⏬
لفت انتباهي في رواية "عمارة يعقوبيان" للدكتور علاء الاسواني والتي تحولت لفيلم، مشهد عنيف ل"دولت"، الأخت الرعديدة التي سعت لطرد أخاها من بيت العائلة.فلكم أثنى النقاد على أداء الفنانة "اسعاد يونس" في حرفيتها حيال أداء دور الأخت الشريرة لزكي، الفنان "عادل إمام" بن الباشا، الداعر، الذي طردته شر طردة من بيت العائلة بدعوى تطهير بيت الوالد من دنس المومسات اللائي يجلبهن للبيت، رغم أن نية "دولت" الحقيقية كانت بسط سيطرتها على ملكية البيت.
فبينما صرحت الفنانة "اسعاد يونس" انها استعانت بطبيب تجميل لحقن حاجبيها بالوتوكس لتبدو كما "الأكسون السيركونفلكس"
في الفرنسية أو على هيئة رقم " ثمانية " العربي ما يعطي انطباعا لهيئة "شارونية" قاسية .. هذا بخلاف ما تعمدته من تغليظ صوتها ..حتى أنها أسرفت في الصياح واستعانت بالسب والشتم واتشحت بالأسود القاتم.
ما يعني أن المكياج مع الأداء التمثيلي والملابس تضافروا لتنبيه المشاهد أنه أمام حالة أخت جبارة تظلم أخاها عيانًا بيانًا. فجاءت الرسالة واضحة جلية، تمامًا كما يحرص المخرج على أن يرتدى الممثل الذي يؤدي دور لص قيمصًا مخططًا بالعرض "أبيض في أسود" وكأن سهمًا يشير إلى أن هنالك يقبع نصاب في الشاشة.
مع العلم أن الشيطان في الواقع يتجمل، يتأنق، يتعطر ولا يتمظهر بشكل عنيف ليقول ها أنا ذا فاحذروني، بل يبدى مظهر لطيف محبب ليصطاد بل ليوقع فريسته، حتى أن هناك فيلما أجنبيا شهيرًا للفنانة "ميرل ستريب" عنوانه" الشيطان يرتدي برادا"، كان بمثابة دعوة تحذيرية للمشاهد لعدم الإنخداع بالمظاهر البراقة، إذ ان حتى الاشرار يرتدون أغلى الماركات العالمية. فجسدت ميريل ستريب صورة مصممة أزياء عالمية فائقة الأناقة، إلا انها آية في استغلال كل من يعمل معها. على ان المخرج كان حريصًا على ان تبدو ميريل ستريب بمظهر قاسي حاد ومنفر ما ينبه المنشاهد لكونه بإزاء شخصية متسلطة رُغم أناقتها البازخة.
..
أما "عاطف الطيب" مخرج فيلم "سواق الاوتوبيس" فقد عمد لتجسيد مشهد أقسى ضراوة للشراسة لكنها هذه المرة شراسة ناعمة ومستترة خلف مظهر بريء لأخت حسن " نور الشريف" والتي لعبت دورها الفنانة "علية عبد المنعم" ذات المظهر الملائكي المسالم، والوديع، لكنها رغم اغراقها في الوداعة والهدوء إلا انها تخذل أخاها وتطعن أباها بسكين تلم، فتراها تستقبل أخاها بترحاب، كما تولم له البحر بل والأدهى تدعوه لأداء الصلاة جماعة. لكنها بهدوء وبدون صخب أو سباب، تخذله وتناصر زوجها الذي يحجم عن رد الدين لوالدها رغم علمهما أن الأب في محنة مادية قاسمة، ما يصَعِّب على المشاهد و يُشكل عليه عملية التقاط مظاهر قسوة الأخت أوخذلانها لبني دمها، فيلتبس الشر على المشاهد.
فبينما تبدو ملامح الفنانة العظيمة إسعاد يونس حادة مستعينة بالبوتكس، إلا أن علية عبد المنعم ملائكية السمت وناعمة المحيا تخذل أخاها بالهدوء كله، بالسكون جله، وباللطف منتهاااااه. ما يثبت أن المشكل لا يكمن في الأسود الشرير .. كما لايطال الأبيض الطيب الغرير، لكن المعضلة كل المعضلة في الرمادي الباهت المنافق كما قرأت يومًا.
فرغم أن أداء إسعاد يونس كان جديرًا بالاشادة تماما كأداء ميريل ستريب، لكنني أحسب أن مشهد الشر " لعلية عبد المنعم" كان أقوى، لكنه لا يحتاج فقط لممثل بارع في أداؤه، بل لمشاهد على درجة عالية من الوعي والإدراك لإلتقاط المعاني المستترة ولمقاومة الملامح البريئة ، الخادعة للأخت ذات السمت البريء التي لا تصخب ولا تسب أو تسهب في وصلة صراخ حال ممارستها للشر .
يبدو أن للشر وجهان، أحدهما عيان، واضح وجلي، كالضحى فيما الآخر مظلم، داكن ومستتر كالغسق، ورغم ان الاثنان منتشران في المجتمعات، لكن يبدو أن الأكثر ضراوة وشراسة هو ذاك الشر المستتر الذي يقتل بمسدس كاتم للصوت فلا يعرف الناس من الجاني . وقد وصفه جبران بقوله:
.
"فقاتل الجسم كمقتول بفعلته ....... وقاتل الروح لا تدري به البشر".
..
و لن انسى صرخة هذا الشاعر:
إما ان تكون اخي بصدق .......... فأعرف منك غثي من سميني
وام فاطرحني و اتخذني عدوا ......... أتقيك و تتقيني
..
وأكم من مشاهدات لإخوة منعوا عن أخواتهن الميراث، ومع ذلك، كان الأخ حريصًا على إهداء كل أخت خروفًا بالعيد.
وأكم من إخوة استعملوا سلاح التطفيش والتنفير والهمز واللمز المستتر عوضًا عن الطرد والإقصاء والعداوة العلنية.
فلما الطرد العلني و في امكانة الوصول للنتيجة ذاتها بالاستقبال الفاتر، بإطفاء النور حال قدوم الأخ او الأخت، برزع سلسال المفاتيح على الطاولة ، بالنفخ ، بالصراخ على أبناؤ، لإضفاء جو مكهرب وغير مريح في البيت بأسره ، يمنع الاخ من استخدام الهاتف بدعوى انه هو من يدفع الفاتورة، برمي الكلام المؤذي، بالهمز، باللمز، بالتنابذ بالالقاب على الأخ او ابناؤه و بسلسال لا ينتهي من وسائل التطفيش المستترة.
وأكم من أخت استغاثت بأخاها حينما تعرضت للتحرش من أغراب أو لعدوان من زوجها فاتصلت بالأخ تحسبه سندًا،و تخاله ظهيرًا صلبًا من صلب عصبها، فتستنصره، لكنه يخذلها تماماً بل يمنع اولاده من زيارتها، ثم يرسل لها زهورًا في عيد الأم، أو كارت معايدة بمناسبة فوز المنتخب ووصوله لكأس العالم. ما يعني انه يسعى لتكريس لعلاقة قائمة على تبادل المعايدات في المناسبات بينهما ليس إلا.
لكم هي بشعة جريمة قتل قابيل لهابيل، لكن الشاهد أنه حينما يقتل أخ شقيقه، ويزهق بدنه، فيطالع يديه مضرجة بحمرة سفح الدم، فإنه قد يندم ويستغفر ويؤوب لربه.
لكن حينما يرمي الإخوة أخاهم في غياهب الجب ويحجمون عن ازهاق بدنه ويكتفون بازهاق روحه ومعنوياته ويبيعونه بثمن بخس ويكونوا فيه من الزاهدين، فالغريب أنهم ينسون أن يندمون، فلا يرتجعون، بل يعودون عشاء إلي أباهم يبكون بدمع كذٍب، ويمضون في حياتهم يأكلون، يشربون ويهنأون ويتغشون زوجاتهم وينسون جريرتهم، بل تراهم لا يحسبون من الأساس أنهم أضاعوا أخاهم.
..
- لواط فكري
..
إن هكذا التباس لا يطال المشاهد فحسب، بل يتجاوزه للمجرم ذاته الذي يظل يراوده شعور أنه ليس مجرمًا فهو في موقف بين بين، أي يحتمل شتى التأويلات، لذا تراه يرتضى لنفسه أن يحتال على قناعاته أو أن يتلاعب بنواياه ليبدو طاهرًا شريفًا أمام نفسه والآخرين.
نوع نادروغير رائج من اللواط الفكري، الناجم عن شذوذ في الضمير الضامر لدى نوعية من البشر استقبح أن أضفي عليهم صفة انسان.
- فقد تلقي أم برضيعتها أمام عتبات جامع ثم تمضى، لكنها - يقينًا- تدرك حوبتها، ولا تنكر أمام نفسها انها جنت على طفلتها.
لكن اكم من أم باعت بناتها كالنخاسين في سوق الرقيق الأبيض لزوج سبعيني "عمو عزيز" بشهادة زواج موقع عليها من عدول للخلاص من مسئولياتها او لتقبض الثمن من أشلاء تعاسة ابنتها.
او تراها هي والأب تسفلا أرضأ تكالبًا على فتات الحلوى تمامًا كما فعلت نعيمة وصفي في مشهد فيلم "المتوحشة" حينما ارادا أهل سعاد حسني ( لاعبوا السرك) ان يتكسبوا من زيجة ابنتهم من ثري ارستقراطي فرضوا بجمه الحلوى الواقعة على الطنافس!
-أكم من ام او أب تكسبا من عمل صغيرتهما رغم أن الفتاة اشتكت لوالداتها من تحرش صاحب العمل بها، فيكون جواب الام مثيلأ لجواب والدة هند صبري في فيلم" عمارة بيعقوبيان"
:"يا بنتي ..كل واحد حر في سوستة بنطلونه"!
-وأكم من أب منح ابنته لإبن اخيه وهو يعلم أنها مكرهة، لكنه أصر، لعدم ضياع إرث العائلة.
-وأكم من أثرياء بل وملوك تاجروا ببناتهم او أبنائهم الذكور لتوسيع شراكة أو تعضيد ممالك او تثبيت دعائم حكم .. ثم تراهم بعد ذلك يحسبون .... أنهم يحسنون صنعا.
* داليا الحديدي
كاتبة مصرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق