اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

المغارة ــ قصة قصيرة ...**د. طارق حسن


المغارة (1) :
الحُلُـــم
فتحَ عَينَيه ليَجد نفسَه في مَغارةٍ قذِرة ، جُدرانها تنضحُ بالرطوبة و العُفونة ، مياهها آسِنة و هواؤها مُشبَعٌ برائحة الكبريت و جيَف الحشَرات و القوارض الميّتة .

يساكنُهُ المغارةَ قوارضُ مُفترِسة لا يكادُ ينقطع عن سمعِه حسيسُها ، و خفافيشُ مزعجة لا تفتأُ تصطدِمُ به جيئةً و ذهاباً . و يشاركهم السُّكنى ديدان لا يكاد يحصيها ، لكنّه يُحسُّ بها و هي تمشي على جسده و هو نائم آمنةً مطمئنّة كأنها في رحلة استكشاف ، حتى أنّه لم يعُد يبالي بها و لا يكلف نفسَه عَناء ابعادها فقد اعتاد دغدغتَها و حركتها المتثاقلة بأجسادها الرطِبة على جلده المكتظ بالأدران ، و هو الذي لم يعرف الاستحمام يوماً إلا حين يلقي بجسَده في ماء المستنقع الآسن الذي يزيده اتساخاً.
كما كان للعَلَق و البعوض نصيب من دمه ، جعَله فعليّاً يكاد يكون بلا دم.
بدَورها هذه القوارض و الديدان لم تسلَم منه فقد كانت مصدَر قوتِه الرئيس بغياب أي مصدر آخر للغذاء إلا ما ندَر من طحالب و بقايا نباتات يجدها بين الفينة و الأخرى.
اعتاد أن لا يميّز ليلاً عن نهار في هذه المغارة المُظلمة ، لكنّه أحسّ في ذلك اليوم كأنّ سكّيناً غُرِسَت في عَينَيه (مع أنّه لم يعرف السكّين يوماً) ، عَيناه اللتَان كادَتا تفقدان نورَهما لطولِ مكثِهما في الظَلام.
لمّا استفاق من الصدمة الأولى و حاول أن يفتح عَينَيه مجدَّداً كان الألَم موجوداً لكنّه أخفٌ و بدأ يميِّز ما يرى : فقد انفتَحَ ثُقبٌ صغير في سقف المغارةِ المُظلِمة و راح يسلّل منه ضوءُ النهار .
كان شُعاع الضوء المنبَثِق يبدو ساحِراً حرَّكَ في نفسِهِ شغَفاً ليعرِف مصدَر الضوء ، و راحَت مخيَّلَته تنسُجُ له صوَراً مفترَضة عن عالَمٍ سحريّ يضجّ بالضوء و الحياة ، بدأَت الصوَر تتحوّل إلى رؤى و الرؤى تكبُر و ترسُمُ تفاصيلَ أكثر
لم يعُد الأمرُ فضولاً و تخيُّلاً ، فقد بدأ يتحوَّل يوماً بعد يوم إلى حُلمٍ جميل يكبر و يكبر ليصبح في النهاية هدَفاً يستحقُّ السعيَ وراءه.

المغارة (2) :
الخَـــلاص
قرَّر أن يتبَعَ حُلُمَه ، راح يفكّر كيف يمكنه أن يصلَ إلى عالَم الضوء ذاك ...
جمَع الأحجارَ و راكَمَها فوق بعضها البعض ، فلما كثُرَت و صَعُب عليه السيطرةُ علَيها أخذَ يجلب الطين من ضفاف المستنقع و ويخلِّله بين الأحجار لتتماسك. راحَت تلّة الأحجار تكبر و تعلو يوماً بعد يوم حتى صار بإمكانه الوصول إلى الفتحة التي يتسلّلُ منها الضَّوء . راح يبحث بين الأحجار التي تملأ المغارة عن حجَرٍ مدبَّب يصلُح أن يكونَ اسفيناً يدقّه في الفتحةِ ليوسعها ، حين وجدَ ضالَّته و وجدَ حجراً آخَر كبيراً يستطيع أن يدُقّ به الاسفين بدأ عملَه و ابتدأَت مرحلة جديدة نحو الحُلُم ..
كانَ عليه الآن أن يوسِّعَ الفتحة الصغيرة ليستطيع العبور منها إلى الجانب الآخَر .. إلى المستقبَل الذي ينتظره .
أزعجَت أصوات طرَقاته المُتتابعة سُكّانَ المغارة فَهاجوا و ماجوا ، راحَت القوارض تجري بلا هُدى ، و ذرَعَت الخفافيش سماء المغارةِ بأعدادٍ لا متناهية ضاربَةً جسَدَه النحيل في كلّ مرّة ضرَباتٍ و ضرَبات حتّى امتلأ بالجروح و القروح و سالت منه الدماء، لكن هذا كلّه لم يكن يعنيه فقد كان همّه و جهده منصبَّاً على فتحة الأمَل التي يراها في سقف المَغارة.
أخَذت الفتحة تكبر ، و يكبر معها الحلُم. ، و المغارة المظلمة راحت تضيء يوماً إثر يوم.
كان الضوءُ مؤلِماً له بمعنى الكلمة ، فعَيناه الصغيرتان كنقطَتين في وجهه لم تعتادا هذا الكمّ من الضياء و لا هذا الوضوح في الرؤية، لقد أتعبتهما حدّةُ الضوء و تفاصيل الأشياء التي أصبح عليهما مراقبتها بدقّة بعد أن كانت وظيفتهما اعطاء صاحبهما صورةً عامّة و ترك التفاصيل لبقيّة الحواس و الأعضاء .
لا أحَدَ يعلم مَن كان صدمته أكبر : هوَ أَم عيناه اللتان وجدتا أمامهما مَهامّ كثيرة ليُنجزاها ، تفاصيل بلا نهاية ، ألوان لم تعرفاها من قبل ، أطياف من الضوء بدرَجات تفاوُت لم تألفاها ... كان الأمر مُتعِباً لهُما لدرَجةٍ لا تُطاق ، تمنَّيَتا لو كان بإمكانهما الصُّراخ من الألَم و التعَب ، لكن كل ما كان بإمكانِهما عملُه أن تُغمضا الأجفان لأقصى حدّ لتصُدّا أكبر قدر من هجوم الضياء.
أخيراً ، كبُرَت الفتحة حتى صار يستطيع العبور منها ، و الحلم أصبحَ حقيقة ، لكن احساساً عجيباً بالتردُّد كان يمنعه من التسلّق و عبور الفتحة نحو العالَم الجديد ، لعلّه التوجُّس من المقبِل ، أو الخشية من فُقدان العالَم الحالي . لكنّه أخيراً حَسَمَ أمره و قرَّر العبور .

المغارة (3) :
لم يعُــد حلُما
يا له من عالمٍ ساحر ! سماءٌ زرقاء ، هواءٌ عليل يداعب جسَده بلطفٍ و نعومة ، أشجارٌ ضخمة تفوق هامتَه أضعافاً مضاعفة ، جِبالٌ شامخة بها حجارة بعضها أكبر حجماً من مغارته ، أمّا ذلك الجُرم العملاق الذي يتوسّط كبد السماء و الذي يشعّ ضوءاً و نوراً يملأ هذا الفضاء الواسع و الذي لم يعرف كنهه فهو أعجَب ما رآى، هاقد عرَف أخيراً مصدر النور الذي أخرجَه من عالَمه الأوّل و ألقاه ها هنا ،و تلك الأعشاب التي تغطي وجه الأرض بخُضرتها التي تضفي على المشهد تناسقاً عجيباً ، و تلك المخلوقات التي تملأ المكان بعضها يجري و البعض الآخر يمشي و البعض الثالث يزحف ..
لكنّه رغم كل هذا الجمال يحسّ احساساً غريباً من عدم الارتياح لم يعرف سببه ، أَ هو تتابع الليل و النهار بين شدّة الضياء إلى خُفوته ثم الظُّلمة و شدٌتها فبزوغ الضوء من جديد ! أم هو تقلب الطقس بين شدة الحرارة نهاراً ثم الدفء ثم البرودة و شدّتها ! ربّما ذلك العدوّ الخفيّ الذي يداعب جسَدَه بلطفٍ تارةً. و يضربه بقسوةٍ و غِلظةٍ تارةً أخرى ، ذلك العدوّ الذي لم تُبصره عيناه لكنّه يرى جبَروته حين يعصف بالأشجار و الأعشاب فتميل مقاوِمةً ثمّ تنحني مستسلِمةً في النهاية ! أو لعلّها تلك المخلوقات العجيبة التي تملأ المكان بتصرّفاتها المُريبة حتى لم يعُد يعرف العدو منها و الصديق ، لذلك أخذ الحيطةَ منها جميعاً فابتعد عنها اتّقاءاً لشرّها!
أخذ الحنين يزداد بداخله نحو ذلك الماضي السعيد ، ذلك الزمن الجميل ، أيام المغارة حيث الظُّلمة الأليفة التي لا يشوبها ضياء ، و الهواء اللطيف رغم نتانته ، و مخلوقات المغارة التي أنِسَها و خَبِرَ سلوكها حتى أصبح يتنبّأ بتصرفاتها قبل أن تُقدِم عليها ...
آه ، ما أحلى تلك الأيام !
لم يعد شيء مما في هذا العالَم الجديد يستهويه ، لم يعد يكترث لتغريد الطيور و لا حفيف الأشجار ، و لا لذلك الضوء الساطع ، و لا لنجوم السماء ، و لا لتلك المخلوقات الغريبة التي يكرهها .. أصبح كلّ شيء في هذا العالَم الجديد ينفّره منه ، و يجذبه إلى عالمه القديم ، إلى فِردَوسِه المفقود.
نام في مساء ذلك اليوم ملتفِحاً بأوراق الشجَر ليتّقي برد آخر الليل القارس ، راى في نَومه نوراً يشعّ مِن جديد ، ذاته النور القديم الذي أخرجَه من المغارة ، لكنّه في هذه المرٌة كان يصدُر عنها .
مع خيوط الفجر الأولى كانت قدماه تقودانه بلا ارادةٍ منه إلى مصدر النور الذي وافاه في المنام .
عندما سطَعَت شمس ذلك اليوم على الأرجاء لَم تَجِده هناك ، فهو يقبع الآن حيث قادَه حلُمُه الأخير. بعد أن أغلق على نفسه مصدر النور .
ها قد عاد إلى سَكينته الأولى بعد أن أقنع نفسه أنّ حلُمَه الأول كان كابوساً ، و أن الظلام الذي أمضى حياته فيه هو حلُمُه الحقيقي .

*د. طارق حسن

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...