كان يوماً فظيعاً ، كادت أمي أن تقتل أبي . لأوّل مرّة في حياتي أراها تثور عليه .
أعرفها دائماً تتحمّل قسوته وضربه وثوراته، لكنها فيما يبدو لم تعد تأبه به ، لقد فقدت صوابها ، هجمت عليه عندما دخل علينا ، وضربته على رأسه بعصا غليظة ، وهي تصرخ بجنون :
- تزوّجتها ياساقط !!! .. تزوّجت أم " عصّ" ؟!؟! ..
ترنّح أبي ، كاد يسقط ، تلمّس رأسه الملفّع " بالجمدانة " ، سال الدّم فوق جبينه ، فنزع " الجمدانة " ، صارخاً بغضب :
- أتضربينني يابنت الكلب !!! .. قسماً بالله لأخنقنكِ .
انطلق صوت أمّي على غير عادته ، قوياً كأنّه نسي خنوعه ، وهي ما تزال ممسكة العصا بيدها ، تقف متحّدّية متأهبة للعراك :
- أنا التي سأقتلك ، وأقتل أمّ " عصّ " الفاجرة ، ماإن قتل زوجها حتّى خطفتك منّي !! .
صاح أبي وفي صوته شيء من الليونة :
- ماتزوّجتها إلاّ من أجل أولادها .. أولاد أخي ، صاروا أمانة في رقبتي .
لكنّ أمي لم ينطل عليها هذا القول ، إنّها تكره " نجوى " زوجة عمّي المرحوم ، فكيف تتقبّل فكرة أن تصبح ضرتها ؟! .
زعقت بوجهه المدمّى :
- أمن أجل أولادها تزوّجتها ياحبّة عيني ، أم من أجل " عصّها " ؟!! .. ألا تخجل من شيبك !!! .. أما كفاك أن تبيع دم أخيك ، أتأكل زوجته وداره ؟!.
كان التّفاهم مع أمّي ، في تلك اللحظة مستحيلاً ،.لذا فقد خطا والدي نحو الباب ، ويده تمسح دمه السّائل " بجمدانته " ، في حين كان يزعق ، وهو يغادر الدار :
- نعم تزوّجتها ، وهي أفضل منكِ يابقرة ، فافعلي ما تشائين .
وخرج أبي كالمهزوم ، غير عابئ بصياح أمّي خلفه :
- رايح لعندها ياقليل الناموس !!؟ .. صار عندك داران !.
ثم التفتت نحوي ، كنتُ واقفاً مع أختي ( مريم ) وأخوتي الصّغار ، نرقب ما يجري بخوفٍ ودهشةٍ وحزن .
وبنظرة ملتاعةٍ منكسرة ، أمرتنا أمّي بالدّخول إلى الغرفة الشّمالية .
*مصطفى الحاج حسين
حلب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق