اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

كتابة السير ذاتية في نصوص الكاتب الروائي الجزائري السعيد بوطاجين قراءة جمالية

*بقلم: لامية مراكشيالكلمات المفتاحية :
الرواية الجزائرية الأدب والنقد. التوجه الإيديولوجي والفكري الأعمال السردية مقولات نظرية جمالية التلقي الكاتب الروائي السعيد بوطاجين ، الذي روايات " ماحدث لي غدا " ، " اللعنة عليكم جميعا " ، " حذائي وجواربي وأنتم " ، " أعوذ بالله" . الأعمال المترجمة " كعالم الكلاب " ، " نجمة تائهة " ،
" أفلام حياتي " .
ملخص :
عرفت الأسماء الروائية الجزائرية شيوعا وصيتا في الساحة العربية والعالمية على وجه العموم والجزائرية على وجه الخصوص من خلال نشرها للعديد من الروايات والقصص التي
لاقت الترحيب من القراء ، وأقبلت عليها أقلام المهتمين بميدان الأدب والبحث والنقد.
ومن هذه الأسماء نجد الكتاب أحمد رضا حوحو والطاهر وطار وواسيني الأعرج ، بالإضافة إلى الكاتب الروائي السعيد بوطاجين ، الذي تألق اسمه في سماء الأدب الجزائري بفضل مؤلفاته العديدة ، ومن بينها " ماحدث لي غدا " ، " اللعنة عليكم جميعا " ، " حذائي وجواربي وأنتم " ، " أعوذ بالله" ... بالإضافة إلى الكثير من الأعمال المترجمة "كعالم الكلاب " ، " نجمة تائهة " ، " أفلام حياتي " وأخرى لايسعني المقام لذكرها .
وقد سعيت من خلال دراستي هذه معرفة التوجه الإيديولوجي والفكري للكاتب من خلال مناقشة بعض أعماله السردية محاولة مني لتطبيق بعض مقولات نظرية جمالية التلقي عليها .
Résumé:
Les noms de romanciers algériens les plus populaires ont été identifiés sur la scène arabe et internationale en général et en Algérie notamment grâce à la publication de nombreux romans et histoires accueillis par les lecteurs et acceptés par les stylos intéressés par la littérature, la recherche et la critique.
Parmi ces noms figurent Ahmed Reza Houhou, Eltaher Watar et Wassine El A'araj, en plus du célèbre romancier Said Boutagne, dont le nom est apparu dans la littérature algérienne grâce à ses nombreuses œuvres, notamment "Ce qui est arrivé à moi demain", "Damn You All", , "Je cherche refuge en Dieu" ... En plus de nombreuses œuvres traduites telles que "Dog World", "Star Idol", "My Life Films" et d'autres que je ne peux pas mentionner.
À travers cette étude, j'ai cherché à connaître l'orientation idéologique et intellectuelle de l'écrivain en discutant de certains de ses travaux narratifs, dans le but d'appliquer certaines des théories de la théorie esthétique.
تقديم :
لازم النقد الأدب منذ نشأته ، حتى وإن لم يسم باسمه إلا أنه كانت هناك آراء تدلى حول كل مايتلقاه الإنسان من آداب سواء كان بالإعجاب أو الرفض ، ومع تطور الأدب تطور النقد هو الآخر، فقدعرفت في هاته الفترة مناهج عدة لدراسة الأدب وركزت حركتها حول العمل الفني الأدبي محاولة مقاربته لكسر حواجزه والوقوف على معانيه، فأوجدت المناهج السياقية التي اهتمت بكل مايحيط بالنص .
ثم أوجدت المناهج النسقية ،فركزت على النص ذاته وأهملت كل مايحيطبه، وقد بدأ المهتمون بالأدب في منتصف القرن العشرين في البحث عن مناهج تمكنهم من فهم النص كبديل لتلك المناهج التي دار اهتمامها حول مايحيط به ، فأوجدوا منهاجا جديدا كان تركيزه الكبير حول القارئ أطلقوا عليه " نظرية القراءة والتلقي ". حيث ظهرت هذه النظرية في ألمانيا بعد ظهور عدة نظريات نقدية سعت إلى مقاربة النص الأدبي .
التوجه الإيديولوجي للكاتب الروائي السعيد بوطاجين : يعد الأدب حوصلة الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للإنسان ، ونظرا للأهمية التي يمتلكها اهتم به بنو الإنسان جماعات وفرادى ، فكان أمل توقعاتهم ، واهتمامهم الكبير به والسعي المستمك لفهمه جعلهم يوجدون مناهج تساعدهم على فهمه ودراسته والتغلغل في أغواره ، ومعرفة حيثياته ، وكذا بداية نشأته ، وتطوره ومعرفة أجناسه.
هذه النقلة النوعية لإيجاد مناهج لدراسة الأدب كان أمرا في غاية الأهمية ، إذ ساعد على دراسة الأدب لمدى طويل من الزمن ، ولعل من أولى المناهج التي طبقت على الأدب هي المناهج السياقية أو مايطلق عليها بالمناهج الخارج نصية، والتي انصب جل اهتمامها بدراسة كل مايحيط بالنص من عوامل تاريخية واجتماعية ونفسية وغيرها من العوامل .
ولا يمكن إنكار النجاح الذي حققته هذه المناهج السياقية في دراسة الأدب ، فقد لاقت اهتماما كبيرا ، وهذا الانتصار لا ينفي وجود بعض النقائص التي ظلت عالقة بها ، مما جعل النقاد يطرقون هذا الجانب ، فكانت ثغرة أدت إلى الإطاحة بهذه المناهج وإن لم تزلها نهائيا ، هذا ما دعا إلى وجود مناهج بديلة تهتم بالنص فأسفر عن ميلاد المناهج النسقية أو النصية ، والتي جعلت من النص محورا تدور في فلكه كل دراساتها ، وعزلته عما حوله، ومن بين المواضيع التي نادت بها موت المؤلف ـ وفي هذا يرى رولان بارت Roland Barthes أنه "من الضروري صرف المؤلف إلى مجرد ضمير لغوي كغيره من الضمائر" فالسلطة للنص والنص وحده .
إنّ هذه المناهج ـ النّصية ـ ومع إهمالها لكل مايحيط بالنّص فقد أوجدت لنفسها أنصارا حملوا لواءها ودعوا إلى تطبيقها على كل النّصوص الأدبية ، على أساس أنّها الحل الأنسب لدراسة الأدب .
وما لبثت طويلا حتى ظهر منهج آخر بيَن أهم عيب وقعت فيه المناهج النّصية وهو إهمالها للقارئ أو المتلقي وأخذ هذا المنهج أو النظرية اسم هذا النقص الذي كان لدى المناهج النسقية والسياقية على حد سواء وأطلق عليه نظرية "القراءة وجماليات التلقي" .
التوجه الإيديولوجي للروائي السعيد بوطاجين :
لعل أول نص أورده كان بعنوان "خطبة الشيخ" وأول ما يواجهنا في بداية خطبة الشيح بوطاجين هو نفيه للبروتوكولات و التي عبر عنها بالبروتوقولات ، ومن هنا ينفي الأقاويل التي قد يدعيها كل توجه، وكذا نفيه للمصلحات ، وقد وردت في نصه مكتوبة على شكل مصطلحات .
ومن هنا يمكننا تصور رؤية الروائي بوطاجين لما قد يفهم من وراء هذا الفصل، فالكلمة الأولى " المص" الذي نفاه بوطاجين، فكل ما يمكن أن يتصور من خلال هذا المصطلح من انتهاز واستنزاف واستغلال كلها قد تتلخص في مفردة " المص " وبتكملة القراءة تتشكل كلمة " المصطلحات" والتي نفاها بعدما سمى بها ، فالجملة ككل وردت كالآتي " وبأسماء كل بالبروتوقولات والمصطلحات نفيا".
إنه من دعاة الوحدة أي أنه ينفي التشتت والانفصال، إذ عبر على ذلك بقوله :" أيها الناس لا تفتحوا أوطانا في وطن ، ولا أمة في أمة ، ولا تغرسوا أرضا في أرض ، و لا تحفروا بئرا في بئر، ولا تدخلوا حزبا في حزب ولا نهب ولا حرب ولا شعب.
وفي موضع آخر ينكر على من يدعي الإصلاح ويخضع أمام الحكام، إذ عبر على ذلك بقوله " المستصلحين " أي من يدعون الإصلاح ولا يقرونه، هم في نضره الخاضعون لكل ما يقوله من كان أكبر منهم سلطة ، وعبر على هذا بقوله " بني أجل أجل " ليس لهم رأي ولا يعرفون معارضة، فإن لم يرفعوا أقلامهم في وجوه الحكام كان لزاما عليهم أن يرفعوها في وجوه العوام ، وأن تكون قراراتهم مرضية لهيئة الأمم، فهم يقدمون أوراقهم لهذه الهيئة وهي بيضاء فيكتب عليها، أي أصحاب الهيئة. ما يشاءون ثم يصادقون عليها، والدليل على ذلك قوله: " وليكن ميدادكم من دم النمل الأبيض لكي لا تفزعوا هيئة الأمم".
وبالعودة إلى مجموعته القصصية المعنونة بـــــــــ " اللعنة عليكم جميعا " يتضح أن الروائي بوطاجين يحمل في طياته توجه إنساني ، فهو يود حماية هذا الإنسان الضعيف من أيدي المسؤولين ، والمتحكمين بزمام الأمور ، إذ يقول في إهدائه : "لمن أهدي هذه الحكاية لن أهديها إلى الإنسان المفترس ... لن أهديها لآكلي لحوم البؤساء ، ولا إلى الثرثارين جدا ، أما الخارج عن هذه الكلمات فله حبي وكلماتي وحيائي " .

فالنزعة الإنسانية للروائي بوطاجين هي من تدفع به للهجوم على السياسيين والمسؤولين، إذ يقول : " قادة العالم معتوهون والشعوب التعيسة تتقاتل إرضاء لهؤلاء المجانين الذين يقودون الخليقة نحو ممالك الجنون ، لقد تجولت في التاريخ كله فوجدت أناسا كثيرين يفكرون بأمعائهم، وأما الإنسان الحقيقي فنادرا في هذا الكون الذي يحج إلى الجيب ممتطيا الكذب، لهذا العنه "
هذا ما يؤكد ما إتباع السياسيين لهيئة الأمم ، بالإضافة إلى مص واستنزاف الإنسان ، كما أن هناك توجه ديني يخدم التوجه الإنساني الذي يحارب من أجله الروائي بوطاجين ، إذ بدا في خطبة الشيخ بالبسملة بصفات الله وختم باسمه الحق وجل ما يبحث عنه ويريده هو حق الإنسان ونفى ما سمى به لاحقا، كما أنه اختار القرآن الكريم ومهد به قصته التي هي تحت عنوان " ظل الروح " التي تناولت الإرهاب و الآية الكريمة هي " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ..." 72 الأحزاب"
فمن خلال ما تقدم يتضح ولو بشكل يسير توجه السعيد بوطاجين الايدولوجي الرافض وبقوة للانقسام والتشتت ، وكل أشكال الانتهاز المستترة خلف مصطلحات مزينة بأقاويل براقة ، وكذا الخضوع التام للمسؤولين وقمع العوام .
التوجه الفكري للروائي السعيد بوطاجين :
يعد الروائي السعيد بوطاجين من الأدباء الذين اغنوا المساحة الأدبية بقصصهم ، فقد أوجدت قصصه لنفسها مكانا بين نظيراتها ، كما أوجدت لنفسها أيضا باحثين أخذوا بيدها وأخرجوها إلى الوجود لترى النور ، فهي نسيج غني بالإشارات والمواقف الفكرية الفنية الجديرة بتوافق الدراسة الجادة عندها، فهي متميزة باستفزاز القارئ وصدمه بدء من قوة مجاز العنوان وتركيز السخرية "
إنّ الروائي بوطاجين من اكبر الأدباء اللذين يبحثون عن عنوان لافت قد يأسر القارئ بمجرد رؤيته فمن بين العناوين التي اختارها لمجموعاته القصصية هي " اللعنة عليكم جميعا "
ومجموعة ثانية تحت عنوان " حذائي و جواربي وانتم " ، وهناك مجموعة ثالثة تحت عنوان " ظل الروح " كما له رواية تحت عنوان " أعوذ بالله " والمتأمل في هذه العناوين لا بد أن يلحظ الدقة الحادة واللامتناهية في اقتناء هذه العناوين ومن الممكن جدا توقع ما تخفيه . وما قد توحي به.
" فاللعنة عليكم جميعا " توحي بأن الإنسان قد فسد ، فلم يعد هناك من يستحق الاستثناء ، "ظل الروح " وقد يوحي هذا إلى حديثه عن ما هو ورائي ، أي عن الجانب الخفي وما هو أخفى منه ، فإذا كانت الروح لا ترى ، إذ هي شيء معنوي فكيف بظلالها .
" حذائي وجواربي و انتم " فقد يقصد هنا المساواة بين نعله والبقية، فلم يعد له قيمة عنده سوى كحذائه وجواربه ، وأما عنوان روايته " أعوذ بالله " ، فالإنسان لا يتعوذ إلا مما يضره ، فكل ما يمكن توقعه هو أن ما بداخل هذه الرواية قد يكون ضارا بقارئها ، أما فيما يخص موقفه من أصحاب الفكر والأدب، فهو ينتقد فيهم غموض أفكارهم .
إذ يقول في "خطبه الشيخ" : " أيها الناس ناس الشعر والنثر ما بال أفكاركم صارت غامضة كأنكم تلعبون الغميضة المخنثة والطلاسم المؤنثة وتتعمدون التخفي وراء الوراء" ، قد يقصد من وراء هذا الرموز التي بات الأدباء يتفننون فيها فباتت تملأ كل مدوناتهم ، فتخفي بذلك المعنى الحقيقي الذي يريده الكاتب وقد يصادف هذا قوله : " وتتعمدون التحفي وراء الوراء". مما يؤدي إلى إخفاء صورتهم الحقيقية، وتستبدل بهياكل هولامية على حد تعبيره ، والشيء الهلامي هو الذي نلمسه ولا يمكننا الإمساك به، فتنفلت من بين أصابعنا كلما حاولنا الإمساك بها .
وهذا هو تولد معنى جديد كلما ضن القارئ أنه بلغ المعنى النهائي . ويعيب على الكتاب أيضا ميل كلماتهم إلى العجمة وعدم استقرارهم أو تمسكهم بمبدأ محدد في قوله : " وتتباهى بكلماتكم المشرئبة أحرفها إلى العجمة العازبة . كأنكم في حافلة لا هندية ولا صينية وفي مدن لا فوقية ولا تحتية ".
ولعل رؤيته لهؤلاء الكتاب على هذا النحو جعلته يسلط غضبه على القلم الذي يدون أفكارهم مع العلم أنه مغلوب على أمره إذ يقول : " أف أيها القلم المنحوت على شاكلة ..... عقرب أو لولب من أين دخلت إلى ذاكرة هذه الجماجم المسلحة باسمنت الغباء وكيف السبيل إلى شرودك دلني"
كما ينكر بوطاجين على الشعراء الذين كل همهم البحث عن القضايا الفرعية التي لا طائل من طرقها وذلك في قوله : " الشغور أيها الشعراء ، شغراء الجاثم ، بين جماجمنا الجمعية وقضايانا السن- شيعية وخلافاتنا التحت - فرعية " . فقد وصفهم بالشغراء الفارغين الذين يبحثون عن موطن الثغرات التي لا طائل من طرقها فينشئون حولها شعرهم ، فلولا مآسيهم التي يعيشونها للعن شعرهم هذا . وكذا أصحاب الخواطر التي يضنون أنها فنا ، ففي رأيه هم جماعة أخلطوا بين السياسة والثقافة ، وذلك في قوله : " إنني من غير مآسيكم الحتمية كنت ألعن الشمعدان الشعري المعاصر ، و اخلط أوراق الخواطر بين النازحين إلى النص المفتوح ...شكلي يرصد ما بكم من تشكيلات سيا - فية وجميعات ثقا - سية ".
لينهي حديثه عن الشعر والشعراء بقوله :" وسلاما سلاما على الشعر والشعراء " ، فقوله سلاما بدل السلام على الشعر دليل على أنه يعد الشعر المعاصر ليس بالشعر الذي يستحق الوقوف عنده وإلقاء السلام عليه ، فسلام على شعر قد مضى وشعراء مضوا هم الآخرين معه .
تطبيق المقولات النقدية لنظرية القراءة على نصوص الروائي السعيد بوطاجين.
أفق التوقع : إذا كان الأفق من شأنه أن يخترق ، فينتج أفق توقع جديد، كما يمكنه البقاء على حاله، فالأفق المتشكل لدى المتلقي سابقا قد يعجز النص الجديد على اختراقه ، فيبقي على ما هو عليه .
إنّ الروائي السعيد بوطاجبين هو ذلك الرجل المتدين الصالح الذي يسعى لخدمة الغير . ويتضح ذلك في روايته المعنونة بـــ " أعوذ بالله " ، فالعنوان وللوهلة الأولى يظهر بأن الرجل متدين وهو الذي يستعيذ بالله و يلوذ له في كل ما يخصه ، لكن ومع قراءة محتوى الرواية حدث ما يعرف بخرق أفق التوقع ، فالروائي بوطاجين ليس بالرجل الإمام الورع المتدين ومن بين العبارات التي كانت سببا في حدوث هذا الخرق قوله : " لما خلق الله الذكاء وضعه في غيمة واحدة" .
وقوله أيضا : " سيد ما الرمل الذي علم الإنسان ما لم يعلم " . وفي حديثه عن الزعيم الأكبر قال : " لأنه وحيد لا شريك له " . وفي حديثه أيضا عن صندوق الكذب الذي بث خطابا للزعيم الأكبر بأن خطابه هذا " أنسى الناس البسملة والحمد لله ... وإنّ الخبثاء سيهزمون في واقعة لا يعلمها إلا هو ..." ، أي الزعيم الأكبر بالإضافة إلى استعماله مصطلح " الكافر " والذي قد يقصد به " أحمد خياط " فإطلاق مصطلح " كافر " على شخص ما لا توحي بأنّها قيلت من إنسان ورع متدين مسؤول عن أقواله .
وهناك ما يعزز هذا التوقع من خلال مجموعة الروائي بوطاجين القصصية " حذائي وجواربي وانتم" إذ قال : ' يا عبد الوالو " وفي قصة "مغارة الحمقى" وفي حديثة أيضا عن جنسية الخالق في قوله : " هو شرقي أم غربي يهودي أم بربري " . وفي قوله كذلك بأن " الأنبياء كلهم ولدوا في هذه القاعة التي لا أساس لها ولا رأس " .
إن الروائي بوطاجين رجل يحن كثيرا لصباه الذي كان يربطه بعلاقته بجده والقرية التي احتوتها ، فمن خلال أعمال الروائي بوطاجين وفي رواية " أعوذ بالله " ، بعد أن جلس الكاتب وحده في ليلة مظلمة بدأ يتذكر صغره رفقة جده ، وقد أسهب في حديثه عن هذه المرحلة من الصفحة 56 حتى الصفحة 73 قرابة 17 صفحة .
وذكر أثناء حديثه هذا حنينه للسنوات العشر الأولى من عمره إذ قال : " يا سنواتي العشر كم أحن إليك ، كم اشتقت إلى ملابسي الرثة ، ووجهي المغبر ، السيارة التي صنعت بالفلين ، عبق الريحان، سياج الضيعة ، الممرات الترابية الملتوية " .
كما يبين أيضا من خلال هذه الرواية علاقته الجيدة بجده، فمعظم الحوار الذي تذكره في صغره كان يدور بينه وبين جده ، ومن هذا الحوار قوله : " أتذكر أني كنت في ضيعتنا عندما طرح علي جدي سؤالا مملا أصغر مني سنا .
وفي مجموعته القصصية " حذائي وجواربي وأنتم " يؤكد على تعلقه بجده وطفولته في قصة " أحذية الورد والكرز " في قوله : " وحفيدك الذي نسي شكل العالم ولم ينسى شكل الطفولة " .
كما يؤكد تعلقه بقريته تكسانة القصة نفسها حيث قال : " ثم امتلأت برذاذ الفرح الآتي من صباحات تكسانة .... يلزمني العودة لألتقي بطفولتي العليلة " .
كما يؤكد في مجموعته القصصية " تاكسنة بداية الزعتر آخر الجنة "حنينه لطفولته وقريته إذ يقول : " كلما كبرت كبرت في الطفولة . ذهب الناس إلى الأمام وعدت إلى الوراء . تنقصني تاكسنة تلك القرية الوديعة ماأعضمها ..." .
ويظهر في رواية " أعوذ بالله " توقع آخر ، وذلك من خلال حديث الكاتب عن شخصية "أسعد" الذي أخبر عنه بأنّه متوفي في بداية الرواية وبأنّه كان ولي صالح، حيث قال : " عندما هوجم الولي أثناء صلاة التراويح طار رأسه نتفا ، وبقي الجذع ساجدا " .
كان الكاتب يتحدث عنه وعن مخطوطاته طيلة الرواية على أنّه شخص ميت وما أصاب " العين التي كان يسكنها أسعد وعشيرته " كان بسبب موته ، ليفاجئنا في نهاية الرواية بحياة " أسعد" الذي بعث برسالة للكاتب أثناء مرضه فقال في ذلك وهو يخاطب أحمد الجعدي أو الكافر : " هل قلت لي شيئا عن أسعد، أجابه ببرودة ، وهو يدور حول السرير ضاحكا ، الظرف الثالث يحمل رسالة بخط يده " .
من خلال ما تقدم يتجلى وبوضوح ذلك الفرق بين الأفقين ، مما أدى إلى حدوث خرق لأفق التوقع المبني في بداية الرواية واستمر إلى غاية الصفحات الأخيرة منها ، لنكتشف في آخر هذه الرواية حياة هذه الشخصية العضيمة كما صورها الروائي.
المسافة الجمالية :
المسافة الجمالية هي المسافة الحاصلة بين النص وأفق انتظار المتلقي ، فكلما كان هناك خرق لهذا الأفق كلما زادت هذه المسافة الجمالية ، أما في حالة بقاء أفق التوقع على ما هو عليه سالفا ، فالمسافة الجمالية هي الأخرى تبقى ثابتة ، ويمكن معرفة ما ان كانت هذه المسافة قد زادت أم بقيت على ما هي عليه.
ففيما يخص التوقع المبني حول علامة " الشيخ " : فقد أمكنت من بناء توقعات حول شخصية الروائي بوطاجين ، فتبين أنه رجل متدين ملتزم وبالعودة إلى نصوصه ، حدث خرق لأفق التوقع المتبين ، فهنا تشكلت مسافة جمالية جديدة وهي ذلك الفرق الحاصل بين التوقع الأول (إلتزام الروائي بوطاجين)واالتوقع الثاني(عدم التزامه).
وفيما يخص التوقع المبني حول علامة" الصّبي " وحنين الروائي بوطاجين لصباه وجده وقريته فهذا الأفق لم يتغير في نصوصه ، فلم يكن هناك فرق مما أدي إلى عدم تشكل مسافة جمالية جديدة ، ومن هنا فالمسافة ضلت ثابتة ولم تتغير.
وفيما يخص التوقع المبني حول شخصية " أسعد "في رواية " أعوذ بالله " والتوقع المبني حوله في بداية الرواية إذ يخيل لنا أن هذه الشخصية قد اغتيلت وحزن أهل القرية الشديد عليه سيدفع بهم للأخذ بثأره بعد معرفة قاتله ، وفي نهاية الرواية حدث مايعرف بخرق التوقع وبني توقع جديد بعد معرفتنا بحياة أسعد ، فهنا حدث فرق بين أفق التوقع الأول (حياة أسعد) وأفق التوقع الثاني (موت أسعد) مما أدى إلى حدوث مسافة جمالية جديدة تتغير بتغير أفق التوقع .
فالمسافة الجمالية هي الفرق الحاصل بين التوقع الأول - موت أسعد- والتوقع الثاني - حياته - مما يحيلنا إلى القول بأن المسافة الجمالية وأفق التوقع بينهما علاقة توافقية، كلما زاد أفق التوقع أو أخترق كلما زادت المسافة الجمالية.
اللحظة الجمالية : هي لحظة السعادة أو الحزن الذي يشعر به المتلقي أثناء فهم النص ، أي أن القارئ يكون مستمر في قراءته على نمط معين وعلى شعور محدد ليصادف فجأة بحدث ما يغير من موقفه ، هنا تكون اللحظة الجمالية ، التي ومن وقتها تبدأ تبنى المسافة الجمالية الجديدة .
وأول توقع يصادف القارئ في نصوص الروائي بوطاجين العبارة التي توحي بعدم التزامه فقد يصاب المتلقي عندها بالدهشة وفي هذه اللحظة ذاتها كانت اللحظة الجمالية ، بعد اعتقاده أنه رجل ملتزم .
وعلى الرغم من عدم تغير أفق التوقع المتعلق بحنين الروائي بوطاجين لطفولته وجده وقريته ، وبقاء المسافة الجمالية على ماكانت عليه سالفا ، أي ثباتها ،إلا أنه حدث مايعرف باللحظة الجمالية وهي شعور القارئ بالإعجاب بشخصية الروائي الذي ظل وفيا لطفولته وجده والقرية التي احتوتهما .
أما فيما يخص التوقع المبني حول شخصية " أسعد" في رواية " أعوذ بالله "والذي اخترق بعد المعرفة بحياته فعند نهاية الرواية يحدث للقارئ شعور بالفرح ونوع من الارتياح ، وفي أثناء هذا الشعور تكون اللحظة الجمالية .
البياض : البياض هو الثغرات التي يتركها الكاتب عن قصد ليتيح للقارئ فرصة التأويل أو عن غير قصد فيتعرف القارئ على ما كان الكاتب يحاول مداراته ، ومن البياضات الموجودة في نصوص الروائي بوطاجين هي تلك العبارات التي قد توحي بعدم التزامه كثيرة ، ومن بين تلك العبارات حديثه عن عزرائيل في مجموعته القصصية " حذائي وجواربي وأنتم " في قصة " إرث من الريح " ، إذ قال في حديثة عن عزرائيل على لسان فرعون بأنه : " يعلم الجهر وما يخفى ... وتعلم ما في الأرحام ..."
وكذلك قوله على لسان عزرائيل " أنا اعرف كل شيء ، كل شيء أقرأ الماضي والحاضر والمستقبل واعلم متى ينام النمل ولماذا ينام ، أعرف مجراها و مسراها ..."
وفي روايته " أعوذ بالله " توحي عبارة " الأرجل التي ألفت مدن الدياثة وفقدت سيمات البدائيين " ، يتجلى اعتياد مفرط على التحضر والتطور والتقدم ، وفي قوله أيضا : " قبل مجيء أسعد والذين أتوا قبله ، كانت هناك اسماك وكانت هناك أصداف وكان هناك غرقي " ، يتمظهر توجيه الروائي سعيد بوطاجين ذهن القارئ إلى أن الصحراء كانت عبارة عن بحر من خلال ذكره لبعض مكونات البحر، و جعل القارئ يستنتج ذلك بنفسه.
وفي قوله أيضا :" أين كان الهنود الحمر لما اكتشف كريستوف كولومبس قارة أمريكا ؟ التاريخ بليد إذا أنا ضد التاريخ " تتضح حقيقة أن ليس كل ما يؤرخ يمكن الوثوق به ، فالتاريخ ليس صادقا مائة بالمائة ، فقد همش الهنود الحمر بالرغم من أنهم هم المكتشفون الأوائل لأمريكا.
واستعمل الروائي بوطاجين مصطلح " الاشكونيون " وربطه بمدن الدياثة أحيانا وبالعاصميين ، أي أبناء العاصمة تارة أخرى ، كما في قوله :" الاشكونيون لا أفكار لهم ... ، قال لك نحن عاصميون " ، هذا المصطلح قد يقصد به أولئك الناس الذين لا هوية لهم ، امتزجت شخصياتهم بالآخر فلم تسلم بذلك لا لغتهم ولا طباعهم ، فهو لم يوضح لنا من هؤلاء الناس وترك لنا حرية البحث عنهم من خلال الصفات التي ذكرها في روايته .
عموما يمكن القول إن التلقي يختلف من متلق لآخر وتتعدد التأويلات بتعدد القراء وباختلاف مشاربهم ولابد من الانتقال في الحكم على الأعمال الأدبية من جماليات إبداعها إلى جمالية تلقيها . لأن الكاتب هو من يتيح للقارئ فرصة التأويل والإبداع من خلال البياضات التي يتركها في نصه ، وقد يتركها عن قصد من أجل مشاركة القارئ وفتح نصه على تأويلات أكثر وجلب قراء أكبر.

*بقلم: لامية مراكشي

..التوثيق :

- ميخائيل الرويلي وسعد البازغي : دليل الناقد الأدبي ، الدار البيضاء المغرب ، ط 4 ، 2005 ، ص135.
- ناصر معماش : هكذا تكلم الشيخ بوطاجين ، ديوان شعري ( مخطوطات ) ، ص 65 .
- المصدر نفسه ، ص 65 – 66 .
- المصدر نفسه ، ص  66 .
 - محمد الصديق باغورا ، مقالات في الأدب الجزائري القديم والحديث ، دار الكتاب العربي ، الجزائر ، ت 2007 ، ص 31 .
-  المصدر  نفسه ، ص 31 .
- المصدر نفسه ، ص 35 .
- محمد الصديق باغورا : مقولات في الأدب الجزائري القديم والحديث ، ص 29 .-
 ـ ينظر : ناصر معماش : هكذا تكلم الشيخ بوطاجين ، ديوان شعري ( مخطوطات ) ، ص 65 .
-   ينظر : ناصر معماش : هكذا تكلم الشيخ بوطاجين ، ديوان شعري ( مخطوطات ) ، ص 67 - 68.
-  السعيد بوطاجين : رواية أعوذ بالله ، دار الأمل ، تيزي وزو ، د ط ، ت 2006 ، ص 110 .
السعيد بوطاجين : رواية أعوذ بالله ، دار الأمل ، تيزي وزو ، د ط ، ت 2006 ، ص 110 .
- السعيد بوطاجين : حذائي وجواربي وأنتم ، دار الريحانة للكتاب ، د ط ، د ت ، ص 59 .
- السعيد بوطاجين : تاكسنة بداية الزعتر آخر الجنة ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع ، 2009 ، ص10 .

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...