تشيخوف لم يكن ثائراً ولم يدعُ إلى الثورة ولم يصارع السلطة القيصرية، لكن جميع أعماله تشكل احتجاجاً على أوضاع المجتمع وسياسة السلطة. كما أنها تكشف تألمه من الوضع البائس للطبقات الفقيرة وإذلال الإنسان وسلبه أبسط حقوقه وغياب العدالة الاجتماعية. وقد دفعه تعاطفه مع أبناء جلدته هذا إلى السفر في رحلة طويلة عبر سيبيريا ألّف بعدها كتابه «جزيرة ساخالين» التي روى فيها ما شاهده من أحوال المنفيين والسجناء، أي الناس المنسيين في جزيرة ساخالين في الشرق الأقصى لجذب اهتمام المجتمع والسلطات بهم. وشدّ الرحال إلى تلك المنطقة النائية بالرغم من مرضه بعد إصابته بالسل. إن التعاطف مع البؤساء والمحرومين من الناس صفة ملازمة لغالبية كتاب روسيا. وربما إن هذا ما يجعل بعض النقاد في الغرب يتحدثون عن «أدلجة» الأدب الروسي وخضوعه إلى فكرة أو أيديولوجية ما. والحق أن هذا لا علاقة له بالأيديولوجية التي تتغير في روسيا مع تغير الأنظمة السياسية. إن هذا الأمر يكمن في روح الكاتب الروسي وفلسفته الحياتية المتجسدة سواء في «معطف» غوغول أم «البعث» و«آنا كارينينا» لتولستوي أم «بيت الموتى» لدوستويفسكي. وقد كتب الأخير يقول: «إنني أعتقد بأن الشيء الرئيس والجذري هو أن الشعب الروسي يعاني روحيّاً من الحاجة إلى التألم، الدائم والعميق، في كل مكان وفي كل شيء بسبب أوضاع المجتمع. ويبدو أن هذا التعطش إلى الألم قد غرس فيه منذ غابر الأزمان. ويجد الشعب الروسي حتماً، حتى في السعادة، شيئاً من الألم، وإلّا لن تغدوَ بدونه سعادته كاملة». إن أقوال دوستويفسكي هذه إن دلّت على أمر فإنما تدل على صفات الشعب الروسي النابعة من الأوضاع القاسية والسلطة الباغية وبقايا العلاقات «الآسيوية» الموروثة عن فترة قرنين من سيطرة المغول – التتار على الأراضي الروسية والتي تركت آثارها في المجتمع الروسي.
المؤلف:انطون تشيخوف
المؤلف:انطون تشيخوف
المترجم:عبدالله حبه
*متابعات المحرر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق