لَحْظَة مُثِيرَةٌ لِلْجَدَل
اخْفِضْ صَوْتَك كَلِمَةٍ قَالَهَا الْمُحَقِّق لِهَذَا النَّحِيل البَاكِي الَّذِي كَانَ يَقِفُ أَمامَهُ اعْزِل الْحِجَّة ومضبب الْمَنْطِق ، حَتَّي لبداية طَرِيقَة يَقْتَضِي الحلفان :
أَحْلِف إِنِّي رَأَيْتُ الظِّلّ الْأَسْوَد ، فَحِيح بَيْن الظَّلَّامِ فِي لَحْظَةِ تَجَلَّت الْمَنِيّ لَهَا عُنْوَان ، رَنّ الْهَاتِف ولهثت خَلْفَه ، قَدْ كَانَ صَوْته ، قَال مُتَكَبِّرَا :
قَالُوا إنَّك السَّائِل عَنِّي .
ارتعشت أَوْصَالِي .
نَعَمْ قَدْ سُئِلْت عَنْك ، رَجُلًا مُتَلَوِّن الحِوَار وحاقد الرُّؤْيَة ، أَنْتَ مِنْ تُرِيد لَسْت أَنَا .
قَال المتهاتف :
بَلْ أَنْتَ الَّذِي تُرِيدُ ، الْعَوْدَة إلَيّ الْمَاضِي ، وَالْمَاضِي لَا يَعُودُ .
قَالَ الرَّجُلُ بَاكِيًا :
لِأَنَّك حَيّ تُرْزَق يَا (ذكي) ، أَنْت ذُكِّي أَخِي الْوَحِيد ، رَأَيْتُك فِي الظَّلَامِ وباحدي الْمَمَرَّات ، رَأَيْتُك بأحلامي وَمَنْ خَلَفَ ظَهْرِك ، لِمَاذَا يَقُولُونَ إِنَّكَ رَحَلْت إلَيّ السَّمَاءُ يَا أَخِي الْوَحِيد .
صُمْت الْمُتَّصِل ، حَتَّي قَال :
سَاعَة لَيْلِيَّةٌ أَنَا بِهَا ، تَرَانِي وتسمعني ، لَا أَحَدَ غَيْرك .
وَقَف الْمُحَقِّق , يَنْظُر بِعُمْق لِشَاهِد وُضِعَ فَوْقَ قَبْر الرَّجُلِ الَّذِي تُوُفِّيَ مُنْذ بَعْضُه أَشْهُر ، يَلُوح بِعِبَارَة لِلْأَخِير :
اُنْظُر أَيُّهَا الرَّجُلُ الطَّيِّب ، هُنَا تُوجَد جُثَّة أَخَاك الْأَكْبَر .
قَبَض ( رأفت) بكلاتا يَدَيْهِ حَوْلَ الشَّاهِد ، قَائِلًا : عَلَيْنَا التَّحَقُّق .
تُعَنِّف الْمُحَقِّق بِأَقْوَالِه :
هَل تَشُكّ فِي الْأَمْرِ يَا رَجُلُ ؟ ! وَقَدْ قُمْتَ بِالِاعْتِنَاء بِهِ فِي لَيْلَةٍ رَحِيلِه .
قَال (رأفت) :
لَا أَشُكُّ وَلَا أَفْهَم وَلا أَصَّدَّقَ وَلَكِنِّي اسْتَمَع وَارِي مِن الْمُثِير غُمُوضٌ .
تَلَفَّظَت (نرجس) بِكَلِمَات الْغَضَب :
هَذَا خَطَر خَطَر ، وَصَل أَخِي الصَّغِير أَعَلَيّ مَرَاتِب الْجُنُون ، وَانْحَرَف المؤشر بِعَدَم الاتّزَان .
قَالَ الْمُحَقِّقُ :
مَاذَا عَلَيْك تُجَاه الْأَمْر ، تقومين بِمُطَالَبَتِه .
طُوِّقْت (نرجس) الْقَوْل بِآيَات القَلَق وَهِي تَوَكَّد :
أَنْ أَقُومَ بِالْوِصَايَةِ عَلَيْهِ ، مِن الْخَطِير أَنْ يَكُونَ أَخِي مِنْ الْوَرَثَةِ ويجن .
أَخَذ الْمُحَقِّقُ ذَلِكَ النَّفْسِ الَّذِي يَأْخُذُهُ صَانِعٌ الْجَهْد وَالْمَعْرُوف ، حَتَّي قَال :
اعْتَدَل الْمِيزَان ، وَلَا الْخَوْفِ مِنْ رَدِّ فَعَل ، لَك الْوِصَايَة الْكَامِلَة عَلِيّ أَخِيك الصَّغِير ( رأفت ) .
أَضْجَع فِي مَجْلِسِهِ الْوَثِير يتباهي بفكرتة الْخَبِيثَة ، قَائِلًا بحذاقة :
رَجُلًا جَدِيد الْعَهْدِ لَمْ يَعْرِفْهُ الْوُجُود قَبْلَ ذَلِكَ .
ضَحِكْت ( نرجس) وَهِيَ تَصْدُرُ الْحَرَكَاتِ مِنْ كفوفها :
نَحْو الْخَارِج تَنْطَلِق أَيُّهَا المليونير الْأَثِير .
تسللت حَرَكَات هامسة ، كَانَت بظلالها الِانْتِظَار نَحْو الرَّحِيل ، حَتَّي أَكْدَت (نَرْجِس) :
أَنْت الْآن حُرٌّ ، اسْمٍ جَدِيدٍ ، وَمِيرَاث أَكْبَر ، وَسُقُوط القضاية الْقَدِيمَة الَّتِي كَانَتْ تَنْتَسِب إلَيْك .
ضَحِك (ذكي) مستفسرا :
هَل أَرْسَلْت الْأَمْوَال إلَيّ الْخَارِج ؟ !
قَالَت ( نرجس) :
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَبْدَأَ حَيَاة ثَرِيَّة مُرِيحَة خَالِيَةً مِنْ الشَّوَائِبِ ، مَالِك الثَّرَاءُ الفَاحِشُ .
مَدّ (ذكي) قَدَمَاه بقلق ويدان ترتعشان نَحْو مِصْعَد الطَّائِرَة ، حَتَّي تَفاجَأ (ذكي) بِالْمُحَقَّق يَحْجُبُه بِإِشَارَة فِي مِنْوَالِهَا :
قِف أَنْت رَهْنَ الاِعْتِقالِ .
قَالَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ يَتَطَيَّب بِالْحَدَث بَرَاعَة :
أَشْهَدُ أَنْ حكمتك كَا مُحَقَّقٌ فِي التَّوْجِيه ، وَصْلًا نَحْو الْجُثَّة الْمُؤَهَّلَة لِغَيْر (ذكي) كَانَت بِمَحَلِّهَا .
قَالَ الْمُحَقِّقُ بِعَيْن مكينة مُتَمَكِّنَة :
الْحَقِيقَة لُفَّت نَظَرِيٌّ الْأَحْدَاث المروعة الَّتِي تَحْدُثُ بِهَا الْجَمِيع ، لَيْلَة مَقْتَل (ذكي) وتناوب الشَّكّ بِقَلْب (رأفت) بَعْدَمَا رَاوَدَه المتوفي بالالاعيب .
هَتَف الطَّبِيب :
أَثْبَت الطِّبّ الشَّرْعِيّ صِحَّة الشُّكُوك ، وتتبعنا خَطِّي (نرجس) حَتَّي انْكَشَف مَا تَحْتَ الْغِطَاء .
بِكَي (ذكي) قَائِلًا بِحَسْرَة :
مَات أَخِي مَرَّتَين ، مَرَّةٍ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ وَمَرَّةً فِي نَظَرِي .
تَلاَشَت نَرْجِس عَنِ الأَنْظَارِ ، حِين قُيِّدَت أَثَر التواطئ فِي جَرْمِ ، وَتَمّ الْقَبْض عَلِيّ (ذكي) وَأَنَس رأفت حَالَة شَخْصٌ وَحِيدٌ بِلَا أَخُوه ، يتمني لَو يَعُود لِسَابِق الْعَهْدِ بِلَا فِقْدَان مَاضِي .
-.
*عبير صفوت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق