
الظلام نفسه قادما من سبات عميق ، المقهى لم يكن بعيدا ( لا حاجة لسيارة ... سأذهب مشيا ) قال لنفسه وهو يدس يديه الباردتين في جيب معطفه ، نسمة تصفع وجهه المائل للحمرة ، اقترب كثيرا من المقهى ، توقف قليلا ، فقد بدأ المطر يتساقط للتو ( ليتك انتظرت حتى تأتي ) كررها مرات في جوفه ، المقبرة تطل على أطراف المقهى ذو الأضواء الخافتة ، تلاقت مع نظراته التي كادت تهرب خوفا ، ابتسم بطرف كم المعطف ( سأزورك يوما ، لكنها زيارة أزلية ... ) تمتم ثم ولج لداخل مقهاه ، أشعل سيجارته ، إحتساها مع شاي أخضر ، رمق ساعته بنظرة مريبة ، دخان السيجارة لم يتوقف ، ونظراته لم تتوقف ، كلما انبلج باب المقهى قفز قلبه إلى هناك ، لكنه لا يلبث أن يعود إلى شريانه ، كادت علبة السجائر أن تنتحر ، نفض يديه من رماد تطاير من منفضة قديمة ( فنجان قهوة سادة لو سمحت ) ... عندما وضع النادل الفنجان أمامه كان يحملق نحو صدر الباب ...
- القهوة يا سيدي ..
- إذهب إذهب ...
شرب قهوته وكأنه يشربها لأول مرة ، ضرب الفنجان بأرض المقهى ، حمل ولاعته الصفراء ثم خرج ...
- الحساب ... الحساب يا سيد ...
رمى بقطعة نقدية في الهواء دون أن يلتفت خلفه ، المطر حينها كان يسابق الليل ..
- مساء جميل يصلح للحب ، لكنها لم تأت ...
- ربما حدث معها طارئ ما ...
كلماته كانت مسموعة ، ضحك أحد المارة ، طريق العودة كان طويلا ..
- تراها لما لم تأت ، أليس هذا كانون الآخر ...
لم يكمل كلماته حتى صفع عيناه كرسيان وطاولة ، شاب أسمر وهي هناك في مقهى العشاق ، كادت حدقتا عينيه أن تتفجرا ، إنها هي ، هي ، لملم بقايا قلبه المتبعثر على رصيف الذكريات ، مسح آخر دمعة بكم معطفه ، تابع سيره ، سنوات مضت وهو مازال لم يصل إلى بيته القريب ...
................
وليد.ع.العايش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق