلب عرض الهوية الزرقاء أو ما شابه، المهم ألا أتأخر. حاول أن يرى هويتي أيضًا قلت له، تكفي بطاقة الجامعة لتتأكد ! لا يوجد قانون يطلب عرض أكثر من بطاقة هوية لتتأكد. لا نحتاج لأكثر من بطاقة هوية لنؤكد من نحن !
استشاط !
كانت امكانية الجدال بيننا واردة جداً لولا اقتراب القطار ...
وأردفتُ اذا تأخرتٌ عن موعد القطار بسببك سوف... ثم أنهينا الاجراء بثوانٍ هو ممتعض وأنا...
اشتريت البطاقة ذهاباً واياباً بالسعر المخفض للطلاب كما للجنود والمتقاعدين ، وتحايلت بسرعة البرق على كل شيء أمامي منها سيدة يهودية بولندية يصل طولها نصف طولي ، عرفت اسمها من صديقتها التي ترافقها وهي تقول لها: "جيتا" اسرعي!
أدخلت بطاقتها بالطريقة العكسية في جهاز التمرير الالكتروني فلم تعبر. أدخلتٌ لها البطاقة ثانية ً فعبرت وعبرتُ بعدها. تأتينا اختبارات فجائية في الحياة لتمتحن قيمنا التي نعلنها عادة عندما تكون رئتينا ممتلئة بالأوكسجين غير المتسخ، هذا ما يحدث مع أناس تتعثر بهم قدرياً فيستجدونك بدون صلة.
الجلوس صباحاً مع الكم الهائل من القصص البشرية الصامتة كنثر البذور بذور تتنظر مطرًاً خفيفاُ فدفء أصابع لتنمو مخضرة على السطور قصصًاً..
ذاك الذي يطالع الصحف ورائحة حبر المطابع متصاعد تماماً كرائحة الخبز، صفحة الاقتصاد وأخرى تقرأ برجها، وآخر يستمع للموسيقى وآخرون كثيرون منشغلون ببعث رسائل نصية قصيرة في الواتس اب وجنود منهكون تعبأ أدبقوا رؤوسهم على شباك القطار وفوهاتهم مصوبة في الفراغ وآنا اراقب كل شيء ....
وصلت ُ ..
في منتصف هذا اليوم الطويل دعتني صديقتي أميرة للغداء في مطعم "كينج جورج" الملاصق للجامعة بجانب المدخل الرئيسي، معللةً أن مطاعم الجامعة وأكلها لا تسمن من جوع ! ولا تريد أن تتغدى سلطات ومعكرونة بالكثير ! تريد أكلاُ دسمًاً!!
اعتذرتُ ! حاولت أن تراضيني لأننا لم نلتقِ كما اتفقنا بسبب انقطاع الانترنت في قريتها فتعذر ردها على رسائلي الواتسية. لا يهم فلقد اتصلت بصديقتي أنوار لنتناول الغداء معاً ، وكان احتفالياً بتسليم الوظائف النهائية في مساقات الإعلام. استودعتها اضطرارياً ، لأني لن أراها إلا الاسبوع القادم. أنوار كتلة مشعة تدرس للقب الأول في الاقتصاد والإعلام أحب عقلها الكبير وطفولتها المحصورة مع معادلات الاقتصاد في جسمها النحيل. هي أنا قبل عشر سنوات بالضبط من الآن.
وأكملت يومي حتى الثامنة مساءً zero zero

****************************
الساعة 8:37 مساءً موعد قطار العودة الى نفس المحطة التي خرجتُ منها صباحاً، بدا الطقس بارداً رغم أن المتجول في تل أبيب لا يدرك انخفاض الحرارة لصخبها وجمال الأضواء المنكسر بها، فشلالات الأضواء في طريق أيالون مبهرٌ للنظر تغطس الأعين فيه.
وعندما تكون القاطرة شبه خالية المقاعد، أمشي وأنا أسير خلف قدمي أين سأجلس. للقدر أيضا إملاءاته الخاصة. ونحن نمشي خلف ايقاعه.
خلافًاً لوجهة القطار جلستٌ بعكس اتجاهه. مثيرٌ حين تأخذنا الطريق معاكسةً، وجه القطار شمالاً ووجهي جنوباً، لكن الليل حين يلقي عباءته يخفف حدة انكسار الاتجاهات غير المتناغمة. تجلس أمامي وعلى بعد 30 سم إمراة شعرها أشقر يماوجه الابيضُ تباعاً يصل الى كتفيها العاريتين، خمنتُ أن يكون عمرها يربو عن الأربعين. بدا ذلك من الأوردة البارزة في كفيها، نحن النساء نستطيع أن تكتشف لغز العمر بسهولة، لا نحتاج للسؤال والإلحاح ، كفاني الخطوط الواضحة على جبينها. ولم يخدعني الشعر الأشقر ولا نحالة كتفيها المكشوفتين وصدرها الذابل قليلاً. لا توجد أمامي أمكانية اخرى لأتغلب على إرهاقي الشديد وجفني على وشك الأقفال سوى أن اتكلم مع أحد. بادرتها الحديث كي استيقظ لدقائق أخرى فان استسلمت لغناء جسدي الثقيل لصحوت في نهاريا على صوت الرسالة الصوتية المسجلة

Dear Passengers
May we have your attention please
The train is arriving at Naharyia
This is the last sop for this train
Thank you for choosing to travel with Israel railways

مثلما كنتُ منغمسة في نفسي كما كانت هي منغمسة في كتابها.
لأتغلب على نعاسي بمحادثة ريثما أصل بسلام سألتها بالعبرية، ماذا تقرأين؟
- باردو!!
- What do you read lady?
أنزلت نظارتها، وبابتسامة احتوائية قالت:
سي تا غومو فغانسي ، مدام !
فهمتُ أنها تقرأ كتاباً بالفرنسية.
- Do you speak English?
- Yes! And I read a French Novel
- May you tell me about the plot please
أدخلت أصابعها بين الصفحات، وقالت لي،
تتحدث الرواية حول امرأة فرنسية اغتصبها جندي ألماني على الحدود الفرنسية في مدينة ليل
فحملت منه وأنجبت ولدًاً قمحي اللون وفي عينيه ثأر من الدنيا . ولما كبر كان يسألها كل الوقت عن أبيه! وكانت تخفي حقيقة الاغتصاب. حيث أن محاولاتها بإجهاضه وهو جنين في رحمها فشلت وأراد الله له الحياة. تسكن هذه السيدة في قرية حدودية ريفية تبعد عن باريس 10 ساعات سفرًاُ بالقاطرة.
بقي هذا الطفل مجهول الأب والحقيقة تكمن فقط في رحم أمه منذ أن أغتصبَ حتى انبلاجه ولادةً. والتحق في شبابه في صفوف الجيش الفرنسي وكانت دفعته الحدود الجزائرية في جبال الأوراس. واظب على إرسال رسائل لأمه كلما لفظ له البحر صدفة، يخبرها عن هذه القطعة الساحرة على الساحل الأفريقي المتشمسة في الأبيض المتوسط شبه عارية أمام الاستعمار ، غير أنه في رسالته الأخيرة كتب لها عن شابة ريفية تدعى "مليكة". كما كان يراقب الحدود كان يراقبها وهي ترتاد الأنهار الجارية من قمم أوراس. إلى أن إقتنصها وهي تغتسل في المياه الجارية.
فتحتُ أوردتي لأسمع التفاصيل كما فتحتُ عيني ولم يعد يهمني أن أصل بيروت وليس نهاريا ولم يعد نعاسٌ يباغت يقظتي ويستوقفني كمحطة سفر، أريد أن أعرف كيف استطاعت "مليكة" أن تثأر لدمها الشريف الجزائر المغتصبة وتشعل الثورة..
لكني لا أعرف بالفرنسية سوى بونجور وبنسوار وأورفوار
والأخيرة تكتب ولا تقرأ...
Dear passengers
The next stop is Qesaria Pardes Hana
ونزلت في المحطة وتابع القطار مسيره إلى نهاريا....

(باقة الغربية)

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...