اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

نسائم رحمة | قصة قصيرة ...*د. نجوى غنيم

⏪ "مطر..
أتعلمين أيّ حزن يبعث المطر؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
بلا انتهاء- كالدم المراق، كالجياع،
كالحبّ، كالأطفال، كالموتى- هو المطر!"
فتحت عيناها بعد انتهاء حلمها الغريب، هي تمشي في طريق طويل، وحيدة مرهقة والمطر يتساقط عليها يبلّل ثيابها، تركض وتركض وتتابع الركض لتصل إلى بر أمان، وكلّما ركضت تجد أنّها لا تزال هناك وسط مستنقع راكد لا قدرة لها ولا حراك...
أثار المطر فيها حزناً وشجناً لأيام مضت، وفكّرت هل تعطينا الحياة ما نريد؟ أم أنّنا نأخذ ما نستطيع أخذه منها؟ يجرفنا التيار إلى ما لا نهاية ...إلى اللا شيء، ما معنى أن تحيا هكذا؟ وما السبيل للخلاص؟
الحياة... لم تكن عادلة معها، اليوم لم تعد تحلم، ولم تعد مناظر الأخريات بملابسهن الأنيقة تثير فيها مشاعر الحرمان ، لقد أدركت منذ زمن أنّ الذل لا يولد مع المرء بل يتسرب إليه رويدًا رويدًا...
تتذكر ذلك عندما ترى سيدتها تمشي رافعة رأسها في كبرياء كأنّها لا تلامس الأرض بقدميها، رشيقة جذابة تبتسم كأنّها خلقت لتبتسم، غمازتاها تظهران بسرعة وتختفيان بسرعة، قوامها يتثنى كأنّه يتأوه من الألم، شعرها الأصفر منسدل على كتفيها كشلال ذهب، بشرتها نضرة انسكبت منها ألوان الصحة والعافية، حياتها جدول رقراق لا صخور فيه ولا عقبات، تريد فتنال، تقول فتسمع، تجلجل ضحكتها في الغرفة، تضع سماعة الهاتف وتصرخ:
-مالك يا زينب، هل أنت تعبة من الصيام؟ كان ينبغي أن تنهي ترتيب الغرفة من ساعة.
-دقائق وأنهي كلّ شيء.
- هل كلّ شيء جاهز في المطبخ؟
-نعم، الحمد لله لقد جهّزت كلّ ما طلبته.
بدأت الغرفة تمتلئ بالضيوف المدعوين لإفطار رمضان، ضيوف ليسوا من عالمها، عالمها المتعب المكدود، أخذت تتفقد الأطعمة، ضحكاتهم تملأ المكان، وجوههم ملآى بالأصباغ، ركّبوا على شفاههم بسمات مختلفة المقاسات، أفقهم لا يمتد إلى أبعد من ديكورات منازلهم، وخيالهم لا يطال أكثر من أرقام حساباتهم في البنوك، لا عمق ولا جوهر، فئة تدوس كلّ من تحتها كي تصعد إلى القمة.
اصطدمت عيناها بعينيه... تراجعت وتخبطت داخلها صرخة صامتة مثل طائر اغتالته رصاصة سرية، توقفت كأنّ يدًا سحريّة مسّتها وأحالتها إلى تمثال من الشمع، تذكرت يوم سقطت ولم يرفعها أحد، في ذلك اليوم حاولت الوقوف وتعلّمت المشي للمرة الأولى، تأمّل كلّ منهما الآخر بصمت، لماذا يصّر الماضي على ملاحقتها؟ لماذا لم يبق غارقًا في أكفانه؟ دموعها تلمع في مقلتيها، وصمت عجيب صارخ مليء بصخب الصدور ...
أحسّت بعبء يثقل كاهلها ويخنق أنفاسها، شريط خاطف من صور حياتها تراءى أمامها، منذ عشر سنوات وهي تخدم وتنتقل من بيت إلى بيت تعمل دون كلل، تخبئ روحًا محطمة وقلبًا جريحًا، أحبّت نبيل رغم فقره وأصّرت على الزواج منه رغم رفض أهلها له، تحدّت الدنيا كلّها من أجله، تزوجته وانتقلت معه إلى بلدة بعيدة، لكنّ الأيام لم تبق شيئًا على حاله، فقد توفي في حادث عمل تاركًا لها أربعة أبناء لتعيلهم، وتكون لهم أبًا وأمًا في آن واحد، يومها توجهت إلى عائلتها لكنّ شقيقها رفض مساعدتها ...
تابعت عملها بصمت، ولاحظت أنّه يتابعها بنظراته ولكنّها تعمدت ألاّ تلاحظ سيدتها شيئًا، استأذنت وخرجت فأولادها في المنزل لوحدهم، وعما قريب سيأذن للمغرب ولا بدّ أن تعود للمنزل فأمامها أعمال كثيرة، عبرت الشارع مسرعة، الجو حار وقواها تتسرّب منها كما يتسرّب الماء من بين الأصابع، وغمامة سوداء تظلّل خيالها السابح خلف جفونها.
من بعيد كان شقيقها يراقبها عبر النافذة، التقت عيناهما، غضّ بصره، أشاحت بوجهها النحيل ونظرت إلى الأفق نظرة تائهة، وتفجّرت ينابيع الحزن في قلبها، حزن يجري في دمها، وإذا جسمها كلّه نار مضطرمة، حبست أنفاسها ومنعت دموعًا من الانحدار، وتابعت المسير...
كانت تحب شهر رمضان، له في ذكرياتها سحر ومذاق خاص، رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر البركات والخيرات والمكرمات، وتداعت ذكريات الطفولة وأجواء الماضي الآسرة وهي تعدّ الطعام فهي لا زالت تذكر لمة الأسرة كلها على مائدة واحدة ومدفع الإفطار والضحكات التي تتعالى، وتعليق الزينة وشراء مستلزمات رمضان، التسابق على عمل الخير، وكيف لا يكون كذلك وهو شهر العبادة والتقرب من الله تعالى، شهر تنقية النفس من الضغائن والأحقاد، لا زالت تذكر إعداد كعك العيد، الفوانيس والمسحراتي... كانت أيامًا جميلة! وصلة الرحم ..نعم صلة الرحم .. فاليوم لا يزورها أحد! لكم تمنت أن يُقرع الباب يومًا في شهر رمضان ويدخل عليها شقيقها حاملاً هدية رمضان والحلوى، لكم تمنت أن يزورها الأقارب..
أمّا الآن فهي تقضي معظم وقتها في العمل والاهتمام بأسرتها، وفي كلّ يوم من أيام الشهر الفضيل يقع على عاتقها مسؤوليات عديدة، فهي حال عودتها من العمل، تحرص على إعداد ما يحبّه أبناؤها " كالمقلوبة" أو "المحاشي" أو الرز واللبن، ثم تبدأ بإعداد الحلويات فتعدّ القطايف أو الهريسة والكلاج، وهي مطالبة إلى جانب كلّ هذا بالتنويع في المأكولات، ورغم أنها كانت تعود من عملها منهكة إلّا أنّها لم تكن تستريح، فالوقت قصير وهناك كم هائل من الأعمال يتوجب عليها انهاءها قبل أذان المغرب، حتى أنّها لم تكن تجد الوقت الكافي لختم القرآن الكريم، لكم كانت تحسد هؤلاء النسوة اللاتي يتباهين بختم القرآن أكثر من مرة في الشهر، ويحرصن على اغتنام شهر رمضان والتعرض لنفحاته وأنواره، أمّا هي فلم تتمكن أبدًا من الذهاب لأداء صلوات التراويح ليلًا فالعمل لا ينتهي.
أمّا بعد الإفطار، فكانت تستكمل رحلتها في المطبخ، فمن جلي للصحون إلى مسح وغسيل وتقديم المشروبات والحلويات، ثمّ تذهب بعد ذلك إلى الفراش مرهقة فما أن تضع رأسها على الوسادة حتى تغطّ في النوم...وبعد ثلاث ساعات تستيقظ لإعداد السحور لصغارها ثم تصلي الصبح وتقرأ ما تيسّر من السور القرآنيّة، وتجهّز نفسها للذهاب إلى العمل... وهكذا دواليك كانت حياتها عمل شاق ومضن.
اقترب وقت الفطور وحمزة ابنها الأكبر لم يرجع بعد، استأذنها أن يدرس مع زميله ووعدها أن يعود قبل أذان المغرب وليس من عاداته التأخر، انتابها القلق وملأ الخوف جوانحها، لكنّها ظلّت صامتة فقد روّضت نفسها على الصمت.. أعدّت المائدة الرمضانيّة وتساءلت عمّ جعل ابنها يتأخّر، فجأة قُرع الباب ودخل حمزة متكئًا على عصا، وحالما رأته حضنته وسألته: ماذا جرى لك؟
-أثناء ذهابي للدراسة كنت مسرعًا؛ فتعثرت ووقعت أمام إحدى السيارات، لكن الحمد لله السائق لم يكن مسرعًا، توقّف وأصّر على الاطمئنان عليّ وأخذني إلى المشفى وهناك قاموا بتضميد الجرح ومعالجتي، لا تحزني يا أمي ولا تخافي، أنا بخير.
-الحمد لله على سلامتك يا حبيبي، لكن من هو هذا السائق ابن الحلال الذي أرسله الله لك في هذه الأيام المباركة؟
-لم يذكر اسمه لكنّه أصّر على إحضاري إلى المنزل، إنّه يقف في الخارج يستأذنك الدخول...
توجّهت نحو الباب وهبّت نسائم رحمة ومغفرة، وشرعت أبواب الخير، كان يقف هناك مادًا يده حاملاً هدية رمضان وبعض الحلوى وكثيرًا من الأشواق...

*د. نجوى غنيم

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...