اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

رِحلةٌ تحتَ قوسِ قُزحْ مَعَ الشّاعِر الكَبِير " مُحمّد كَامِل الصّالِح " || مُهنّدع صقّور

رِحلةٌ تحتَ قوسِ قُزحْ
مَعَ الشّاعِر الكَبِير " مُحمّد كَامِل الصّالِح " في هَيَاكِلِ بَعْلَبَكّ
مَعزوفةُ البِدء

يَا " بَعْلَبَكّ " رَواهَا الدّهرُ وافتَخَرَ

فـ" القَبْلُ والبَعْدُ " في آفَاقِكِ سَفَرَا

شَمسٌ بِكَفّ نَبِيّ رَاحَ يُوقِظُهَا

كَيْمَا تُغَازِلُ في أبرَاجِهَا قَمَرَا


يَستَنطِقُ الغَيبَ عَنْ سِرّ الجمَالِ رُؤىً

يُرَاودُ الحَرفَ يَجلو المُبتَدَا/ الخَبَرَا

هَذَا "مُحمّدُكِ" المَبْعُوثُ مِنْ أزَلٍ

قَدْ صَاغَ مِنكِ وجُوداً حيّرَ الشّعَرَا

مُهنّد

" ثمّةَ أُناسٌ يَجعَلونَنَا نُدرِكُ ونُبصِرُ مَا لَم يكُنْ بِإمكَانِنَا ذَلِكَ لولَاهُم وهُمُ الأنبِيَاءُ والحُكَمَاءُ وكِبَارُ الفنّانين والشّعَراءُ والعَبَاقِرةُ " قولَةٌ للحَكيمِ / برجسون / لم أجِد خيرَاً مِنهَا في الدّخولِ إلى المَلحَمَةِ / الأسطُورةِ " في هياكِلِ بَعلَبكّ "التي دبّجَهَا وزخرَفَ هَيَاكِلَهَا الشّاعرُ الأسطورةُ أيضاً " مُحمّد كامل الصّالِح " ..., إذاً فَمَنْ هُو مُحمّد كامِل الصّالِح .؟ ومِنْ أينَ أبدَأ بهِ .؟
مُحمّد كامِل الصّالِح هو الذي قِيلَ لَهُ وبِوحيٍ إلَهي : اضربْ بعصَاكَ المُحالَ فستنبَجِسُ مِنهُ أسرَارُ الإلهِ ملاحِمَ لا يقوى عليهَا سِوى الآلِهةُ أنفُسِهم .., وهُو نفسُهُ الذي هَزَمَ ابنَ الرّوميّ وبِالضّربةِ القَاضية .., هو مَن أسرَجَ الغيمَ وقالَ كُنْ يا ماءُ طوفانَا .., نَعَم هُو مَنْ صَاغَ المُحَالَ قصائِدَاً لَا تُستَطَاعُ على حدّ تعبير الشّاعِر الكَبِير مُحمّد عبّاس علي في رثَائِهِ لِشَاعرِنا المُحمّد .., ولِتُصّدّقَ أيضَاً أيّهَا القَارئُ العَزيز أنّ مُحمّد كَامِل الصّالح هو الشّاعِرُ / النّبيّ الذي تأبّطَ جُنونَهُ فرَأى بابَ الوجودِ مُقفَلَاً فهزّهُ ودَحَاهُ وإذا خلفَ البابِ " محَارةَ الشّعرِ الأولَى " التي أبى " المُحمّد " إلّا وتحطيمِ قشرَتِها وسبرِ أسرَارِ لؤلؤتِهَا الوضّاءَةِ .. فعَادَ وفي روحِهِ ألفَ متنبي وألفُ أبي تمّام وألفُ ابنِ روميّ ... ليُسمِعَ الوجودَ كلّ الوجودِ ويُريهِ ما لا أُذن سمِعتْ ولَا عينَ رأت .. بل وما لم يَخطُرُ على قلبِ بشَر ..
مُحمّد كامِل الصّالِح هو الذي ابتَدَع صَحرَاء تيِههِ فأخصبَ رملُهَا وزَها ببَاسِقاتِ نَخلٍ لَا أحلى ولَا أجمَل .., فأتَتْ قصَائِدُهُ أُكُلها .., ولَنْ أكونَ مُخطِئاً إذَا مَا قُلتُ أنّهُ كانَ مَصداقَ قول خالهِ " البدويّ " القائل : لكلّ عبقريّ في الدّنيا صحراء تيهٍ تُسلِمُهُ للهُدى أو تُسلِمُهُ للرّدى " فلنَدخُل بَعلَبَكّ مَعَاً ولنرَى عظَمةَ الشّعرِ .., وعظمةَ المُحمّد في ملحمَتِهِ الخالِدة ..
في هَيَاكِلِ بَعلبَكّ تِلكَ الأسطورة التي كُتِبَتْ غَداً كما أسمَاها شَاعِرُها .. يتجلّى لَكَ التّاريخُ بكلّ كينونتهِ وكيانِهِ كما لو أنّهُ شَخصَاً يُخبِركَ بسيرتهِ الذّاتيّةِ بأدقّ تفَاصِيلِها .., فيهَا مِنْ تموّجِ الألوانِ وانسِيابِ العِطرِ مَا يَجعلُكَ مَأخوذَاً لا تَستطيعُ تفسيرَ هذا السّحرِ وَلا تقوى على مُقاومَتِهِ والإفلاتِ مِنهُ , إنّهُ الأدَبُ الرّفيعُ الذي تَطأُ فيهِ السّندسَ على أنغامِ الحُورِ ومَنثورِ الطّيبِ حتّى لَكأنّكَ في حفلةِ سَمَرٍ مَعَ عَباقِرةِ الفَنِ فوقَ جِبَالِ الأولِمبِ تمنحُ الحَاضِرينَ لَهَا أوسِمَةَ شَرَفٍ تقدِيرية ..
1
( قَرَأتُ .., فيما كَتَبتِ " البَعدَ "عُنوانَا .. يَا "بَعلَبَكُّ " كَأنّ " القَبْلَ " مَا كانا ).., ( ورُحتُ أقطَعُ دربَ التّيهِ ... يحملُني إليكِ .. مِنْكِ .. جَناحٌ رفّ : ظَمآنَا ) .., ( وَحُلمُ " فِرجيلَ " إسرَاءٌ إلى أزَلٍ ... كالسّحرِ .. فتّحَ أجفَاناً .... وآذَانَا )
بِهذا الهَرِمِ الشّعريّ ابتَدَأ مُحمّد كامِل ملحَمتِهِ ., في عَمَلِيةِ قَفزٍ بِسرعَةِ الضّوءِ / الشّعر إلى آلَافِ السّنِين المَاضِية القَابِعةِ في حضنِ التّارِيجِ لَكَأنّهُ ذاكَ الهُدْهُد الآتي مِنْ سَبَأٍ بِنَبأٍ يقين , لَا بَلْ هُو , ثُمّ أولَيسَتْ بَعلَبكّ الأختُ التّوأمُ لسَبأ.؟ كَمَا أنّ " مُحمّد كامِل" هُو ابنُ هَذِهِ الأرضِ الوفيّ البَارّ بِأمّهِ التي وهَبَتهُ كُلّ مَا تملكُ ولَو تطَلّبَ الأمرُ لوَهبتهُ نفسَها , إذاً وعَبرَ أجنحَةِ الخَيَالِ كانَتْ الرّحلَةُ بين / البَعدُ – القَبلُ / .., ومِنْ بعلَبكّ إليها ولَكِن عبرَ صحرَاءِ تِيهٍ رقَدتْ تحتَ رِمَالِها كُلّ ألوَانِ وأنواعِ فلسَفةِ الإبدَاعِ التي نَهَضَ فارِسُهَا " الشّعرُ" مُتَحدّثاً بِاسمِها .., ولِيَتَحَقّقَ ذَاكَ الحُلمُ الذي لَطالَمَا راودَ " فِرجيلَ وغيرهِ مِنْ عَباقِرةِ الفَن والوجود .. (هَيَاكِلَ الشّمسِ..! فيكِ الشّمسُ قدْ غَرُبَتْ = ومِنكِ تطلعُ لِلآتينَ : دُنيَانَا ) , ( خلقتِ مُذ كُنتِ فِيمَا بعدُ مُلهِمَةً = "بَعلَ" الخِصَابِ ورَبّ المَاءِ " إليَانَا )
وَهُنَا يلعَبُ المَكانُ دَورَاً أسَاسِيّاً في تشكِيلِ النّصّ وبِنَائِه مِنْ خِلالِ بُنيتِهِ المَشهَديّةِ واللغَويّة والارتِقاءِ بهِ باعتِبَارهِ دَالاً عَلى بُعدٍ روحِيّ خَالِص , وإنّ التعَامُلَ معهُ يجري بحَسَاسِيّةٍ واضِحَةٍ , ومِنْ خِلالِهَا يستنهِضُ الشّاعِرُ الارتِبَاطَ بِالمُطلقِ والأزَليّ " الوجودُ بشكلٍ عَام ," المَآذِن , القِبَاب , الجِبَال " وهِيَ مَراكِزُ اتِصَالِ العَابِدِ بالمَعبودِ , ثمّ اهتِمامَهُ بالتاريخ كَمُطلقٍ بِسببِ انفتِاحِهِ على المُطلَق مِنَ الرّؤى فالمَاءُ مُقدّسٌ وعَبرهُ تتشكّلُ قُدسيّةُ الأشياء.., ومِنْ خلالِ هَذهِ الرّموزِ المَكانيّةِ تنعَكِسُ الطّقوسُ والرّؤى فهي –أي الأماكن- ذات القدسية الشعرية إنما تمنح قدرة التعويض عن فراغ الحياة بما يشيعانه من تشبّع روحي وصوفي خالصين ..
2
ولِلزّمَانِ أيضَاً دَورُهُ الفَاعِلُ في تسعِيرِ الحَالةِ الشّعرِيّة عِندَ مُحمّد كامِل لأنّهُ / الزّمَانُ / فِيهِ وبَينَ حَنَايَاهُ يَتحَققُ مُستَوى المَكان أيضَاً مِنْ حَيثِ عَلاقتهُمَا السّبَبيّة فأزمِنَتُهُ تَتراوحُ بينَ الحَاضِرِ والمَاضي وتُعطِي بُعدَاً رُؤيويّاً / الآتي/ أي المُستقبَلِ , يقولُ في النّشيدِ الثاني – الآلِهَةُ إنسَانُ الغدِ – ( سَارَ الزّمانُ عليهَا القَهقَرى فإذَا = هِيَ الشّبَابُ وعَانى الدّهرُ مَا عَانَى ) وهُوَ بِذَلِكَ إنّمَا يُحيلُ القصيدَةَ إلى نَمطِ السّردِ التأريخِيّ باستِخدَامِ أفعَالٍ دَالَةٍ عَلى ذلك " سَمَتْ , تفَجّرَتْ , تؤنسِنُ , شَاءت " إذْ أنّ فنّيّة أو تِقَنِيّة المُداخلةِ بينَ الأزمنةِ إنّما جَاءتْ هُنا لِتحقيقِ نوعَاً مِنَ المُكاشَفةِ وعَقدِ توازُنٍ شِبهِ غَائِبٍ أو مَفقودٍ مَعَ العَالم , وَكَذلِكَ لإظهَارِ نوعٍ مِنَ المُقارَنةِ الحَقِيقيَةِ التي ترتبِطُ بِعَلاقاتٍ شتّى ( تناثرَ الفنّ في أرجَائِهَا سُورَاً = لو لمْ تكُنْ مِنْ صُخورٍ قُلتُ : قُرآنَا ) .
3
والمُتتبّعُ لِمَلحَمَةِ الشّاعِرِ يُلاحظُ تَدَاخلَ الأسَاطيرِ وتنوّعَهَا حيثُ أنه لم يَرتَكِز على أسطُورةٍ مُحدّدةٍ وإنّما اعتمد على مَجموعَةِ عَناصِر تشكّلُ أسطُورةَ الكونِ بِمَا يحتَويهِ فرمز " بَاخُوس , أوزيرس , عَشتار, بَعل , باريس , فِرجيل " على سَبيلِ المِثالِ هِي الأكثرُ هَيمَنةً على عَمليةِ أسطَرةِ الأشياءِ والمَوجُوداتِ مِنْ خلال إلقَاءِ الضّوءِ علَى جُملَةِ المَفاهِيمِ والرّؤى وقد تَبيّنَ هَذا عِندَهُ مِنذُ بَواكِيرِ شِعرهِ وَخَاصةً دِيوانِهِ " صَلواتٌ في مِحرابِ عَشتروت" فالأسطُورَةُ عِندَهُ تنطَلِقُ وتَتَلاقَى مَعَ الأصلِيّ والمَوروثِ يقولُ في النّشيدِ الرّابعِ " كروم باخوس" ( بَاخوس ُ! أحمِلُ أوزاري وأوثِرُهَا = في حِين تُثقِلُني أقدَاسُ مَوتانَا ) ويقولُ أيضَاً ( أحلامُ باريسَ مِنْ أقسَى تَجَاربِهَا = فالحبّ لمْ يلقَ في التّاريخِ أعوانَا ) كأنه وبأسلُوبٍ مُتَفرّدٍ يَخلُقُ جُملةً مِنْ مَزايَا الآلهِةِ أو يَعمَلُ على ابتِكَارِ نَماذِج أنثويّةٍ في الأسطورة مثل " عَشتروت" مِنْ خِلالِ انتِخَابِ آثارِهَا وهَيمَنتِهَا على الأشياءِ وهَذا لا يعني استِشرافَ الصّراعِ الثنائيّ الأزليّ بينَ سُلطةِ الذّكورةِ والأنوثة بقدرِ ما يستَحضِرُ الحِسّ الصّوفيّ الذي يَدلّ على مَدى إمكَانيةِ الأنثى وقُدرَتَهَا على تخصِيبِ الحَياةِ فعَشتارُ مَثلاً وعلى سَبيلِ الظّاهِرِ رَمزٌ مُؤسطَرٌ يتَقمّصُ دورَ المُوقِظ ِوالمُطهّرِ وهُوَ الفضَاءُ الذي يَهتدي إليهِ التائِهُ في لُجَجِ الوجودِ يقولُ ( مِثالُهُ في ذُرا " الأولِمبِ" أيّ غِوىً= ربّ تُصوّرهُ "عشتارُ" : شَيطانَا ) وهذا يُشيرُ وبِكُلّ وضُوحٍ لِمَا قالهُ " باشلار" على طبيعةِ الدّورِ الذي يَلعَبَهُ الخَيالُ في بِنَاءِ النّصّ كونُهُ مُتصِلاً برموزٍ ذاتِ أصلٍ قديمٍ بِمعنَى أنّ الرّمزَ عشتار ورُغمَ اكتِفائِهِ بِذَاتِهِ في تولِيدِ مَدلولاتهِ وبثّهَا بشكلٍ مُتعدّدِ الأبعادِ إلا أنّهُ يرتبِطُ بشكلٍ مَا بِمَا هُوَ كامِنٍ في لا وعي الشّاعِرِ, ومِمّا يُؤكّدُ على دِينَامِكيّةِ هذا الرمز وحيويّتِهِ وتأثيرهِ على النّصّ الشّعريّ مَا نراهُ مِنْ قُدرَتهِ الفَائِقةِ على الكشفِ إذْ ينبغي أنْ يكونَ للأسطورةِ الشّخصِيّةِ قيمةٌ كشفيّةٌ , أي أسطَرتهُ ضِمنَ مَراحِلِ البناءِ الشّعريّ عَبرَ المَزجِ بينَ مَاهُوَ أسطوريّ ومَا هُوَ واقِعيّ ( نحنُ السّكبنَا بِروحِ " الأينِ" مَقصَدَهَا = وكم جُنونُ " اللمَاذا " قد تصَبّانا ) ويُتابعُ تماهِيهِ معَ سُورياليتِهِ المُولعِ بهَا ومَا تحمُلهُ بينَ ظهرانيها مِنْ غاياتٍ يُحاوِلُ الكشفَ عنهَا يقولُ ( أصَابعٌ خُلِقتْ مِنْ " كيفَ , رُبّ , مَتى " = سِرّاً بهِ أمسِ كم ضاقتْ وعَنّانا ) وبِالتالي فإنّ أسطورةَ " بَعل , عشتار , بَاخوس , تموز " مُؤسّسةٌ على قاعِدةِ خلقِ المَعَاني الجَديدةِ داخِل القَصيدةِ وإثراءِ هَذهِ المَعَاني وانفتاحِهَا على مَا هُوَ غيرُ ظاهِرِ" اللامَرئيّ" أو كَمَا أسمَاها الشّاعِرُ المُبدِعُ نجيبُ جمالِ الدّين " فيمَا يخّصّ الأثرَ الذي يُركّزُ على الرّمزِ في النّصّ بِاعتِبَارِهِ يُحيلُ إلى الدّلالاتِ بِمَا يمتلِكُهُ مِنْ خَصَائِص.., ويُوفّرهُ مِنْ مَعَانٍ تشكّلُ بتضافرهَا البناءَ العَام لهَرمِ القصيدة ...
4
أمّا فِيمَا يَتَعَلقُ بفَنّيةِ السّردِ ودورَها في عملِيةِ البِنَاءِ الشّعريّ , فإنّنا نُلاحظ ُثمّة إشاراتٍ واضِحةٍ في نصّ الشّاعِرِ تدلّ عَلى هَذا الجانِبِ عبرَ وصفيةٍ شِعريّة تمتازُ باستِمرارِ طاقةِ الفِعلِ لِتحويلِ المشهدِ الشّعريّ إلى حَاضِنةٍ سَرديّة تنصهِرُ في بُوتقتِها مَجموعَةٌ كبيرةٌ مِنَ الدّلالاتِ والمَعَاني تتسِمُ بالدّقةِ في اختيارِ مَوصوفٍ لهُ عَلاقةٌ بالمشهدِ وبدقّةِ تجسيدهِ مِمّا ينفي وجودَ أيّ تَرهّلٍ شِعريّ داخل النص بل على العَكسِ مِنْ ذَلكَ حيثُ جميعُ المسروداتِ والموصُوفاتِ تتداخَلُ شِعريّاً مِنْ أجلِ تحقيق الرّمزِ ., وبالتالي الامتِداد في المشهدِ الذي يتميّزُ كثيراً بالاختِزالِ يقولُ ( سبعٌ مِنَ الغُرَفِ الغَرقى ببحرِ دُجىً = شَرِقنَ فيهِ دَهَاليزاً وجُدرانا ) , ( هذي الرّسومُ وقدْ ضاقَ الجديدُ بهَا = يا غيرةَ الحُبّ كم أغرقتِ غَيرانا)
كَمَا أنّهُ وبِالرّغمِ مِنْ اعتِمادِ مُحمّد كامِل الصّالح بُحورَ الفَراهِيديّ في أناشيدِ مَلحَمَتِهِ إلا أنّهُ ألبَسَ المُفرَدةَ حُلّةً قَشيبَةً / مُودِرن/ أعطَتهَا لَونَاً عصريّاً وابتَكرَ لَها نُوتَةً عَذبَةً أعطتهَا إيقاعَاً خاصَاً يُضَافُ إلى الوزنِ بلْ يُحرّكُ مَفاصِلَهُ التي قد تنطوي على حَالةِ النّظمِ , لكِن مَا يُقدّمُهُ عِبارةً عَمّا تنضَوي عليهِ المُفرَدَةُ مِنْ إيقاعٍ داخِليّ وخارجِيّ , أي رنينُهَا الحَرفيّ الذي يُشكّلُ نسَقاً لِسَانياً مَضَافاً يقولُ ( طَروادَةٌ كَتبتْ مِنْ يومِهِ غَدَهَا = واستمطرتْ غضَبَ الأربابِ هتّانا ) , فالشّعرُ هُنا ينطوي على حُريةٍ داخِليةٍ بمعنى تلقائية تهَبَهُ نكهَةً خاصَة , والشّاعِرُ يتماهى عِندَه بسبب ذلك النثري أي السّهلُ المُمتنِعُ إلى اتساعِ فضاءِ الشّعرِ دُونما قيد , والشّعريّ لصَالحِ الشّعريّ فقط ., وبالتالي ثمّةَ تقنيّةٍ دَاخِليةٍ يهَندِسُها الإيقاعُ لكي يُبرّرَ العَلائقَ اللامرئيّةَ في جسدِ القصيدةِ مِنْ خِلالِ الأثر إذْ يتحكّمُ فيهَا إيقاعُ المُفرَدَةِ وجرسُهَا المؤثّرُ فيتيهُ الشعّريّ في علاقتهِ بما هُو سَابق ولاحق ., ولعلّ إيقاعَ المُفردةِ وانسيابَها يلعبُ دوراً أساسيّاً حيث يجمعُ الأصولَ التي تنتظِمُ فيها المُفردةُ نثراً أو شِعراً بما تمتلكُهُ مِنْ طاقةٍ باتجاهِ توفيرِ المَعاني الكثيرةِ المُرتبطة بِمَجموعةِ إيقاعاتٍ أخرى ( أيامُكِ " البَعدُ" ظِلّ مِنهُ قرّبنَا = في حين عن "قبلُ " هذا الظّلّ أنآنا )
هَيَاكِلُ بَعلبكّ أوِ المَلحَمَةُ البَعلبَكيّةُ كَمَا أسمَاهَا الشّاعِرُ الرّاحِلُ نَجيبُ جَمالِ الدّين تُعتبرُ مِنْ عُيونِ الشّعرِ العَربيّ أبدَعَهَا بِعبقريةٍ فذّةٍ وأسلوبٍ مُنقطِعِ النّظير الشّاعِرُ الأسطورة " مُحمّد كامِل الصّالِح " الذي قالَ عنهُ المُخضرمُ سعيدُ عقل عِندمَا سُئِل عنهُ وكانَ قد أهداهُ تلكَ الملحمة وبِالطّبعِ فالسّائِلُ هُوَ الشّاعِرُ " نجيب"
فقال :" إنّ هذهِ المَلحمة تحتاجُ إلى عشرينَ شاعِرٍ مِثل سعيد عقل ليكتبوا مثلها ناهِيكَ عن صاحِبهَا فهُو قلعةُ شُعراءِ عصرهِ ونبعُ الرّمزيّةِ الثّر ... فَمَنْ كَانَ والِدُهُ الشّاعِرُ الشّيخ " كامِل الصّالِح ., وجدّهُ العلّامة الشّيخُ " سُليمان الأحمد " عضو مجمعِ اللغةِ العربية .., وخَالُهُ جبل الشّعرِ العربي " بدويّ الجبل " ووالِدتُهُ " فتاةُ غسان " لَا غرو أن يولَدَ كبيرا .., تلك هي فلسفةُ الإبداعِ جسّدهَا مُحمّد كامِل الصّالح وأغناهَا وأضَافَ إليها شيئاً مِنْ ذاتِهِ وكيانهِ ورؤاهُ وهيهَاتِ هَيهَاتِ أن يسمحَ عصرُنا بمثلهِ .."
ـــــــــــــــــــــــــ
مُهنّد ع صقّور
جبلة .. السّخابة

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

شاعر مفكر قارئ... وقارئ مفكر شاعر
نحن بحاجة ماسة لهذه المنشورات ففيها عمق الفكرة وجمال الشعر ودقة تموضع الكلمات.

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...