1- قطة في منزل ساخن
كي تكتمل المفارقة والدهشة، يقرر المؤلف أن تكون القطة مصنوعة من الثلج. تعترض القطة على مصيرها المحتوم، وانتهاء حياتها في مجارير المدينة بعد أن تذوب في منزل المؤلف الساخن. يطيّب المؤلف من خاطرها، يضعها في حضنه الدافئ، ويبدأ في مداعبة وبرها الثلجي. تشعر القطة بالخطر القادم، وتهرب من حضن المؤلف، وتقفز عبر نافذة الطابق العاشر. كانت شمس حزيران قوية على غير العادة، وحين اصطدمت القطة الثلجية بالوهج الحارق، ذابت قبيل وصولها إلى الأرض، ثم تبخرت في لحظات قليلة وتحولت إلى غيمة بنية بلون وبرها تماماً. نزل المؤلف بسرعة إلى الشارع بحثاً عن قطته الأليفة فلم يجد أثراً لها. لم يفقد الأمل بالعثور عليها، ووسع بحثه إلى مناطق أخرى، ثم لاحظ تلك الغيمة البنية التي ترافقه حيثما حلّ. وصل المؤلف إلى طرف المدينة، وجلس على الحافة المطلة على المحيط. نزلت الغيمة والتجأت إلى حضن والدها الدافئ. وشعرت بالأمان وهي تسمع دقات قلبه. ثم شعرت بالفزع وهي تسمع أفكاره، لقد كان المؤلف راغباً بالانتحار.
نهضت الغيمة بسرعة، وأمسكت بالمؤلف من رقبته ثم بدأت بجره بعيداً عن المحيط. كان البيت الساخن قريباً منهماً. صعدت الغيمة مع أبيها إلى الطابق العاشر. ثم أجلسته عنوة إلى طاولة الكتابة، وبدأت تملي عليه قصة جديدة تدور أحداثها حول كاتب قصص كان يعمل شرطياً لدى العاصفة الثلجية، كان الشرطي فاسداً، وقد ذوب الكثير من الحيوانات، كالغزلان والفقمات والدببة، ولم يسمح لها بالخلود الجليدي. كان شرطياً في منتهى الفساد، ذوّب كل ما خلقته الكلمات. واستثنى جسده الذي واصل الحياة والبحث عن مخلوقاته المتبخرة.
2-خطأ في التنقيط
تدرّب على اصطياد السناجب. ثم صار ماهراً في اصطياد الأرانب. وفيما بعد صار صاحب طريقة في اصطياد الدببة. ولما وصل إلى النهر الذي يفضي إلى دار النعيم، رفض النوتي اصطحابه في القارب، وطلب منه شهادة الأخلاق الرفيعة. أخبره أنها ضرورية لعبور الحواجز الكثيرة التي يديرها ملائكة أشداء لا يقبلون الرشوة.
تراجع الصياد حزيناً، وصار يفكر بطريقة للحصول على تلك الشهادة الضرورية. فتوصل إلى أن أسرع الطرق هي اصطياد تلك الشهادة.
تسلق شجرة صنوبر عالية، وصوب بندقيته ذات المقبض الأبنوسي المطعم بالجواهر نحو الغابات القريبة. ثم أخرج المنظار المكبّر، وصار يبحث عن شهادته.
لم يطل بحثه كثيراُ، فقد رآها تركض خلف السناجب بسرعة فائقة وهي تحثّها على الهرب. ثم لمحها تتربص بعشرات الدببة والآيائل، لتحذرها من الطلقات الغادرة. وحين توقفت قرب بحيرة لتنبه بعض البطّات، صوب نحوها مؤشر البندقية، وحرص على إصابتها في مكان القلب تماماً. أطلق طلقة واحدة، فهوت شهادة الأخلاق الرفيعة صريعة.
حمل الشهادة سعيداً إلى النوتي. تفحصها النوتي ثم طرد الصياد وهو يقول:
-لقد أحضرتَ أيها الغبي شهادة الأخلاق الرقيعة!
حينها انجلت بصيرة الصياد، وعرف أن طلقته غيرت تنقيط ” الرفيعة”، بنفس الطريقة التي غيرت طلقات بندقيته هابيلاً، فحولته إلى قابيل قاتل مثله إلى الأبد.
-
*حسان الجودي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق