
. لفت ا نتباهه شيء يحبه ..يتوق إليه ..عيناه تعشقانه ..صف من الجنود يسيرون على إيقاع الموسيقى يؤدون التحية إلى ضابط كبير يقف على منصة يحمل النياشين وهو ينظر نحو الجنود التي تحيًيه بحبور وزهو ..فجأة اختفت الصورة ..وظهرت قناة أخرى فيها فيلم لبنات يستعرضن أزياءهن ..فتيات في قمة النحول والرشاقة ..فتح عينيه على اتساعهما بغضب وحملق في الجالسين ..لمح أحدهم بيده الريموت كونترول ..أدرك على الفور أنه هو من استبدل القناة ..نهض إليه وهو يجر خطوات متثاقلة وقام بجذب الجهاز من يده ..دون أن ينتظر منه ردة فعل معاكسة ..أخذ يعبث في الازرار بحثا عن القناة الفضائية المفقودة ..ولما عجز عن ذلك صاح بصوت متحشرج :
_عماد ..تعال ياعماد ؟
_نعم سيادة اللواء ..
قالها فتى المقهى وأقبل نحوه مسرعاً... هو اعتاد عليها كجزء مهم من حياته لا يمكن التفريط به ..تشعرهُ تلك الكلمة بالفخر (سيادة اللواء ) تلك كانت علامته الفارقة في الحي والمقهى لقب يعتز به كثيرا ، قال للفتى :
_أريد تلك القناة الفضائية التي كان فيها العسكر.. أولئك الذين كانوا يسيرون فيها على إيقاع الموسيقى العسكرية ؟
بهُتَ الفتى ونظر إلى الجالسين ثم تمتم ببلاهة :
_ومايدريني أي قناة كانت تبثُ استعراضاً عسكريا !
--أنتَ حمار ..وستبقى حماراً ..هيا أغرب عن وجهي .
ابتسمَ فتى المقهى وانصرف عنه وهو يهز رأسه
عاد ليجلس في مكانه فيما كان رجل الريموت ينظر إليه بدهشة.. لم يلبث ان سكن روعه عندما ربّت صاحب المقهى على كتفه وهمس له :
_امسحها بلحيتي . صاحبنا.(سيادة اللواء) مجنون ..
عاد صاحب المقهى ليجلس خلف الطاولة الصغيرة التي لا تتناسب وحجمه الضخم ..بيد أن الرجل (اللواء ) شرع ينظر بغضب نحو الرجل الذي أفسدَ عليه متعة المشاهدة..بعد قليل نظر
إلى الأعلى نحو الصورة المعلقة فوق رأسه وصاح بصوت عال سمعه الجميع :
_هزُلت والله ..هزُلت ورب الكعبة ..أنظر ياسيدي إلى هذا التافه ..أنا أجزم أنه لم يخدم يوماً واحدا في الجيش .وكان يشير نحو رجل الريموت الستيني الذي حرمه متعة مشاهد العسكر.
.لم يعرهُ الجالسون انتباههم ..ظل يتكلم دون أن يرد عليه أحد ..فقد اعتادوا تلك النغمة التي لم تنقطع يوما عن مجلسهم .. نهض واقفا على قدميه وأخذ يتكلم مع صورة الرجل العسكري المعلقة على الجدار :
_وداعتكْ سيدي الزعيم ..أنت زعيمي حقا وان كنتُ أنا أعلى رتبة منك ..ولكنني أحترمك ...بعدك هزُلت وضاعَ لجامها ...وداعة عيونك سيدي ..في حرب تشرين عندما تقدمنا نحوالصهاينة على سرف الدبابات ..جعلناهم كالفيران يهربون ..قاتلناهم بكل عزم وتضحية ..دمشق الغالية جعلناها عصية على اسرائيل اللقيطة ..تفوووه على الدواعش ..هم أيضا لقطاء أولا د كلب ..آه لوكان في العمر بقية ..التفت إليه أحدهم متسائلا :
_متى تقاعدتَ من العسكرية سبادة اللواء .؟
_ها أبو غايب ..عيوني انت..أنا تقاعدتُ بتأريخ 5 يوم الأربعاء لشهر تموز في 1979..
_هل عدتَ إلى الجيش في حربنا مع إيران ؟
_لا يابة ..تقاعدت لإسباب صحّية ..فقدتُ أصابع قدمي اليمنى بلغم أرضي في حرب تشرين مع أولئك الكلاب ..كنتُ عميداً وتقاعدت برتبة رتبة لواء ..
-_أما زلتَ تحن إلى أيام العسكرية ؟
_آه ..أه يا أبو غائب ..العسكرية تسري في دمي ..ويأتي الآن من يحرمني من رؤية العسكر وهم يستعرضون ببزاتهم الجميلة لينقلني إلى قناة استعراض الأزياء لفتيات (مسلّوعات) مصابات بالسل الرئوي .
.هنا انفجرت عاصفة من الضحك بعد أن ردد تينك الكلمتين ..التفت إليه الرجل صاحب الريموت وقال :
_ألايكفي حرب ودمار وسلاح وقتل وتشريد ؟على الأقل دعونا نتفرج على تلك الجميلات الرشيقات ..نهض إليه الرجل (اللواء )وهو يهّز يده بسخرية :
_أنا أجزم أنك كنتَ هارباً من الخدمة العسكرية .
. تحرّكَ رجل الريموت وهو يروم النهوض واقفا وكأنه يتهيأ لحركة نزقة قد يقوم بها غريمه وتطيح به أمام رواد المقهى .. بغضب ارتسم على ملامحه الخمسينية رد قائلا :
_لا تجزم أيها المجنون ..أنا خدمتُ بالعسكرية في حرب إيران والكويت ولم أهرب يوماً واحدا ..حرب تشرين ستة أيام وحرب إيران ثماني سنين ..هل تحسب نفسك بطلاً أيها المخبول ؟
تقدّم منه الرجل (اللواء )ووقف قبالته تماما ..ثم رفع الطاولة التي كان يجلس اليها لا عبو الدومينو ..فتطايرت قطع الدومينو في كل مكان ..استاء اللاعبون من تصرفه الغريب وصاحوا به ليبعدوه عن المكان ..نهض صاحب المقهى وأمسكه من ياقته وقال :
_لو لم تكن صديقا لوالدي لرميتك في الشارع ..لاتكن سبباً في قطع رزقي أيها "النائب عريف " المجنون ..اهدأ واجلس في مكانك .
.نظر الجالسون ودارت أعينهم في محاجرها وهم يستمعون لصاحب المقهى وهو يلفظ كلمة _نائب عريف _ قام إليه الرجل صاحب ال ريموت وجذبه من ياقة قميصه وصاح به :
_كنتً (نائب عريف) في الجيش وتكذب علينا ..تتمشدق وتتبختر كالطاووس أيها الكذاب ؟
--على رسلك.. كنتُ برتبة لواء في الجيش.. كنتُ قائدا للفرقة الآلية الخامسة..أنا من حطم الترسانة الإسرائيلية ..أنا من أبكى عاهراتهم ...أنا من جعل موشي دايان يتبول في سرواله.
ضجّ الجالسون بالضحك ..وشرعوا يجمعون قطع الدومينو من الأرض ..الرجل (اللواء) مابرح يرغي ويزبد ويتلو عليهم بطولاته ..كان يزعق حاملا رتبة عسكرية في كفه ، وهو يصيح :
--حيــوانات ..لا تفرّقون بين نائب العريف واللواء ..أليست هذه رتبتي ..فيها هذا النسر والسيفين المتقاطعين؟!.
.أمسكَ صاحب المقهى بالقطعة الخاكية ونظر فيها ثم لم يلبث أن انفجر ضاحكا فقد كانت تحمل شارة خيطين سوداوين كسكة الحديد منقوشتان في قطعة القماش الخاكية .. عندما رفع ذراعه ليريهم الشارة العسكرية ....غصَّ الجميع بالضحك .!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق