يا أيها الليل عهِدتُكَ مرْتعاً للأحلام وموئلاً للآمال، فيك تتماهى عذابات العشاق وكذا تلمع النجمات في سماءك فإذا بالأفكار تومض في الرؤوس.
أيها الليل بك من السِحْر أشهاه وذاك ما يغري الأقلام لتجود وتجود وما حجم تغنّي الكتّاب بك إلّا خير برهان على ذلك وفي السَحَر يفور النور قُرب ربٍ غفور.
يا حلو الستائر... وإني لأخط كلماتي واليراع مني حائر لعظيم البهاء والصفاء أما يكفي أنك تحوي ترنيمات العذارى ورفث السُكارى وآهات الحيارى، حدثته نفسه: أما اكتفيت من نجوى الليل فرد عليها: وما يدريك لعل الله يُحدِثُ بعد ذلك أمرا، من بين خفقات يراعه وفؤاده تجلت صورة الفتاة التي أحب والتي ظلم.
من فجر الحب الذي انضويا تحت لواءه وهي آيةٌ في العطاء حتى فاقت عشتار القدامى وكان عطائها كامل بدون نقصان فما ملّت تجود بأعذب الكلمات وأرقها ويسبق حُسن لفظها سخاءها، وهو اعتراه الحرمان قبل التعرف إليها لكنه حين عرفها غرف من منهلها دون ارتواء ورويّة.
قدرُها في الحياة أنّها معشوقة الكلمات فصارت ضمن فئة الكتّاب وميّزتها روحها في الكتابة عن بقية الكتاب وراحت تكتب له أحلى رسائل الغرام على ورق الورد وتنقلها إليه نسمات العبير فتصله كلماتها مُعطّرَة بروحها، حدث ذات مرّة أن كتبت له نصاً على وجه القمر فتضوع الأخير عطراً يفوق كل طِيب، أما هو فبدد الحب - الذي لفّ شغاف قلبه - مرارة الفقر التي اعتادها، وسما بوداده فوق كل سماء حتى جاور النجمات العُلا، وهناك وصله أحد نصوص الحبيبة فقرأه على عجل وما لبث أن رتله ترتيلاً على مسمعٍ من النجوم وإذ بهن يفضن لمعاناً وألقاً ما من كِبر الحب وعظمته بل خفراً وإذ ذاك بعض النجمات فاضت أعينهن بالدمع من هول البهاء وراحت تزهو سمواً وتسمو زهواً.
وكان الحدث العظيم حين ضمّت حلقة ذهبية قلبيهما وروحهما تمهيداً لارتباط أزلي، حينئذٍ كانت بشائر الفرح تنضح من مآقيهما وهناك أطيار تشدو بألحان عذبة وجوقة من الأماني تهفو في الأرجاء وهاهنا يربض أمل مقيم بالغد المشرق، وتداخلت الأرواح في بوتقة الحب الملائكي حتى أنه تعلم منها بث الروح في الحروف وتعلّمت منه الترنيم بجوار النجوم، وراح يتعاظم بينهما الحب حتى فاق كل التعابير وخرّت الحروف دونه سكارى وما هي بسكارى ولكن جمال الود عظيم.
في أحد لقاءاتهما تلا عليها بعض أراجيزه فإذ بها ثملة من صفاء بوحه ولذة أسلوبه وتسامى عشق الكلمات فيها فردّت عليه وإذ بثغرها يفيض الدُر والياقوت والمرجان فهما لحقَّ النديمان فقد بلغا من الوله أعلى مرتبة وبدأ السقوط المدوّي.
الكلمات كالموج يمكنك ضبطها لفترة لكن لا يمكنك السيطرة عليها، وهذا ما حصل فقد أخذ أحد النصوص جُل وقتها وطال عليه الوقت حتى غدا تحدٍ شخصي بالنسبة لها وثارت جميع الحروف لتتحد سوياً مع النص المستعصي وتوالت الأيام والنصوص تزداد تعنتاً وتجبراً، والعاشق الولهان يتقلب على أكف الانتظار، يتجرع وحيداً قساوة السهر وتزدريه بين حين وآخر حرّات العِبَرْ.
على حين استحياءٍ جاءه السوء – ولا يحيط المكر السيء الا باهله – ونفث فيه سموم الظنون فانشرح صدره للوساوس وحاقت به الضغينة من كُلِ جانب إلى أن طاوعته نفسه فاجترح إثماً مبيناً وافترى عليها الإفك العظيم طعناً في براءتها واستبد برأيه وتجبّر.
وعادت إليه منتشية بانتصارها دافعها الشوق ويسوقها الحنين للحبيب البهي تؤزها الأماني ويحوطها الأمل، وفور التقاءها به لاحظت جفاف في صوته وقسوة في قسماته وحين باح لها بمكنونات صدره انفجرت من مآقيها أنهار الدماء فعوضاً عن التهنئة المنتظرة ابتدرها زورا وبهتاناً.
غادرته والقلب منها يهذي من عصف الألم، تتهاوى عواطفها واحدة تلو أخرى من هول الأسى، والروح يغشاها الوجع وذاك حُزن خرّ باكياً لأجلها، وحمائم السلام ركنت تنتحب وأزهار الدرب علا عويلها حتى إن السماء امطرت واختلط دمعهما فغمرت وحول الأسى أيامها فما لمع منها أمل وحل عليها الليل وفيه صارت تناجي الكلمات وكتبت:
يا أيها الليل السقيم عهِدتُكَ مرْتعاً للأحلام وموئلاً للآمال فإذا بك حيّزا للمرارة وملجأً للآلام، فيك تلمع النجمات لتومض الأفكار في الرؤوس لكن النجمات علة بريقها هي الدموع التي غطت وجهها فتومض فيّ أحزان فوق أحزان فوق أحزان، قالوا عنك أنك جامع العذارى والسُكارى والحيارى فماذا يصنع الذين يأكل الألم أكبادهم وتنفطر الأفئدة بؤسا في بؤس حتى تفيض الأرواح.
وتقطعت أواصِر الود وحلّت مكانها حبال البغض، هي تكابد الألم كلما زارها أمل وتستجدي النسيان علّه يقيم فيها، وهو راح يهجو الحب بأفحش القول ولما دارت الأيام وانكشفت له خطيئته اعتصر فؤاده الندم وحجّت إليه عواصف الوحدة وأتت عليه حتى جعلته كالرميم، وعبثا كانت محاولته حينما أراد مصالحتها فردّته خائباً ومن يومها صار خليلاً لليالي يناجي الذكريات وتؤمه الدمعات فغسلت دموعه فقره واغتنى ببؤسه وأمسى نديماً للهوان
وأزهق روحه بعدما كتب بدمه: أنا المشتاق الذي لا ينسى.
أيها الليل بك من السِحْر أشهاه وذاك ما يغري الأقلام لتجود وتجود وما حجم تغنّي الكتّاب بك إلّا خير برهان على ذلك وفي السَحَر يفور النور قُرب ربٍ غفور.
يا حلو الستائر... وإني لأخط كلماتي واليراع مني حائر لعظيم البهاء والصفاء أما يكفي أنك تحوي ترنيمات العذارى ورفث السُكارى وآهات الحيارى، حدثته نفسه: أما اكتفيت من نجوى الليل فرد عليها: وما يدريك لعل الله يُحدِثُ بعد ذلك أمرا، من بين خفقات يراعه وفؤاده تجلت صورة الفتاة التي أحب والتي ظلم.
من فجر الحب الذي انضويا تحت لواءه وهي آيةٌ في العطاء حتى فاقت عشتار القدامى وكان عطائها كامل بدون نقصان فما ملّت تجود بأعذب الكلمات وأرقها ويسبق حُسن لفظها سخاءها، وهو اعتراه الحرمان قبل التعرف إليها لكنه حين عرفها غرف من منهلها دون ارتواء ورويّة.
قدرُها في الحياة أنّها معشوقة الكلمات فصارت ضمن فئة الكتّاب وميّزتها روحها في الكتابة عن بقية الكتاب وراحت تكتب له أحلى رسائل الغرام على ورق الورد وتنقلها إليه نسمات العبير فتصله كلماتها مُعطّرَة بروحها، حدث ذات مرّة أن كتبت له نصاً على وجه القمر فتضوع الأخير عطراً يفوق كل طِيب، أما هو فبدد الحب - الذي لفّ شغاف قلبه - مرارة الفقر التي اعتادها، وسما بوداده فوق كل سماء حتى جاور النجمات العُلا، وهناك وصله أحد نصوص الحبيبة فقرأه على عجل وما لبث أن رتله ترتيلاً على مسمعٍ من النجوم وإذ بهن يفضن لمعاناً وألقاً ما من كِبر الحب وعظمته بل خفراً وإذ ذاك بعض النجمات فاضت أعينهن بالدمع من هول البهاء وراحت تزهو سمواً وتسمو زهواً.
وكان الحدث العظيم حين ضمّت حلقة ذهبية قلبيهما وروحهما تمهيداً لارتباط أزلي، حينئذٍ كانت بشائر الفرح تنضح من مآقيهما وهناك أطيار تشدو بألحان عذبة وجوقة من الأماني تهفو في الأرجاء وهاهنا يربض أمل مقيم بالغد المشرق، وتداخلت الأرواح في بوتقة الحب الملائكي حتى أنه تعلم منها بث الروح في الحروف وتعلّمت منه الترنيم بجوار النجوم، وراح يتعاظم بينهما الحب حتى فاق كل التعابير وخرّت الحروف دونه سكارى وما هي بسكارى ولكن جمال الود عظيم.
في أحد لقاءاتهما تلا عليها بعض أراجيزه فإذ بها ثملة من صفاء بوحه ولذة أسلوبه وتسامى عشق الكلمات فيها فردّت عليه وإذ بثغرها يفيض الدُر والياقوت والمرجان فهما لحقَّ النديمان فقد بلغا من الوله أعلى مرتبة وبدأ السقوط المدوّي.
الكلمات كالموج يمكنك ضبطها لفترة لكن لا يمكنك السيطرة عليها، وهذا ما حصل فقد أخذ أحد النصوص جُل وقتها وطال عليه الوقت حتى غدا تحدٍ شخصي بالنسبة لها وثارت جميع الحروف لتتحد سوياً مع النص المستعصي وتوالت الأيام والنصوص تزداد تعنتاً وتجبراً، والعاشق الولهان يتقلب على أكف الانتظار، يتجرع وحيداً قساوة السهر وتزدريه بين حين وآخر حرّات العِبَرْ.
على حين استحياءٍ جاءه السوء – ولا يحيط المكر السيء الا باهله – ونفث فيه سموم الظنون فانشرح صدره للوساوس وحاقت به الضغينة من كُلِ جانب إلى أن طاوعته نفسه فاجترح إثماً مبيناً وافترى عليها الإفك العظيم طعناً في براءتها واستبد برأيه وتجبّر.
وعادت إليه منتشية بانتصارها دافعها الشوق ويسوقها الحنين للحبيب البهي تؤزها الأماني ويحوطها الأمل، وفور التقاءها به لاحظت جفاف في صوته وقسوة في قسماته وحين باح لها بمكنونات صدره انفجرت من مآقيها أنهار الدماء فعوضاً عن التهنئة المنتظرة ابتدرها زورا وبهتاناً.
غادرته والقلب منها يهذي من عصف الألم، تتهاوى عواطفها واحدة تلو أخرى من هول الأسى، والروح يغشاها الوجع وذاك حُزن خرّ باكياً لأجلها، وحمائم السلام ركنت تنتحب وأزهار الدرب علا عويلها حتى إن السماء امطرت واختلط دمعهما فغمرت وحول الأسى أيامها فما لمع منها أمل وحل عليها الليل وفيه صارت تناجي الكلمات وكتبت:
يا أيها الليل السقيم عهِدتُكَ مرْتعاً للأحلام وموئلاً للآمال فإذا بك حيّزا للمرارة وملجأً للآلام، فيك تلمع النجمات لتومض الأفكار في الرؤوس لكن النجمات علة بريقها هي الدموع التي غطت وجهها فتومض فيّ أحزان فوق أحزان فوق أحزان، قالوا عنك أنك جامع العذارى والسُكارى والحيارى فماذا يصنع الذين يأكل الألم أكبادهم وتنفطر الأفئدة بؤسا في بؤس حتى تفيض الأرواح.
وتقطعت أواصِر الود وحلّت مكانها حبال البغض، هي تكابد الألم كلما زارها أمل وتستجدي النسيان علّه يقيم فيها، وهو راح يهجو الحب بأفحش القول ولما دارت الأيام وانكشفت له خطيئته اعتصر فؤاده الندم وحجّت إليه عواصف الوحدة وأتت عليه حتى جعلته كالرميم، وعبثا كانت محاولته حينما أراد مصالحتها فردّته خائباً ومن يومها صار خليلاً لليالي يناجي الذكريات وتؤمه الدمعات فغسلت دموعه فقره واغتنى ببؤسه وأمسى نديماً للهوان
وأزهق روحه بعدما كتب بدمه: أنا المشتاق الذي لا ينسى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق