اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

حمّـــــــادي ....*صلاح احمد

أحلك الأماكن في الجحيم ، هي لأولئك الذين يحافظون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية .... منقول .
..
..
نهارا من نهارات الصيف ، تطل أشعة الشمس حارقة ، منذ الصباح دون مقدمات ، تطل حارقة ، تبدو ثابتة بكبد السماء لا تتحرك . هكذا ايام الصيف هنا ، طويلة مقرفة .
يمر رجلان بزي رسمي ، الزّي الذي يرتديه عادة حرّاس السجن ، المجاور للمستشفى.
يحملان بطنية ، يشدهــا كل من طرف . تتأرجح يمينا و شمالا ، على إيقاع خطى الرجلين البطنية تفعل . بدا له الرّجلان ، بزيّهما الرّسمي ، زي حراس السجن الذي لا يخفى على أحد . و خاصة سكان الحي المجاور للسجن و هو منهم .مذعورين ، أكيد لم يكن خافيا هذا ، كانا مذعورين . دخلا المستشفى مسرعين ، يشدان البطنية كل من طرف ليست العادة .يعلم هذا بحكم تواجده الدائم في محله الكائن بالجوار .
الأكيد أنهما من حراس السجن ، القابع قبالة المستشفى ، و الأكيد أنهما يحملان شيئا بين طيّات البطنية البنية ، و الأكيد أنهما كانا بزيهما الرّسمي ، و أنهمـــا كانــــا
مـــذعوريــن ، و أنهما دخلا المستشفى مسرعين . متأكدا تماما أنه لمح قدما صغيرة كانت أكيد بين طيات البطنية البنية ، تتأرجح مع كل خطوة يخطوها الحارسان المذعوران .
كان يقف على الرّصيف المرتفع قليلا عن مستوى الطريق التي سلكها الرجلان الى المستشفى . متأكدا تماما أنها قدما صغيرة لطفـل . تنتعل حذاءا رياضيا أبيضا كانت
قـدم طفل صغير ، تلك التي رآها تتأرجح في جوف البطنية المحمولة . طفلا صغيرا بين طيّات البطنية ، التي يحملها حارسا السجن كـل من طرف .
أعلنت القـدم الصغيرة صاحبة الحذاء الرياضي الأبيض عن وجودهــا .
يري الأمر غريبا مريبا . أمرا تركه في حيرة من أمره . ما علاقة حارسا السجن بزيهما الرسمي بطفل ؟ طفلا محمولا على بطنية ، بهذه الطريقة .....
دهستـه سيارة ربمــا ... وجــداه على قارعة الطريق يصارع الموت .. ربمــا .
من هو .؟؟ من يكون ..؟؟ أتراه على قيد الحياة ..؟؟ اتراه بخير..؟؟
اتمنى ان يكون بخير ، كان الله في عونه . و ليجازي الله خيرا هــاذين الخيريــن . تفرغا لأجله ، لأجل مـد يد العون له .كيف لا إنه طفل ليجازيهما الله عن فعلتهما خيرا .كانا مذعورين لأجله ، كانا يهرولان بإتجــــاه المستشفى لأجلــــه .
حدث نفسه بكل هذا . لم تبرح صورة القدم الصغيرة المتارجحة بين طيات البطنية ، صاحبة الحذاء الرياضي الابيض مخيلتــه .. طفلا محمولا بجوف البطنيـــة .
طفلا محمولا بجوف البطنية ، كانت قناعتـــه ، لـم يكن بخير أكيــد ..
امرأة قصيرة القامة ، ملفوفة في العباءة السوداء ، على رأسها خمارا ابيض اللون ، لم يكن ناصعا .. شبشب بلاستك اخضر اللون ، تجر الخطى نحو البناية القابعة ، فوق واد مرنانش ، الذي صمت منذ أمــد بعيد ، المستشفى .
صرخة مدوية ، هزت أرجاء المكان ، بعدها عاد الصمت معلنا انها ذهبت ادراج الرياح . أصواتا غير مفهومة ، تعلو تارة و تخفت تارة اخرى .
خطبا ما وراء جدران المستشفى ، أكيد حدث نفسه . بخطا متثاقلة ، تقدم من البواب ، دفعته حيرته ، هواجسه .
- الحرارة لا تطاق هذا الصباح ، قال هذا مخاطبا البواب ...
- انه الصيف ، و إننا في عزه ، رد البواب ، بواب المستشفى .
- كيف حال الطفل المسكين ، أتراه بخير .؟ أتمنى أن يكون كذلك .. قال هذا بصوت مسموع و كأنه يحدث نفسه ، دون النضر في وجه البواب ...
- عن اي طفل تتكلم ، قال بواب المستشفى ..
- الطفل الذي دهسته سيارة هذا الصباح ، الذي كان ملقى على قارعة الطريق ، المحمول على بطنية ...
- طفل ... دهسته سيارة ... ملقى على قارعة الطريق ...محمولا على بطنية .. عجيب امرك ، عن ما تتكلم ، ما هذا الذي تتكلم به ، إنك تهذي ، فعلت بك الشمس فعلتها .
- الطفل الذي هرعا به حارسا السجن هذا الصباح الى هنا . الى المستشفى ، كانا بزيهما الرسمي ، كانا يحملانه في بطنية ، يبدو من خلالها صغيرالحجم ، أكيد كان طفلا ..كان طفلا أكيد ، حالته صعبة اليس كذلك ..؟
رد البواب ناصحا ، مبديا إنزعاجا ، الا ترى أن العودة لمحلك خاصتك افضل ..
- طبعا طبعا أكيد و لكن .............
سيارة اسعاف ، تمر من امامهما ، مغادرة المستشفى . سائقها لم يلتفت اليهما حتى .
ناولهما مساعده بالمحل القريب من المكان ، زجاجتي كولا . صاحبنا هو من طلب منه ذلك أكيد . كان و البواب ينتظران الكولا على ما يبدو . تلقف البواب الكولا بلهفة .
- صرخة المرأة المسكينة كانت مدوية ، عويلها كان مسموعا ، يحدث نفسه دائما و بصوت مسموع دائما ..
- و ما الذي تنتظره من ام فجعت في فلذة كبدها ظلما ..
- ظلما .. قلت ظلما كيف ذلك ..؟؟
سيارة اودي حمراء تغادر المستشفى ، تغادر واد مرنانش ، يبادل سائقها التحية البواب
- ظلما قلت ، متى و اين و كيف ...؟؟ افزعتني لم أفهـــم ..
ابدى البواب تراجعا عن ما قال . عاد الى صمته . عاد الى تجاهل الأمر من أساسه .
ابدى خوفا من الخوض في الأمر .شعر صاحبنا بهذا ، أحس منه هذا .
ما الذي اخافه ؟؟، ما الذي يخفيه ؟؟.ما الذي حدث خلف جدران المستشفى اليوم ؟؟.
عادت الصورة الى ذهن صاحبنا بكل تفاصيلها ، الرّجلان بالزي الرسمي ، زي حراس السجن ، المجاور للمستشفى ، الذعر الذي بدا عليهما و هما يهرولان ، البطنية المتارجحة بينهما ، القدم الصغيرة ، الحذاء الرياضي الابيض ، المرأة صاحبة العباءة السوداء ، .. الصرخة المدوية ، العويل .. قول البواب أنه الظلم ، تراجعه عن الحديث.
كل هذا جعل حيرته تزيد ، دهشته تكبر ..
مجموعة رجال ، أربعة .. خمسة ربما ، على وجوههم المصفرة مسحة قهر . على رأيه طبعا يغادرون المستشفى ، سبقتهم شاحنة صغيرة تحمل نعشا ..نعشا أكيد .
لم تكن الوجوه غريبة عنه ، قرية صغيرة ، الناس تعرف بعضها . تقدم من احدهم ساله الخطب ..... رد الرجل بكلمة مقتضبة ، تحمل من الأسى و القهر الكثير ..حسبنا الله و نعم الوكيل .. الجو حارا جدا ، ليس بوسعه الوقوف تحت اشعة الشمس الحارقة ، رفقة الرجل ، الذي كان مستعجلا أمره . ساله هوية الفقيد ، موعد الدفن ، مجلس العزاء ..
عاد الى المحل ، نظرة خاطفة على الصندوق ، تعليماته الروتينية لمساعده ، إن تأخر في العودة . لم تفارقه الحيرة ، هواجسه ، ريبته . بعد الذي سمعه من الرجل المرافق لنعش الفقيد زادت .. حد الشعور بالإكتئاب . لاحظ مساعده بالمحل هذا عليه .سأله :
ان كان بخير ، ان كان عليه أن يرتاح . اكتفى بالقول أنه بخير .ابتسم لمساعده و غادر
الساعة التاسعة مساءا . وجهته مجلس العزاء . مجموعة قليلة من الأشخاص ، يتوسطهم شيخا كبيرا ، يبدو منهكا ، بالكاد مد يده ليسلم ، ليبادل صاحبنا التحية ...
الكل بمجلس العزاء صامتا ، و كأن على رؤوسهم الطير . على رؤوسهم الطير فعلا .
قدم تعازيه القلبية ، تمنى من الله أن يرزقهم الصبر و السلوان ، في مصابهم ، اتخذ مجلسا له على يمين الرجل المعرفة ، الذي التقاه بباب المستشفى هذا الصباح و الذي كان رفقة النعش ساعتها .سأله الخطب ، الذي جرى ..، رد عليه :بأنه لا داعي لهذا هنا بمجلس العزاء . الذي ليس له من هذا ، الاّ الإسم . لكن هواجسه ، حيرته ، كانت أكبر من تحفظات الرجل . مد يده ، ساحبا قريب الهالك الى الخارج ، مبتعدا به عن مجلس العزاء . حرارة تلك الليلة لا تطاق ، رغم أن السماء صافية ، نجومها متلألأة .
- كيف حدث هذا ..؟؟ معيدا سؤاله اكثر من مرة ... حمادي امرا لا يصدق ...
حمــــادي ،، أمرا لا يصدقه عاقل . حمادي .. قلت حمادي يا رجل .
- هذا الذي حدث ،، صدق او لا تصدق ... ما زال صوته البريئ يطن في أُذني ، و هم يجرونه الى داخل سيارة الشرطة . من أمام المسجد .
- حمـــــــــادي ... حمادي يا رجل ، ما الذي تقوله ، يجرونه الى سيارة الشرطة ، و من أمام المسجد . .. متأكدا انت مما تقول ..، إنك تتكلم عن حمادي القـــزم ، لا شخصا آخر ..
- نعم حمادي القزم ، حمادي الذي تعرفه لا غيره ..
- إنك تتكلم عن رجل في العشرين ، بطول متر ، مترا واحدا .. نعم بطول متر و لا يزيد وزنه عن العشرين كيلوغراما .... حمادي الذي لا يخفى على أحد ..
حمادي القزم ، المتخلف ذهنيا ، المحبوب من طرف الجميع ، مستحيلا الذي تقوله يا رجل . ما علاقة حمادي بالشرطة ، قلت ساقوه ، من هناك على السجن .. قلت السجن
أعد رجاءا الذي قلته ، متأكدا أنت مما تقول .....؟
- نعم السجن ، قلت لك السجن .....
حمادي القزم ، بطول متر و وزن عشرين كيلوغراما ، ساقوه الى السجن .. غريب عجيب الذي تقوله يا رجل
- هذا الذي حدث ، هذا الذي حدث و الله . حمادي القزم ، المعتوه الشاحب ، الوجه الهزيل ، و الذي بطول متر ، و وزن عشرين كيلو ، الذي يبدو كطفل في الخامسة يعاني من سوء التغذية ، و فقر الدم . رغم أنه في العشرين .. نعم كان في العشرين بحجم دجاجة .
- ما الذي فعله حمـــــــادي ، القزم الشاحب الهزيل ، ليجر من طرف الشرطة الى السجن .. و من هذا الذي سولت له نفسه ، فعل هذا بقزم ، أين نحن بحق السماء ..
- و حق السماء ، جرته الشرطة الى المحكمة و منها الى .........................
- محكمــــة ، .. قلت محكمة ، متأكدا أنت مما تقول ؟؟ محكمة ؟؟ مثل حمادي القزم بطوله الذي لا يتجاوز المتر ، و وجهه الشاحب ، و وزنه الذي لا يتعدي العشرين كيلوغراما و حجمه الذي لا يزيد عن حجم دجاجة ، أمام محكمة ... من يكون هذا القانوني الفذ ، الذي راى هذا منطقيا و قانونيا ...و انسانيا ، استطاع فعله و فعله ..
- صدق او لا تصدق ، جر المسكين من المسجد ، على مخفر الشرطة ، فالمحكمة و منها الى السجــــن .
- آآه السجن ، قلت السجن . و استقبل السجن النزيل القزم ، الهزيل الشاحب ، بطول متر ، و وزن عشرين كيلو و حجم دجاجة كمجرم ..
- نعم هذا الذي كان ، لم يحتمل المسكين ، لم يحتمل قلبه الصغير ، هرب من عالمهم القذر ، عالمهم المعتوه ، اسلم الروح لخالقها ...
- ايعقل الذي حصل ، ايعقل الذي صار ، أيعقل هذا ؟؟؟؟....أين نحن ، أين نحن ، أي عالم نحن فيه ...؟؟؟
قزما ، معتوها ، بطول متر ، و بوزن عشرين كيلوغراما ، و بحجم دجاجة ، يبدو كطفل هزيل ، في الخامسة ، جلدا على عظم ، لا كفائة عقلية له . يجر من مسجد ، الى مخفر شرطة ، و منه الى سجن ، ليلقى مصيره ، و ليحمل ملفوفا ببطنية بنية قذرة ، الى مستشفى ، و ليوضع جثة هامدة ، أمام طبيب عديم الضمير .
من هؤلاء ؟، من كل هؤلاء ؟ ، تعدد الفاعلون ، تعددت المسارح ، من قال أن للجريمة الواحدة مسرحا واحدا .
هل صدفة كان الضّحية قزما ، ؟ هل صدفة كان بطول متر ؟ هل صدفة كان بحجم دجاجة ؟ هل كل هذا صدفة ..؟

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...