أحلك الأماكن في الجحيم ، هي لأولئك الذين يحافظون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية .... منقول .
..
..
نهارا من نهارات الصيف ، تطل أشعة الشمس حارقة ، منذ الصباح دون مقدمات ، تطل حارقة ، تبدو ثابتة بكبد السماء لا تتحرك . هكذا ايام الصيف هنا ، طويلة مقرفة .
يمر رجلان بزي رسمي ، الزّي الذي يرتديه عادة حرّاس السجن ، المجاور للمستشفى.
يحملان بطنية ، يشدهــا كل من طرف . تتأرجح يمينا و شمالا ، على إيقاع خطى الرجلين البطنية تفعل . بدا له الرّجلان ، بزيّهما الرّسمي ، زي حراس السجن الذي لا يخفى على أحد . و خاصة سكان الحي المجاور للسجن و هو منهم .مذعورين ، أكيد لم يكن خافيا هذا ، كانا مذعورين . دخلا المستشفى مسرعين ، يشدان البطنية كل من طرف ليست العادة .يعلم هذا بحكم تواجده الدائم في محله الكائن بالجوار .
الأكيد أنهما من حراس السجن ، القابع قبالة المستشفى ، و الأكيد أنهما يحملان شيئا بين طيّات البطنية البنية ، و الأكيد أنهما كانا بزيهما الرّسمي ، و أنهمـــا كانــــا
مـــذعوريــن ، و أنهما دخلا المستشفى مسرعين . متأكدا تماما أنه لمح قدما صغيرة كانت أكيد بين طيات البطنية البنية ، تتأرجح مع كل خطوة يخطوها الحارسان المذعوران .
كان يقف على الرّصيف المرتفع قليلا عن مستوى الطريق التي سلكها الرجلان الى المستشفى . متأكدا تماما أنها قدما صغيرة لطفـل . تنتعل حذاءا رياضيا أبيضا كانت
قـدم طفل صغير ، تلك التي رآها تتأرجح في جوف البطنية المحمولة . طفلا صغيرا بين طيّات البطنية ، التي يحملها حارسا السجن كـل من طرف .
أعلنت القـدم الصغيرة صاحبة الحذاء الرياضي الأبيض عن وجودهــا .
يري الأمر غريبا مريبا . أمرا تركه في حيرة من أمره . ما علاقة حارسا السجن بزيهما الرسمي بطفل ؟ طفلا محمولا على بطنية ، بهذه الطريقة .....
دهستـه سيارة ربمــا ... وجــداه على قارعة الطريق يصارع الموت .. ربمــا .
من هو .؟؟ من يكون ..؟؟ أتراه على قيد الحياة ..؟؟ اتراه بخير..؟؟
اتمنى ان يكون بخير ، كان الله في عونه . و ليجازي الله خيرا هــاذين الخيريــن . تفرغا لأجله ، لأجل مـد يد العون له .كيف لا إنه طفل ليجازيهما الله عن فعلتهما خيرا .كانا مذعورين لأجله ، كانا يهرولان بإتجــــاه المستشفى لأجلــــه .
حدث نفسه بكل هذا . لم تبرح صورة القدم الصغيرة المتارجحة بين طيات البطنية ، صاحبة الحذاء الرياضي الابيض مخيلتــه .. طفلا محمولا بجوف البطنيـــة .
طفلا محمولا بجوف البطنية ، كانت قناعتـــه ، لـم يكن بخير أكيــد ..
امرأة قصيرة القامة ، ملفوفة في العباءة السوداء ، على رأسها خمارا ابيض اللون ، لم يكن ناصعا .. شبشب بلاستك اخضر اللون ، تجر الخطى نحو البناية القابعة ، فوق واد مرنانش ، الذي صمت منذ أمــد بعيد ، المستشفى .
صرخة مدوية ، هزت أرجاء المكان ، بعدها عاد الصمت معلنا انها ذهبت ادراج الرياح . أصواتا غير مفهومة ، تعلو تارة و تخفت تارة اخرى .
خطبا ما وراء جدران المستشفى ، أكيد حدث نفسه . بخطا متثاقلة ، تقدم من البواب ، دفعته حيرته ، هواجسه .
- الحرارة لا تطاق هذا الصباح ، قال هذا مخاطبا البواب ...
- انه الصيف ، و إننا في عزه ، رد البواب ، بواب المستشفى .
- كيف حال الطفل المسكين ، أتراه بخير .؟ أتمنى أن يكون كذلك .. قال هذا بصوت مسموع و كأنه يحدث نفسه ، دون النضر في وجه البواب ...
- عن اي طفل تتكلم ، قال بواب المستشفى ..
- الطفل الذي دهسته سيارة هذا الصباح ، الذي كان ملقى على قارعة الطريق ، المحمول على بطنية ...
- طفل ... دهسته سيارة ... ملقى على قارعة الطريق ...محمولا على بطنية .. عجيب امرك ، عن ما تتكلم ، ما هذا الذي تتكلم به ، إنك تهذي ، فعلت بك الشمس فعلتها .
- الطفل الذي هرعا به حارسا السجن هذا الصباح الى هنا . الى المستشفى ، كانا بزيهما الرسمي ، كانا يحملانه في بطنية ، يبدو من خلالها صغيرالحجم ، أكيد كان طفلا ..كان طفلا أكيد ، حالته صعبة اليس كذلك ..؟
رد البواب ناصحا ، مبديا إنزعاجا ، الا ترى أن العودة لمحلك خاصتك افضل ..
- طبعا طبعا أكيد و لكن .............
سيارة اسعاف ، تمر من امامهما ، مغادرة المستشفى . سائقها لم يلتفت اليهما حتى .
ناولهما مساعده بالمحل القريب من المكان ، زجاجتي كولا . صاحبنا هو من طلب منه ذلك أكيد . كان و البواب ينتظران الكولا على ما يبدو . تلقف البواب الكولا بلهفة .
- صرخة المرأة المسكينة كانت مدوية ، عويلها كان مسموعا ، يحدث نفسه دائما و بصوت مسموع دائما ..
- و ما الذي تنتظره من ام فجعت في فلذة كبدها ظلما ..
- ظلما .. قلت ظلما كيف ذلك ..؟؟
سيارة اودي حمراء تغادر المستشفى ، تغادر واد مرنانش ، يبادل سائقها التحية البواب
- ظلما قلت ، متى و اين و كيف ...؟؟ افزعتني لم أفهـــم ..
ابدى البواب تراجعا عن ما قال . عاد الى صمته . عاد الى تجاهل الأمر من أساسه .
ابدى خوفا من الخوض في الأمر .شعر صاحبنا بهذا ، أحس منه هذا .
ما الذي اخافه ؟؟، ما الذي يخفيه ؟؟.ما الذي حدث خلف جدران المستشفى اليوم ؟؟.
عادت الصورة الى ذهن صاحبنا بكل تفاصيلها ، الرّجلان بالزي الرسمي ، زي حراس السجن ، المجاور للمستشفى ، الذعر الذي بدا عليهما و هما يهرولان ، البطنية المتارجحة بينهما ، القدم الصغيرة ، الحذاء الرياضي الابيض ، المرأة صاحبة العباءة السوداء ، .. الصرخة المدوية ، العويل .. قول البواب أنه الظلم ، تراجعه عن الحديث.
كل هذا جعل حيرته تزيد ، دهشته تكبر ..
مجموعة رجال ، أربعة .. خمسة ربما ، على وجوههم المصفرة مسحة قهر . على رأيه طبعا يغادرون المستشفى ، سبقتهم شاحنة صغيرة تحمل نعشا ..نعشا أكيد .
لم تكن الوجوه غريبة عنه ، قرية صغيرة ، الناس تعرف بعضها . تقدم من احدهم ساله الخطب ..... رد الرجل بكلمة مقتضبة ، تحمل من الأسى و القهر الكثير ..حسبنا الله و نعم الوكيل .. الجو حارا جدا ، ليس بوسعه الوقوف تحت اشعة الشمس الحارقة ، رفقة الرجل ، الذي كان مستعجلا أمره . ساله هوية الفقيد ، موعد الدفن ، مجلس العزاء ..
عاد الى المحل ، نظرة خاطفة على الصندوق ، تعليماته الروتينية لمساعده ، إن تأخر في العودة . لم تفارقه الحيرة ، هواجسه ، ريبته . بعد الذي سمعه من الرجل المرافق لنعش الفقيد زادت .. حد الشعور بالإكتئاب . لاحظ مساعده بالمحل هذا عليه .سأله :
ان كان بخير ، ان كان عليه أن يرتاح . اكتفى بالقول أنه بخير .ابتسم لمساعده و غادر
الساعة التاسعة مساءا . وجهته مجلس العزاء . مجموعة قليلة من الأشخاص ، يتوسطهم شيخا كبيرا ، يبدو منهكا ، بالكاد مد يده ليسلم ، ليبادل صاحبنا التحية ...
الكل بمجلس العزاء صامتا ، و كأن على رؤوسهم الطير . على رؤوسهم الطير فعلا .
قدم تعازيه القلبية ، تمنى من الله أن يرزقهم الصبر و السلوان ، في مصابهم ، اتخذ مجلسا له على يمين الرجل المعرفة ، الذي التقاه بباب المستشفى هذا الصباح و الذي كان رفقة النعش ساعتها .سأله الخطب ، الذي جرى ..، رد عليه :بأنه لا داعي لهذا هنا بمجلس العزاء . الذي ليس له من هذا ، الاّ الإسم . لكن هواجسه ، حيرته ، كانت أكبر من تحفظات الرجل . مد يده ، ساحبا قريب الهالك الى الخارج ، مبتعدا به عن مجلس العزاء . حرارة تلك الليلة لا تطاق ، رغم أن السماء صافية ، نجومها متلألأة .
- كيف حدث هذا ..؟؟ معيدا سؤاله اكثر من مرة ... حمادي امرا لا يصدق ...
حمــــادي ،، أمرا لا يصدقه عاقل . حمادي .. قلت حمادي يا رجل .
- هذا الذي حدث ،، صدق او لا تصدق ... ما زال صوته البريئ يطن في أُذني ، و هم يجرونه الى داخل سيارة الشرطة . من أمام المسجد .
- حمـــــــــادي ... حمادي يا رجل ، ما الذي تقوله ، يجرونه الى سيارة الشرطة ، و من أمام المسجد . .. متأكدا انت مما تقول ..، إنك تتكلم عن حمادي القـــزم ، لا شخصا آخر ..
- نعم حمادي القزم ، حمادي الذي تعرفه لا غيره ..
- إنك تتكلم عن رجل في العشرين ، بطول متر ، مترا واحدا .. نعم بطول متر و لا يزيد وزنه عن العشرين كيلوغراما .... حمادي الذي لا يخفى على أحد ..
حمادي القزم ، المتخلف ذهنيا ، المحبوب من طرف الجميع ، مستحيلا الذي تقوله يا رجل . ما علاقة حمادي بالشرطة ، قلت ساقوه ، من هناك على السجن .. قلت السجن
أعد رجاءا الذي قلته ، متأكدا أنت مما تقول .....؟
- نعم السجن ، قلت لك السجن .....
حمادي القزم ، بطول متر و وزن عشرين كيلوغراما ، ساقوه الى السجن .. غريب عجيب الذي تقوله يا رجل
- هذا الذي حدث ، هذا الذي حدث و الله . حمادي القزم ، المعتوه الشاحب ، الوجه الهزيل ، و الذي بطول متر ، و وزن عشرين كيلو ، الذي يبدو كطفل في الخامسة يعاني من سوء التغذية ، و فقر الدم . رغم أنه في العشرين .. نعم كان في العشرين بحجم دجاجة .
- ما الذي فعله حمـــــــادي ، القزم الشاحب الهزيل ، ليجر من طرف الشرطة الى السجن .. و من هذا الذي سولت له نفسه ، فعل هذا بقزم ، أين نحن بحق السماء ..
- و حق السماء ، جرته الشرطة الى المحكمة و منها الى .........................
- محكمــــة ، .. قلت محكمة ، متأكدا أنت مما تقول ؟؟ محكمة ؟؟ مثل حمادي القزم بطوله الذي لا يتجاوز المتر ، و وجهه الشاحب ، و وزنه الذي لا يتعدي العشرين كيلوغراما و حجمه الذي لا يزيد عن حجم دجاجة ، أمام محكمة ... من يكون هذا القانوني الفذ ، الذي راى هذا منطقيا و قانونيا ...و انسانيا ، استطاع فعله و فعله ..
- صدق او لا تصدق ، جر المسكين من المسجد ، على مخفر الشرطة ، فالمحكمة و منها الى السجــــن .
- آآه السجن ، قلت السجن . و استقبل السجن النزيل القزم ، الهزيل الشاحب ، بطول متر ، و وزن عشرين كيلو و حجم دجاجة كمجرم ..
- نعم هذا الذي كان ، لم يحتمل المسكين ، لم يحتمل قلبه الصغير ، هرب من عالمهم القذر ، عالمهم المعتوه ، اسلم الروح لخالقها ...
- ايعقل الذي حصل ، ايعقل الذي صار ، أيعقل هذا ؟؟؟؟....أين نحن ، أين نحن ، أي عالم نحن فيه ...؟؟؟
قزما ، معتوها ، بطول متر ، و بوزن عشرين كيلوغراما ، و بحجم دجاجة ، يبدو كطفل هزيل ، في الخامسة ، جلدا على عظم ، لا كفائة عقلية له . يجر من مسجد ، الى مخفر شرطة ، و منه الى سجن ، ليلقى مصيره ، و ليحمل ملفوفا ببطنية بنية قذرة ، الى مستشفى ، و ليوضع جثة هامدة ، أمام طبيب عديم الضمير .
من هؤلاء ؟، من كل هؤلاء ؟ ، تعدد الفاعلون ، تعددت المسارح ، من قال أن للجريمة الواحدة مسرحا واحدا .
هل صدفة كان الضّحية قزما ، ؟ هل صدفة كان بطول متر ؟ هل صدفة كان بحجم دجاجة ؟ هل كل هذا صدفة ..؟
..
..
نهارا من نهارات الصيف ، تطل أشعة الشمس حارقة ، منذ الصباح دون مقدمات ، تطل حارقة ، تبدو ثابتة بكبد السماء لا تتحرك . هكذا ايام الصيف هنا ، طويلة مقرفة .
يمر رجلان بزي رسمي ، الزّي الذي يرتديه عادة حرّاس السجن ، المجاور للمستشفى.
يحملان بطنية ، يشدهــا كل من طرف . تتأرجح يمينا و شمالا ، على إيقاع خطى الرجلين البطنية تفعل . بدا له الرّجلان ، بزيّهما الرّسمي ، زي حراس السجن الذي لا يخفى على أحد . و خاصة سكان الحي المجاور للسجن و هو منهم .مذعورين ، أكيد لم يكن خافيا هذا ، كانا مذعورين . دخلا المستشفى مسرعين ، يشدان البطنية كل من طرف ليست العادة .يعلم هذا بحكم تواجده الدائم في محله الكائن بالجوار .
الأكيد أنهما من حراس السجن ، القابع قبالة المستشفى ، و الأكيد أنهما يحملان شيئا بين طيّات البطنية البنية ، و الأكيد أنهما كانا بزيهما الرّسمي ، و أنهمـــا كانــــا
مـــذعوريــن ، و أنهما دخلا المستشفى مسرعين . متأكدا تماما أنه لمح قدما صغيرة كانت أكيد بين طيات البطنية البنية ، تتأرجح مع كل خطوة يخطوها الحارسان المذعوران .
كان يقف على الرّصيف المرتفع قليلا عن مستوى الطريق التي سلكها الرجلان الى المستشفى . متأكدا تماما أنها قدما صغيرة لطفـل . تنتعل حذاءا رياضيا أبيضا كانت
قـدم طفل صغير ، تلك التي رآها تتأرجح في جوف البطنية المحمولة . طفلا صغيرا بين طيّات البطنية ، التي يحملها حارسا السجن كـل من طرف .
أعلنت القـدم الصغيرة صاحبة الحذاء الرياضي الأبيض عن وجودهــا .
يري الأمر غريبا مريبا . أمرا تركه في حيرة من أمره . ما علاقة حارسا السجن بزيهما الرسمي بطفل ؟ طفلا محمولا على بطنية ، بهذه الطريقة .....
دهستـه سيارة ربمــا ... وجــداه على قارعة الطريق يصارع الموت .. ربمــا .
من هو .؟؟ من يكون ..؟؟ أتراه على قيد الحياة ..؟؟ اتراه بخير..؟؟
اتمنى ان يكون بخير ، كان الله في عونه . و ليجازي الله خيرا هــاذين الخيريــن . تفرغا لأجله ، لأجل مـد يد العون له .كيف لا إنه طفل ليجازيهما الله عن فعلتهما خيرا .كانا مذعورين لأجله ، كانا يهرولان بإتجــــاه المستشفى لأجلــــه .
حدث نفسه بكل هذا . لم تبرح صورة القدم الصغيرة المتارجحة بين طيات البطنية ، صاحبة الحذاء الرياضي الابيض مخيلتــه .. طفلا محمولا بجوف البطنيـــة .
طفلا محمولا بجوف البطنية ، كانت قناعتـــه ، لـم يكن بخير أكيــد ..
امرأة قصيرة القامة ، ملفوفة في العباءة السوداء ، على رأسها خمارا ابيض اللون ، لم يكن ناصعا .. شبشب بلاستك اخضر اللون ، تجر الخطى نحو البناية القابعة ، فوق واد مرنانش ، الذي صمت منذ أمــد بعيد ، المستشفى .
صرخة مدوية ، هزت أرجاء المكان ، بعدها عاد الصمت معلنا انها ذهبت ادراج الرياح . أصواتا غير مفهومة ، تعلو تارة و تخفت تارة اخرى .
خطبا ما وراء جدران المستشفى ، أكيد حدث نفسه . بخطا متثاقلة ، تقدم من البواب ، دفعته حيرته ، هواجسه .
- الحرارة لا تطاق هذا الصباح ، قال هذا مخاطبا البواب ...
- انه الصيف ، و إننا في عزه ، رد البواب ، بواب المستشفى .
- كيف حال الطفل المسكين ، أتراه بخير .؟ أتمنى أن يكون كذلك .. قال هذا بصوت مسموع و كأنه يحدث نفسه ، دون النضر في وجه البواب ...
- عن اي طفل تتكلم ، قال بواب المستشفى ..
- الطفل الذي دهسته سيارة هذا الصباح ، الذي كان ملقى على قارعة الطريق ، المحمول على بطنية ...
- طفل ... دهسته سيارة ... ملقى على قارعة الطريق ...محمولا على بطنية .. عجيب امرك ، عن ما تتكلم ، ما هذا الذي تتكلم به ، إنك تهذي ، فعلت بك الشمس فعلتها .
- الطفل الذي هرعا به حارسا السجن هذا الصباح الى هنا . الى المستشفى ، كانا بزيهما الرسمي ، كانا يحملانه في بطنية ، يبدو من خلالها صغيرالحجم ، أكيد كان طفلا ..كان طفلا أكيد ، حالته صعبة اليس كذلك ..؟
رد البواب ناصحا ، مبديا إنزعاجا ، الا ترى أن العودة لمحلك خاصتك افضل ..
- طبعا طبعا أكيد و لكن .............
سيارة اسعاف ، تمر من امامهما ، مغادرة المستشفى . سائقها لم يلتفت اليهما حتى .
ناولهما مساعده بالمحل القريب من المكان ، زجاجتي كولا . صاحبنا هو من طلب منه ذلك أكيد . كان و البواب ينتظران الكولا على ما يبدو . تلقف البواب الكولا بلهفة .
- صرخة المرأة المسكينة كانت مدوية ، عويلها كان مسموعا ، يحدث نفسه دائما و بصوت مسموع دائما ..
- و ما الذي تنتظره من ام فجعت في فلذة كبدها ظلما ..
- ظلما .. قلت ظلما كيف ذلك ..؟؟
سيارة اودي حمراء تغادر المستشفى ، تغادر واد مرنانش ، يبادل سائقها التحية البواب
- ظلما قلت ، متى و اين و كيف ...؟؟ افزعتني لم أفهـــم ..
ابدى البواب تراجعا عن ما قال . عاد الى صمته . عاد الى تجاهل الأمر من أساسه .
ابدى خوفا من الخوض في الأمر .شعر صاحبنا بهذا ، أحس منه هذا .
ما الذي اخافه ؟؟، ما الذي يخفيه ؟؟.ما الذي حدث خلف جدران المستشفى اليوم ؟؟.
عادت الصورة الى ذهن صاحبنا بكل تفاصيلها ، الرّجلان بالزي الرسمي ، زي حراس السجن ، المجاور للمستشفى ، الذعر الذي بدا عليهما و هما يهرولان ، البطنية المتارجحة بينهما ، القدم الصغيرة ، الحذاء الرياضي الابيض ، المرأة صاحبة العباءة السوداء ، .. الصرخة المدوية ، العويل .. قول البواب أنه الظلم ، تراجعه عن الحديث.
كل هذا جعل حيرته تزيد ، دهشته تكبر ..
مجموعة رجال ، أربعة .. خمسة ربما ، على وجوههم المصفرة مسحة قهر . على رأيه طبعا يغادرون المستشفى ، سبقتهم شاحنة صغيرة تحمل نعشا ..نعشا أكيد .
لم تكن الوجوه غريبة عنه ، قرية صغيرة ، الناس تعرف بعضها . تقدم من احدهم ساله الخطب ..... رد الرجل بكلمة مقتضبة ، تحمل من الأسى و القهر الكثير ..حسبنا الله و نعم الوكيل .. الجو حارا جدا ، ليس بوسعه الوقوف تحت اشعة الشمس الحارقة ، رفقة الرجل ، الذي كان مستعجلا أمره . ساله هوية الفقيد ، موعد الدفن ، مجلس العزاء ..
عاد الى المحل ، نظرة خاطفة على الصندوق ، تعليماته الروتينية لمساعده ، إن تأخر في العودة . لم تفارقه الحيرة ، هواجسه ، ريبته . بعد الذي سمعه من الرجل المرافق لنعش الفقيد زادت .. حد الشعور بالإكتئاب . لاحظ مساعده بالمحل هذا عليه .سأله :
ان كان بخير ، ان كان عليه أن يرتاح . اكتفى بالقول أنه بخير .ابتسم لمساعده و غادر
الساعة التاسعة مساءا . وجهته مجلس العزاء . مجموعة قليلة من الأشخاص ، يتوسطهم شيخا كبيرا ، يبدو منهكا ، بالكاد مد يده ليسلم ، ليبادل صاحبنا التحية ...
الكل بمجلس العزاء صامتا ، و كأن على رؤوسهم الطير . على رؤوسهم الطير فعلا .
قدم تعازيه القلبية ، تمنى من الله أن يرزقهم الصبر و السلوان ، في مصابهم ، اتخذ مجلسا له على يمين الرجل المعرفة ، الذي التقاه بباب المستشفى هذا الصباح و الذي كان رفقة النعش ساعتها .سأله الخطب ، الذي جرى ..، رد عليه :بأنه لا داعي لهذا هنا بمجلس العزاء . الذي ليس له من هذا ، الاّ الإسم . لكن هواجسه ، حيرته ، كانت أكبر من تحفظات الرجل . مد يده ، ساحبا قريب الهالك الى الخارج ، مبتعدا به عن مجلس العزاء . حرارة تلك الليلة لا تطاق ، رغم أن السماء صافية ، نجومها متلألأة .
- كيف حدث هذا ..؟؟ معيدا سؤاله اكثر من مرة ... حمادي امرا لا يصدق ...
حمــــادي ،، أمرا لا يصدقه عاقل . حمادي .. قلت حمادي يا رجل .
- هذا الذي حدث ،، صدق او لا تصدق ... ما زال صوته البريئ يطن في أُذني ، و هم يجرونه الى داخل سيارة الشرطة . من أمام المسجد .
- حمـــــــــادي ... حمادي يا رجل ، ما الذي تقوله ، يجرونه الى سيارة الشرطة ، و من أمام المسجد . .. متأكدا انت مما تقول ..، إنك تتكلم عن حمادي القـــزم ، لا شخصا آخر ..
- نعم حمادي القزم ، حمادي الذي تعرفه لا غيره ..
- إنك تتكلم عن رجل في العشرين ، بطول متر ، مترا واحدا .. نعم بطول متر و لا يزيد وزنه عن العشرين كيلوغراما .... حمادي الذي لا يخفى على أحد ..
حمادي القزم ، المتخلف ذهنيا ، المحبوب من طرف الجميع ، مستحيلا الذي تقوله يا رجل . ما علاقة حمادي بالشرطة ، قلت ساقوه ، من هناك على السجن .. قلت السجن
أعد رجاءا الذي قلته ، متأكدا أنت مما تقول .....؟
- نعم السجن ، قلت لك السجن .....
حمادي القزم ، بطول متر و وزن عشرين كيلوغراما ، ساقوه الى السجن .. غريب عجيب الذي تقوله يا رجل
- هذا الذي حدث ، هذا الذي حدث و الله . حمادي القزم ، المعتوه الشاحب ، الوجه الهزيل ، و الذي بطول متر ، و وزن عشرين كيلو ، الذي يبدو كطفل في الخامسة يعاني من سوء التغذية ، و فقر الدم . رغم أنه في العشرين .. نعم كان في العشرين بحجم دجاجة .
- ما الذي فعله حمـــــــادي ، القزم الشاحب الهزيل ، ليجر من طرف الشرطة الى السجن .. و من هذا الذي سولت له نفسه ، فعل هذا بقزم ، أين نحن بحق السماء ..
- و حق السماء ، جرته الشرطة الى المحكمة و منها الى .........................
- محكمــــة ، .. قلت محكمة ، متأكدا أنت مما تقول ؟؟ محكمة ؟؟ مثل حمادي القزم بطوله الذي لا يتجاوز المتر ، و وجهه الشاحب ، و وزنه الذي لا يتعدي العشرين كيلوغراما و حجمه الذي لا يزيد عن حجم دجاجة ، أمام محكمة ... من يكون هذا القانوني الفذ ، الذي راى هذا منطقيا و قانونيا ...و انسانيا ، استطاع فعله و فعله ..
- صدق او لا تصدق ، جر المسكين من المسجد ، على مخفر الشرطة ، فالمحكمة و منها الى السجــــن .
- آآه السجن ، قلت السجن . و استقبل السجن النزيل القزم ، الهزيل الشاحب ، بطول متر ، و وزن عشرين كيلو و حجم دجاجة كمجرم ..
- نعم هذا الذي كان ، لم يحتمل المسكين ، لم يحتمل قلبه الصغير ، هرب من عالمهم القذر ، عالمهم المعتوه ، اسلم الروح لخالقها ...
- ايعقل الذي حصل ، ايعقل الذي صار ، أيعقل هذا ؟؟؟؟....أين نحن ، أين نحن ، أي عالم نحن فيه ...؟؟؟
قزما ، معتوها ، بطول متر ، و بوزن عشرين كيلوغراما ، و بحجم دجاجة ، يبدو كطفل هزيل ، في الخامسة ، جلدا على عظم ، لا كفائة عقلية له . يجر من مسجد ، الى مخفر شرطة ، و منه الى سجن ، ليلقى مصيره ، و ليحمل ملفوفا ببطنية بنية قذرة ، الى مستشفى ، و ليوضع جثة هامدة ، أمام طبيب عديم الضمير .
من هؤلاء ؟، من كل هؤلاء ؟ ، تعدد الفاعلون ، تعددت المسارح ، من قال أن للجريمة الواحدة مسرحا واحدا .
هل صدفة كان الضّحية قزما ، ؟ هل صدفة كان بطول متر ؟ هل صدفة كان بحجم دجاجة ؟ هل كل هذا صدفة ..؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق