⏫⏬
د. جميل الدويهي في عرض نقدي: نظرة في قصة نبيل عودة 2+2=51- القصة بقلم نبيل عودة
يبدو ان المنطق الرياضي الذي يقول إن 2 + 2 = 4 لم يعد صحيحاً فلسفياً.
أستاذ الفلسفة الدكتور سمير، يقول إن هذا تركيب مصطنع، ويحتاج فلسفياً إلى براهين، والأغلب انه خطأ متداول.
أستاذ الرياضيات البروفسور صالح، يصرّ أن 2 + 2 بجمعهما المنطقي، نتيجتهما أربعة، وهو سؤال رياضي بسيط وأولي ومن بديهيات الحساب الرياضي.
الدكتور سمير أعمل فكره، فأجاب معترضاً:
- ماذا تقصد بالرقم 4، هل هو مجرد الجمع بين عددين أصغر منه، أم له تفسير فلسفي آخر؟ وكيف توصلنا الى أربعة؟ أليست هذه
رؤية مسبقة منغلقة لا تريد ان تعترف بما يعارضها؟ إن حقيقة كل ادعاء تفحص بحسب نتائجها. وهل يخفى اننا نختار الحقيقة بحسب ما تُحدثه من تغيير؟ فهل من حقيقة ذات تأثير تُلزم التغيير في المسألة البسيطة التي تدعيها من النتيجة 4 من جمع 2 + 2 ؟ مثلاً نحن نقول ان قانون الجاذبية لنيوتن صحيح، ليس لأنه مطابق لما يحصل حقاً، وإنما لأنه ثبت أنه قابل للاستعمال لتوقع تصرف عنصرين مع بعضهما في حالات متعددة ومختلفة. مثلاً، انا على ثقة أن التفاح يسقط الى الأسفل حتى من شجرة تفاح في مكة وعلى رأس أي سعودي جالس تحتها، بغضّ النظر اذا كان أميراً أو فقيراً، عالماً مفتياً أو جاهلاً، وليس في لندن فقط، حيث سقطت التفاحة على رأس نيوتن.
بروفسور صالح ضحك من هذا التفسير المعقد:
- انتم الفلاسفة جعلتم عالمنا أكثر صعوبة على الناس. تشغلون عقولكم بأوهام، وتصعّبون على الناس فهم حياتهم، وتسهيل معاملاتهم. تخيل لو ذهب الى البنك مئة ألف شخص يصرون أن 2 + 2 = 5 . سيتعطل العمل وتتوقف المصالح. هل تفهم أن فلسفتك ستجعل عالمنا مبهماً وغيبياً؛ لا شيء مؤكداً فيه؟ لنفرض انك اشتريت بدولارين من البقال، وبدولارين من دكان الخضرة، فما مجموع ما صرفته في الدكانين؟
- خمسة، أجاب دكتور سمير بلا تردد، وأضاف: أنت تتجاهل اشارة الزائد، ألا قيمة للإشارة؟ لماذا نستعملها اذن؟
- لنفترض انها ناقص، لا زائد!
- الجواب في هذه الحالة صفر، لأن الناقص ينفي ولا يضيف.
- ما هذه؟ فلسفة جديدة؟
- أبدا، نحن نتعلم في الفلسفة ان نصلح عالمنا، وأن نفسّره، وان نشكل رؤيتنا الخاصة حوله. لماذا رؤيتكم صحيحة، ورؤية استرالي أصلي يعيش في الغابات الاسترالية غير صحيحة؟
- ما دخل الأسترالي في الحساب؟
- سؤال جيد. قمنا قبل سنة بزيارة لأستراليا. وصلنا الى احدى الغابات التي تسكنها قبيلة من السكان الأصليين. بعيدون عن الحضارة.. بعيدون عن كل ما يمتّ بصلة للمجتمع المدني. ومع ذلك حياتهم منظمة وواجباتهم محددة. كل يعرف ما عليه وأين هي حدوده، لا أحد يتجاوز حدوده. مجتمع آمن.. بلا مشاكل الحضارة ومتطلباتها.. لا يعرفون المدارس... ولا الحواسيب. أجريت اختباراً حسابياً لأحدهم. كان سؤالي هو نفس سؤال الخلاف بيننا. كم هو مجموع 2 + 2. لم يجبْ. طلب الإذن. ذهب وعاد بحبلين. عقد في الحبل الأول عقدتين وأشار باصبعيه إلى الرقم 2، ثم عقد عقدتين في الحبل الثاني، وأشار مرة أخرى بأصبعية إلى الرقم 2، وأخيراً عقد عقدة تجمع بين الحبلين، وعدّ العقد فكانت خمس عقد، فأجاب أن 2 + 2 = 5.
فكيف يمكن أن أقنعه أنها تساوي أربعة؟ والآن بإمكانك يا زميلي العزيز بروفسور صالح، أن تقول إن الجواب هو نتيجة عملية لتطور المجتمع. او العقل البشري، وان الجمع لا يتعلق بقوانين الرياضيات، بل بقوانين الحياة التي يعيشها الإنسان.
****
2- تعليق جميل الدويهي
بين قصة نبيل عودة وعظة "الأعداد" في كتابي "في معبد الروح":
أصرح علناً وبصوت جهوري أنني معجب بكتابات نبيل عودة. وقد يغار مني الشعراء على ذلك، فقد طالما دأبنا على تمجيد الشعر، وبتنا نسمي شاعراً كل صاحب قلم. ولانني لست شاعراً فقط، وأستميت للدفاع عن حقي في أنني لست شاعراً، يغتاظ مني الكثيرون، وينزعجون لأنني أطالبهم بحقي وأصر على أنني لست شاعراً فقط. وتبعاً لهويتي الابداعية أنا معجب بالنثر، وبالقصة على وجه التحديد، ويطربني الإصغاء إليها، فكيف إذا كانت للنبيل عودة؟
ولا أخفي أن هذه القصة القصيرة هي من أجمل ما قرأت لعودة، ولست أدري كيف يتوافق هذا الأديب والمفكر القدوة في الرأي معي، من جهة العدد. وقد أختلف مع عودة في السياسة وعلم الاجتماع، ولديّ رؤى لا تتماهى مع رؤاه، لكنني في أغلب الأحيان أوافقه واصرح بان هناك وجوه شبه كثيرة بيننا.
وسألفت هنا إلى ناحية العدد، فلست متزمتاً حسابياً، ولا أطيق الحساب، وكنت من الطلاب الفاشلين في الضرب والقسمة، وبيني وبين الحساب عداوة كما بين عبس وذبيان، ولعل ذلك هو السبب الذي جعلني أكتب عظة الاعداد في كتابي "في معبد الروح" حيث بينت أن الأعداد مصطلحات جاء بها العلم، وليست حقيقة، وأعطيت أمثلة عن رجل هو ابن وأخ وخال وعمّ وجد... وهو رجل واحد وليس خمسة رجال، لكي أصل إلى أن الثالوث في المسيحية لا يمكن فهمه كرقم "ثلاثة"، فهو فوق التجريد ولا يشبه الجمع الجسابي المتعارف عليه بين الناس، وكانت كلمتي الأهم في تلك العظة: قد يكون الواحد واحداً وغير واحد في وقت واحد.
وهذه المعادلة اللاحسابية، أشعرتني بأنني أخوض في عالم لا يريد الناس أن يخوضوا فيه، وظننت أنّني أقول شيئاً لا تعترف الغالبية من البشر بصوابه، حتى قرأت قصة نبيل عودة، ومفادها أن الأبورجيني الأسترالي، عندما سئل عن حصيلة الجمع: 2+2، أجاب بأن الحصيلة هي 5 وليست 4.
الفرق بين الأبورجيني وأستاذ الحساب، كما الفرق بين رجل جائع وآخر متخم، وكلاهما في صحراء... فلو خيرت الجائع في الصحراء بين الذهب والرغيف، لأخذ الرغيف، ولو خيرت المتخم بينهما لأخذ الذهب وترك الرغيف.
إذن نحن نتعامل مع الواقع بحسب رؤيتنا الشخصية له، وليس علينا أن نتبع خطى الآخرين عندما يقررون عنا أن حصيلة 2+2 هي أربعة. فماذا فعل الأبورجيني؟ أخذ حبلاً وعقده عقدتين، ثم أخذ حبلاً آخر وعقده عقدتين... ولكي يجمع بين الحبلين ربطهما (علامة الجمع +) فتولدت عقدة خامسة، وهكذا تكون النتيجة 5، أي كما قلت في كتابي "في معبد الروح": "وقد تظنون أن الفصول أربعة، وهي فصل واحد يرتدي ثياباً مختلفة، وهكذا هو الله لا يحده عقل ولا تحدده أرقام، فلا تنظروا إليه بأفكاركم فقط، بل بأرواحكم أيضاً ... وإذا سمعتم من يقولون إنه غير واحد، فاسألوهم عن ذلك وانتظروا منهم أن يجيبوا، فلعله واحد وغير واحد في وقت واحد، ولا تستعجلوا في الحكم... وإياكم أن تتهموا أحداً بالضلال، فإن ذلك يحدث الانشقاق والفرقة بين الناس، وما أبغض الفرقة إذا كانت ابنة الأفكار المجردة والأرواح المعطلة والقلوب المتحجرة!"
***
يقول النبيل: إن الجواب هو نتيجة عملية لتطور المجتمع، او العقل البشري، وان الجمع لا يتعلق بقوانين الرياضيات، بل بقوانين الحياة التي يعيشها الإنسان. وأنا أوافقه على ذلك، وأضيف أن الجواب قد يكون نتيجة حالة نفسية، أو حاجة أو واقع يعيشه الإنسان. ولست أطالب بأن يخطئ التاجر في الحساب مع الزبون، أو تتخلى الدول عن حساباتها، لكن في أمور كثيرة تختص بالخلق والعالم اللامرئي لا يمكن الركون فقط إلى العلم، فالروح لها دور مهم أيضاً، ولا بأس أيها النبيل الجميل أن يصل الفلاسفة إلى الحكم، فهم أجدر الناس في قول الحقيقة التي ينكرها الكثيرون، أو لا تخطر في بالهم. ولكن لا أنصح الفلاسفة بنشر أعمالهم على فايسبوك، لأنّ عدد المعجبين بهم سيكون قليلاً جداً.
________
مشروع الأديب د. جميل الدويهي "أفكار اغترابية" للأدب الراقي - سيدني 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق