اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

علاقة علم الدلالة بالعلوم الأخرى ...**بقلم د. لامية مراكشي

إذا كان علم الدلالة يهتم بالمعنى فإن هذا الاهتمام ليس حكرا عليه ، إذ أن موضوع المعنى تتقاسمه مجموعة من العلوم ، وهذا يعني أن علم الدلالة شأن باقي العلوم يتداخل وتجمعه علاقات تأثير وتأثر مع بعض العلوم ، ويمكن تقسيم هذه العلوم إلى علوم لغوية وأخرى غير لغوية .
العلوم اللغوية :
علمنا في ما مضى أن علم الدلالة فرع من فروع اللسانيات ، وهذا يعني أنه لا يمكنه أن يُفصل أو يستقل عن باقي الفروع ، فدراسة الدلالة تستدعي دراسة الأصوات والصرف والنحو بالإضافة إلى المعجم

والسياق ، فلا يمكن تحديد المعنى إلا بتضافر هذه الجوانب جميعها ، إذ أن المعنى في النهاية ما هو إلا مجموع إيحاءات كل من الدلالة الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والسياقية .
الدلالة الصوتية :
هي تلك الدلالة التي تستمد من طبيعة بعض الأصوات ، فللجانب الصوتي تأثير بالغ في تحديد المعنى ، فإذا استبدلنا في اللفظ صوتا بصوت آخر تغير المعنى ، وقد يتغير المعنى كليا فتصبح مثلا قال : مال - سال - جال . ولا علاقة دلالية تجمعهم .
وقد لا يتغير المعنى كليا وتبقى اللفظتين في نفس الحقل الدلالي إن صح التعبير ، مع اختلاف دقيق وجوهري ، فمثلا تنضخ تعبر عن فوران السائل في قوة وعنف . أما تنضح فتدل على تسرب السائل في بطء ، فالخاء في تنضخ دلت على القوة في التسرب ، بينما دلت الحاء في تنضح على البطء في التسرب ، فالدلالة هنا مستمدة من طبيعة كل من حرفي الخاء والحاء .

والملاحظ أن اللفظتين معا ترتبطان بالتسرب ، فهما تقتربان دلاليا مع اختلاف دقيق وهذا ما يقصد به التغير غير الكلي .
ومثال ذلك أيضا قضم وخضم ، فالفعل الأول يعني أكل اليابس بينما يعني الثاني أكل الرطب ، فالفاء في قضم شديدة تناسبا مع أكل اليابس ، أما الخاء في خضم رخوة تناسبا مع أكل الرطب . وهذه الأمثلة تدل دلالة واضحة على أن هناك مناسبة بين الصوت والدلالة .
ومن مظاهر الدلالة الصوتية ظاهرة التنغيم . والتنغيم هو" إعطاء الكلام نغمات معينة تنتج من اختلاف درجة الصوت " . والنغمة هي الإطار الصوتي الذي تقال به الجملة في السياق ، فالتنغيم الذي تنطق به الجملة الاستفهامية يختلف عن الذي تنطق به الجملة الشرطية أو جملة التعجب أو القسم أو الأمر فلكل جملة تنغيمها الذي يناسبها .
ومن أمثلة دور التنغيم في تحديد المعنى قول المصريين في لهجتهم" لا ياشيخ " . فهذه العبارة قد تدل على الإستفهام أو التهكم والسخرية أو الدهشة أو الإستغراب . ويبقى التنغيم وحده كفيلا بتحديد المعنى الذي يقصده المتكلم . ومثال ذلك أيضا لفظة " نعم " فهي تحتمل مجموعة من الدلالات يفرق التنغيم بينها .
والملاحظ أن العلماء العرب القدماء قد أشاروا إلى قضية التنغيم رغم قلة ما وصلنا في هذا الباب ، فمثلا ابن سينا يعتبر نغم الجملة ذا وظيفة تمييزية من حيث الدلالة الإبلاغية ، فما يسميه النبرة يحدد طابع الجملة ، إن كان نداء أو تعجبا أو سؤالا .
وإذا كان الصوت يتدخل في تحديد المعنى ، فإن هذا الأخير يتدخل هو الآخر في تحديد بعض المفاهيم الخاصة أساسا بالحقل الفونولوجي ، ومن ذلك أنهم يعرفون الفونيم بأنه الوحدة الصوتية " التي ينجم عن استبدالها بوحدة أخرى في مورفيم معين تغير في المعنى " . ففي جلس إذا صارت جلب - بإبدال السين باءا - قلنا أن الباء فونيم ، لأنه نجم عن إبدال السين بها تغير في المعنى .
وخلاصة القول أن الجانب الصوتي والجانب الدلالي يتداخلان فيما بينهما إلى حد كبير ، حيث لا يمكن دراسة الصوت في معزل عن المعنى ولا دراسة المعنى في معزل عن الأصوات .
الدلالة النحوية :
من المؤكد أنه لا أحد ينكر العلاقة بين النحو والدلالة ، وتأثير كل جانب في الآخر ، فالنحويون العرب قديما أكدوا على الاعتماد المتبادل بين النحو والدلالة ، فابن جني يرى أن كل بحث خاص بالنحو واللغة إنما هو بحث في الدلالة ، ويقول عبد القاهر الجرجاني " مما ينبغي أن يعلمه الإنسان ويجعله على ذكر ، أنه لا يتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الكلم أفرادا ومجردة من معاني النحو" . كما اعتمد المبرد على المعنى في تصحيح النحو ، فذهب إلى أن كل ما يصلح به المعنى فهو جيد وكل ما فسُد به المعنى فمردود .
وكانت نظرة علماء العربية قديما إلى الإعراب تدل دلالة واضحة على ما بين النحو والدلالة من صلات . يقول ابن جني : " الإعراب هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ ، ألا ترى أنك إذا سمعت : أكرم سعيدا أباه وشكر سعيدا أبوه ، علمت - برفع أحدهما ونصب الآخر- الفاعل من المفعول ، وهكذا فإن الإعراب يخبرنا عن الفاعل وعن المفعول فالأول مرفوع والثاني منصوب .
ويقول السكاكي : " إن كل واحد من وجوه الإعراب دال على معنى ،كما تشهد لذلك قوانين علم النحو" ، فالسكاكي يؤكد أن الإعراب يدل على المعنى وهذا المعنى يرتبط بالإعراب الدال عليه ، ويقول ابن القيم : " اختص الإعراب بالأواخر لأنه دليل على المعاني اللاحقة للمعرب ، فالإعراب دليل على المعاني التي تختلف باختلاف الإعراب ، يقول الخضري "واعلم أن المعنى يختلف بالرفع والنصب ".
وقد روي أن سبب وضع النحو هو أن أبا الأسود الدؤلي سمع قارئا يقرأ قوله تعالى : " إن الله برئ من المشركين ورسولُه " بجر رسوله ، فقال معاذ الله أن يكون الله بريئا من رسوله ، فأمره أن يقرأ برفع رسوله ، فهنا الجر دل على المفعولية ، والأصل النصب والضم دل على الفاعلية ، فإذا قرأنا بالجر نكون قد جمعنا المشركين والرسول صلى الله عليه وسلم كمفعولين لفعل التبرؤ ، وهذا محال ، فالحق أن نقرأ بالضم ليكون الله والرسول فاعلين لفعل التبرؤ .
قال الإمام ابن حزم الأندلسي : " لما فشا جهل الناس باختلاف الحركات التي باختلافها اختلفت المعاني في اللغة العربية ، وضع العلماء كتب النحو . فكان ذلك معينا على فهم كلام الله عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم " .
وهكذا فإن العلامة الإعرابية أداة للكشف عن المعاني والعلاقات بين أجزاء الكلام ، يقول عبد الحكيم راضي : " أما في مجموعة اللغات ذات الترتيب الحر ، فإن العامل الأكبر في فهم العلاقات بين أجزائها هو العلامات الإعرابية " . فهي تحدد العلاقة بين عناصر الجملة ، وهي بهذا تحدد وظيفة كل عنصر وبالتالي تحديد المعنى بشكل عام .
يقول الرازي : " فإذا توالت الألفاظ المفردة بحركاتها المخصوصة على السمع ارتسمت تلك المعاني المفردة مع نسبة بعضها إلى بعض في الذهن ، ومتى حصلت المفردات مع نسبها المخصوصة في الذهن حصل العلم بالمعاني لا محالة " . إن العلامة الإعربية في النهاية تعد من كبرى الدوال على المعنى .
وإذا كان الأمر هكذا في القديم ، فإنه لا يختلف في العصر الحديث ، إذ من الواضح أن مناهج النحو أصبحت تلتقي إلى حد كبير مع مناهج الدلالة ، حتى أنهما أصبح يجمعهما منهج واحد في بعض الاتجاهات فمثلا التشومسكيون اتخذو من معرفة التركيب شرطا أساسيا لمعرفة المعنى ،كما اتخذوا من المادة الدلالية دليلا يهتدون به في معرفة الصلات النحوية " .
وهكذا فإن " النحو من اللغة كالقلب من الجسم - كما قال تشومسكي- وإذا كان القلب يمد الجسم الإنساني بالدم الذي يكفل له الحياة ، فإن النحو يمد اللغة بمعناها الأساسي الذي يكفل لها الصحة ويحدد لها عناصر المعنى" . ثم إن " الفهم الصحيح للنحو هو الفهم الصحيح للأساس الدلالي الذي يقوم عليه النص" .
الدلالة الصرفية :
تساهم دراسة التركيب الصرفي للكلمة في تحديد معناها ، فمثلا كلمة استغفر . لن نصل إلى معناها الحقيقي إذا اكتفينا ببيان معناها المعجمي المرتبط بمادتها اللغووية ( غ – ف – ر ) ، بل لابد لنا من أن نعود لدراسة صيغتها " استفعل " ، فالألف والسين والتاء تدل هنا على الطلب ، وبذلك تكون استغفر هي طلب المغفرة ، فهنا مدتنا الصيغة بالدلالة الحقيقية للكلمة .
ومثال ذلك أيضا الصيغة فاعل وفعال في قولنا كاذب وكذاب "فاستعمال كلمة كذاب يمد السامع بقدر من الدلالة لم يكن ليصل إليه أو يتصوره لو أن المتكلم استعمل كاذب " . ولنزداد يقينا بأن الصيغة الصرفية تدخل وتساهم في تحديد معنى الكلمة الحقيقي ، نقف هنا على أهم الدلالات المتعددة لصيغة "أفعل" :
- التعدية :
يكون الفعل لازم وحين يصاغ على وزن أفعل يصير متعديا ، ومثال ذلك ذهب زيد ــــ أذهب زيد ، في المثال الأول زيد هو الفاعل وفي المثال الثاني زيد هو المفعول ، فالفعل ذهب فعل لازم لا يحتاج لمفعول ، لكن زيادة الهمزة صيرته محتاجا للمفعول .
وكما تغيرت الوظائف النحوية تغيرت الوظائف الدلالية بين المثالين السابقين ، ففي الأول يسند فعل الذهاب إلى فاعله الحققي زيد ، فهو الذي قام بفعل الذهاب ، لكن في المثال الثاني هناك فاعل آخر جعل زيد يقوم بفعل الذهاب .
- التعريض :
فزيادة الهمزة تجعل مفعول الفعل معرضا لأصل الفعل ، فمثلا أبعت الشيء بمعنى عرضته للبيع ، فالشيء لا زال لم يطبق عليه فعل البيع ، بل فقط معرض لهذا الفعل بحكم أنه معروض للبيع ، أما بعت الشيء فقد تم فعل البيع ، ومنه أيضا " أسقيته أي جعلت له ماء أو سقيا سواء شرب أم لم يشرب .
- الحينونة :
بمعنى "حان وقت يستحق فيه فاعل أفعل أن يوقع عليه أصل الفعل" . و مثال ذلك أحصد الزرع أي صار الزرع جاهزا للحصاد ، فهنا الفعل لم يتم ولكن هذا هو وقته ، فالفاعل وهو الزرع ، استحق هنا بسبب الهمزة أن يقوم عليه فعل الحصد .
- الدخول في الزمان :
نحو أصبح (دخل في الصباح) ، وأمسى(دخل في المساء) ، وأفجر (دخل في الفجر) ، وأشملنا بمعنى دخلنا في وقت ريح الشمال ، وأجنبنا بمعنى دخلنا في وقت ريح الجنوب .
- الدخول في المكان :
مثل أشأم أي دخل الشام "وأكدى : أي وصل إلى الكدية ، وأنجد وأجبل أي وصل إلى نجد وإلى الجبل" .
الدلالة على السلب :
حيث يتغير معنى الفعل إلى عكسه ، منه أشكيت أي أزلت الشكاية وشكيت قدمتها ، وأعجمت الكتاب أي أوضحته وأزلت عجمته ، ومثال ذلك أيضا قسط وأقسط ، فقسط بمعنى ظلم ، ومنها قاسط وقاسطون ، يقول الله عز وجل شأنه : " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ، فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا " ، أما أقسط فبمعنى عدل ، ومنها مقسط ومقسطين ، يقول الحق سبحانه : " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" .
وهكذا نصل مع ذكر هذه الدلالات المتعددة لصيغة " أفعل " أن صيغة الكلمة تلعب دورا مهما في تحديد المعنى الحقيقي للجملة ، لأن هذا المعنى ما هو إلا مجموع دلالات أجزائها ، التي تتغير بتغير صيغها ، وكما يقال كل زيادة في المبنى هي زيادة في المعنى .
الدلالة المعجمية :
تتعلق هذه الدلالة ببيان المعاني المفردة للكلمة ، أي البحث عن الدلالات التي تحملها الكلمة قبل تسييقها ، أي قبل إدراجها في سياق لغوي معين ، " فكل كلمة من كلمات اللغة لها دلالة معجمية . تستقل عما يمكن أن توحيه أصوات هذه الكلمة أو صيغتها من دلالات زائدة على تلك الدلالة الأساسية " .
تتميز الدلالة المعجمية بتعدد المعنى ، وبالتالي تعدد الإحتمالات الدلالية ، وهذا التعدد في دلالة الكلمة "يرجع إلى صلاحيتها للدخول في أكثر من سياق . ومن صلاحيتها في للدخول في أكثر من سياق يأتي تعدد معناها واحتماله في حالة الإفراد " فمثلا كلمة صاحب يتعدد معناها على النحو التالي :
1- لقب = صاحب الجلالة
2- مالك = صاحب البيت
3- صديق = صاحبي
4- رفيق = صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
5- منتفع = صاحب المصلحة
6- مستحق = صاحب الحق
7- مقتسم = صاحب نصيب الأسد
وهكذا فإن الدلالة المعجمية ترتبط بدلالات الكلمة خارج السياق ، أما داخل السياق فإننا لا نتحدث عن هذه الدلالة ، ذلك أن السياق يحفل بالكثير من القرائن الحالية والمقالية التي تعطي للكلمة معناها الدقيق الذي يلاءم السياق .
الدلالة السياقية :
إن السياق مستوى من مستويات التحليل اللغوي ، وفيه تتحدد دلالة الكلمة وفق ما تحمله من دلالة ، فالسياق إذن يوحي بمعنى الكلمة التي ترد فيه ، وإذا كانت الدلالة المعجمية تتميز بالتعدد ، فإن الدلالة السياقية على خلاف ذلك تعطينا دلالة وحيدة في الغالب ، وذلك بفضل مجموعة من القرائن اللغوية وغير اللغوية .
وقد اهتم العلماء العرب قديما بالسياق اهتماما بالغا ، فاهتدوا في وقت مبكر من تاريخ العلوم اللغوية والبلاغية إلى تلك التأثيرات الخارجية وكل ما يحيط ظاهرة الكلام من ملابسات ، كالسامع والمقام وظروف المقال ، وتعتبر دراستهم لأسباب النزول في القرآن الكريم ، وأسباب الورود في الحديث الشريف ، وأسباب الإنشاء عند الأدباء والنقاد ، دليلا كافيا على أنهم فطنوا إلى ظاهرة السياق وما لها من تأثير في تحديد المعنى .
فالجملة قد تكون صحيحة نحويا ، لكن سيبويه يحكم عليها بالخطأ في موقف من الاستعمال وبالصواب في موقف آخر ، وقد أصبح واضحا لديه أن إعراب الكلام لا يستقيم إلا بإرجاعه إلى سياقه ومراعاة ظروف مقامه .
وهكذا اهتدى العلماء العرب إلى فكرة المقام فقالوا لكل مقام مقال ، يقول تمام حسان في هذا الصدد : " ولقد كان البلاغيون عند اعترافهم بفكرة المقام متقدمين ألف سنة تقريبا على زمانهم ، لأن الاعتراف بفكرتي المقام والمقال باعتبارهما أساسين متميزين من أسس تحليل المعنى يعتبر الآن في الغرب من الكشوف .
وقد تنبه الجاحظ إلى أهمية السياق في إنشاء الكلام ، ويشير إلى ذلك بقوله أنه ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني ، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وحالاتهم فيجعل لكل طبقة منهم كلاما يخصهم به حتى يقسم بالتساوي أقدار الكلام على أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات التي هم عليها المستمعون وحالاتهم .
هذا عند العرب القدماء ، أما في العصر الحديث فمن الواضح أن فكرة السياق حاضرة وبقوة في التحليل اللساني ، فقد تبين للسانيين أن المعنى المعجمي ليس كل شيء في إدراك المعنى ، فكلمة عملية لها دلالات معينة ، والسياق وحده من يميز بين عملية عسكرية وعملية حسابية وعملية جراحية ، وقد أكد رائد المنهج السياقي الإنجليزي فيرث firth أن المعنى لا ينكشف إلا من خلال وضع الوحدة اللغوية في سياق مختلف .
وينقسم السياق إلى أربعة أقسام :
السياق اللغوي :
هو"حصيلة استعمال الكلمة داخل نظام الجملة متجاورة وكلمة أخرى " ¬، فمثلا كلمة "عين" لها دلالات متعددة ، لكن بمجرد أن ترد في سياق معين تتحد الدلالة المقصودة من بين تلك الدلالات جميعها :
- عين الطفل تؤلمه : العين هنا هي الباصرة .
- في الجبل عين جارية : عين الماء .
- هذا عين علينا : الجاسوس .
ومثاله أيضا كلمة يد التي ترد في سياقات مختلفة فتختلف دلالتها تبعا للسياق الذي وردت فيه :
- هم يد على من سواهم : إذا كان أمرهم واحد .
- يد الفأس ونحوه : مقبضها .
- يد الريح: سلطانها .
- يد الطائر: جناحه .
- فلان طويل اليد : قديما ، إذا كان سمحا ، حديثا ، إذا كان لصا .
السياق العاطفي :
هو الذي يحدد طبيعة استعمال الكلمة ، هل هي مستعملة استعمالا موضوعيا أم مستعملة استعمالا عاطفيا ، واللفظة لا تحمل معنى عقليا فحسب بل تحمل أيضا في الغالب لونا من الإحساس ، فكلمة " قصر" ليست فقط منزلا واسعا ، بل يضاف إلى ذلك إحساس إعجاب نشعر به نحو مقر الأمراء " .
فالسياق العاطفي إذن يحول دلالة الكلمة من معناها الموضوعي الذي يرتبط أكثر بدلالتها المعجمية إلى معنى آخر يرتبط بالعاطفة والإحساس ، فكلمة يهودي يكون استعمالها استعمالا موضوعيا ، في مجال معين ، لكن في مجال آخر ، لابد أن تندرج ضمن السياق العاطفي ، ويصاحب استعمالها نوع من الحقد والكراهية والاحتقار . وغير ذلك من الأمثلة كثيرة .

سياق الموقف :
يعنى هذا السياق" الموقف الخارجي الذي يمكن أن تقع فيه الكلمة " ، فهو " يدل على العلاقات الزمانية والمكانية التي يجري فيها الكلام ". فالسياق يتناسب مع ما عرف عند العرب القدماء بالمقام .
السياق الثقافي :
يقتضي هذا السياق " تحديد المحيط الثقافي والاجتماعي الذي يمكن أن تستخدم فيه الكلمة " . فالكلمة حين تستعمل تدل على المستوى الثقافي والاجتماعي لمستعملها .
ومثال ذلك أيضا مجموعة الكلمات الدالة على معنى الأبوة :
- داد : في لغة الارستقراطيين والمتفرنجين .
- الوالد أو والدي : أدبي فصيح .
- بابا : عامي راق.
- أبويا : عامي مبتذل .
ويظهر أن للسياق الثقافي أهمية كبيرة ، وتظهر هذه الأهمية بشكل بارز في الترجمة ، " إذ تتطلب مقتضيات الفهم الصحيح والدقة العلمية أن يلم المترجم بالسياق الثقافي للنص المترجم .
العلوم غير اللغوية :
لعلم الدلالة تداخل ملموس مع عدد من العلوم الأخرى ومنها الفلسفة والمنطق وعلم النفس . وقد قال البعض في علاقة علم الدلالة بالفلسفة : أنك لا تستطيع أن تقول متى تبدأ الفلسفة وينتهي السيمانتك ، وما إذا كان يجب اعتبار الفلسفة داخل السيمانتك أو السيمانتك داخل الفلسفة ، ويقول ليش Leech " السيمانتك نقطة التقاء لأنواع من التفكير والمناهج مثل الفلسفة وعلم النفس وعلم اللغة وإن اختلفت اهتمامات كل لاختلاف نقطة البداية " .
وقد اختلف النظر إلى المعنى باختلاق المقاربات التي حاولت دراسته ، فالفلاسفة يتناولون دراسة المعنى في كلامهم عن الابيستيمولوجيا ، وهي فرع من الفلسفة يدور حول نظرية المعرفة .
أما علماء النفس ، فتناولوا المعنى في دراستهم على أنه غير عرفي ولا اجتماعي ، ولكنه خاضع للتكوين النفسي الفردي .
وقد اهتم الأدباء والنقاد بالمعنى ، لكن فقط ذلك المعنى الفني الاجتماعي وللمنهج النقدي ارتباط بالدلالة ، يقول عناد غزوان متحدثا عن المنهج النقدي : " قد يكون المنهج شكليا يهتم بالبيئة الشكلية للتجربة الأدبية ، أو قد يكون تحليليا قائما على تحليل عناصر التركيب الأدبي وخصائصه البيانية والبلاغية ، أو قد يكون منهجا تقنيا فنيا جديدا يدرس هذه التجربة أو تلك على أساس كونها ظواهر حضارية إنسانية تخضع لمثل جديدة في تقدير قيمها النقدية - الفنية الجمالية - التي تخلق الإعجاب والتقدير في طبيعة العمل الأدبي بالنسبة للقارئ ." إذا هذا المنهج الأخير هو الذي يرتبط بالدلالة باعتبارها كائنا حضاريا متطورا يمثل قوة الإدراك في حياة الألفاظ والمعاني .
ويرتبط علم الدلالة بعلم شامل لدراسة العلامات سواء كانت لغوية أو غير لغوية ، وهذا العلم هو علم الإشارة (السميائيات) . فعلم الدلالة يدرس المعاني ، إذ هو مستوى من مستويات الوصف اللغوي ، أما السميائيات فهي علم شامل يندرج ضمنه علم الدلالة وهو " يوجه جل اهتماماته إلى المبادئ العامة التي تسير عمل تنظيمات الرموز codes والتي على أساسها يتم تصنيف هذه التنظيمات".
ولاشك أن لعلم الدلالة علاقة بمجموعة من العلوم التي لم يتم التطرق إليها ، مثل علم التواصل والأسلوبية ، وعلم المصطلح ، والتداولية ، إلى غير ذلك من العلوم ، فنمو علم الدلالة وتشعب مقارباته المنهجية جعله قطب الدوران في كل بحث لغوي مما لا ينفصل عن نظرية الإدراك وفلسفة المعنى .

* د. لامية مراكشي





ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...