اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

البنية الأسلوبية مفاهيمها ، علائقها واتباطها بالإبداع ...*د. لامية مراكشي


⏪⏬ ..تمهيد :
أولا : الأسلوبية وتمدداتها المعرفية :
إن الإشارة إلى مصطلحي البنية والأسلوبية وكلاهما مصطلح حديث في منطوق النظرية اللغوية الحديثة ، فما علاقة البنية بالدرس الأسلوبي، وما مفهوم البنية في التوجه (اللغوي) للأسلوبية وما أهميتها في هذا التوجه ؟

أ - مفهوم البنية :
إن مصطلح البنية المترجم عن المصطلح الغربي (structure) أثر ثبتت أهميته في الفكر الإنساني الحديث "إذ ظهر مع ظهور دروس العالم اللغوي دي سوسير التي جمعها تلاميذه تحت عنوان (دروس في الألسنية العامة) ،وقد دعي على إثرها دي سوسير عن حق رائد البنيانية الحديثة ".
إن ديسوسير "لم يستعل كلمة (بنية) بل استعمل مفهوم (تنظيم) لأنه المفهوم الأساس في نظره " .
ومن ثمة أخذ الألسنيون الذين تابعوا دي سوسير بهذا المفهوم" أي عد اللغة (تنظيما) وأشاروا إلى أنها (شكل) وليست (مادة) وإن وحدات اللغة لا تتحد إلا في علاقاتها ، وهو ما ركز الإهتمام فيما بعد بمصطلح بنية التنظيمات اللغوية ". لذلك كانت الإشارة إلى مفهوم البنية في منطوق النظرية اللغوية لكونهما احد مطلقاتها الفكرية جعل منها أداة تكشف بها البنيوية عن التنظيم الداخلي لأجزاء النص، وطبيعة علاقتها وتفاعلاتها ".
لذلك فالاتجاه البنيوي يدرس اللغة بوصفها نظاما من التركيب والاستبدال ، وهي " السمة المميزة للدراسة الأسلوبية التي تبدأ من العمل الأدبي نفسه، ومن الكلمات والطريقة التي تربط بها في القطعة الكتابية الخاصة".
وبذلك فالبنية كيان مستقل من العلاقات الداخلية المتكونة على أساس التدرج ، وهي نتاج لمبادئ ذات طابع شكلي موضوعي يتحكم في توليد وخلق العمل الأدبي ويترتب عنها النظام الذي تتخذه الوحدات المكونة المتكاملة فيما بينها ، وتتسم البنية بمجموعة من الخصائص : الكلية ، الشمولية، التحولات والضبط الذاتي .
ب - مفهوم الأسلوبية :
إن الأسلوبية " تعالج النص الأدبي من خلال عناصره ومقوماته وأدواته الإبداعية، متخذة من اللغة والبلاغة جسرا اتصف به النص الأدبي، وقد تقوم أحيانا بتقييمه ، من خلال منهجها القائم على الاختبار والتوزيع راعية في ذلك الجانب النفسي والاجتماعي للمرسل والمتلقي" (2)، بالتركيز على كشف العلاقة بين الدال والمدلول وبيان البعد العاطفي للكلمات ومدى استجابتها لتداعيات الإبداع في درجاته المتفاوتة ، على الكشف عما اكتسبته اللغة الأدبية من أبعاد جمالية ميزة عن اللغة العادية في مستواها المألوف ضمن دائرة ما يعرف ـ بــــــــ : (الأسلوب) .
ولا شك أن الإشكال يتجلى أساسا حول علاقته بالأسلوبية وكيفيات اشتغال النصوص بمثل هذا المخزون اللغوي، فالأسلوب كما ورد في لسان العرب " يطلق على السطر من النخيل وكل طريق ممتد وهو أيضا الوجه والمذهب والجمع أساليب ، فيقال : أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه ".
كما ذكره الخطابي في معرض حديثه عن إعجاز القرآن وهنا نوع من الموازنة وهو أن يجري أحد الشاعرين في أسلوب من أساليب الكلام ، ويقول الباقلاني في حديثه عن الإعجاز أيضا : "وقد بينا في الجملة مباينة أسلوب نظم القرآن جميع الأساليب ومزيته علينا في النظم والترتيب".
وقد عرف صالح بلعيد الأسلوب على أنه : " طريقة خاصة للمتكلم في استعمال اللغة ، أو سمة أو طريقة تحدد هوية الممارسة اللغوية في سياق معين "..
إذن فالأسلوب هو حصيلة ممارسة الظاهرة الأدبية والتعامل معها ، وهو " الطريقة الأدبية التي يختارها الكاتب لتحقيق أهدافه الفنية المتمثلة في جمل عناصر العمل الأدبي . ومن أهم عناصر الأسلوب السرد والحوار" .
إنهم يعنون به الطريقة الخاصة في النظم والسمة المميزة لكلام عن كلام آخر، وهذا يفيد أن أصل اللفظ وشيء المعنى كان موجودا عند علماءنا الأوائل قديما .
أما في اللغة الفرنسية ، فإن المادة اللغوية style تتعدد معانيها ، وبذلك فإن سلوك الكلمة وقابلية تمددها فكريا أعطى فضاءات دلالية أخرى لمصطلح الأسلوب باعتباره " تفردا لغويا لصاحبه ، والذي يخترق سماته المميزة فيكون أشبه بالشعاع الذي نشعر به ولكننا لا نستطيع أن نقبض عليه ".
كما يعرفه "بوفون" بقوله : " المعارف والوقائع والكشوف يسهل نقلها وتعديلها بل تكسب مزيدا من الثراء إذا تناولتها أيد كثيرة فهذه الأشياء خارجة عن الإنسان أما الأسلوب فهو الإنسان نفسه ".
وبهذا فلا شك أن ما يميز مبدعا عن آخر هو أسلوبه التعبيري وطريقته في استلهام المعاني التي يراها عمر بن بحر الجاحظ مطروحة في الطريق ، وعليه ينظر (ريفاتير) إلى الأسلوب "بوصفه انحرافا داخليا عن السياق الذي يمثل محور التعرف على إجراءاته الأسلوبية ، ويمنح خروجه عن القاعدة اللسانية سمته الخاصة "، حيث يحقق ديمومته بمجافاته مألوف الكلام ، مما يعني تجاوزا لمبدأ " اعتباطية الوحدة اللغوية، وهذا ما يدل على العلاقة المتداخلة بين الشكل والمضمون وانصهار اللفظ والمعنى واتحادهما داخل النص".
إن مفهوم الأسلوب في حقيقته ليس مقرونا بمعنى تجريدي جاف هو نظام لساني خاص ومتميز، يهيمن على مجموع النصوص الأدبية أين "يتزامن فيه وجود المستويات المختلفة التي تحيل عليه ، بيد أن هذا التزامن يتفكك بفعل طبيعة التحليل الأسلوبي"، وبذلك يستند الأسلوب إلى محددات تشكل في جوهرها منطلقات أساسية لتراتبية منهجية يتوفاها المبدع في تعامله مع توافر له من قدرات لغوية تتيح له إمكانية ممارسة عملية البناء بالمرور على :
الاختيار والتركيب والانزياح .
فاللغة وسيلة تلفت الانتباه إلى ما تشير إليه، فمحددات الأسلوب الثلاثة (اختيار، تركيب، انزياح) تتضافر لتشكل بناء لغوي تتقاطع بداخله مستويات صوتية ومعجمية ودلالية وأخرى تركيبية ، وتتولى الأسلوبية هذه المهمة بتركيزها على تحديد سمات النص الأدبي المتفردة ووظائفه الجمالية وتحليل" مكونات الخطاب إلى وحداته اللغوية الأساسية الواردة فيها، ومراعاة العلاقات البنيوية للأنساق الأسلوبية في الخطاب".
وهذا ما جعل منها نشاطا فكريا وسلوكا حيويا يتعامل مع النصوص الإبداعية تعاملا محايدا ، يرنو خلاله المحلل الأسلوبي إلى محاولة الإجابة عن سبب تشكل النص الأدبي وعن طبيعته البنائية والوظيفية .
ولعل عدم الدقة والاتساع والعمومية التي اتصف بها مصطلح الأسلوب، قد انعكس أثره على (الأسلوبية) بوصفها علما، حيث رفض البعض أن تكون الأسلوبية علما بالمعنى الدقيق لكلمة (علم) ، وقصارى ما تطمح إليه أن تكون " تحليلا لغويا موضوعه الأسلوب وشرطه الموضوعية ، وركيزته الألسنية ، بيد أن التحليل وما ينتج عنه من معرفة لا يكفي لتحديد أي علم من العلوم ، والموضوعية شرط لازم ولكنه غير كاف للكلام على العلم ولا تصبح الاسلوبية علما لاقتباسها من علوم أخرى كالألسنية والإحصاء ، فالتحليل الألسني لا يندمج في التحليل الأسلوبي، وما يهم الإحصاء لا يهم الأسلوبية بالضرورة والعكس صحيح.
وعلى هذا فمصطلح الأسلوبية لم يظهر إلا في بداية القرن العشرين مع ظهور الدراسات اللغوية الحديثة ، فهي كما يقول مؤسسها الأول شارل بالي : " علم يعنى بدراسة وقائع التعبير في اللغة المشحونة بالعاطفة المعبرة عن الحساسية "، ويعرف جاكبسون الأسلوبية بأنها : " بحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا.
وبذلك يعود الالتباس بين اعتبار الأسلوبية من المعارف المختصة بذاتها ، واعتبارها مجرد مواصفة لسانية أو منهج في الممارسة النقدية وذلك مع كل من أريفاي ودالاس وريفاتار. يقول الأول : " » إن الأسلوبية وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات « . ويقول الثاني : » أن الأسلوبية تعرف بأنها منهج لساني «".
أما ريفاتار فإنه ينطلق من تعريف الأسلوبية : " بأنها علم يهدف إلى الكشف عن العناصر المميزة التي بها يستطيع المؤلف مراقبة حرية الإدراك لدى القارئ المتقبل وجهة نظره في الفهم والإدراك فينتهي إلى اعتبار الأسلوبية لسانيات تعنى بظاهرة حمل الذهن على فهم معين وإدراك مخصوص".
فمصطلح الأسلوبية عند الغربيين أو (علم الأسلوب) الذي شاع في اللغة العربية نوعا من الترجمة لكلمة (stylistycs) " لم يظهر ريادتها إلا العالم السويسري (دي سوسير 1916م)، ومن تبعه من تلاميذه وغيرهم ".
لكن أكثر ما يستوقف المسدي هو طبيعة العلاقة بين الأسلوبية والبلاغة بهذا الشكل " الأسلوبية امتدادا للبلاغة ونفي لها في نفس الوقت ، " حيث أن الأولى بديل للثانية ، وهما يفترقان عند جملة من النقاط " ، فالبلاغة علم معياري تعليمي يعتمد فصل الشكل عن المضمون في الخطاب ، بينما الأسلوبية علم وصفي تعليلي يرفض الفصل بين دال الخطاب ومدلوله " . فانصب اهتمام الأسلوبية على المبدع والنص والمتلقي مما أدى إلى ظهور اتجاهات نقدية تصطبغ بمثل هذا اللون من الدراسات .
ثانيا : اتجاهات الأسلوبية وتمددانها المعرفية :
إن مقاربة النصوص الأدبية من خلال رصد ظواهرها الأسلوبية وتتبعها وصفا وتحليلا ، يتباين من منظور لآخر تستمد فيه إجرائيته من اختلاف الاتجاهات اللسانية ذاتها ، " ومفهوم علم اللغة التزامني يمثل الخطوة الأولى على تلك الدروب التي تمتد وتتفرع وتتعدد وتتنوع ، فهو يمثل النقطة الهامة في تاريخ البحث اللغوي الذي دعى دي سوسير " بنظرته إلى اللغة كنشاط إنساني تمكن طاقاتها الكامنة الفرد من إبداع في فنية وإنتاج صور تعبيرية .
لقد كان لخروج الخطاب الأدبي عن المألوف وتأسيس بنيته على تعدد القراءات ، الأثر الفعال في توسع نطاق العملية الإبداعية، فلم تعد مقصورة على الكاتب وحسب، ليمتد مجالها شاملا البنى والقوالب اللغوية ومدى تفاعل القارئ معها ،كونه طرفا أساسيا في ديمومة النص واستمرار حركته ،كما استرعت العلاقات بين هذه العناصر الثلاث (المبدع، النص، المتلقي) اهتمام الدارسين والمشتغلين بقضايا الأدب، مما أفضى إلى بروز اتجاهات أسلوبية في مقاربة الظاهرة الأدبية .
الأسلوبية التعبيرية :
انصب اهتمام دارسي اللغة على العناصر اللسانية نفسها، فقد كانت الأسلوبيات ثمرة لهذه الدراسات، إذ انحدرت عن تطور الدرس الكلامي فيها، وجنحت ناضرة إلى النص الأدبي بوصفه لغة ، كما ارتبطت بثنائية اللغة والكلام عند دي سوسير من حيث " البحث عن الخصائص النوعية التي تميز نصا أدبيا متحققا من غيره من النصوص الأدبية ، ولذا فهي تعنى بما هو منجز ، أي أنها تعنى بالنص الذي يرتبط من ناحية تحققه بالكلام ".
وسرى تأثير هذا المد السوسيري فيمن جاء بعده أمثال (شارل بالي) الذي حدد مجال رؤيته للأسلوبية في إطار حقله اللغوي ، "حيث كان اهتمامه بالمعطى الأدائي وما يحمله من شحونات عاطفية يمكن ملاحظتها بواسطة مراقبة التعبيرات، وما تثيره من مشاعر مختلفة ، وفي الوقت نفسه ، فإن ذلك كله يظل في حدود المنطوقة " . باعتبارها نظاما لأدوات التعبير الكفيلة بإبراز الجانب الفكري في الإنسان، غير أن مهمتها ليست مقصورة على هذه الناحية وحسب" ، إنها تعمل على نقل الإحساس والعاطفة ، وإذا كان الإنسان هو صاحب اللغة وصانعها ، فإنه بالضرورة لابد أن تعبر اللغة عن كل ما فيه من فكر وعاطفة ".
ومن الممكن إدراك تلك اللغة الوجدانية في الأحاديث المتبادلة والنصوص المكتوبة في الرسائل والصحافة والإدارة والتجارة يقول (بالي) بهذا الصدد : " تدرس الأسلوبية الوقائع المتعلقة بالتعبير اللغوي من وجهة محتواها الوجداني، أي التعبيرية اللغوية عن وقائع الوجدان وأثرها بالتالي على حساسية الآخرين".
وبهذا "يتجلى تأكيده على أن مضمون اللغة العاطفي هو العلامة الفارقة في عمليات التواصل، مثلما تمثله علامات الترجي والنواهي من مواقف حياتية ذات الصلة بالراهن الاجتماعي والمستوى الفكري ، لذا قسم الواقع اللغوي إلى نوعين، ما هو حامل لذاته مكتفيا بحده اللفظي، وما هو مشحون بالانفعالات الوجدانية "، قاصرا اهتمامه على اللغة الطبيعية التوصيلية دون الأدبية .
أما الأسلوب فيتجلى" في مجموعة من الوحدات اللسانية التي تمارس تأثيرا عينيا في مستمعها أو قارئها ، ومن هنا يتمحور هدف الأسلوبية حول اكتشاف القيم اللسانية المؤثرة ذات الطابع العاطفي بمضمونه المختزن في المفردات والجمل .
" إن اعتناء (بالي) بالمظهر الخارجي اللغوي للأسلوب، خارج نطاق الأدب وتركيزه على الجانب العاطفي في تشكيل سمات مميزة للأساليب اللغوية " وبحثه في القيم الوجدانية وحسب ، دفع الدراسات الأسلوبية بعده إلى تجاوز هذه التصورات ، محاولة منه البحث عن جماليات النصوص الأدبية، والسعي إلى الإستفادة من الجهود النقدية والتطورات العملية لبلورة سبل جديدة تسمح للأدب بالتموقع في مساره المواكب للنماء والانطلاق ، وهذا ما أدى إلى بروز اتجاه ثان اصطلح على تسميته بالأسلوبية النفسية .
ب - الأسلوبية النفسية :
لقد كان الاهتمام بظاهرة الشحن الوجداني في اللغة مظهرا من مظاهر بدايات انفتاح الدراسة الأسلوبية على الجانب الأدبي التأثيري، بما توافر من أدوات لفظية ملائمة لطبيعة السلوك اللغوي بالتحرك " من سطح النص إلى لبه من أجل الكشف عن نفسية المؤلف من خلال بناه اللغوية " .
غير أن هذا الإنتقال لا يتم إلا بواسطة فرضية قوامها الحدس الذي " يفتح الباب واسعا أمام الذات للكشف عن الحياة الباطنية ومراقبة حركة الشعور والوجدان في الزمان ، فالعقل هنا لايزول وإنما يمتد ويتوسع ليتحول إلى رؤية تحتضن الحالة الشعورية في وحدة متكاملة لا فاصل بينها " .
فغدا هذا الإعتداد مثار ولع لدى بعض علماء اللغة أمثال (ليوسييتزر) حيث أحدث تحولا جوهريا في الإفادة من اللغة لتحليل النصوص الأدبية ودراسة الأسلوب الفردي للأديب من خلال اعتماده على الكشف عن ملمح من ملامح لغوية تشكل ظاهرة أسلوبية " مستفيدا من آراء (برغسون) و (فرويد) في تفسيرهما لسيكولوجيا الإبداع وما قدماه من نظريات حول الشعور واللاشعور .
بيد أن دراسته النفسية لا يستهدف من ورائها تقصي الوجود الواقعي للكاتب أو معطيات سيرته أو مقاصده ، بل كانت آليات التحليل الممارس مقصورة على المشاعر المتضمنة في الأثر الأدبي مباشرة ، لأنه يعبر عن فعالية ذاتية تحكمت به وقامت بصنعه "، وعليه فإن أسلوبيته تقوم على البحث في الجذور النفسية لظاهرة الإنزياح في الأسلوب مقارنة بالإستعمالات الشائعة والنظر إليه باعتباره سمة معبرة ، ثم الموالمة بينه وبين روح الأثر الأدبي وطابعه العام لاستخلاص الخصائص الفردية للعبقرية المبدعة التي بإمكانها تكوين فكرة عن نزعة من نزعات العصر".
ويعتقد (سبيتزر) بجدوى المبادئ اللغوية الجرسية في مقاربة النصوص الأدبية فهي تسمح بالكشف عن شخصية المؤلف وتتبع أسلوبه المتفرد والمنعطف عن الاستعمالات الشائعة للغة في مستواها العادي عن طريق قراءة جديدة مدعومة بالشواهد ، فالأسلوبية إذن بحث " عن الأصل الاشتقاقي الروحي أو الجذر النفسي لمجموعة السمات الأسلوبية ... تبدأ باللغة لتنتهي بالنفس مستكشفة عبر اللغة أسلوبها الذي يترشح عن وضع نفسي معين ".
وبذلك شكلت وجهات نظره التحليلية منهجا له أسسه وضوابطه ، ينطلق " من فهم أولي مؤقت لمضمون النص الإجمالية ثم الوقوف عند دراسة مفصلة لجزئية تبدو متينة في ظاهر أمرها ، والانتفاع بكل ما يزوده العلم والحدس الشخصي من معارف ، والموازنة بين الجزئية التي أوضحها وبين المجموعة التي أدركها إدراكا أوليا ، والنظر فيما بينها من اتساق وملائمة واستقصاء تفاصيل أخرى تأتي سندا لما توصل إليه من فهم يقترب شيئا فشيئا من الحقيقة المحتملة ".
إلا أن هذه المرحلة النظرية أحالت الدراسة الأسلوبية أكثر استعصاء لصعوبة الإحاطة بالدلالات الإبداعية وارتباطها برؤية الكاتب ، كما أن الممارسة الإجرائية من فهم وتتبع وموازنة واستقصاء تفاصيل النص مع الاستفادة من مجالات المعرفة الواسعة تتطلب قدرا من الثقافة وسعة اطلاع ونفاذ فكر وسرعة بديهة في التعامل مع النصوص باعتبارها ظواهر لغوية تتقاطع فيها الرؤى وتأتلف .
ولكن حدود هذا التعامل لم يستثن وحداتها البنائية فيما بعد وانصب الاهتمام بشكل لائق على علاقات تلك الوحدات في نطاق ما عرف بفكرة الأنساق اللغوية فاسحة المجال لظهور اتجاه أسلوبي عرف بالأسلوبية البنيوية لاهتمامه بعنصرين أساسيين من عناصر الخطاب الأدبي :
القارئ أو المتصل الذي يمارس فعلا محددا ويشارك في بلورة معالم خلود النص وصنع حركيته .
النص أو الرسالة التي تفرض سياقا معينا وتمارس تأثيرا بالغ الأهمية .
الأسلوبية البنيوية :
واكب تطور اللسانيات ومحاولة استيعاب مفاهيمها بروز توظيفات لمصطلحات تربط بالتحليل الأدبي وطرق المعالجة النصية، من بينها مصطلح البنية ونسب إليه اتجاه نقدي عرف بالبنيوية التي تنظر إلى الأعمال الأدبية باعتبارها نظما رمزية دلالية تقوم في الدرجة الأولى مجموعة من العلاقات المتبادلة بين البنى الجزئية وعلى العناصر المهيمنة على غيرها في العمل الأدبي ، بيد أن الأسلوبية كما بينها (ميشال ريفاتير) تنطلق من مبدأ أساسي يمثل فيه الأسلوب كل شيء مكتوب وفردي ، قصد به أن يكون أدبا حتى يغدو النص ذاته " قوة ضاغطة تتسلط على حساسية القارئ بواسطة إبراز عناصر سلسلة الكلام ".
والمهم عنده هو ما يتولد عن النص من ردود فعل لدى القارئ الممارس لفعل القراءة والطرف الفاعل في تمييز الوقائع الأسلوبية داخل النص القائم على "عنصر المفاجأة التي تصد متقبل الرسالة وتحدث تشويشا له ، فكلما كانت السمة الأسلوبية متضمنة للمفاجأة فإنها تحدث خللا وهزة في إدراك القارئ ووعيه " .
" إن هذا القارئ المقترح يسميه ريفاتير (القارئ العمدة) ، مفترضا أن يكون حاذقا متكئا على مرجعية ثقافية صلبة ، ومقدرة أدبية متميزة وله ذوق جمالي مدرب ، يمكنه من الدخول في عملية اقتناص الدلالة العصبية ".
فتكون في ذهنه مجموع الاستجابات للنص بما يتناسب وقيمة الظاهرة الأسلوبية وحدة المفاجأة التي يفرضها سياق النص وأدبيته وفق ديناميكية متميزة .
يقول (ريفاتير) : " إن النص يعمل كما يعمل برنامج الحاسوب ، وذلك لكي يجعلنا نقوم بتنفيذ تجربة الفرادة التي تعطيها اسم الأسلوب، والتي تم خلطها رضحا طويلا مع الفرد المفترض المسمى (الكاتب) ".
فالأشكال الفردية بالنسبة للأسلوب كالكلام بالنسبة للغة ، لأن قيمتها تكمن في التنفيذ الخاص لعناصرها بمنأى عن (التشبع) المستعمل مجازا عند (ريفاتير) " لدلالة على أن الخاصية الأسلوبية هي بمثابة المادة المنحلة والنص بمثابة السائل ، فإن تكررت السمة الأسلوبية باطراد يتشبع النص فلم يعد يطيق إبرازها كعلامة مميزة ، وهذا يستدعي ابتكارا دائما ".
وبتركيزه على التلقي انطلاقا من الوقائع النصية المتفاعلة والمؤثرة فإن جوهره يتقاطع مع ما قام به (رومان جاكبسون) من " تحليل البنى اللسانية في النص الشعري من دون مراعاة الظروف النفسية للمؤلف أو القارئ "، أنها أسلوبية تتعامل مع النصوص كنظم إشارية متضمنة لأبعاد دلالية ، فلا تمارس اقصاء إجرائيا لمكون لغوي على حساب الآخر .
وترتبط حسبه : " بخصوصية العمل الفني باعتباره خطابا أدبيا منفردا مخرجا بذلك اللغة العامية والشفوية وغير الفنية من البؤر التي تشتغل عليها أسلوبيته " ، ويستدعي فهم هذه المواقف العودة إلى عوامل التواصل الكلامي في مستويات الممارسة الفعلية للغة من (مرسل، رسالة، شفرة، قناة ومرسل إليه) ، وتقترن بكل عنصر من هذه العناصر وظيفة على أخرى هو ما يميز أنواع اللغات (اللغة العلمية ، الفنية ، الطبيعية) ، فالتركيز على السياق يكون ما يسمى بالوظيفة المرجعية ، أما الوظيفة التعبيرية فإنها تهدف إلى التعبير المباشر عن موقف المتكلم نحو ما يتكلم عنه . أما الوظيفة المعرفية فتحدث عندما يقع التأكيد على المتلقي ، أما الوظيفة الميتالغوية فهي تسمح للمتكلمين بأن يتأكدوا من استعمالهم لنفس المعجم ".
وأمام تعدد هذه الوظائف فإن اهتمام (جاكبسون) انصب على اللغة الشعرية لما لها من قدرة " على إيجاد سلسلة من العلاقات التركيبية تماثل العلاقات التي تقوم بين الأجزاء المنفصلة في مجموعة لغوية استبدالية ".
ومن ثمة كان اشتغاله على الرسالة ذاتها ، وقيمتها الكامنة فيها ، والمحددة لوظيفتها الشعرية غير المقتصرة على الأدب "بل توجد بمقادير متفاوتة في مستويات اللغة الأخرى ، لكنها لا تعد حينئذ مهيمنة على ما عداها ، لا تهيمن على وظائف اللغة في التصور التي توصف بأنها شعرية أي أدبية " متجاوزة أبعادها حدود الإشارات المباشرة لتدخل فرضية الدال ورمزيته وأسلوبيته .
ج- الأسلوبية الإحصائية :
هذا الاتجاه يعنى بالكم وإحصاء الظواهر اللغوية في النص ويبني أحكامه بناء علة نتائج هذا الإحصاء .
ولكن هذا الاتجاه إذا تفرد فإنه لا يفي الجانب الأدبي حقه ، إنه لا يستطيع وصف الطابع الخاص والتفرد في العمل الأدبي ، وإنما يحسن هذا الاتجاه إذا كان مكملا للمناهج الأسلوبية الأخرى ، ومن ذلك " يبقى المنهج الإحصائي أسهل طريق لمن يتحرى الدقة العلمية ويتحاشى الذاتية في النقد " ، إنه يستخدم هذا المنهج كوسيلة للإثبات والاستدلال على موضوعية الناقد ، أي بعد أن نتعامل مع النص . فمع كل ذلك " تقوم الأسلوبية الإحصائية على الوصف الموضوعي والقياس الكمي الذي يستخدم إجراءات التحليل الإحصائي والرياضي "، وبهذا " فكلما كانت المقاييس المعتمدة متنوعة كلما كانت الإجراءات الإحصائية دقيقة ، وكلما كان المتن المحلل واسعا كلما كانت نتائج الإحصاء أكيدة ".
فالتشخيص الأسلوبي الإحصائي يمكن اللجوء إليه حين يراد الوصول إلى مؤشرات موضوعية في فحص لغة النصوص الأدبية ، وتشخيص أساليب المنشئين ، هذه المقاييس الموضوعية وسيلة منهجية منضبطة يمكن بها استنفاذ الدرس الأدبي من ضباب العموم ، وتلخيصه من سلطان الأحكام الذاتية التي تفتقد السند والدليل ، وتستعصي على التحليل والتعليل ، هذه الوسائل المنضبطة في الدرس العلمي ليس بديلا للذوق وإن كانت محاولة لعقلنة الذوق ، كذلك فإن الفحص اللغوي الأسلوبي للنص ليس بديلا (لسانيا) إن صح التعبير للنقد الأدبي، بل هو نوع من المقاربة المنهجية للغة والأدب ذو نفع مزدوج لعلوم اللسان وعلوم النقد وهو في الوقت نفسه مدخل منهجي لا يمكن لنقاد الأدب الخلص أن يشيحوا بوجوههم عنه ، وإلا فقدت دراساتهم جانبا كبيرا من منهجيتها وموضوعيتها وجدواها ".
ثالثا : البنية الأسلوبية :
إن الأسلوبية الحديثة نشأت مستندة إلى نشأة علم اللغة الحديث وتطوره وهي ليست سوى منهج من المناهج اللغوية المستخدمة في دراسة النصوص الأدبية، وظهرت منذ النصف الثاني من القرن الماضي حتى الوقت الحالي دراسات تعنى بموضوع الأسلوب والأسلوبية وضعها الباحثون والكتاب العرب الأجانب، ويهم البحث متابعة بعضها الذي يسهم في إيضاح وتأصيل موضوعه ولا سيما المؤلفات العربية منها ومن أولئك المؤلفين : عبد السلام المسدي الذي نجد موقفه تجاه موضوع البنية في الأسلوبية يمثل توجها إلى دراسة النص الأدبي فيرى" أن الأسلوبية من البداية كانت تعرف بأنها البعد اللساني الذي يتوجه إلى العلاقة الرابطة بين التركيب اللغوي ومدلول محتوى صياغتهم " . ويذهب المسدي إلى أن " اللسانيات قد ولدت البنيوية وأن الأسلوبية معها قد تبوأت منزلة المعرفة المختصة بأصول ومناهج اللغة " .
ويبدو للباحث أن الأسلوبية ترى في دراسة بنية التركيب النحوي عنصرا مهما جدا في بحث الخصائص المميزة للنص الأدبي ، لأنها مجال دراستها وهي في الأكثر تتوجه إلى بحث العناصر الآتية :
دراسة طول بنية التركيب وقصرها .
دراسة أركان بنية التركيب ولا سيما المبتدأ والخبر ، الفعل والفاعل والعلاقة بين الصفة والموصوف والإضافة والصلة والتوكيد وغير ذلك .
دراسة الرابط كبحث استعمال البدع للواو أو الفاء أو ثم أو أن ... ، ودلالة ذلك على خصائص الأسلوبية .
دراسة ترتيب أجزاء بنية التركيب النحوي ، وهو أهم عناصر البحث في الأسلوبية، لأن تقديم عنصر أوتأخيره يؤدي في الأكثر إلى تغيير في المعنى ، لأن المبدع (المتكلم) لا يلزم دائما بقواعد الترتيب المعيارية التي يرصدها اللغويون في اللغة العادية (الإبلاغية) .
دراسة الصيغ الفعلية والإسمية وتركيباتها ودلالتها على التجدد والثبوت ودراسة استعمال كل منها مكان آخر.
يميل علماء الأسلوبية إلى استعمال طريقة النحو التحويلي في بحث البنية العميقة لتراكيب النص الأدبي من خلال دراسة المعنى ، ومعنى المعنى الثالث ،لأنها تساعد أولا على فهم كثير من مسائل الحقيقة والمجاز والعدول عن كل منهما إلى الأخرى ودراسة بنية التركيب النحوي عند الأسلوبيين " لا تقتصر على بحث جزء من بنية التركيب أو التركيب كله ، وإنما يتعداها إلى بحث الفقرة والعبارة ثم النص بكامله ".
والباحث يرى أن هناك علاقة وثيقة بين البنية والأسلوبية ، فالبنية عبارة عن شكل ونظام اللغة وتراكيبها والأسلوبية تدرس هذا الشكل أو النظام وتحلل علاقات بعض أجزائه ببعض في مستوى بنية التركيب بالتراكيب الأخرى ، وهكذا فهي تهتم بدراسة النص الأدبي شكلا ونظاما ، وهما ليسا إلا بنية النص الأدبي .
وإجمالا فإن الأسلوبية مصطلح له تمدداته المعرفية واتجاهاته الإجرائية ، ذات الصلة بتطور الدراسات الألسنية وما صاحبها من ازدهار مجالاتها التخصصية المتعددة نفسية كانت بنيوية حين تشعبت حدود اهتماماتها وصارت أكثر ميلا إلى الدقة العلمية وما تقتضيه من موضوعية ، مركزة تحليلاتها على توظيف الطرق الإحصائية في مواشجة واضحة مع علوم تتتبع الظواهر وفق منهج مدروس نتائجه يقينية ، وهذا ما يعكس تباين النظرات في حصر مفهومها ضمن نطاق درسي محدد ، فإذا كان البعض يراها منهجا فإن البعض الآخر اعتبرها علما ، فيما عدها غيرهم طريقة من طرق معالجة النصوص الأدبية .
وبين هذا وذاك تبقى الأسلوبية مجالا خصبا يتيح الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها النص في حدوده الإبداعية ، محاولة الكشف عن مستوياته التشكيلية اللغوية وبتركيزها على ظاهرتي الإنزياح والتناص لأنها " ممارسة لكتابة ومعرفة لأسرارها ومعاناة لمخاضها تتجاوز سطحه الخارجي ليلج الحديث حينها أعماق الظاهرة الشعرية ويمتد في أغوارها مباشرة ".

*د. لامية مراكشي

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...