كعادتي, أجوب السوق بأي ساعةٍ من النهار, دون أن أقرر مسبقًا ماذا سأطهو لأسرتي بذاك اليوم, مايسر ناظري, ويتوافق مع ميزانيتي؛ أبتاعه, ثم أعود أدراجي راضية مرضية .. وكأنما حُزت الجنة بين يدي, فأتفنن في "جعل الفسيخ شربات" ..
اليوم تجولت بأرجاء السوق العامرة, و مررتُ ببائعات ريفيات المظهر, واللهجة, والملامح, تراصتْ أمامهن "طُشوت" ملأى بأصنافٍ شتي من الأسماك التي مازالت الحياة تجري في بعضها, فتتمرد, وتتقافز, فتعيدها البائعة إلى مستقرها بالطشت, كما لو كانت تردع ابنتها المراهقة عن الخروج من البيت بدون إذنها .. كانت أكبرهن عمرًا, هى بائعة قد خطَّ الزمان خطوته على وجهها, رغم ابتسامتها الواسعة وهى تتناول ورقة من فئة المئتي جنيه من زبونة قد اشترت منها بعض أسماك البلطي النيلي الطاازج.. وعلى إثرِ ذلك ابتسمت العجوز في سعادة وهى تسكب كل ماكان بداخل كيسها القماشي الملوث, والمبقع ببقعٍ من دماء السمك, والذي يتصل بعنقها بخيط صوفي سميك, حتى بدا كيس النقود كقلادة تعلقها في جيدها, خشية السرقة.. تلوث الكيس القماشي بدماء السمك الذي تشق البائعة بطونه بمقصها الحاد الثقيل, ومن ثمَّ تخرج أحشاءه ثم تغسله بماء استحال لون مائه للون الأحمر .. أخذتْ البائعة ترص أوراقها النقدية, الواحدة تلو الأخرى على مهلٍ, خشية الخطأ في الحساب, تضع الورقة فئة الخمسين جنيهًا, وفوقها ورقات من فئة العشرين, ثم العشرات ثم الخمسات ثم جمعت بعض الجنيهات المعدنية, وأعطتها باقي حساب البيعة للزبونة التي حثت الخُطي فور انتهاء مهمتها في شراء السمك .. ثم ركضتْ كمن سيفوتها قطار .. وماهى سوى ثوانٍ قليلات, وإذ لمحتُ بائعةً ثلاثينية تلي العجوز, وتجاورها, وتبدو قراميطها ثائرة متشاكسة داخل طشت مليء بالماء, كأنه حوض تتناوش به القراميط الحية في غير هوادة, كأندادٍ يتنافسون على لقب " أنا الأقوي" .. تلتقط بائعة القراميط على الفور تلك الورقة فئة المئتين جنيه من بين يدي المُسنة التي مازالت تتأملها في فرحٍ لا أدري ماسببه .. فلعلها كانت تنوي جلب الفاكهة, أو بعض الثياب الجديدة من أجل أحفادها " فأعز الوِلد؛ وِلد الوِلد كما يقولون في الأمثال" ولا سعادة تضاهي سعادة جدة, تُهدي أحفادها أثمن, وأطيب ماتملك, وتجلب من أجلهم أثمن ما يمكنها جلبه ..
هلعتْ البائعة الثلاثينية, و اصفرَّ وجهها, وهى تشهق قائلة: ــ
يا خالتي.. لقد غشتكِ الزبونة "بنت اللئيمة", وأعطتكِ مئتي جنيه مزورة ..
انسابت دموع العجوز, و هى تقول: ــ
"منها لله ".. لقد كنت سأراجع طبيب العظام الليلة, ساقيَّ ماعادت تحملني يا ابنتي.. وزيارة الطبيب الشهير ببلدتنا مكلفة كما تعلمين .. ولولة.. وجزع .. وحوقلة.. و مئات من عبارة "حسبنا الله و نِعم الوكيل" يرددها الناس من حولها, وهى تذرف ماء عينيها السخين .. تجمع " أوِلاد الحلال" من كل صوبٍ, يجمعون من أجلها المال, والذي تجاوز الثلاثمائة جنيه.. فغمرت وجهها المجعد السعادة الممتزجة, بدموع الفَرَح.. وقالت:- ياما انتَ كريم ياااا رب .. إذا كان هناك غشاشون كثيرون, فالطيبيون والحمدلله أكثر ..
ثم أخذت تُقبل يدها اليمني " وش و ظهر " .. لاهجة بعبارات الحمد, والشكر للكريم الذي لم يردها إلى دارها بِخُفي حُنين ..
اليوم تجولت بأرجاء السوق العامرة, و مررتُ ببائعات ريفيات المظهر, واللهجة, والملامح, تراصتْ أمامهن "طُشوت" ملأى بأصنافٍ شتي من الأسماك التي مازالت الحياة تجري في بعضها, فتتمرد, وتتقافز, فتعيدها البائعة إلى مستقرها بالطشت, كما لو كانت تردع ابنتها المراهقة عن الخروج من البيت بدون إذنها .. كانت أكبرهن عمرًا, هى بائعة قد خطَّ الزمان خطوته على وجهها, رغم ابتسامتها الواسعة وهى تتناول ورقة من فئة المئتي جنيه من زبونة قد اشترت منها بعض أسماك البلطي النيلي الطاازج.. وعلى إثرِ ذلك ابتسمت العجوز في سعادة وهى تسكب كل ماكان بداخل كيسها القماشي الملوث, والمبقع ببقعٍ من دماء السمك, والذي يتصل بعنقها بخيط صوفي سميك, حتى بدا كيس النقود كقلادة تعلقها في جيدها, خشية السرقة.. تلوث الكيس القماشي بدماء السمك الذي تشق البائعة بطونه بمقصها الحاد الثقيل, ومن ثمَّ تخرج أحشاءه ثم تغسله بماء استحال لون مائه للون الأحمر .. أخذتْ البائعة ترص أوراقها النقدية, الواحدة تلو الأخرى على مهلٍ, خشية الخطأ في الحساب, تضع الورقة فئة الخمسين جنيهًا, وفوقها ورقات من فئة العشرين, ثم العشرات ثم الخمسات ثم جمعت بعض الجنيهات المعدنية, وأعطتها باقي حساب البيعة للزبونة التي حثت الخُطي فور انتهاء مهمتها في شراء السمك .. ثم ركضتْ كمن سيفوتها قطار .. وماهى سوى ثوانٍ قليلات, وإذ لمحتُ بائعةً ثلاثينية تلي العجوز, وتجاورها, وتبدو قراميطها ثائرة متشاكسة داخل طشت مليء بالماء, كأنه حوض تتناوش به القراميط الحية في غير هوادة, كأندادٍ يتنافسون على لقب " أنا الأقوي" .. تلتقط بائعة القراميط على الفور تلك الورقة فئة المئتين جنيه من بين يدي المُسنة التي مازالت تتأملها في فرحٍ لا أدري ماسببه .. فلعلها كانت تنوي جلب الفاكهة, أو بعض الثياب الجديدة من أجل أحفادها " فأعز الوِلد؛ وِلد الوِلد كما يقولون في الأمثال" ولا سعادة تضاهي سعادة جدة, تُهدي أحفادها أثمن, وأطيب ماتملك, وتجلب من أجلهم أثمن ما يمكنها جلبه ..
هلعتْ البائعة الثلاثينية, و اصفرَّ وجهها, وهى تشهق قائلة: ــ
يا خالتي.. لقد غشتكِ الزبونة "بنت اللئيمة", وأعطتكِ مئتي جنيه مزورة ..
انسابت دموع العجوز, و هى تقول: ــ
"منها لله ".. لقد كنت سأراجع طبيب العظام الليلة, ساقيَّ ماعادت تحملني يا ابنتي.. وزيارة الطبيب الشهير ببلدتنا مكلفة كما تعلمين .. ولولة.. وجزع .. وحوقلة.. و مئات من عبارة "حسبنا الله و نِعم الوكيل" يرددها الناس من حولها, وهى تذرف ماء عينيها السخين .. تجمع " أوِلاد الحلال" من كل صوبٍ, يجمعون من أجلها المال, والذي تجاوز الثلاثمائة جنيه.. فغمرت وجهها المجعد السعادة الممتزجة, بدموع الفَرَح.. وقالت:- ياما انتَ كريم ياااا رب .. إذا كان هناك غشاشون كثيرون, فالطيبيون والحمدلله أكثر ..
ثم أخذت تُقبل يدها اليمني " وش و ظهر " .. لاهجة بعبارات الحمد, والشكر للكريم الذي لم يردها إلى دارها بِخُفي حُنين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق