⏪⏬
ذهبت أنا ومارتا في جولة لقطف زهور البابونج البري، وبالرغم من موجة الحر الشديدة، كانت مارتا كعادتها ترتدي سترتها الصوفية
الدافئة. التقطنا زهور البابونج فاقعة اللون، البيضاء والصفراء منها، وألقينا بها في السلة. قالت مارتا: إن الناس يشبهون الأرض التي يعيشون عليها، سواء أحبوا ذلك أم لا، وسواء كانوا على دراية بوجودها أم لا.
فمثلاً الأشخاص الذين يولدون حيث تكون التربة رملية فاتحة اللون يكونون ضعفاء وذوي بشرة ناعمة وجافة. يبدو للوهلة الأولى أنهم ضعفاء، ويفتقرون إلى الطاقة نوعاً ما، لكنهم كالرمال عنيدون، ولديهم القدرة على التمسك بالحياة، تماماً مثلما تتمسك أشجار الصنوبر بالرمال التي تنمو بداخلها.
هؤلاء الأشخاص منعدمو الثقة بالآخرين، لا يؤمنون بتلك الأشياء التي يعتبرها الآخرون واضحة لا شك فيها. يتنقلون في كل الأمكنة، لا يخشون الرحلات الطويلة، لذلك غالباً ما يهاجرون إلى بلدان أخرى، لأنهم يشعرون أنهم على ما يرام في كثير من الأماكن المختلفة.
سرعان ما يعتادون على الأشياء الجديدة، وسرعان ما ينسون ما حدث لهم في الماضي. لا يعانون لفترة طويلة بعد تعرضهم للمِحن، والخسائر، وخيبات الأمل في الحب. يمكنهم التنبؤ بالمستقبل؛ فهم على علم بما سيحدث. غالباً ما يفشلون في الوفاء بوعودهم - لأن كل شيء يبدو لهم مؤقتًا وقابلاً للتغيير؛ فالشخص الذي يقدم الوعد ليس هو نفسه الشخص الذي يفي به. ينجبون الكثير من الأطفال، ضعفاء ذوو بشرة ناعمة مثلهم، وسرعان ما يكبرون ويتركون والديهم دون أدنى شعور بالذنب، ثم يرسلون بطاقات التهنئة إلى المنزل. مثل هؤلاء الأشخاص لا يتوقون أبداً إلى الماضي، فهم دائماً مهتمون بما يحدث الآن. فبالنسبة لهم، ما حدث قد حدث، وانتهى الأمر.
أما الأشخاص الذين يولدون حيث توجد كميات كبيرة من المياه، في الأراضي الخصبة أو على ضفاف الأنهار العظيمة يكونون مختلفين؛ فأجسادهم تكون ناعمة وهشَّة وحسَّاسة، وبشرتهم تكون بدرجة أغمق، مع مسحة خفيفة من لون الزيتون، باردة ورطبة، تبرز العروق الزرقاء تحتها. تبرد أيديهم وأقدامهم بسهولة، وفي مرحلة الشباب تكون جباههم مغطاة بالبثور وشعرهم ذو طبيعة دهنية. هؤلاء الأشخاص يكونون متعلقين بالماضي، ما يجعلهم حذرين، وغير آبهين بالتغيير. من السهل إثارة غضبهم، فيمكن لملاحظة بريئة أن تغرق في أعماق ذاكرتهم وتقبع هناك إلى الأبد، ما يولَّد لديهم مشاعر تعيش داخلهم لبقية حياتهم. تذرف عيونهم الدمع بسهولة، ليس فقط بسبب الحزن أو الأسى، ولكن أيضًا بسبب الفرح والإثارة المفرطة. يثقون بغيرهم بسرعة كالحيوانات، ولذلك؛ فإنهم يقعون في الحب في سن مبكرة، فتتشكل لديهم مشاعر تدوم مدى الحياة. تصبح أجسادهم معتادة على بعضها البعض، تندمج أرواحهم معًا مثل بركتين، لذلك لا يحتاجون إلى الكلام لفهم بعضهم البعض. وأكثر ما يكرهونه هو المغامرات بكافة أنواعها. يقولون إن الأماكن كلها هي نفسها، لذلك فمن الأفضل أن تبقى في المنزل، وأن تتنفس هواءك بدلاً من أن تتجول خارجاً، حتى لو كنت في أكثر البلدان إثارة. وإذا حدث وفقدوا منازلهم خلال الحروب أو الأوضاع غير المستقرة، فإنهم يموتون بعد فترة وجيزة. أطفالهم يصعب إرضاؤهم، كثيرو البكاء، وعليهم الاستيقاظ ليلاً لتهدئتهم. هؤلاء الأطفال لا يرغبون بالذهاب إلى المدرسة، ليس لأنهم أغبياء، ولكن لأنهم خائفون من الضجيج والفوضى. حيواناتهم مثلهم، هادئة ومحبة. أبقارهم تمنحهم الكثير من الحليب، وأغنامهم لها طبقة كثيفة من الصوف، ودجاجاتهم تضع بيضًا كبيراً وثقيلًا. يبنون منازلهم لتبقى لهم طوال حياتهم، أو لأجيال كثيرة قادمة، وغالباً ما تكون منخفضة وذات جدران سميكة.
هناك أيضًا أشخاص يولدون على الأراضي الصخرية أو الأحجار الرملية أو الجرانيت. أولئك تكون بشرتهم ذات ملمس قاس وخشن، وكذلك عضلاتهم وعظامهم. يملكون شعراً وأسناناً قويين، والجلد على راحة أيديهم وباطن أقدامهم قاس. ظاهرياً، يبدو أنهم أقوياء وقساة؛ ذلك أن أجسادهم تشبه الدروع، بينما في داخلهم الكثير من الفراغ، لذلك فإن كل ما يرونه أو يسمعونه يدوي بداخلهم كالناقوس. لا ينسون شيئاً أبداً. يمكنهم أن يتذكروا كل يوم من حياتهم، ومذاق كل الأطعمة التي تناولوها، وحتى كل كلمة قيلت لهم. وعلى الرغم من احتياج الآخرين إليهم، يمكنهم تدبر أمورهم دون الحاجة إلى أحد. لأنهم مثل علامات الطرق أو أحجار الحدود، تلك التي توضح لك أين يبدأ شيء ما وأين ينتهي، وإلى أين يقودك.
سألتُ مارتا أي نوع من الأشخاص هي، ولكن، يا لها من ماكرة! قالت إنها لا تعرف، وبعد وهلة أضافت: "أنا أبتكر تلك التصنيفات فقط من أجل الآخرين".
ذهبت أنا ومارتا في جولة لقطف زهور البابونج البري، وبالرغم من موجة الحر الشديدة، كانت مارتا كعادتها ترتدي سترتها الصوفية
الدافئة. التقطنا زهور البابونج فاقعة اللون، البيضاء والصفراء منها، وألقينا بها في السلة. قالت مارتا: إن الناس يشبهون الأرض التي يعيشون عليها، سواء أحبوا ذلك أم لا، وسواء كانوا على دراية بوجودها أم لا.
فمثلاً الأشخاص الذين يولدون حيث تكون التربة رملية فاتحة اللون يكونون ضعفاء وذوي بشرة ناعمة وجافة. يبدو للوهلة الأولى أنهم ضعفاء، ويفتقرون إلى الطاقة نوعاً ما، لكنهم كالرمال عنيدون، ولديهم القدرة على التمسك بالحياة، تماماً مثلما تتمسك أشجار الصنوبر بالرمال التي تنمو بداخلها.
هؤلاء الأشخاص منعدمو الثقة بالآخرين، لا يؤمنون بتلك الأشياء التي يعتبرها الآخرون واضحة لا شك فيها. يتنقلون في كل الأمكنة، لا يخشون الرحلات الطويلة، لذلك غالباً ما يهاجرون إلى بلدان أخرى، لأنهم يشعرون أنهم على ما يرام في كثير من الأماكن المختلفة.
سرعان ما يعتادون على الأشياء الجديدة، وسرعان ما ينسون ما حدث لهم في الماضي. لا يعانون لفترة طويلة بعد تعرضهم للمِحن، والخسائر، وخيبات الأمل في الحب. يمكنهم التنبؤ بالمستقبل؛ فهم على علم بما سيحدث. غالباً ما يفشلون في الوفاء بوعودهم - لأن كل شيء يبدو لهم مؤقتًا وقابلاً للتغيير؛ فالشخص الذي يقدم الوعد ليس هو نفسه الشخص الذي يفي به. ينجبون الكثير من الأطفال، ضعفاء ذوو بشرة ناعمة مثلهم، وسرعان ما يكبرون ويتركون والديهم دون أدنى شعور بالذنب، ثم يرسلون بطاقات التهنئة إلى المنزل. مثل هؤلاء الأشخاص لا يتوقون أبداً إلى الماضي، فهم دائماً مهتمون بما يحدث الآن. فبالنسبة لهم، ما حدث قد حدث، وانتهى الأمر.
أما الأشخاص الذين يولدون حيث توجد كميات كبيرة من المياه، في الأراضي الخصبة أو على ضفاف الأنهار العظيمة يكونون مختلفين؛ فأجسادهم تكون ناعمة وهشَّة وحسَّاسة، وبشرتهم تكون بدرجة أغمق، مع مسحة خفيفة من لون الزيتون، باردة ورطبة، تبرز العروق الزرقاء تحتها. تبرد أيديهم وأقدامهم بسهولة، وفي مرحلة الشباب تكون جباههم مغطاة بالبثور وشعرهم ذو طبيعة دهنية. هؤلاء الأشخاص يكونون متعلقين بالماضي، ما يجعلهم حذرين، وغير آبهين بالتغيير. من السهل إثارة غضبهم، فيمكن لملاحظة بريئة أن تغرق في أعماق ذاكرتهم وتقبع هناك إلى الأبد، ما يولَّد لديهم مشاعر تعيش داخلهم لبقية حياتهم. تذرف عيونهم الدمع بسهولة، ليس فقط بسبب الحزن أو الأسى، ولكن أيضًا بسبب الفرح والإثارة المفرطة. يثقون بغيرهم بسرعة كالحيوانات، ولذلك؛ فإنهم يقعون في الحب في سن مبكرة، فتتشكل لديهم مشاعر تدوم مدى الحياة. تصبح أجسادهم معتادة على بعضها البعض، تندمج أرواحهم معًا مثل بركتين، لذلك لا يحتاجون إلى الكلام لفهم بعضهم البعض. وأكثر ما يكرهونه هو المغامرات بكافة أنواعها. يقولون إن الأماكن كلها هي نفسها، لذلك فمن الأفضل أن تبقى في المنزل، وأن تتنفس هواءك بدلاً من أن تتجول خارجاً، حتى لو كنت في أكثر البلدان إثارة. وإذا حدث وفقدوا منازلهم خلال الحروب أو الأوضاع غير المستقرة، فإنهم يموتون بعد فترة وجيزة. أطفالهم يصعب إرضاؤهم، كثيرو البكاء، وعليهم الاستيقاظ ليلاً لتهدئتهم. هؤلاء الأطفال لا يرغبون بالذهاب إلى المدرسة، ليس لأنهم أغبياء، ولكن لأنهم خائفون من الضجيج والفوضى. حيواناتهم مثلهم، هادئة ومحبة. أبقارهم تمنحهم الكثير من الحليب، وأغنامهم لها طبقة كثيفة من الصوف، ودجاجاتهم تضع بيضًا كبيراً وثقيلًا. يبنون منازلهم لتبقى لهم طوال حياتهم، أو لأجيال كثيرة قادمة، وغالباً ما تكون منخفضة وذات جدران سميكة.
هناك أيضًا أشخاص يولدون على الأراضي الصخرية أو الأحجار الرملية أو الجرانيت. أولئك تكون بشرتهم ذات ملمس قاس وخشن، وكذلك عضلاتهم وعظامهم. يملكون شعراً وأسناناً قويين، والجلد على راحة أيديهم وباطن أقدامهم قاس. ظاهرياً، يبدو أنهم أقوياء وقساة؛ ذلك أن أجسادهم تشبه الدروع، بينما في داخلهم الكثير من الفراغ، لذلك فإن كل ما يرونه أو يسمعونه يدوي بداخلهم كالناقوس. لا ينسون شيئاً أبداً. يمكنهم أن يتذكروا كل يوم من حياتهم، ومذاق كل الأطعمة التي تناولوها، وحتى كل كلمة قيلت لهم. وعلى الرغم من احتياج الآخرين إليهم، يمكنهم تدبر أمورهم دون الحاجة إلى أحد. لأنهم مثل علامات الطرق أو أحجار الحدود، تلك التي توضح لك أين يبدأ شيء ما وأين ينتهي، وإلى أين يقودك.
سألتُ مارتا أي نوع من الأشخاص هي، ولكن، يا لها من ماكرة! قالت إنها لا تعرف، وبعد وهلة أضافت: "أنا أبتكر تلك التصنيفات فقط من أجل الآخرين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق