⏪⏬
ثمة طريقة يائسة لمعرفة السر، هي فرض القوة الكاملة على الآخر، القوة التي تجعله يفعل ما نريده ويشعر بما نريده ويفكر بما نريد،
القوة التي تحوله إلى شيء خاص بنا، إلى ملكنا، وتكمن الدرجة القصوى لهذه المحاولة للمعرفة في تطرف السادية: وهي الرغبة في جعل الإنسان يعاني، القدرة على تعذيبه وإرغامه على الإفضاء بسره أثناء معاناته. وقد عبّر عن هذه الفكرة بطريقة مُلفتة إسحاق بابل وهو ينقل قول ضابط زميل له خلال الحرب الأهلية الروسية سحق عظام أستاذه وعذبه حتى الموت" وطأتُ أكثر من مرة عدواً لأكثر من ساعة لأنني أردت أن أعرف ما هي الحياة حقاً".
هذا الدرب للمعرفة واضح تمام الوضوح لدى الطفل، فهو يأخذ شيئاً على حدة ويحطمه لكي يعرفه، يأخذ فراشة جانباً ويمزق أجنحتها بقسوة لكي يعرفها، يرغمها على أن تبوح بسرها. والقسوة إنما يحركها شيء أعمق: الرغبة في معرفة سر الأشياء والحياة.
ساديتي تحركها رغبتي لمعرفة السر، ومع هذا أظل جاهلاً كما كنت من قبل. إنني أمزق الكائن الآخر إرباً إرباً ومع هذا فإن كل ما فعلته أنني دمرته. أما الطريق الآخر لمعرفة السر هو الحب. ولعله الطريق الوحيد فالحب نفاذ فعال إلى الشخص الآخر، إنني في فعل الإندماج أعرفك، أعرف نفسي، أعرف كل إنسان.
لكن ما هو الحب دون استمرارية وعناد؟ دون رعاية ومسؤولية؟ إذا قال لنا أحدهم أنه يحب الزهور ورأينا أنه ينسى أن يسقيها فهل نصدق أنه "يحب" الزهور؟ ليس الحب سوى الاهتمام بحياة ونمو ذلك الذي نحبه، وحيث ينقص هذا الاهتمام لا يكون هناك حب.
هذا ما وُصف على نحو دقيق في إصحاح يونان. فلقد أخبر الرب يونان/ يونس أن يذهب إلى نينوى لتحذير سكانها من عقاب سيحيق بهم ما لم يُقلعوا عن طرقهم الشريرة. وكان أهل نينوى -عاصمة مملكة أشور- أغنياء يعبدون الآلهة عشتار وملوكها يُعرفون بالعنف الشديد، تسليتهم جذع أنوف الأسرى وقطع أيديهم وآذانهم وعرضهم للسخرية والهزأ أمام الشعب. وقد تهرب يونان من رسالته لأنه خاف من أن يندم سكان نينوى ويسامحهم الله... إنه إنسان ذو شعور قوي بالنظام والقانون، ولكنه دون حب. وعلى أية حال، خلال محاولته الهرب يجد نفسه في بطن حوت يرمز إلى حالة العزلة والحصار التي يسببها له خلوه من الحب والتضامن.
لكن الرب ينقذه ويقصد يونان نينوى أخيراً وهو يدعو أهلها للتوبة وإلا تنقلب المدينة بعد 40 يوماً، دون أن يعظهم أو يصنع آية واحدة، رغم ذلك يحدث ما كان خائفا منه: إذ يسارع الأهالي للتوبة عن خطاياهم، يصومون ويلبسون مسوحاً ويصرخون إلى الله الذي يغفر لهم ويقرر أن لا يهدم المدينة.
يخيب أمل يونان ويغضب غضبا شديدا لأنه يريد "العدالة" أن تأخذ مجراها لا الرحمة. وأخيراً يجد الراحة في ظل يقطينة جعلها الله تنمو من أجله لتحميه من الشمس، لكن عندما تذبل الشجرة يشعر بالإحباط ويشتكي غاضباً، فيجيب الرب:" أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة؟" ( يون 4: 10-11 ).
يونان يهتم باليقطينة لمنفعته الخاصة، يطلبها لراحته، لكنه لم يتعب فيها، وجواب الرب يجب أن يُفهم على نحو رمزي. لقد شرح له أن ماهية الحب هي "العمل" من أجل شيء. و"أن يجعل شيئاً ينمو" وأن الحب والعمل لا ينفصلان. فالإنسان يعمل من أجل ذلك الذي يحب ويحب ذلك الذي يعمل من أجله، والحب الحقيقي هو الذي ينتصر باستمرار، أحياناً بألم على العوائق. وإن كانت "المسؤولية" اليوم تشير إلى الواجب المفروض على الإنسان، لكنها في معناها الحقيقي هي فعل إرادي تماماً: أن أكون مسؤولاً يعني أن أكون مستعداً وقادراً على الاستجابة لاحتياجات الآخر سواء عبّر عنها أم لم يعّبر، أن أكون مسؤولاً يعني أن لا أسأل كما سأل قابيل :أنا راعي أخي؟... لأن المُحب يستجيب.
ثمة طريقة يائسة لمعرفة السر، هي فرض القوة الكاملة على الآخر، القوة التي تجعله يفعل ما نريده ويشعر بما نريده ويفكر بما نريد،
القوة التي تحوله إلى شيء خاص بنا، إلى ملكنا، وتكمن الدرجة القصوى لهذه المحاولة للمعرفة في تطرف السادية: وهي الرغبة في جعل الإنسان يعاني، القدرة على تعذيبه وإرغامه على الإفضاء بسره أثناء معاناته. وقد عبّر عن هذه الفكرة بطريقة مُلفتة إسحاق بابل وهو ينقل قول ضابط زميل له خلال الحرب الأهلية الروسية سحق عظام أستاذه وعذبه حتى الموت" وطأتُ أكثر من مرة عدواً لأكثر من ساعة لأنني أردت أن أعرف ما هي الحياة حقاً".
هذا الدرب للمعرفة واضح تمام الوضوح لدى الطفل، فهو يأخذ شيئاً على حدة ويحطمه لكي يعرفه، يأخذ فراشة جانباً ويمزق أجنحتها بقسوة لكي يعرفها، يرغمها على أن تبوح بسرها. والقسوة إنما يحركها شيء أعمق: الرغبة في معرفة سر الأشياء والحياة.
ساديتي تحركها رغبتي لمعرفة السر، ومع هذا أظل جاهلاً كما كنت من قبل. إنني أمزق الكائن الآخر إرباً إرباً ومع هذا فإن كل ما فعلته أنني دمرته. أما الطريق الآخر لمعرفة السر هو الحب. ولعله الطريق الوحيد فالحب نفاذ فعال إلى الشخص الآخر، إنني في فعل الإندماج أعرفك، أعرف نفسي، أعرف كل إنسان.
لكن ما هو الحب دون استمرارية وعناد؟ دون رعاية ومسؤولية؟ إذا قال لنا أحدهم أنه يحب الزهور ورأينا أنه ينسى أن يسقيها فهل نصدق أنه "يحب" الزهور؟ ليس الحب سوى الاهتمام بحياة ونمو ذلك الذي نحبه، وحيث ينقص هذا الاهتمام لا يكون هناك حب.
هذا ما وُصف على نحو دقيق في إصحاح يونان. فلقد أخبر الرب يونان/ يونس أن يذهب إلى نينوى لتحذير سكانها من عقاب سيحيق بهم ما لم يُقلعوا عن طرقهم الشريرة. وكان أهل نينوى -عاصمة مملكة أشور- أغنياء يعبدون الآلهة عشتار وملوكها يُعرفون بالعنف الشديد، تسليتهم جذع أنوف الأسرى وقطع أيديهم وآذانهم وعرضهم للسخرية والهزأ أمام الشعب. وقد تهرب يونان من رسالته لأنه خاف من أن يندم سكان نينوى ويسامحهم الله... إنه إنسان ذو شعور قوي بالنظام والقانون، ولكنه دون حب. وعلى أية حال، خلال محاولته الهرب يجد نفسه في بطن حوت يرمز إلى حالة العزلة والحصار التي يسببها له خلوه من الحب والتضامن.
لكن الرب ينقذه ويقصد يونان نينوى أخيراً وهو يدعو أهلها للتوبة وإلا تنقلب المدينة بعد 40 يوماً، دون أن يعظهم أو يصنع آية واحدة، رغم ذلك يحدث ما كان خائفا منه: إذ يسارع الأهالي للتوبة عن خطاياهم، يصومون ويلبسون مسوحاً ويصرخون إلى الله الذي يغفر لهم ويقرر أن لا يهدم المدينة.
يخيب أمل يونان ويغضب غضبا شديدا لأنه يريد "العدالة" أن تأخذ مجراها لا الرحمة. وأخيراً يجد الراحة في ظل يقطينة جعلها الله تنمو من أجله لتحميه من الشمس، لكن عندما تذبل الشجرة يشعر بالإحباط ويشتكي غاضباً، فيجيب الرب:" أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة؟" ( يون 4: 10-11 ).
يونان يهتم باليقطينة لمنفعته الخاصة، يطلبها لراحته، لكنه لم يتعب فيها، وجواب الرب يجب أن يُفهم على نحو رمزي. لقد شرح له أن ماهية الحب هي "العمل" من أجل شيء. و"أن يجعل شيئاً ينمو" وأن الحب والعمل لا ينفصلان. فالإنسان يعمل من أجل ذلك الذي يحب ويحب ذلك الذي يعمل من أجله، والحب الحقيقي هو الذي ينتصر باستمرار، أحياناً بألم على العوائق. وإن كانت "المسؤولية" اليوم تشير إلى الواجب المفروض على الإنسان، لكنها في معناها الحقيقي هي فعل إرادي تماماً: أن أكون مسؤولاً يعني أن أكون مستعداً وقادراً على الاستجابة لاحتياجات الآخر سواء عبّر عنها أم لم يعّبر، أن أكون مسؤولاً يعني أن لا أسأل كما سأل قابيل :أنا راعي أخي؟... لأن المُحب يستجيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق